أقيم
مساء اليوم في بيت المحامي حفل احياء ذكرى المحامي الراحل عبدالله لحود (1899 -
1988) في حضور ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان رئيس مجلس النواب الأستاذ
نبيه بري، ووزير العدل الدكتور ابراهيم نجار ممثلا رئيس مجلس الوزراء فؤاد
السنيورة، وعقيلة رئيس الجمهورية وفاء سليمان، وعدد من النواب والوزراء الحاليين
والسابقين والقضاة والعسكريين، وحشد من المحامين واهل المحتفى به.
ونظم الاحتفال نقيب المحامين رمزي جريج، ولجنة احياء ذكرى عبدالله لحود المؤلفة من:
مجلس القضاء الاعلى، واتحاد المحامي العرب، ونقابة المحامين في بيروت، ونقابة
المحامين في الشمال، والحركة الثقافية - انطلياس، وكلية الحقوق في جامعة القديس
يوسف، والجمعية اللبنانية لحقوق الانسان، والمجلس النسائي اللبناني، واتحاد الكتاب
اللبناني، والمجلس الثقافي في بلاد جبيل، وعائلة عبدالله لحود.
بعد النشيد الوطني، تحدث عريف الاحتفال المحامي هيكل درغام فأشار الى "عبدالله لحود
الاديب، والمفكر، والشاعر، والناقد الجريء بالموقف، بالكلمة المسؤولة للحرية
والعدالة والمساواة والديمقراطية والبرلمانية وحقوق الانسان والانفتاح".
الرئيس بري
وألقى الرئيس نبيه بري كلمة قال فيها: "بداية، لا بد أن أسجل بكل تقدير هذا
الانتباه وهذه الذاكرة وهذه المبادرة لإحياء ذكرى أستاذ القانون والمحامي والأديب
الصديق المرحوم عبدالله لحود، رغم الأجواء المحلية الانتخابية المتقلبة صحوا ورعدا
وبرقا وشتاء، وهو ما يستدعيني لشكر الجهات المنظمة لهذا الحفل، وعلى وجه الخصوص
اصحاب هذا البيت نقابة المحامين في بيروت. والشكر موصول لفخامة رئيس الجمهورية
الللبنانية العماد ميشال سليمان الذي شرفني، فكلفني ان انقل تحياته إليكم".
أضاف: "حيث لا يجرؤ الآخرون سأل عبد الله لحود نفسه ذات يوم: من أنا؟. وفي البحث عن
جواب لم يتحقق حتى الساعة، يستمر عبدالله لحود بالتنقيب في مراياه وفي بطون اوراقه
وفي معرض تجديد ذاته المتناقضة الميول والاحوال، كما في معرض تدوين الآمال والأحلام
والنهوج. فهل تراني أجيب عنه، وهذا من حقوق الزمالة؟ وهل يمكنني الاجابة على سؤاله
من هو؟ وهل يا ترى يكفي التعريف بأنه: رجل المهمات القانونية الصعبة، وأنه شاغل بال
المحاكم ومالىء دنيا المحاماة، وانه اول ناشط في مجال حقوق الانسان، وأول داعية
للحوار على قاعدة احترام الآخر وتمكينه من ممارسة حقوقه الانسانية؟ هل يكفي التعريف
بأنه أول من وضع الطائفية السياسية في موقعها الاتهامي المناسب بإعتبارها طائفية
رسمية؟ هل يكفي التعريف بأنه أول من قال بشكلية الميثاق الوطني؟ هل يكفي التصويب
القول إنه أول من رأى أن الديموقراطية والطائفية لا تجتمعان؟ وهل يكفي بعد ذلك
القول يا صديقي واستاذي انك الاديب الاستثنائي الساخر الذي تلسع بأيادي الكلام
الكثيرة كأيدي الاخطبوط في موسم التماعة الفسفوري، والتي تترك مكان محاجتها حروقا
وكلمات واحرفا وعلامات فارقة؟".
كذلك سأل: "هل يكفي القول انك الخط الجميل الذي كتب بروق خواطره ومواقفه ومرافعاته
على كل ورقة وغلاف؟ وهل يكفي القول إنك وبخلاف كل الابداعيين والثقافيين لم تكن
صاحب فكر فحسب، بل كنت صاحب أفكار؟ وهل يكفي انتباهك الى ان لبنان ليس تاريخا ولا
جغرافيا فحسب، بل انه دور وضرورة اجتماعية لنفسه ولمحيطه؟ هل يكفي اختصار القول على
ذلك انك كنت اديبا من الاعماق واصلاحيا نخبويا قائما بذاتك؟ وهل ان ما احاول قوله
في حضرتك سوف لا يستدعي ان تصيبني بكلمة او عين؟.
وقال: "ثم ها أنا ذا وفي ما أحاول عبدالله لحود اتمرمر على طريق الوقت الاخرس
والاعمى، ثم تراني أرد نفسي وقلمي من يوم الى يوم، وأواصل المحاولة لادخلكم الى
الذي كان يرتدي ثوبه على شبح جسده وكان يكد يتحمى لولا صوته الذي يصدح في أرجاء
أمكنته الحبيبة من المكتب إلى المنزل الى عمشيت التي كان يتقمصها عن ظهر قلب. ها
انا ذا أتوقف في منتصف الكلام منتبها الى رنة نكاته الساخرة التي جمع في كتابه
(أحاديث النكتة في لبنان)، وهو يمضي صعودا وقد كشف ان (نكتة) تركية دشنت عهد
المتصرفية في لبنان، وان مجلس الادارة الكبير (تنكيت ذاتي)، وان تطبيق الانتداب
(نكتة)، وان الجمهورية في واقعها الآن (نكتة) طائفية رسمية سمجة، فماذا كان عبد
الله لحود سيقول عن جمهورية ما بعد الانتخابات لو وقف مكاني في بيت المحامي الآن،
وفي مناسبة مماثلة لتكريم احد ما؟. اعتقد انه سيقول: "تي تي تي تي .. مثل ما رحت
مثل ما جيتي". ذلك ان الانتخابات وبخلاف من يرى ابعد من زرقاء اليمامة لن تكون
مصيرية على الاطلاق، وهي للاسف الشديد لن تبدل جغرافيا لبنان ولا الطائفية
الرسمية".
أضاف: "ثم ها انا يا استاذ ما زلت حيث اردتني ان اكون مقيما على منصتك، وما زلت حيث
اردتني ان اكون مقيما في الكلمة التي تتغلغل في البرد امام الشبابيك الطائفية
والمذهبية. ها انا ذا يا استاذ ادخل فصول ذكرياتك المختارة في نهاراتك البكر وفي
معاركك المكسورة من البيابة الى النقابة، وفي انتصاراتك على الاوهام وفي طيرانك فوق
اعشاش الرواسب والتقاليد، وفي شبابك الذي لم تنطفىء جذوته حتى موتك حيث انك اليوم
كما في كل يوم. وها انا ذا يا صديقي على سلالم الحقول الى عمشيت لا تردعني حواجز
القلق والاضطراب والشك الذي يرابط على الطرقات، واصل اليك قبل ان تصفي حسابك مع ما
كسر خاطرك ذات صباح، واشعل وجدي لأدفىء لغتك، وقد انتابها وجع من اعراس البرد التي
لا تزال مستمرة تشعل الثلج المر في لغة الخطاب السياسي على مساحة لبنان".
وتابع: "وها أنا ذا يا أستاذ في وطن الطائفية الصعب لا أكاد أستطيع سوى منع المارة
من الدوس على الصباح حيث لا يزال الوطن يشتعل بالليل؟ ثم ماذا يسعني بعد هذا العمر
الذي انكسر بيننا سوى أن أعطيك نصف ما أفرح له ونصف ما أحزن له، وما أفرح له هو ان
الجنوب الذي كان قلبك عليه ووقع على خط تماس الجغرافيا والتاريخ مع قضية فلسطين،
هذا الجنوب مشى خلف الرجل الذي تعرفه وتحبه خلف الامام الصدر الذي جاء الى مدينة
صور، مشى طريق جلجلته الى المقاومة، وهو قهر وعذب وسجن وصلب وأحرق وأغرق، وقام من
الموت وحرر الوطن وانتصر. أما نصف ما أحزن له أيها الصديق، فهو ان كل شيء في هذا
الوطن العربي الكبير، وربما تصحح لي، وتقول في هذا السجن العربي الكبير، وان كل شيء
في لبنان الكبير الذي لا نستحقه، كل شيء يا استاذي قابل للقسمة على اثنين حتى الشعب
الفلسطيني وحتى نحن وحتى كل واحد منا".
وقال: "أخالك أيها الصديق تسأل كيف وجوابي إليك أن نظامنا السياسي بل طائفيتنا
الرسمية ونظامنا التربوي ليس في لبنان فحسب، بل من المحيط الى الخليج، بل من سور
الصين العظيم الى غربي إفريقيا، كل هذا النظام يقوم على جدول القسمة وعلى جدول
الضرب، ويستصعب دائما أن يأخذ درسا في الجمع. ثم ها نحن أيها الصديق في هذه اللحظة
الضاغطة على أوطاننا بالديموقراطية الغائبة وبالطائفية وبالمذهبية وبالعنصرية
وبالفئوية وبمختلف أنواع السلطات والضاغطة علينا دائما باسرائيل، ها نحن نحتاج الى
سنبلة قمح يديك لنزرعها بذورا في قلوبنا لعل ثقتنا بأنفسنا وببعضنا وبأوطاننا تكبر
وبعد وبعد".
أضاف: "لو كان عبد الله لحود من يقف على المنبر هذه الساعة لاستدعانا الى حوار حول
الانتخابات، وهل هي مصيرية أم مفصلية؟ أم تعبر عن نهج حياة ديموقراطية؟ أم مجرد
عملية انتخابية تطبق نصا قانونيا يتصل بالديموقراطية لا بروحها؟. لو كان عبد الله
لحود حيا لاستدعانا واحدا واحدا الى حوار مفتوح أمام الرأي العام حول برامجنا
الانتخابية، وأبرز أننا لا نختلف في الكلام عن بعضنا البعض أبدا، واننا جميعا ننادي
بالوحدة الوطنية والعيش المشترك والعدالة والمساواة والمشاركة وتعزيز دور المرأة في
كل ما يصنع حياة مجتمعاتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واننا جميعا من دون
استثناء نريد توليد فرص عمل للشباب، ونريد في ما نريد تقليص المديونية العامة وخفض
عجز الموازنة، ونريد إنصاف العمال والموظفين ورفع الحد الأدنى للأجور الى آخره. إلا
أن عبد الله لحود جوهرجي القانون من الطراز الأول، واللغة كان سيقيس مسافة ابتعادنا
عن النظام الطائفي الذي كان قد فرض علينا، وأصبحنا نتذوقه ونستسقيه، ولا نستطيع
العيش بدونه وذلك لكي يعرف مقدار صدقنا وانسجامنا مع شعاراتنا".
وتابع: "لو كان عبد الله لحود حيا لأدار حوارا في ما بيننا حول افتناننا
(بديموقراطية المصادقة) والتي أزعم أنها توافقية بحكم الدستور والتي بعد قانون
الميكرو دوائر الانتخابي ستنتج ما يحتاج الى حلم الله لجعل الحكم ممكنا والتشريع
مقبولا، والى إنشاء مجلس تعاون بين الطوائف والمذاهب للاحتفاظ بتجربة لبنان الفريدة
في العيش المشترك أو بالأحرى في التوتر المشترك. لو كان عبد الله لحود حيا لصرخ في
وجه المتحاورين: "يا عيب الشوم... بعدكم مطرحكم..."، ولكان تأكد لديه ما كان
يتوقعه، وهو ان الطائفية كانت شيئا في دنان وجرار اللبنانيين، وهي قد أصبحت اليوم
في عروقهم وانها باتت تحتاج الى أن نطهر أجسادنا منها".
واردف:" فهل يملك عبد الله لحود ذلك السحر؟ لو كان حيا للمس طاولة المتحاورين
بصولجان كلماته ولكانت دبت فيهم مشاعر غير طائفية ولكانوا شعروا بالمحبة الخالصة
نحو بعضهم البعض ولكانوا انتبهوا الى انهم كادوا يصرفون الوقت المتبقي لاثبات ان
لبنان لا زال وسيبقى ضرورة لبنانية وعربية ودولية.
وبعد وبعد فهل تراني وجدت ملفك السري؟ وهل وجدت كلمات سرك التي تفتح الباب على
لبنانك؟
ولو كنت حيا يا صديقي في محكمة لبنان ان هذا البلد الذي يرتفع بنيانه على صخر يحتاج
ان يتأسس على صخر النظام القانوني الذي لا تتعطل فيه المساواة ولا العدالة التي يجب
ان تكون شاملة.
ولو كنت حيا يا صديقي, ولكنك حي يا صديقي وها انت تصرخ في برية الوطن بالصوت
المطلق, يا سامعين الصوت.
ان الديمقراطية والحوار والمشاركة والتي تشكل الابعاد المترابطة لتعزيز السلم
الاهلي تشكل الاقانيم الضرورية لتعزيز القدرة الوطنية على الاستجابة لمواجهة اي نوع
من التحديات على حدود الوطن والتي يمكن ان ينشأ عن العدوانية الاسرائيلية او او اي
نوع من التحديات الداخلية كالارهاب او تهديد او التحديات السلم الاهلي او التحديات
الي تتشكل كإنعكاس للازمات الاقليمية".
وتابع الرئيس بري: "يا سامعين الصوت: انه لا يمكن لنا وعلى قاعدة الانقسام العمودي
الذي يحاول البعض ان يؤسس لإعتباره متواصلا بين خطين متصارعين لا يمكن لنا سواء ربح
هذا الفريق او ذاك الانتخابات ان يواجه بمفرده الازمة الاقتصادية - الاجتماعية
الراهنة واستتباعاتها.
اخيرا، ليس هذا اللقاء صحوة ضمير او استعادة صورة لحياتك الكثيرة يا استاذي بل هو
مناسبة لتجديد العهد بالعمل من اجل قيام دولة القانون ومن اجل قيامة لبنان".