21-حقوق اللاجئين غير الفلسطينيين في لبنان


اللاجئون المعنيون في هذه الدراسة هم إما معترف بهم كلاجئين من قبل مفوضية شؤون اللاجئين أو اقله تقدموا بطلبات لجوء لدى المفوضية للحصول على هذا الاعتراف. وتتألف الشريحة الأكبر من اللاجئين وطالبي اللجوء غير الفلسطينيين في لبنان من العراقيين، يليهم السودانيون. وتشتمل باقي الجنسيات على الإيرانيين، السوريين، الصوماليين، وجنسيات أخرى من بلدان متفرقة افريقية وآسيوية. ويأتي معظم هؤلاء الأشخاص من دول تعاني من نزاعات مسلحة أو حروب أهلية أو انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان، وغالباً ما يمر هؤلاء بدول أخرى قبل سعيهم للجوء في لبنان.

 

I-  الواقع القانوني

 

كرّس لبنان في مقدمة دستوره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يتضمن نصاً صريحاً يقضي بحق التماس اللجوء هرباً من الإضطهاد ماحضاً هذا الحق قيمة دستورية. كما أنه التزم أيضاً بمعاهدة مناهضة التعذيب التي تنص في مادتها الثالثة على عدم جواز اعادة أي شخص الى أي بلد حيث هناك اعتقاد انه قد يتعرض للتعذيب. وهذا المبدأ الأساسي قد تحول الى عُرف دولي يطبق على جميع الدول بغض النظر عن توقيعها على الإتفاقيات ذات الصلة من عدمه، وهو مبدأ "يكتسب بصفة مطّردة طابع القاعدة الآمرة في القانون الدولي"[1].

 

لبنان ليس طرفاً في اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وليس لديه أي إطار قانوني شامل يرعى اللاجئين وطالبي اللجوء. يعترف القانون اللبناني للأجنبي "المهددة حياته أو حريته لأسباب سياسية"، بحق التماس اللجوء في لبنان[2]. ولا يوجد في القانون الوضعي اللبناني سوى عدد محدود من الأحكام المتعلقة بقضايا اللجوء. وقد أقر قانون عام 1962 الخاص بتنظيم دخول الأجانب إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه (قانون الأجانب) عدداً من المواد المتعلقة باللجوء السياسي حصراً، وهي نصوص ضيقة لا تتضمن تعريفاً واضحاً للاجئ أو لأسباب اللجوء، وتنص على آلية لم يتم تفعيلها من الدولة اللبنانية[3]. وقد أولت الدولة هذه المسؤولية كاملة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنما من دون قبول كل مفاعيلها.

وتقوم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتسجيل طلبات اللجوء وتحديد صفة اللاجىء.  وعليه تعتبر الدولة اللبنانية هؤلاء اللاجئين من مسؤولية وولاية المفوضية كما جاء في مذكرة التفاهم بين المفوضية والسلطات اللبنانية ممثلة بالمديرية العامة للأمن العام التي وقعت في عام 2003. وقد صدرت المذكرة بموجب مرسوم حمل الرقم 11262 موقع من رئيس الجمهورية بناء على المادة 52 من الدستور التي ترعى المعاهدات الدولية، أي أن هذه المذكرة هي بمثابة اتفاقية دولية. إلا أن هذه الاتفاقية تحتوي على الكثير من الثغرات، الأمر الذي جعلها لا تؤمن الحد الأدنى من الحقوق الأساسية إلى اللاجئين، وأهمها الوضع القانوني في لبنان.

 

 

II-     الوضع الراهن في لبنان

 

ليس هناك أعداد دقيقة لللاجئين غير الفلسطينيين في لبنان. تنشر مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين كل عام إحصائيات حول عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في لبنان، وحسب إحصاءاتها لعام 2010،  تضمنت سجلات المفوضية حوالي 10050 لاجئاً غير فلسطيني، 80% منهم هم من الجنسية العراقية [4]. إلا أن بيانات المفوضية مقصورة على المسجلين لديها وتستثني طالبي اللجوء الذين لم يبت في طلبهم بعد أو تلقوا رفضاً نهائياً من قبلها ولكنهم ما زالوا في لبنان.

تقوم المفوضية بإحالة العديد من اللاجئين إن لم يكن أغلبيتهم لإعادة التوطين في دول ثالثة. إلا أن القرار النهائي يبقى متعلقا بالدول وبالتالي يتطلب مفاوضات مع هذه الدول لزيادة عدد المقبولين وتسريع اجراءات عملية اعادة التوطين، حيث في بعض الأحيان تتعدى المدة أشهراً عدَّة إن لم يكن سنة وأكثر. ومنذ عام 2007 تضاعفت أعداد الذين تم اعادة توطينهم من لبنان حيث تم اعادة توطين حوالي 2000 لاجىء عام 2008، وأكثر من 2500 لاجىء عام 2009.

إن الإشكالية الأساسية بالنسبة لللاجئين غير الفلسطينيين تتمثل بأن صفة اللجوء تحدد من قبل المفوضية، إلا أن هذه الصفة ليس لها أي مفعول قانوني ثابت في القانون اللبناني الذي لا يرعى وضع هذه الفئة من اللاجئين. ونتيجة ذلك لا يمتلك هؤلاء الأشخاص الشخصية القانونية  ويبقون في وضع غير قانوني على الأراضي اللبنانية.

 تعامل الحكومة اللبنانية هذه الفئة من اللاجئين شأنهم شأن أي أجنبي آخر دون أخذ خصوصيتهم بعين الاعتبار، بحيث تطبق عليهم أحكام قانون 1962 المتعلق بالدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه. وبما أن غالبية اللاجئين يهربون من الاضطهاد أو العنف المعمم في بلدانهم، فإنهم غالبا ما يدخلون إلى أراضي الدولة المضيفة بشكل غير قانوني. ونتيجة دخولهم غير الشرعي أو دخولهم بطريقة شرعية ولكن دون منحهم أي وضع قانوني بعد انتهاء مدة تأشيرة الدخول ومعاملتهم كأجانب، لا يتمتع اللاجئون وطالبو اللجوء بأي وضع قانوني في لبنان وبالتالي لا يحظون بأية حماية اجتماعية أو اقتصادية، الأمر الذي يجعلهم عرضة للتمييز والاستغلال في العمل، ومحرومين من العناية الصحية الأساسية والتعليم. وعرضة فضلاً عن ذلك للتوقيف بسبب عدم حيازة وثائق إقامة في لبنان، ويلي هذا التوقيف احتجاز تعسفي مطول في محاولة للحد من وجودهم أو لثني طالبي اللجوء والحماية الآخرين عن المجيء الى لبنان وذلك عبر اللجوء الى سياسة الحجز المطول التعسفي دون أي مسوغ قانوني والترحيل القسري للاجئين معترف بهم من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الأمر الذي يخالف القوانين اللبنانية المرعية الاجراء في ما يتعلق بمسألة الاحتجاز والتوقيف ومعايير حقوق الإنسان الدولية. وقد اعتبر القضاء اللبناني صراحة هذه الممارسة انتهاكاً من قبل الدولة لكل من القانون الدولي واللبناني، حيث صدر في العامين 2009 و2010 ما يزيد على 17 قراراً قضائياً أدان الدولة بممارسة التعدي على الحرية الشخصية في احتجاز الاجانب بعد انقضاء محكوميتهم القضائية.

ومنذ بداية العام 2007، بدأ القضاء اللبناني يطور اجتهاده ناحية حماية الحرية الشخصية واستبعاد عقوبة الاخراج من البلاد ورفض ترحيل اللاجئين المعترف بهم أو طالبي اللجوء المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والأشخاص الذين قد يتعرضون للتعذيب أو الخطر في حال إعادتهم إلى بلدانهم الأصل.

وقد لحقت بهذا الملف، في الفترة الأخيرة، بعض التحسينات السياسية كتشكيل لجنة وزارية بتاريخ 14/4/2010، تتألف من كل من وزراء الداخلية، الخارجية، العدل، العمل والشؤون الاجتماعية، بهدف دراسة موضوع ترحيل الأجانب الموقوفين بجرائم مختلفة بعد انقضاء مدة محكوميتهم ورفع الاقتراحات لسبل حل هذه المشكلة تشريعياً وتنظيمياً وإجرائياً إلى مجلس الوزراء. ويبدو أن هذه اللجنة قد وسعت نطاق عملها ليشمل دراسة وضع حلول لمسألة الأجانب واللاجئين المقيمين غير الشرعيين.

ونظرا إلى أن السياسة الرسمية اليوم هو القول ان "لبنان ليس بلد لجوء دائم"، فان إعادة التوطين في بلد ثالث تبقى الحل الوحيد للاجئين غير الفلسطينيين في لبنان، إضافة إلى عودتهم الطوعية إلى بلدانهم بطبيعة الحال عندما تسمح الظروف بذلك في كرامة وأمان. وتشكل الولايات المتحدة، أستراليا، كندا وبعض الدول الاسكندينافية الدول الرئيسية التي تشغل برامج إعادة توطين للاجئين من لبنان.

 

III-  التوصيات

 

المرحلة الأولى

1.      مواءمة القوانين التي ترعى مسألة اللجوء مع التزامات لبنان الدولية.

2.      مراجعة مذكرة التفاهم بين المفوضية والسلطات اللبنانية على مستوى وزارتي الداخلية والخارجية، بشكل يحقق توافقها مع المعايير الدولية، لاسيّما عبر الالتزام صراحة بمبدأ عدم الإعادة القسرية، وبعدم احتجاز أي أجنبي طالب لجوء أو أهل لصفة اللجوء بتهمة الدخول أو الإقامة خلسة، على أن يكون جميع اللاجئين عرضة للملاحقة لخرق القانون الجزائي شأنهم شأن أي أجنبي آخر، وإزالة القيود الزمنية المفروضة على إقامة اللاجئين، والتعاون لتسهيل إعادة توطينهم في بلد ثالث آمن.

3.      وضع آلية دائمة ومرجعية مشتركة قضائية وسياسية وأمنية للتنسيق الدائم والمستمر مع مفوضية شؤون اللاجئين في توفير الحماية والحلول الدائمة للاجئين.

4.      الالتزام بعدم احتجاز أي شخص من دون مسوغ قانوني واحترام الضمانات الإجرائية من قبل المحاكم وسلطات الاحتجاز لتوفير الضمانة ضد الاحتجاز التعسفي والرد، واعتماد مقاربة حقوق الانسان في كل السياسات بما فيها تلك المتعلقة بالأمن.

5.      تسهيل عملية قوننة وضع اللاجئين وطالبي اللجوء الذين يكون من الصعب ايجاد فرص اعادة توطين لهم - وعادة ما يكون عدد هؤلاء ضئيلاً- وتسهيل حصولهم على جوازات إقامات أو على اجازات عمل وذلك انطلاقاً من المبدأ الدولي القاضي بالتشارك في المسؤولية.

6.      التماس المساعدة الدولية في إطار تقديم الخدمات االأساسية الى اللاجئين ومواصلة مساعي الحصول على المساعدة والمشورة التقنيـة الدولية من أجل التصدي للضغوط المتصلة باستقبال اللاجئين واستضافتهم، مع  تعزيز التعاون في هذا الصدد مع المنظمات الدولية ذات الصلة[5].

 

المرحلة الثانية

1.      وضع قانون للجوء يأخذ بعين الإعتبار خصوصية لبنان ويتماشى مع التزامات لبنان الدولية ومع المعايير الدولية، يتضمن إنشاء مكتب وزاري مؤلف من وزارتي الداخلية والعدل الذي يجب أن يتلقى التدريب اللازم والموارد البشرية المطلوبة لاستلام إجراءات تحديد الصفة من المفوضية خلال 5 سنوات. ويجب أن يكون هناك هيئة قضائية مستقلة وخاصة للنظر في استئناف قرارات مكتب اللجوء. ويجب أن يكون للمفوضية ومنظمات حقوق الإنسان الحق في تقديم آرائهم أمام المكتب.

2.      تشكيل مجلس لجوء (Refugee Council) مستقل لتوفير المساعدة القانونية للاجئين وطالبي اللجوء ولرصد تطبيق قانون اللجوء وغيره من الأحكام ذات الصلة. ويجب أن يكون لدى المجلس حقوق وواجبات تتمثل في التحقيق في شكاوى اللاجئين وطالبي اللجوء.

3.      إعطاء اللاجئين وطالبي اللجوء الرعاية الصحية عن طريق وزارة الصحة على قدم المساواة مع اللبنانيين. يمكن أن تقدم المفوضية مساعدة مادية للوزارة لمساعدتها في تحمل الأكلاف غير أنها لن تكون بعد ذلك مسؤولة مباشرة عن تقديم الرعاية الصحية للاجئين.

4.      إعطاء اللاجئين المعترف بهم بصورة آلية على إجازات عمل إضافة إلى اجازات الإقامة. أما طالبو اللجوء قيد الدرس فيمكنهم الحصول على إجازة عمل شرط أن يكونوا مكفولين من قبل صاحب عمل على أن يحظوا بأفضل معاملة ممكنة تمنح، في ظروف مشابهة، لمواطني بلد أجنبي.

 

المرحلة الثالثة

الإنضمام الى اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين وإلى بروتوكولها ا?ضافي، وضمان تنفيذ هذه الصكوك على الصعيد الوطني[6]. على أن يدخل عليها في حال الحاجة تحفظات تأخذ في الاعتبار سياسته اليوم حول اللجوء انطلاقاً من خصوصياته وبالأخص اعتبار أنه ليس بلد لجوء دائم، ورفض الاندماج الدائم للاجئين الذي يمكن أن يؤدى إلى تجنيسهم.

 

[1]   اللجنة التنفيذية لمفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين، القرار  رقم 25 ( 32 ).

[2]  قانون تنظيم الدخول الى لبنان والاقامة فيه والخروج منه، الجريدة الرسمية، العدد 28/ 1962، دخل حيز النفاذ في 10/7/1962، المادة 26. 

[3]  قانون الدخول الى لبنان والاقامة فيه والخروج منه، المواد 26 الى 31.

[4]  مفوضية شؤون اللاجئين، صفحة لبنان، متوافر على http://www.unhcr.org/cgi-bin/texis/vtx/page?page=49e486676.

[5]  توصية وافق عليها لبنان في الإستعراض الدوري الشامل.

[6]  توصية وافق عليها لبنان في الإستعراض الدوري الشامل.