بسمه تعالى
وحدهم
الشهداء لا تنتهي حياتهم بموت اجسادهم ، بل تبدأ حياتهم في اللحظة التي يلتمع فيها
برق ارواحهم ، فتضيء اسماؤهم بعلامة المجد وتحفر حكايات بطولاتهم في ذاكرة الوطن .
لكن
البعض الذين يخافون ان يقعوا على القتل او ان يقع القتل عليهم وصلوا الى القول :
ان
يموت أي انسان حتى شهيدا" فذلك يعني بالنتيجة " انها راحت عليه " ، وان الوقت يغلب
الذكرى والذاكرة ، " وان البني آدام نسىَّ " .
ذلك
البعض الذين اقصدهم هم الذين لا يرون ضوء الشموس والنجوم بأم اعينهم ، ولا في خفقات
قلوبهم .
اقول ذلك وانا ادعو الذين لا يريدون ان يعترفوا بأن الشهداء يصنعون الحياة المبتكرة
، ولا ينتبهون الى ان نكهة التراب هي ملح دمهم، ادعوهم وادعو قُصّار النظر
والعاجزين عن المبادرة الى الموقف وليس الذهاب الى الحرب والاستشهاد ، لأن يروا
ويلمسوا بأعينهم وبكل حواسهم كيف ترتفع قامات الشهداء صـروحا" تربوية مليئة بالحياة
الكثيرة .
في
ذات يوم وكنا في مناسبة احتفالية، كانت حركة امل وحدها التي انتبهت الى وجه مبتسم
موشح بالصمت، لشاب يحمل محبس الحب الاخضر لحبيبته فاطمة ، وهو مصمم على الذهاب الى
حياة مختلفة والى جنة يستطيع ان يشعر فيها بقلوب العصافير المولودة .
كان ذلك الشاب حارسي : بلال فحص .
قبل
ذلك وبعد ذلك لم ينتبه احد الى احمد وحسن قصير والى هشام فحص ، كان البعض يعتقد
انهم مجرد اقدام للنهارات تمشي عليها الشمس من الشرق الى الغرب .
وكان
البعض يعتقد ان محمد سعد الذي قامته اقصر من انتفاضة الورود في الاحواض ، وكذلك
الذين يتفتلون من حوله ، هم مجرد غبار ينام على غبار ومجرد ذرية للمحرومين ، سيقضون
حياتهم يحملون سلالا" فارغة من كل شيء .
وكان
البعض يعتقد ان شمران الرجل الذي اختار الجنوب مساحة لمنفاه ، مجرد عالم حساب يحلم
بعالم سوف لا يسعه تفسيره ، وسوف لن يتمكن من اضاءة شمعة في مدخل داره في بلاده
البعيدة القريبة .
وردد
هذا البعض كلاما" محبطا" يائسا" قلقا" مشككا" ، وكنا نسمعهم يرددون " اللي راح راح
000
الآن
وفي هذا الشهـر الفضيل في هذا الافطار الرمضاني نقول لهم :
ها هم
ابناء الامام الصدر واخوته ، ابناء امل مصطفى شمران ومحمد سعد وبلال وهشام فحص وحسن
قصير والآخرون ، المغيبون مع قائد مقاومتنا وفسحة املنا ، والشهداء على اسم امل ،
ها هم الاكثر حضورا" الآن ، وقد تحولوا الى صروح تربوية ومؤسسات تعليمية ومهنية
تمتد على مساحة الجنوب وفي بيروت والبقاع .
فمن
تراه يكذب الحقيقة بأن اولادنا ليسوا موعدا" للريح في ذمة الصباح ، وليسوا ريشة في
جناج القدر ، وانهم عناوين القرى المبنية على صخر تلك القرى التي تلد صغارها
فرسانا" ، والتي يشعل فقراؤها نارا" ليبصرها التائه والغريب فيطعموه خبزهم .
يبقى
للذين يعرفون ولا يحرّفون الحقيقة ، والذين يعيشون في الضوء ويـأكلون من خبز الحياة
، الذين يتشاركون مع امل أملها في لبنان ، غدا" لا يكون فيه محروم واحد او منطقة
محرومة ، يبقى ان ندعوهم الى الجهاد بأموالهم او بقلوبهم والسنتهم دعما" لمؤسسات
امل التربوية التي تحتضن عدة الاف من ابناء شعبنا ، ومن اجل قيام المزيد من
المؤسسات ، وبعـد وبعـد :
في
غير مناسبة تربوية شددت على ضرورة تشكيل مجلس اعلى للتربية ، وربما التبس الامر على
البعض واعتقد انني ارمي من وراء هذا الطرح الى تقييد سلطة الوزير داخل وزارته او
الادارة التربوية ، او الى ايجاد شركاء لسلطة القرار التربوي .
ان
اية فكرة واهميتها تنبع من الغايات والاهداف التي اطلقت لأجلها ومن العناصر المكونة
لها ، لذلك فإن اقتراحي ينطلق من :
1 -
وزير التربية سيترأس هذا المجلس وسيضم الى جانب ممثلي وزارة التربية ممثلين عن سائر
الوزارات المعنية بالتربية ، فضلا" عن ممثلي المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية الرئيسية .
2 -
ان وظيفة هذا المجلس ستنصب على امرين :
أ –
التخطيط التربوي
ب –
بناء الصلة العضوية بين الخطة التربوية والخطة الاقتصادية الاجتماعية الشاملة .
في
المسألة الاولى لا بد من الاعتراف على المستوى الوطني ان المشكلة ليست فقط في
المناهج ، وانما في ضعف الصلة بين الادارة التربوية والتخطيط التربوي ، وفي الاساس
اغفال التخطيط التربوي البعيد المدى ، وان هذا المجلس يستطيع الاسهام بفاعلية في
التخطيط التربوي البعيد المدى ، ويستطيع هذا المجلس سـد الفجـوة الناتجة عن تقصير
الادارة التربوية عن احداث تغييرات جوهرية تستلزمها الاتجاهات التربوية الحديثة ،
تلك الاتجاهات التي تولد الاهتمام بالموارد البشرية وبإقتصاديات التربية تمويلا"
وكلفة وانفاقا" ، وبتطوير محتوى التربية بحيث تستجيب لحاجات التنمية الشاملة .
في
هذا المجال تبرز امامنا مشكلة وطنية هي مشكلة البطالة وبالتالي هجرة الشباب .
اقول
ان سبب هذه البطالة وهذه الهجرة هو تكاثر المؤسسات التربوية ( 43 جامعة ومعهدا"
عاليا" ) ، وارتفاع الانفاق عليها من القطاعين العام والخاص ، في الوقت الذي مازال
بين هذه المؤسسات وبين التربية التي تؤدي الى التنمية البشرية مسافة شاسعة .
ان
هذه المسافة القائمة بين مؤسسات التعليم والتربية ادت الى القدرة المحدودة لسوق
العمل على امتصاص ناتج التعليم العالي وهو ناتج غير موجه للاحتياجات الحقيقية لهذا
السوق .
برأيي
ان المجلس الاعلى للتربية الذي سنواصل طرح تشكيله هو المؤسسة الوحيدة القادرة على
احداث انقلابات اساسية في اهداف وسياسات وادارات وهياكل التربية ومحتواها ، بحيث
تغدو حقا" في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة وبحيث ترهص
بحاجات المستقبل ومفاجآت الغد .
ان
هدف طرحي هذا ايضا" وايضا" يتصل بدور وموقع لبنان في نظام منطقته ، والذي قلت في
غير مناسبة تربوية انطلاقا" من الجامعة الانطونية الى مدرسة الراهبات في النبطية ،
الى افتتاح مشروعات الابنية المدرسية الرسمية في الجنوب – قلت : ان لبنان يستطيع ان
يكون مركز الاستقطاب الجامعي للمنطقة اذا ما وضعنا الاستثمارات الضرورية على علوم
الاتصالات والمعلومات.
والظاهر وللاسف الشديد اننا نتكلم في واد والحكومة في واد آخر ، في وقت يزعم الخطاب
الرسمي بأن لبنان هو بلد التحدي لأنه مقابل اسرائيل التي بلغت مخصصاتها الحكومية
لجامعة تل آبيب عام 2001 مئتين وثمانية وثلاثين مليون دولار.
الحضور الكريم
للمرة
الاولى في التاريخ تقوم دولة عظمى بإطلاق العنان لمؤسسات دراسات ومؤسسات ميديا
اعلامية واعلانية لانتاج الاعداء لهذه الدولة ، حتى اضحت الادارة الاميركية تقف على
خطوط تماس متنوعة عسكرية وسياسية واقتصادية مع كل دولة في العالم .
وربما
يريح تلك الادارة ومؤسسات انتاج الكراهية ان تكتفي بالاعتراض على بعض السياسات
والممارسات الاسرائيلية ، وان تدين وتستنكر وتعاقب كل العرب بدءا" بسوريا وان تصدر
تشريعا" ضدها ، لأنها تتمسك بالسلام العادل والشامل تحت مظلة القرارات الدولية ،
ونقطة على السطر .
الآن
آخر مبتكرات المشرعين الاميركيين تعويض اليهود وتوطين الفلسطينيين ، وربما تبرز
غدا" افكار غير مسبوقة لاحد اعضاء الكونغرس تشرع نكبة جديدة للشعب الفلسطيني او
لغيره .
والمثير للدهشة مثلا" ، انه بينما تكتفي عناوين الادارة الاميركية بإظهار الشعور
بالقلق والانزعاج من اقامة السياج الامني الاسرائيلي ، ترى ان ذلك يتطلب فقط اجراء
مزيد من المشاورات ، فإن صحيفة بديعوت احرونوت الاسرائيلية لم تستطع تحمل تمسيح
الجوخ من المسؤولين الاميركيين ، وسارعت في يقظة اخلاقية الى القـول بأعلى الصوت ان
هـذا السياج او الجـدار يسلب الفلسطينييـن ارضهـم، وتقول ان اقامته وجهت شعاع الضوء
الى احد الزوايا الاكثر احتجابا" لرجال قانون الاحتلال ، اولئك الموظفون الذين
يجهدون بحرص في نسج ثوب بنود القانون الزاهية للقهر العسكري الاسرائيلي .
في كل
الحالات، من فلسطين المحتلة الى الاعتداءات الاسرائيلية عبر الحدود بإتجاه لبنان
وسوريا ، والتهديدات المستمرة بإثارة المزيد من الزوابع الاسرائيلية في فنجان
المنطقة التي تؤدي الى توسيع نطاق التوتر والعنف ، فإن هذه الاستراتيجية
الاسرائيلية لن تؤدي الا الى زيادة مساحة القلق والخوف والدمار والموت ، دون ان
تمكن اسرائيل من فرض تسوية بشروط الامن الاسرائيلي ، بل على العكس ستثبت عجز القوة
المسلحة بأحدث الوسائل القتالية والتكنولوجية عن ضمان الامن .
لذلك
فإننا نطالب الاميركيين بأن لا يكتفوا بالوقوف امام المرآة الاسرائيلية والتحدث مع
انفسهم ، بل ان يتحدثوا الى الاخر العربي ، وان يعترفوا بهذا الاخر ، وان لا
يعتمدوا ويصدقوا الكلام الاسرائيلي ويكذبوا اعينهم وحواسهم .
ونقول
ان الاميركيين يمكن ان يؤكدوا مصداقيتهم ، وانهم شريك نزيه في عملية بناء وصنع
السلام في الشرق الاوسط بشرطين ضروريين :
الاول
: اعتبار ان اسرائيل ليست فوق الشبهات ، وانها لا تمثل استثناء في تطبيق القرارات
الدولية .
الثاني : وقف ضخ المساعدات والقروض المالية والسلاح والعتاد الاميركي ، واعتبار
اسرائيل شريكا" استراتيجيا" لامريكا ، لأن هذا الامر سيؤدي الى انضاجها وملاءمتها
لقبول السلام .
وفي
كل الحالات ، وبانتظار الانتباه الاميركي الى مسؤولية الادارة الاميركية تجاه
القانون الدولي والسلم والامن الدوليين ، فإننا لا يمكننا في فلسطين كما في لبنان
وسوريا ان نتحول الى حقل رماية للمناورات الاسرائيلية بالذخيرة الحية على ارضنا وضد
مواطنينا ، ونقول ان المعادلة بسيطة ويجب ان تكون مفهومة ، وهي ان الدفاع عن انفسنا
واوطاننا حق طبيعي لنا بمواجهة العدوان ، كما ان المقاومة هي نتيجة طبيعية للاحتلال
، وان احدا" في العالم لا يمكنه ان يصدق ان هناك احتلالا" اخلاقيا" او احتلالا"
انسانيا" او احتلالا" له بعد اجتماعي .
الحضور الكريم
دارت
تساؤلات عن تجنبي ملامسة المسألة العراقية في العمق منذ اسابيع عديدة .
وإجابة على ذلك اقول ، ان هذه المسألة لم تغب يوما" واحدا" عن اهتماماتي محليا"
وعربيا" ودوليا" ، وانني كنت ولا ازال احد الذين يحاولون تأسيس قناعة ان المخرج
للمسألة العراقية هو : وقف محاولات ادارة الاحتلال الاجنبي للعراق اقصاء الدور
السياسي للامم المتحدة وتهميش الموقف العربي .
وقلت
في البقاع وروما ودمشق ، واقول من بيروت ان على ادارة الاحتلال اولا" وعلى العالم
ثانيا" الاعتراف بأن سوريا هي المفتاح العربي للعراق ، كما هي مفتاح تسوية ازمة
الشرق الاوسط ، لعل المحتلين يدركون حجم المأزق العراقي والفلسطيني وما جنوه ،
ويرون ان زراعة الريح لا يمكن ان تؤدي سوى الى حصاد العواصف .
الحضور الكريم
بالعودة الى هذه المناسبة فإنني اتوجه بالتحية والشكر الى مجلس ادارة مؤسسات امل
التربوية والى اسرتها التربوية على النتائج الباهرة التي تتحقق كل عام، الامر الذي
يحقق الغاية من ارتفاع هذه الصروح التربوية على اسم الشهداء ، سائلا" الله لكم
التوفيق في مهامكم بما يخدم حركتنا ، حركة الانسان في لبنان .
عشتم
عاش لبنان .