كلمة دولة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بّري في الجالية اللبنانية في سلطنة عُمان


 

للمنارة المضاءة على "طريق الحرير" بكل التراث البحري المدون في كتاب "ميناء سمهرم" ومكتبة مدينة "البليدا".

 

للتـاريخ الذي زين "سور بهلاء"، بحكايات المجد وبأخبار الأجداد، وبالأساطير عن الذين قطعوا الربع الخالي والمساحات المتصحرة، وحملوا أرواحهم على اكفهم ومشوا خلف سراب الماء إلى أن وصلوا وانتشروا على مساحة البلاد.

 

لهذه البلاد الناضجة الجميلة المحروسة بقوس "جبال الحجر" وجبال "القرا"، وللوحات المزدهرة بالناس وبالأشجار والأطيار والأمطار في "مستدم" و "طفار".

 

لسمائك – الفيحاء – ألف تحية من طرابلس – الفيحاء – مع دعوتي إلى حكومتي البلدين لتوأمة العنوانين.

 

مسقط عاصمة البحار الثلاثة تحية، من بيروت، عاصمة البحر الأبيض المتوسط وعاصمة التاريخ وعاصمة المقاومة ومرضع القانون وعاصمة الصبر والجمال، والفرح الذي ينتظر الحقيقة، والمستقبل الذي يتنظر العدالة.  

 

للموسوعة المفاجأة بل للموسوعة المغامرة، موسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية.

 

ولأهل هـذا البلد الشقيق والعزيز وللجالية اللبنانية ألف تحية وتحية وبعد.

 

بداية أتوجه بالشكر الخالص إلى دولة الأخ العزيز الشيخ عبدالله بن علي القتبي رئيس مجلس الشورى ومجلس الشورى، على دعوتهم لي لزيارة هذا البلد العربي الأصيل سلطنة عمان الحافل بالتاريخ وبالتراث الانساني، والذي يعبر في الوقت نفسه عن حداثة وعصرنة فريدة بفضل القيـادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، الذي وضع هذا البلد الشقيق منذ مطلع السبعينات على طريق النهضة السياسية والعمرانية والاقتصادية والثقافية.

 

كما أتوجه في البداية بالشكر إلى سعادة السفير عامر بن حمد الحجيري سفير سلطنة عمان في لبنان والى سعادة سفير لبنان عفيف أيوب على جهودهما الواضحة والملموسة لتطوير أوجه التضامن بين سلطنة عمان ولبنان، شاكرا" للسفير أيوب دعوته إلى هذا اللقاء العائلي مع الجالية اللبنانية في هذا البلد العزيز.

 

الحضور الكريم

أتشرف بأن ألبي الدعوة لزيارة هذا البلد الشقيق لاعتبارين :

 

الأول: برلماني ويتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية بين مجلس النواب اللبناني ومجلس الشورى العُماني، وزيادة أوجه التنسيق والتعاون في مختلف المحافل البرلمانية، خصوصاً ونحن على أبواب انعقاد الاجتماع التحضيري الأول للبرلمان العربي.

وكذلك البحث في مسألة إطلاق مشروع لبناء مركز للاتحاد البرلماني العربي والبرلمان العربي كما هو مقرر في دمشق.,

 

أما الاعتبار الثاني فهو بحث الأوضاع العربية والتحديات المفروضة على المنطقة وخصوصاً الامتحان الذي يتعرض له لبنان كياناً وحدوداً.

 

في هذا اللقاء اسمحوا لي أن أتجاوز على الشأن البرلماني بإعتباره شأناً برلمانياً تقنياً خالصاً وشأناً يرتبط بإدارة العمل البرلمانية العربي، وكذلك علاقاتنا الثانية البرلمانية بالمحافل البرلمانية، لأركز في كلماتي على بعض الوقائع في المنطقة انطلاقاً من أن السلام الأهلي في لبنان يتعرض للضغوط فيما السلام في المنطقة لازال مفقوداً.

 

اسحموا لي أن أوجه عنايتكم إلى أن تركيزي على السلام الأهلي في لبنان والسلام في المنطقة، ينطلق من أن السلام كقيمة عليا لدى جلالة السلطان قابوس يشكل محور السياسات العمانية، ولأن بناء وصنع السلام في هذا البلد الشقيق يشكل انموذجاً يحتذى، ويتطلب من اللبنانيين بشكل خاص اخذ الدروس والعبر من استراتيجية ونهج السلام التي جسدت جوهر الممارسة السياسية لهذا البلد، وكذلك اعتماد الاستراتيجية العمانية على مستوى المنطقة في جعل محاربة الظلم والاستبداد والتصدي لسياسات التطهير العرقي وامتهان كرامة الإنسان، ومجابهة الاحتلال وإنكار الحقوق المشروعة للشعب، والسعي لإقامة ميزان العدل وانصاف المظلومين هو أساس الحركة السياسية.

 

بناء على ما تقدم ورغم كل ما يتعرض له لبنان من تجارب وامتحانات وآخرها كان اغتيال الزميل النائب والكاتب الصحفي جبران تويني فإننا نقول، ان قيامة لبنان محققة وان أحداً في العالم لن يستطيع منعها، لأن لبنان يشكل ضرورة ليس فقط لأبنائه المقيمين والمغتربين بل يشكل ضرورة عربية ودولية.

 

وأقول ان امتحان الحقيقة الذي يتعرض له لبنان هو امتحان لجوهر وجوده بإعتباره وطن لرسالة التسامح والمحبة، وبإعتباره مختبر التعايش، وبإعتباره حديقة الحرية، وبإعتباره مدرسة الديموقراطية وبإعتباره عنوان المقاومة.

 

إنني أوجه عنايتكم إلى أن امتحان الحقيقة هذا يراد منه جعلنا نعيش حالة من القلق والاضطراب والشك والغموض، ويراد منه دفعنا لنفقد ثقتنا بأشقائنا وثقتنا ببعضنا البعض وثقتنا بأنفسنا.

 

إني أؤكد مجدداً أن كشف الحقيقة المتصلة بالجرائم التي استهدفت لبنان تشكل ضرورة لبنانية كما تشكل ضرورة سورية وضرورة عربية ودولية.

 

وأؤكد في هذا المجال ان احداً في لبنان أو في أي مكان لا يمكنه إلا أن يدعم التحقيقات الخاصة لكشف النقاب عن كل ما يتعلق بتلك الجرائم، خصوصاً وان مجلس النواب اللبناني هو الموقع الوطني الرمز الذي قدم حتى اللحظة خيرة رموزه في هذه التجربة الامتحان الذي يتعرض لها لبنان.

 

إن مجلس النواب سيتابع التحقيقات انطلاقاً من الاحترام الكامل لموقع القضاء والأجهزة الأمنية اللبنانية في إدارة التحقيقات، مع الإشارة إلى ان مجلس النواب لم يبادر حتى هذه اللحظة إلى دعوة اللجنة النيابية الخاصة المكلفة بهذه القضية إلى مباشرة تحركها ذلك، حرصاً على سرية التحقيقات وحرصاً على إعطاء لجنة التحقيق الدولية والقضاء اللبناني الوقت الكافي لمتابعة الأدلة والاستماع إلى الشهود.

 

إن التوصل إلى الحقيقة يحتاج إلى الهدوء والحكمة ويحتاج إلى إغلاق كافة الثغرات، ويحتاج بصفة خاصة إلى التماسك والوحدة.

 

إن التوصل إلى الحقيقة يحتاج كما قال الكاتب الكبير والإنسان الكبير غسان تويني إلى دفن الأحقاد وأضيف: إلى الانطلاق لترسيخ الثقة فيما بيننا وجعل أولويتنا الأولى الانتقال من مرحلة السلطة إلى مرحة الدولة.

 

إننا دون إنجاز مشروع الدولة وبناء الثقة بالدولة وبأدوارها، فإننا سنكون عاجزين عن بناء الأمن والأمان والعدالة، وستكون الحقيقة صعبة التحقيق في إطار الكيان والمجتمع، حيث لا معايير ثابتة للمسؤولية والمسؤول في كل مواقع السلطات.

 

أيها الأعزاء

 

بالرغم من كل ما أحاط بموضوع سير العدالة فيما يتعلق بالجرائم الإرهابية التي استهدفت لبنان، والتباين في وجهات النظر حول المحكمة الدولية والتحقيقات، وانعكاسات ذلك على الحكومة وعلى الشارع السياسي إلا انني وبكل ثقة أؤكد تفاؤلي بقيامة لبنان غداً .

 

وأؤكد لكم أن استراتيجية الفوضى البناءة التي أرادت زيادة التوترات الطائفية في لبنان فشلت، وأدت إلى زيادة الحيوية السياسية باتجاه إعادة الثقة بلبنان، وإسقاط كل الأبعاد التي رمت إليها جريمة اغتيال الرئيس الحريري وبقية الجرائم.

 

إني كذلك أؤكد لكم أن الاستراتيجية المعادية التي ترمي إلى جعل لبنان يعيش حالة أزمة مع سوريا على قاعدة اعتبار نظامها السياسي مسؤولاً عن ما يجري في لبنان حتى تثبت براءته، هي استراتيجية فاشلة لا محالة، خصوصا" وان سوريا تؤكد كل يوم استعدادها للتعاون مع كل مراحل التحقيق كما تؤكد ان كشف الحقيقة مصلحة سورية.

 

إنني في هذا المجال أؤكد على ما ذهب إليه دولة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على هذا المنبر حين قال، ان العلاقات اللبنانية – السورية لا يجوز ولا يجب ان تكون في مهب الريح. الاقتصاص يكون من المجرمين ونحن لا نقبل الاقتصاص من سوريا او ان تفرض عقوبات على سوريا.

 

بالعودة إلى لبنان الذي لن يحلق إلا بجناحيه المقيم والمغترب، فإنني أدعو الجالية اللبنانية في هذا البلد الشقيق إلى الاستثمار على قيامة لبنان، ودعوة أشقائهم رجال الأعمال في سلطنة عمان إلى الاستثمار على لبنان الذي تتوفر فيه عناصر الاختصاص لكل أنواع الأعمال بفضل أربعة وأربعين جامعة ومعهداً للتعليم العالي، وكذلك الاستثمار على الاستعداد الحكومي والبرلماني لإصدار القوانين التي تسهل وتشجع الاستثمار وتلغي الازدواج الضريبي.

 

إنني بالمناسبة وبإسم المجلس النيابي أؤكد ان المجلس سيبادر الى الإجازة للحكومة العمل بإتفاقية التعاون في مجالات الثقافة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي والاعلام والسياحة والرياضة، التي تم توقيعها خلال زيارة دولة رئيس الحكومة قبل اقل من أسبوعين، كما وان المجلس سيجيز للحكومة اتفاقية تنظيم خدمات النقل الجوي التي وقعت في نفس الوقت.

 

إنكم أيها الأعزاء مدعوون إلى المشاركة في إعادة بناء الاقتصاد الوطني.

 

إنكم مسوؤلون تماماً عن تقديم وجهات نظركم حول قضايا الإصلاح المالي والاقتصادي والضريبي والإداري والاجتماعي.

 

إن الحكومة مطالبة بالمقابل برسم سياسة لمكافحة الإحباط الاقتصادي وإحياء النشاط الاقتصادي عبر إعطاء كل الحوافز للقطاع الخاص.

 

على مستوى السلام في المنطقة، فإنني أسجل الظاهرة الغريبة التي تضع قيوداً وشروطاً على الديموقراطية في المناطق الفلسطينية وتطالب بحرمان فصائل سياسية من المشاركة في الانتخابات العامة.

 

إنني لا استغرب أن يقدم الكونغرس الاميركي على هذا الأمر، ولكني استغرب ان يلتحق الاتحاد الأوروبي بالموقف ذاته.

 

في كل الحالات، فإن المعايير المزدوجة لمفهوم الديموقراطية الغربي تؤكد يوما" بعد يوم، ان إصلاح النظام العربي والإصلاح السياسي داخل أقطارنا يجب أن يكون صناعة وطنية وصناعة عربية مشتركة دون أي تدخل.

 

أيها الأعزاء

 

أخيراً أجدد الشكر الخالص لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد على دعم لبنان خلال جميع المراحل لبناء سلامه الأهلي ولتحرير أرضه، والمساندة المستمرة لبلدنا في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية وصولاً الى تمكين لبنان من استعادة مزارع شبعا.

 

كما أتوجه إلى جلالته بالشكر على قراره مشاركة سلطنة عمان الشقيقة في مؤتمر دعم لبنان، وموافقته التكفل بنفقات إنشاء مركز للثقافة والفنون في لؤلؤة المتوسط بيروت.

 

في الختام اكرر شكري الخالص لأخي وصديقي دولة الشيخ عبدالله بن علي القتبي رئيس مجلس الشورى ولمجلس الشورى في سلطنة عمان الشقيقة، على إتاحتهم الفرصة لي لزيارة هذا البلد الشقيق العزيز، سائلاً الله أن تسهم هذه الزيارة في دعم القضايا العربية والعلاقات بين سلطنة عمان ولبنان.

 

عشتم ...

عاشت سلطنة عمان

عاش لبنان