نظم المعهد العربي للتدريب والدراسات التشريعية في مجلس النواب بالتعاون مع المعهد الوطني الديمقراطي (NDI)، ورشة عمل حوارية حول: "دور المجلس النيابي في تحريك عجلة الإقتصاد في لبنان"

وذلك عند الساعة العاشرة من قبل ظهر يوم الأربعاء الواقع فيه 30 كانون الثاني 2019، في قاعة مكتبة مجلس النواب.

 

شارك في هذه الورشة النائبان فؤاد مخزومي والياس حنكش والبروفسور في الجامعة اللبنانية جاسم عجاقه، وخبراء في مجال الإقتصاد، حاورهم عدد من طلاب الجامعات من مختلف المناطق اللبنانية.

 

إفتتحت الورشة مسؤولة البرامج في معهد NDI مايا فواز، بكلمت أعلنت فيها عن هدف الورشة وهو تسليط الضوء على دور مجلس النواب في دفع سياسات لتحديد القطاعات المختلفة التي تخلق فرص عمل.

 

ثم تحدث النائب مخزومي فقال:

الوقت يداهم لبنان اقتصادياً، فكيف يمكن أن تعود بيروت مركزاً للإستثمار وهي اليوم إقليمياً ثاني أغلى مدينة من حيث كلفة المعيشة؟ كيف تنهض وهي غارقة في أزمات الكهرباء والنفايات وذروة المشاكل البيئية، وحجم الدين العام قد بلغ 84 مليار دولار، ونسبة البطالة بلغت 20% بين اللبنانيين و37% بين الشباب؟ كيف يمكن أن ننهض باقتصادنا ونجلب الاستثمارات إلى بلدنا فيما يشغل لبنان المرتبة الـ 160 من أصل 200 دولة بحسب التصنيف العالمي لسرعة الإنترنت؟.

 

أما على صعيد الإدارة، فمؤسسات الدولة تتآكل من الداخل تحت وطأة المحسوبيات وآلاف الوظائف الوهمية والتوظيف العشوائي المتزايد خصوصاً في ظل حكومة تصريف الأعمال. فإن أردنا مواجهة هذا الواقع الأليم وتولتها السلطة التشريعية ضد الفساد في القطاع العام، طالعتنا عراقيل تؤكد عدم توافر نية سياسية بتطبيق القوانين. فمهما بذل المشترع من جهود، أمامه حتماً مشكلة عهدناها في الحكومات المتعاقبة قوامها عدم إصدار مراسيم تطبيقية للقوانين التي يسنها مجلس النواب، علماً بأن الغموض اللاحق بتطبيق الدستور يترك للوزير مساحة واسعة للتصرف بحرية.

 

أما مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة إلى اللجان النيابية لإنشاء ما يسمى مؤسسات وهيئات رقابية ناظمة لإدارة الملفات الحياتية من مياه وكهرباء ونفايات، فهي تخرج مجلس النواب من وظيفته الأساسية أي الرقابة والمحاسبة، إذ تصدر عن هيئات تابعة للوزير، لكنها لا تخضع لمحاسبة السلطة التشريعية كما هي الحال بالنسبة إلى الحكومة وأعضائها.

 

فهل يكفي التشريع والوعود بمحاربة الفساد إذا لم يستطع مجلس النواب ممارسة صلاحياته ومحاسبة الفاسدين بسبب تشكيل الهيئات عبر محاصصات طائفية؟.

 

إنن أولى الخطوات المتوجبة لمحاربة الفساد تكون باعتماد الشفافية المطلقة في معالجة مختلف الملفات وحماية البلد من الصفقات والمحاصصات على أن تطلق يد مجلس النواب في الرقابة والمحاسبة. فبعد إطلاق اليد يمكن الإنتقال إلى الخطة المرجوة للتشريع من أجل النهوض باقتصاد بلدنا. ومن أهم العناوين المترتبة على المجلس:

 

- إقرار قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص وهو الطريق إلى المستقبل وإحدى الدعامات المهمة للإقتصاد الإيجابي، والعمل على تقليص حجم القطاع العام.

 

- إقرار أسس للرقابة والمساءلة مستمدة من المبادئ والقوانين التي نقيم عليها الخصخصة والإستثمار. إن أي تساهل في تطبيق القوانين اليوم قد يفتح المجال لمزيد من الفساد والهدر، لذا أرى لزاماً أن تطبق القوانين التي تحمي الإقتصاد وعلى رأسها القانون رقم 44 لمكافحة الفاسدين ومنعهم من توظيف ثمار فسادهم في دورة اقتصادية شرعية.

 

- عدم إقتصار البحث عن حلول إقتصادية على قطاع الخدمات، بل علينا أن نفعل القطاعات الإنتاجية من زراعة وصناعة بفئتيها الخفيفة والثقيلة، ونصلح قطاع التعليم لتحقيق نهضة علمية تلائم تطور التكنولوجيا وتواكب الثورة الرقمية.

 

ولعل من أهم القوانين التي يجب إقرارها باكراً تلك المتعلقة بتعديل المناهج الدراسية والنظام التعليمي بشكل عام.

فهل عندنا رؤية استراتيجية واضحة تؤدي إلى نظام تعليمي مفيد؟

إن الطلاب المقبلين على اختيار تخصص جامعي في ختام هذا العام الدراسي مثلاً، هم خريجو جامعات سيتقدمون للعمل في الربع الثاني من القرن الواحد والعشرين بما فيه من متطلبات عصرية وتطور تكنولوجي ورقمي. لكن المناهج التعليمية التي تخط لهم الطريق الأكاديمية لا تزال تخضع لذهنية القرن الماضي. فهل يجوز أن تواجه أجيالنا تحديات زمنها متسلحة بعلم فاتت صلاحيته وانعدمت جدواه؟ وهل نعد للوطن ومحيطه شباباً معرضاً، رغم علمه وتضحياته، لأن يكون عاطلاً عن العمل؟


من هنا الحاجة الملحة إلى إدخال الإقتصاد الرقمي في مناهج التعليم، وتطوير مجالات التعليم أجامعياً كان أم مهنياً، وذلك لتنشئة جيل قادر على التأقلم مع الإقتصاد المعاصر الجديد.

 

إن توجهاً متطوراً كهذا يسمح بتوجيه الشباب إلى تحقيق أفضل ما عندهم من طاقات وفق ما لدى كل فرد من لإمكانيات واستعداد، كما يسمح لإنتاجنا الزراعي والصناعي أن يراعي مواصفات الجودة العالمية واحتياجات الأسواق المتوافرة والإمكانيات المتيسرة لبلدنا.

 

من هذا المنطلق أنشأت مركز مخزومي للإبداع في الجامعة اللبنانية - الأميركية لتمكين الشباب من مواءمة طاقاتهم مع حاجات لبنان والمنطقة، وسأستمر في هذا الدعم لشبابنا، كي تكون لهم الأفضلية دائماً أينما وجدوا. كذلك المبادرة التي أطلقتها دولة الكويت مشكورة، والتي تهدف إلى إنشاء صندوق للإستثمار في مجالات التكنولوجيا والإقتصاد الرقمي، تعد خطوة مهمة وأساسية على أن يواكبها مجلس النواب بقوانين وتشريعات تساهم في وضع لبنان على خريطة الدول الرقمية.

 

أما القطاعات الواردة أعلاه فنلاحظ غيابها التام عن الإهتمام الرسمي. فهل عندنا مثلاً تصور لدور لبنان في مرحلة إعادة البناء الآتية إلى المنطقة وخصوصاً إلى السوق الأكبر في العراق؟ هل عندنا نظرة استراتيجية واضحة إلى ما من شأنه تسهيل أمورنا بالوسائل الدبلوماسية السليمة كي لا يؤدي غموض العلاقة مع سورية إلى صعوبة التنقل بل إلى استحالة مشاركتنا في مرحلة البناء الآتية والإسهام فيها، أو على الأقل إلى ترسيخ علاقات جيرة ودية وندية لا شأن لها بسلبيات الماضي؟ هل بحثنا عن حلول تسمح بتوفير فرص عمل لشبابنا خصوصاً بعد الذي بتنا نشهده من تضاؤل في فرص العمل التي كانت متوافرة في دول الجوار؟ هل نمتلك استراتيجية واضحة لتطوير هذه الصناعات كي ترتقي إلى مستوى المواصفات العالمية؟ هل عندنا خطة استثمار في الجودة تشمل تطوير الطاقات والكفاءات ونوعية الإنتاج، وتبرر الفاتورة اللبنانية التي كانت تحتل أرقى المراتب عن جدارة وتفوق؟ هل صار نصيبنا في المرحلة التي تستعد لها المنطقة القيام بالتسديد عن غيرنا والإفتقار إلى أية ميزة خارج إطار الأهمية المعقودة على دورنا في استيعاب النازحين؟

 

إننا بحاجة ماسة إلى قوانين تنظم القطاع الصناعي وتحميه وتبعده عن سياسة المحاصصة وتقاسم المغانم. والقطاع الزراعي أيضاً ثروة حقيقية للبنان، ففي حين يشعر الشباب بقلق متنام لمستقبل الأرض والبيئة، من شأن تلبية الحاجة المستقبلية للغذاء أن تتيح في الريف فرصاً لتوفير وظائف للشباب في مجال الزراعة المستدامة. ومن شأن اهتمامهم بالمسائل البيئية أن يكون له دور أساسي في تعزيز الاقتصادات الخضراء. هل فكرنا في أهمية الإستفادة من طاقات المرأة، ووضعنا خططاً وقوانين تساعدها على الإسهام الفعال في سوق العمل؟.

 

ما يزيدنا إلحاحاً في تساؤلنا ما طالعنا به مؤتمر سيدر على أهميته، فقد جاء خالياً من أية بنود تدعم الزراعة أو الصناعة أو التكنولوجيا، علماً بأن قوة لبنان تكمن فعلياً في هذه القطاعات الثلاثة. نرى بوضوح أن الـ11 مليار دولار التي خصصها المؤتمر للبنان من أجل تطوير البنية التحتية، آتية في الدرجة الأولى لإيجاد فرص عمل لليد العاملة السورية إذ إنها تتكون بمعظمها من مهارات تختص بالبناء عموماً وبأعمال البنية التحتية. هذا عائد إلى أسباب معروفة منها إبقاء النازحين أو إطالة مدة إقامتهم في الدول المضيفة. وهنا نسأل: لماذا أتت الأموال على شكل ديون ولم تأت على شكل منح؟ ونسأل عن الشفافية التي تعهد لبنان للمانحين باحترامها. إن خير مثال على هذه الشفافية ما شهدناه من ترسية للعقود سواء في المطار أو في خزانات الغاز، حيث يبدو المسؤولون في سباق مع الزمن استباقاً لقيود الشفافية الموعودة.

 

هذه العناوين لا بد لها من الإنتظام في خطط تقتضي البحث والتشريع وتيسير وسائل تنفيذ ناجح ومعافى. ولعل هذه الوسائل ممكنة متى سمح للمستثمرين ورجال الأعمال الذين نجحوا في الخارج أن يتولوا إدارة المرافق الإقتصادية في البلد، بعيداً من التدخلات السياسية والطائفية والمذهبية. فقد آن الأوان للخروج بحلول ناجعة للأزمات التي تعصف ببلدنا.

 

دعوتي هذه لا تأتي من عدم أو فراغ وقد رجعت لتوي من مشاركتي في مبادرة بمدينة الرياض جمعت القطاعين العام والخاص لبناء برنامج يحفز الإستثمارات ويخلق فرص العمل عبر تطوير الصناعة الوطنية السعودية والخدمات اللوجستية. مملكة خصها الله بنعم كثيرة، تسعى إلى إنتاجية عصرية لا تجعلها تكتفي بالإتكال على ثروتها النفطية، فتخطط لغد منتج ومثمر، ونحن في لبنان الغني بطاقات بشرية خلاقة وطبيعة خلابة نهمل بيئتنا وغدنا وشبابنا، متنازعين ما تبقى من أضغاث بحبوحة في طريقها إلى الزوال.

 

وأخيراً لا بد لنا من تهيؤ وإقدام ومثابرة، فالجميع يتطلع إلى خطوات اقتصادية وتنموية جدية تساهم في استعادة لبنان دوره الحيوي في المنطقة ليرجع جسر عبور نحو العالم، آمناً ومزدهراً.

 

ثم طرح الطلاب المشاركون اسئلة تناولت العديد من المواضيع الإقتصادية، فسألوا النائب مخزومي عن موضوع مكافحة الفساد الذي وعد المسؤولون بمكافحته، فأجاب أن الطبقة السياسية تحدثت دائماً عن مكامن الفساد ولم نجد فاسداً تتم محاسبته، كما لم نعرف اين ذهبت الأموال، مشدداً على دور مجلس النواب في المراقبة والمحاسبة.

 

كما رأى النائب مخزومي أن حكومة وحدة وطنية ليس بإمكانها القيام بمهمة مكافحة الفساد، لأن لا صوت معارضاً في وجه اي مشروع يطرح كون الجميع ممثلاً فيها، مخاطباً الشباب بأن يلبسوا دورهم في الضغط على النواب الذين انتخبهم الشعب.

وعن موضوع النفط، اكد النائب مخزومي أهمية إقرار القوانين المتعلقة بهذا القطاع، مشيراً الى أن هناك صراعاً بين وزارة المالية ووزارة الطاقة حول الصندوق السيادي الذي هو عبارة عن مشروع تكامل وهذا الخلاف يتعلق بمن سيكون الراعي لهذا الصندوق.

 

وفي موضوع ارتفاع نسبة البطالة لدى الشباب، أشار النائب مخزومي الى ان فرص العمل ضاقت في لبنان لأسباب متعددة، لافتاً الى ان هناك 36 الف من الشباب يدخلون سوق العمل موزعين بين حملة الإجازة اي المتعلمين وغير المتعلمين، كما ان فرص العمل في دول الخليج قد ضاقت قياساً لما كانت عليه في السنوات الماضية مشيراً الى ان 40% من الشباب اللبناني حصلوا على تأشيرة هجرة العام الماضي.

 

وعن القطاع الزراعي، دعا النائب مخزومي الى وضع خطط تنهض بهذا القطاع الذي يعاني مشاكل عديدة.

 

بدوره، شدد النائب الياس حنكش على دور الشباب في ان يشكلوا مع النواب فريق عمل يتحاور ويطرح المشاكل ويسعى للحلول، إذ أن هناك عدد كبير من الشباب يتطلعون الى التغيير ويعبرون عن ذلك في العديد من المخططات.

 

وتحدث عن دور النائب في طرح القوانين وملاحقتها ومتابعتها، وقال: إن مجلس النواب يدخل في الحكومة فمن يحاسب اذاً، ومن هذا المنطلق دعا حزب الكتائب الى حكومة اختصاصيين.

 

ورأى النائب حنكش أن المشكلة في النظام الذي لا يفرض حكومة وحدة وطنية وفي المحاسبة، لافتاً الى ان حزب الكتائب تموضع في المعارضة قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة، وهذا كان واضحاً عندما استقال من حكومة الرئيس تمام سلام في اثناء تفاقم أزمة النفايات.


وعن القمة الإقتصادية التنموية في بيروت، قال النائب حنكش: كان بالإمكان ان تكون افضل مما جاءت فيه وهذا بسبب المناكفات السياسية التي حصلت.


وأشار الى انه من الشباب الذين خاضوا الإنتخابات النيابية ولم يستند الى إرث سياسي، وقال: الحزب قدم لي منصبه للإنطلاق نحو البرلمان، ورفض الحديث عن أن من يملك المال يصل الى مجلس النواب، وأعلن ان حزب الكتائب خاض المعركة الإنتخابية في وجه جحافل المال، مشدداً على الإستثمار في الشباب، فلبنان يملك طاقات شبابية مقبولة وعلينا كمسؤولين تأمين بيئة عمل لهم، موضحاً أن لبنان قائم على المبادرات الفردية.

 

بدوره تحدث البروفسور جاسم عجاقه عن الإقتصاد بمكوناته الأساسية، شارحاً دور الدولة في المالية الإقتصادية، ومؤكداً أن دورها تشريعي وتنظيمي ورقابي.

 

كما أشار البروفسور عجاقه الى التداعيات السلبية للعجز في الموازنة على الإستثمار الذي يمنع خلق فرص عمل للشباب. وحذر من التداعيات السلبية للتخبط السياسي على الإصلاحات التي هي مفتاح الإستثمارات. وقال: إن الوضع النقدي مستقر ومصرف لبنان يمتلك كل الوسائل للحفاظ على سعر صرف الليرة، مشيداً بخطوة إطلاق رزمة جديدة للقروض السكنية، رأى فيها دعماً ايجابياً للشباب فضلاً عن تحريك عجلة الإقتصاد، مؤكداً انه في لبنان فرصة اقتصادية واعدة، ومن هنا أهمية تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر بشقيه الإستثماري والإصلاحي ما يسرع بنهوض لبنان الإقتصادي.

 

ثم رد البروفسور عجاقه على أسئلة الطلاب.