في سياق بحث مجلس النواب لقانون اللامركزية الإدارية، أقامت لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات في مجلس النواب، بالتعاون مع مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط، ندوة في مكتبة المجلس، تحت عنوان "بلديات 21: شفافية وفعالية" وذلك نهار الثلاثاء الواقع فيه 30/10/2018 الساعة الثانية عشرة ظهراً.

 

حضر الندوة:

- رئيس لجنة الدفاع الوطني النائب سمير الجسر والنواب السادة: ياسين جابر، علي عسيران، بكر الحجيري، رولا الطبش، شامل روكز، علي عمار، عثمان علم الدين، نديم الجميل، آلان عون، ديما جمالي، جميل السيد، حكمت ديب، سامي فتفت، فادي سعد، جهاد الصمد وزياد حواط.

- المدير التنفيذي لمركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط: الأستاذ مروان  معلوف.

- رئيس بلدية عندقت، الأستاذ عمر مسعود.

- رئيس بلدية برجا، الأستاذ نشأت حمية.

- رئيس بلدية طير حرقا، الأستاذ علي عطايا.

- نائب رئيس اتحاد بلديات بعلبك، الأستاذ شفيق شحادة.

- حضور كبير من ورؤساء بلديات واتحادات بلدية وممثلي البلديات وفاعليات اجتماعية وهيئات المجتمع المدني.

 

وتخلل الندوة إطلاق التقرير الذي اعده المركز حول العمل البلدي الذي شمل عينة من عشرين بلدية موزعة على مختلف المحافظات.


افتتحت الندوة بالنشيد الوطني، ثم  تحدث  النائب سمير الجسر فقال:

حين راجعني الأستاذ مروان معلوف مدير مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط وأطلعني على مشروع بلديات 21 الذي تناول، دراسة 20 بلدية لبنانية مختارة من المحافظات المختلفة، ودراسة مدى شفافية البلديات والتحديات التي تواجهها، وأعلن عن رغبته في التعاون مع لجنة الدفاع والداخلية والبلديات للإستماع الى نماذج حية من تجارب البلديات في مواضيع محددة ومن ثم إطلاق التقرير الناتج عن دراسة مفصلة. لم أتردد قط في عرض الأمر على اللجنة الكريمة والحصول على موافقتها لأننا في النهاية معنيون كلجنة في كل ما يتعلق بالبلديات، ومعنيون بصورة أخرى كنواب على مختلف أهوائنا والتزاماتنا السياسية بدراسة وإنجاز مشروع اللامركزية الإدارية الذي يحظى بإهتمام الجميع خاصة وأن البلدية في النهاية هي الوحدة الأساسية والنموذج الحي لأي تطبيق في هذا المجال.

 

البلديات في النهاية هي سلطات محلية أشبه بحكومات محلية، فهي تملك القرار وتملك التنفيذ. ومجال إختصاصها وصلاحيتها تشمل كل عمل ذي طابع أو منفعة عامة في النطاق البلدي (المادة 47) يضاف الى ذلك أن للبلدية كمجلس ورئيس سلطة إصدار الأنظمة في المسائل الداخلة ضمن إختصاص كل منهما، وهذه الأنظمة لها صفة الإلزام ضمن النطاق البلدي: م 48 و 76 pouvoir réglementaire. وما التعداد الذي ورد في المادة 49 من قانون البلديات سوى تعداد على سبيل الحصر لبعض الصلاحيات تأخذ بالفعل طابع التوجيه لما يمكن للمجلس أن يقوم به، وبكلمة أخرى إن معظم إهتمامات الإنسان اليومية هي من صلب وصلاحيات البلدية التي يسكن في إطارها، فأنت عندما تخرج من بيتك وتطأ رصيفاً فهذا رصيف إنشاؤه وصيانته هو شأن بلدي، وكذلك الطريق وكذلك إنارة الشوارع ونظافتها وتنظيمها والصرف الصحي والصحة العامة. ويفترض في البلديات بحكم وجودها في الموقع، القرية أو المدينة، أن تكون أكثر تحسساً بمصالح الناس وأكثر قرباً وقدرة على إيجاد الحلول المباشرة والسريعة. البلديات حالياً تخضع لرقابات ثلاث رقابة القائم مقام والمحافظ ووزارة الداخلية، وبعض البلديات الكبرى وبلديات أخرى محددة بمرسوم تخضع لرقابة ديوان المحاسبة. ومن خلال الممارسة العملية يتبين أن هناك دائما إشكاليات تنتج عن العمل البلدي، أربع منها متعلقة بالعلاقة مع السلطة المركزية، أو الجباية، أو الشفافية والتواصل مع المواطنين، أو صلاحيات البلديات. وهذه الأمور سيتناولها المداخلون الأربعة من رؤساء البلديات ولذلك لن أخوض فيها مداخلاً ولكن ربما أثناء المناقشة.

 

أريد أن أضيف إشكاليتين أساسيتين: التمويل والإدارة. أما التمويل فهو أساس، إذ أن كل عمل مهماً صغر أو كبر بحاجة الى تمويل، ومصادر التمويل في البلدية إثنان: الجباية ومساهمات الدولة. أما الجباية فلا يخفى على أحد ضعف الجباية في كل البلديات وبخاصة في المناطق الريفية حيث تضعف الإمكانيات وتكثر المحاباة على أنواعها، فهي إما لسبب عائلي أو حزبي أو إنتخابي، ولا بد لعمل ما يساعد على الجباية خاصة وأن الأموال التي تساهم بها الدولة مرتبطة بموازنات البلدية وبنسب التحصيل، فكلما كبر تحقق الجبايات كلما إرتفعت مساهمة الدولة وزادت موارد البلدية، وهذه المشكلة قد خبرها الآخرون وحتى في المجتمعات المتقدمة وكان الحل هو توكيل تنفيذ الجباية عن البلدية لوزارة المال، فهي تحصل الرسوم البلدية عن البلديات ولصالحها وهذا من شأنه أن يرفع التحصيل ويخفف من المحاباة. أما مساهمات الدولة بين ما تجبيه الدولة من خلال وزارة المالية من رسوم وضرائب مفروضة لصالح البلدية تجمع في حساب الصندوق البلدي المستقل ليعاد توزيعها على البلديات، ومن دون الخوض في وجوب إعادة النظر بطريقة ونسب التوزيع والأهم هو أن تؤمن هذه الأموال سنة فسنة.

 

كذلك الأمر بالنسبة للأموال الناتجة عن الهاتف الخليوي وبصدق ليس هناك معنى لبقائها مستقلة عن المساهمات الأخرى ويجب توحيدها وإيداعها في حساب الصندوق البلدي المستقل ولكن الأهم هو توزيعها سنويا ومن دون تأخير. وأهمية التوزيع السنوي على البلديات هو إعطاء الفرصة للبلديات بالإنفاق المستمر وبالقدرة على تنفيذ مشاريع ممتدة في الزمن وخاصة في البلديات الصغرى حيث لا قدرة للبلدية على صرف الأموال المجمعة عن سنوات الا بطريقة الهدر.

 

المشكلة الثانية هي مسألة الإدارة البلدية، طبعاً هذه المشكلة موجودة عند كل البلديات من دون إستثناء وإن إختلف شكلها. ففي البلديات الكبرى تكاد تغيب عن كل البلديات الإدارة الحقيقية وبصراحة إذا لم تكن للبلديات قدرة على الإستعانة بإدارة كفؤة فإن قدرة البلديات على الإنجاز وعلى خدمة الناس تبقى محدودة ومتعثرة. أما في البلديات الصغرى ففي معظمها لا وجود لإدارة بلدية لأن إمكانية البلديات المالية تقصر عن تأمين أجور الموظفين مهما قل عددهم في بعض الأحيان.


أكتفي بهذا القدر من الملاحظات، وأقول أن الإضاءة التي سيتقدم بها المداخلون سيكون لها أهمية كبرى في أي تعديل للقانون البلدي. فالعمل التشريعي يقوم على ركنين: تحديد الضرورة ودراسة الأثر الإحتمالي لأي عمل تشريعي. والضرورة تكشفها التجربة. فإما نقص في التشريع يجب إكماله وإما قصور للنص فرضه تطور الحياة ويلزمه تعديل.


ثم تحدث المدير التنفيذي لمركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط، الأستاذ مروان معلوف فشكر لجنة الدفاع على تجاوبها لانعقاد هذه الندوة كما شكر البلديات التي تعاونت لإنجاز الدراسة وقال: إن "بلديات 21" هو مشروع اطلقه مركز بيروت لدراسات الشرق الاوسط ضمن اولوياته المتركزة على موضوع اللامركزية. فبعد ازمة النفايات التي بدأت عام 2015 ولم تنته لغاية اليوم، كثر الحديث عن دور البلديات واهميتها. خصوصاً انها بمثابة سلطة تنفيذية على تماس يومي مع المواطنين، ولأن الإصلاح والمحاسبة والمراقبة والتغيير الفعلي في حياة المواطنين يبدأ من العمل البلدي، كان من الضروري ان نسلط الضوء اكثر على البلديات، لذا قررنا ان نقيم مدى شفافية وفعالية البلديات، وهنا بدأ العمل حيث انطلق باحثو المركز في البحث بمدى التزام البلديات بمعايير الشفافية استناداً لمنهجية واضحة.

 

شمل هذا التقرير عشرين بلدية متنوعة الأحجام، وموزعة بين المحافظات اللبنانية. ارتكز منهج البحث على مقابلات مع رؤساء البلديات تناولت ثلاثة محاور أساسية: الأول يتعلق بشفافية عمل المجلس البلدي، اما الثاني فيرتبط بسبل محاسبة المجلس البلدي، والثالث يتعلق بإدارة العمل البلدي واهم التحديات التي تواجهه.

 

إن التقرير تطرق ايضاً الى انطباع المجتمع المدني في كل بلدة، حيث تم إجراء مقابلات مع مختلف قطاعات المجتمع المدني، وكذلك مع الجهات الفاعلة في البلدة شمل اجراء مقابلات مع التجار والحرفيين، والصحافيين ورؤساء الجمعيات ونشطاء المجتمع المدني، ووصل عند هذه المقابلات الى 64 مقابلة.

 

ثم عرض الأستاذ معلوف لنتائج البحث الذي اجراه المركز وشمل عشرين بلدية موزعة على كافة المحافظات ومن احجام مختلفة، مركزاً على ما خلص اليه البحث لجهة مدى شفافية وفعالية العمل البلدي لناحية قيام البلديات بنشر قراراتها وميزانياتها وما اذا كانت تعتمد التجزئة في تلزيم مشاريعها ومدى تلبية البلدية بحاجات المواطن والتواصل معهم.

 

بعد ذلك تحدث رئيس بلدية عندقت الأستاذ عمر مسعود فرأى ان السلطة المركزية لا يهمها ابداً تفعيل دور السلطات المحلية والدليل ان اول انتخابات بلدية جاءت بعد ثماني سنوات على انتهاء الحرب الأهلية وما الطريقة التي تدار بها اموال البلديات من صندوق بلدي مستقل او عائدات أخرى كالهاتف الثابت والخلوي، إلا دليل إضافي على السياسة المطبقة تجاه البلديات والتي يمكن اختصارها بالمثل، "لا بطخو، ولا بتكسرلو مخو"، اي الحد الأدنى من المقومات لإبقاء البلديات على قيد الحياة من دون سعي جدي الى تطوير دور هذه السلطة التي ثبت لنا بعد التجربة انها الحجر الأساس في التنمية المحلية.

 

أما فيما يتعلق بتطوير العمل البلدي فنحن نملك رؤيا سنقوم بطرحها على تكتلنا النيابي وبعد الإتفاق عليها سنسعى الى تسويقها مع باقي المكونات السياسية في البلد ليصار الى إقرار او تعديل قانون البلديات قبل انتخابات 2022 وهي ترتكز على النقاط التالية:

 

- إنشاء وزارة للبلديات مستقلة عن وزارة الداخلية.

- تعديل قانون الانتخاب لجهة إلزامية مستوى علمي معين لرؤساء واعضاء المجالس البلدية.

- إشراك المقيمين في انتخاب البلديات حيث اماكن اقامتهم.

- إخضاع جميع البلديات لرقابة ديوان المحاسبة.

- إستبدال الرقابة السابقة بالرقابة اللاحقة.

- إلغاء البلديات التي تقل عن 3000 ناخب وضمها الى تجمعات بلدية.

-  وضع آلية تنفيذية لدفع عائدات البلديات.

-  اللامركزية عمل بعض الوزارات وضرورة ارتباط عمل بعضها بالبلديات.

- إنشاء صندوق تقاعدي واستشفائي لموظفي البلديات.

 

 إن اللامبالاة الحاصلة اليوم وغياب العدالة في التعاطي مع البلديات والخوف الذي يتملك السلطة المركزية من اعطاء المزيد من الصلاحيات للسلطات المحلية مقابل المزيد من الرقابة، انما يجعل دور البلديات ثانوياً يتقاسم مغانمها بعض كبار العائلات في البلديات الصغيرة والمتوسطة والأحزاب في البلديات الكبرى والمدن ويفقدها المعنى الحقيقي لوجودها فلماذا لا نحتذي بالدول الأوروبية وبلدياتها.


وتحدث رئيس بلدية برجا الأستاذ نشأت حمية، فقال:

من يحمي البلديات من عدم شفافية بعض الوزارات التي لا تعرف وفقاً لأي معيار، تعمل على كامل مساحة الوطن فنرى بلدات ومناطق غارقة بالخدمات وبلدات تستجدي حقوق مواطنيها. اين الشفافية عندما ينفذ مشروع في بلدتنا وتطلب البلدية دفتر الشروط تلو المرة وبكتب رسمية لا تلبى.

 

أين الشفافية عندما تتقدم بلدية لوزارة ما بكتاب فيضيع الكتاب اول مرة ويميع مرة اخرى ويحجب عنا نتيجته.

 

أين الشفافية عندما تطلب البلدية من وزارة لتنفيذ مشروع يخدم عدداً كبيراً من الوحدات السكنية فلا يسمع لها بينما يلبي شخص يظنون انه نافذ وينفذ له نفس المشروع بنفس الكلفة فقط، فقط لخدمته.

 

عندما اتت المنظمات المانحة لإنقاذ المجتمعات وتقديم بعض الخدمات لها نرى توجهاً واضحاً لهذه المنظمات وخصوصاً عندما تأتي المنح من خلال الوزارات فتدخل في زواريبها، ولا يلحقنا الا القليل منها مقارنة بغيرنا.

 

اما رئيس بلدية دوريس الأستاذ شفيق شحادة فتطرق الى الوضع الإداري والمالي للبلديات في لبنان ما يربو على 1020 بلدية تفتقر بمعظمها الى الإمكانيات الإدارية والمالية التي تسمح لها بالقيام بالمهام الملقاة على عاتقها ومعظم هذه البلديات تخلو من الدوائر الإدارية والمالية والفنية الملائمة التي تساعدها على ممارسة مهامها، بالإضافة الى وارداتها المالية القليلة التي ينفق معظمها على الأجور والتعويضات.

 

كما تحدث عن الرقابة الممارسة على البلديات. فالقانون قد منح البلدية الشخصية المعنوية والإستقلال المالي والإداري الا ان السلطة المركزية تمارس رقابة ادارية مالية على البلديات من خلال وزارة الداخلية والبلديات ووزارة العدل ومن خلال هيئات الرقابة ومجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة وهيئة التفتيش المركزي، اما وزارة الأشغال العامة والنقل فتتعاون مع البلديات لوضع التصاميم التابعة لها والمخطط التوجيهي العام وتساهم من خلال مديرية التنظيم المدني بدراسة رخص البناء لكننا نلاحظ غياباً شبه تام للرقابة والتفتيش على عمل المجالس البلدية الا في حالات الشكوى.

 

ثم كانت مداخلات لعدد من النواب:

فشدد النائب آلان عون على تفعيل عمل السلطات اللامركزية وإعطاء البلديات حقوقها، ورأى أن اللامركزية الإدارية تعزز فكرة المركزية التي تعبر عنها البلدية.

 

ورأى النائب علي عسيران أنه في الجولات التي يقوم بها في أكثر من بلدة وقرية ان هناك تذمراً من قبل الأهالي، معتبراً أن البلديات ضعيفة وأن 10 بالمئة من المشاريع  لا يمكنها القيام بها وفي مقدمها موضوع النفايات.

 

من ناحيته رأى النائب علي عمار أن مصدر الأزمات المتفاعلة في بلدنا هو التسطيح في كل شيء وما ذكر على لسان المتحدثين هو سطح المشكلة، وعمق المشكلة يكمن في إعادة الإعتبار الى الدولة ومؤسساتها الدستورية.

 

وتناول النائب بكر الحجيري موضوع التلوث في بلدة عرسال الناجم عن أزمة النفايات، داعياً الى إقامة معمل لفرز النفايات، ومشدداً على أهمية اللامركزية الإدارية.


وأثار النائب زياد حواط موضوع الضمان وانضمام موظفي البلديات لصندوق الضمان.

 

كما كانت مداخلات لعدد من رؤساء وأعضاء البلديات ركزت على وجوب غطلاق دينامكية جديدة لعمل البلديات.