رعى رئيس
مجلس النواب، الأستاذ نبيه بري، حفل الإفطار السنوي الذي أقامته "مؤسسات أمل
التربوية" غروب الخميس7/1/1999 في فندق السمرلند في حضوررئيس الحكومة الدكتور
سليم الحص، الذي حضر لبعض الوقت ثم غادر لارتباطه بافطار آخر ومثله وزير الدفاع
غازي زعيتر، ووزير الاقتصاد ناصر السعيدي، والنواب علي الخليل، حسين يتيم، ياسين
جابر، محمود أبو حمدان، علي خريس، أيوب حميّد، أحمد سويد، حسن علوية، علي حسن خليل،
الشيخ عبد الأمير شمس الدين ممثلاُ رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ محمد
مهدي شمس الدين، رئيس جهاز أمن السفارات العميد الركن فايز رحال، نقيب المحامين
أنطوان قليموس ، وشخصيات تربوية وإعلامية وعسكرية ونقابية وقيادة "حركة أمل" وحشد
من المدعوين.
وألقى الرئيس بري الكلمة الختامية، وقال فيها:
في هذا
اللقاء الذي يجمعنا في شهر رمضان المبارك، بدعوة من مؤسسات "أمل" التربوية، أبدأ
الكلام بصرخة من أجل الذين يشتهون الشمس، من أجل الذين يشتهي النحل أن يجني ضحكة
ورود شفاههم، الذين يفطرون على شكوى الليل ويطلقون صورة الشهد في مرايا العتمة ؛
ومن أجل المعتقلين اللبنانيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي الذين لوجوههم أن تحب ،
ولعيونهم أن تنام مفتوحة لتغزل قضبان السجن بساط ريح إلى الحرية، لهم خفقة قلوبنا
في هذا المساء الرمضاني، وتحية المقاومين الذين حوّلوا شظايا أجسادهم إلى مدارس
للحرية ليطلقوا غداً كل السجون، لهم تحية مؤسسة محمد سعد، ومؤسسة بلال فحص، وشمران،
وغداً مؤسسة حسين قصير ومؤسسة هشام فحص، وبالأمس مؤسسة محمد يعقوب والإمام موسى
الصدر، ولكم الأيدي الأليفة التي تغزل يومكم المدرسي وشبكات الطرق والمياه
والكهرباء وتكتب بحراً لطيفاً وشاطئاً نظيفاً، وتحمي رئة ممالك الشاطىء من المواقف
المريضة بالسل، ولكم، إننا سنمضي في الحياة لنؤلف نظرة ناضجة إلى الوطن، وجوهاً لا
تحدّق في الفراغ، وطفولات تثابر على البراءة، ولكم أيادي المطر وهي تغسل صباح صور
لتعود ضوءاً يقوى على الجريان. ولكم، كمن يسخر في صهيل موج صيدا، ولكم، بيروت أمومة
دافئة لا تشيخ، ثم لكم، أن نلتقي على الكلمة، والكلمة هي الله وفي شهر الله لننشىء
المواطن الواعي لدوره وحقوقه وواجباته ولنحصّن بالتربية أجيالنا من خطر الصهيونية
كما من خطر الطائفية والمذهبية.
وبعد، كنت قد أمسكت عن الكلام في المناسبات الرمضانية إلا في مناسبة وحيدة تغلبني
على أمري كل عام هي الإفطار السنوي لمؤسسات "أمل" التربوية، ورعايتي لهذا الإفطار
تنطلق من أن هذه المؤسسات حملت عناوين شهداء المقاومة الكبار الذين أصبحوا مدرسة
للوطنية وأنموذجاً تربوياً يبرز كل عام من خلال نتائج الامتحانات المدرسية، حيث
وبالفعل، تتصدّر هذه المؤسسات الواجهة بفوز طلابها بنسبة هي مئة بالمئة. كما أن
رعايتي الشخصية لهذه المؤسسات تنطلق من أنها تسعى لتضييق الهوة بين البرامج
التعليمية والبرامج التطبيقية المهنية وتوسيع خيارات الطلاب وزيادة مهاراتهم. وهذه
المؤسسات التي يمكن أن تستوعب 31 ألف طالب في مختلف المراحل الابتدائية والتكميلية
والثانوية وكذلك في المراحل المختلفة للتعليم المهني وهو هدف نسعى لتحقيقه من خلال
الخطة المرسومة ليس لإنجاز الأبنية اللازمة فحسب، بل لبناء جهاز تربوي على مستوى
المهمة وإكساب الإدارة الخيّرة اللازمة في بناء علاقة التكنولوجيا بالتربية وإدارة
العملية التربوية.
وإنني ، وبمناسبة اللقاء اليوم، أقدم التهاني لمجلس إدارة المؤسسات، والأسرة
التربوية، ولجان الأهل، والطلاب، على الانجازات انطلاقاً من ثانوية الشيخ محمد
يعقوب في بعلبك التي أقامت مشروعاً مشتركاً مع وزارة التعليم المهني استوعب في هذا
العام الدراسي 567 طالباً، وكذلك استيعاب أبناء الشهداء في المراحل المختلفة وفي
جميع المؤسسات.
إننا، ومن خلال مؤسساتنا التربوية ، نسعى إلى ترسيخ مفهوم يركز على أن التربية أضحت
من أكبر الصناعات. إن هذا الأمر يستوجب إيجاد الصلة العضوية بين الخطة التربوية
والخطة الاقتصادية الإنمائية الشاملة. أقول ذلك لأن مهمة التربية ليست محو الأمية
واعطاء الطلاب شهادات في مستوى التعليم لتعليقها على جدارهم المنزلي، كما أن مهمة
المؤسسات التربوية الرسمية والخاصة ليس فقط تبليغ المنهج التربوي المقرر سنوياً
للطلاب، بل يتجاوز ذلك إلى توجيههم نحو حاجات سوق العمل الوطنية وتمكينهم من إيجاد
فرص للعمل، وأقول أيضاً إن مهمة النظام التربوي يجب أن تصب في خدمة المستقبل عبر
التكيّف مع تطوير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان والاستجابة لحاجاتها
المتجددة، وفي أن يلعب هذا النظام دوراً في هذا التطور وفي العمل على تصحيحه
وتطويره.
أيها
الأعزاء ،
إنني، ومع
حرصي الشديد على ضرورة أن يستمع المعنيون إلى ذوي الاختصاص والباحثين التربويين في
ما يختص بانتقاداتهم للنظام التربوي الجديد، أقول أيضاً وبصراحة، إن الواقع التربوي
في وضعه الراهن لا يزال يعيش أزمة سوق تستمر، بل وتستفحل وتشتد بسبب وجود نمو كمّي
للواقع التربوي لا يراعي متطلبات سوق العمل. لقد سبق وكشفت ، حتى بعد إنشاء
الوزارات المختصة بالتعليم العالي وبالتعليم المهني وبالتربية، أن إنشاء وزارات
اختصاص لا يحل مشكلات التربية المعقدة في لبنان لأن المشكلات ليست إدارية فقط. وقلت
إن الحل يكمن في إنشاء مجلس أعلى للتربية يتولى التخطيط للسياسة التربوية لإيجاد
الحلقة المفقودة بين حاجات التربية وحاجات التنمية، وبالتالي ينظم ناتج التعليم
بمختلف مراحله ومتطلبات سوق العمل في مختلف الأنشطة الاقتصادية الانتاجية، أؤكد على
ذلك، لأن تخطيط السياسة التربوية يجب أن يتكامل مع خطط النهوض الشاملة لأي حكومة في
أي بلد، ويجب أن يلحظ التخطيط خططاً حكومية تنموية مختلفة من أجل أن يحدد
الاختصاصات المطلوبة للخريجين في سياق هذه الخطط، بالإضافة إلى حاجات القطاع الخاص.
إنني أرى أن مثل هذا المجلس يشكل دون أدنى شك عنصراً مكملاً للمجلس الاقتصادي
الاجتماعي الموجود بالمعنى التشريعي والقانوني والذي غيبته الحكومات السابقة
بالمعنى العملي ، لأنها رفضت المفاهيم القائلة بأن النهوض الاقتصادي هو عمل جماعي
مشترك، يعتمد أولاً، على المؤهلات التربوية للقوى العاملة وللإسقاطات العلمية
الخاصة بمطالب هذه القوى على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
أيها
الأعزاء ،
إن النظام
التربوي والمؤسسات التربوية هي الأساس في إزالة التلوث الطائفي والمذهبي الذي يضرب
الجسم الوطني، والذي كان وسيبقى طالما نحن كذلك نقطة الضعف في لبنان. إن المهمة
التي تضطلع بها التربية في صناعة الإنسان هي الرد الحقيقي على أزمة الأخلاق وأزمة
الضمير في لغة التخاطب السياسي التي تنضح بالطائفية والمذهبية، والتي تمارس ضغوطاً
مؤلمة على الواقع الوطني وتحاول أن تطرح المخاوف والهواجس على حساب الثقة بالدولة
الراهنة. إن بعض الذين أصابهم ما أصاب الثعلب حين تسلل إلى حديقة العنب، يحاولون
اليوم قتل الناطور، وهو أمر لن يسمح به اللبنانيون، ولا الحريصون على لبنان. إن شد
الحبال بواسطة الكلام الشاذ الواضح الغايات ونشر غسيل الطائفية والمذهبية الوسخ على
حبال الوطن، من شأنه أن يحوّل الأنظار عن التحديات التي تفرضها اسرائيل على لبنان.
لقد حذرت من قبل انصرام العام الماضي ، وقبل أن تتكشف الوقائع الإسرائيلية عن أزمات
حزبية وحكومية عميقة، أن إسرائيل قد تسلك طريقاً ثالثاً على حساب لبنان لتحويل
الأنظار عن الجولان. لقد تابعنا بدقة الوقائع الإسرائيلية الأخيرة والتي تجعل
المجتمع الإسرائيلي يصطف خلف عدد من الجنرالات ومن المتطرفين في موقع اليسار أو
اليمين الإسرائيلي، وخصوصاً خلف عدد من رؤساء الأركان السابقين الذين قادوا حروب
إسرائيل واجتياحاتها للأراضي اللبنانية والعربية. إنه بالإضافة إلى صراع الأجنحة في
الليكود، وما انشق عنه من أسماء تقرع ، أسماء شارون وإيتان وشاهاك وباراك ، اسماع
اللبنانيين، فلا تبصر عيوننا سوى المجازر، وهو الأمر الذي يستدعي منا التمسك
بمقاومتنا. إن هناك ممارسة إسرائيلية لتحويل الجنوب والجولان والأراضي العربية
المحتلة إلى أوراق انتخابية، وقد دخلت الأحزاب الإسرائيلية في مزايدات متطرفة
التعبيرات لجذب أصوات الناخبين. إن هذه المزايدة ستكون لها صورة حركتها العسكرية
على حساب لبنان، ولا ننسى أبداً أن مجزرة قانا ارتكبت بظروف مشابهة، وكانت نتيجة من
نتائج انتخابات عام 1996 الإسرائيلية. إن رفع وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية الجوية
على البقاع، وزيادة مساحتها وعمقها، واليوم إقدامها على جرف 16 منزلاً في أرنون من
بينها منزل خليل حمدان المسؤول التنظيمي لحركة "أمل" في الجنوب اليوم الخميس،
والتهديد بضرب البنى التحتية والمنشآت الوطنية، أتذكر أنه عندما طالب الوزير
الإسرائيلي كالاهاني أول مرة بضرب البنى التحتية والمنشآت اللبنانية إذا لم توقف
المقاومة اللبنانية عملها، إنني كنت قد أنهيت زيارة إلى أرمينيا وتوجهت إلى إيران
وسألني رئيس مصلحة ترشيد النظام الرئيس هاشمي رفسنجاني في أثناء لقائنا في مشهد
"وماذا ستفعلون أنتم اللبنانيون إذا نفّذت إسرائيل هذه التهديدات؟" أجبت: "وماذا
بإمكاننا أن نفعل غير التمسك والاستمرار في المقاومة، وهل يوجد حل آخر؟". واليوم
نقول، إن سقوط حكومة نتنياهو كان من أسباب استمرار الثور الإسرائيلي بالتواجد في
حديقة الخراف. لقد سقط شيمون بيريز في الامتحان اللبناني قبل نتنياهو بالإضافة إلى
السقوط في امتحان فصل المسارين اللبناني والسوري. وإنني اليوم وتكراراً وبمواجهة
هذا التحدي الإسرائيلي أؤكد على ضرورة تمتين العلاقات اللبنانية ـ السورية من جهة؛
ومن جهة ثانية، على تصميم المقاومة على المستويين الرسمي والشعبي بما يؤدي إلى
تصليب الوحدة الوطنية بوصفها السلاح الأقوى بمواجهة أي طارىء يمكن أن يؤدي إلى عزل
أية منطقة بالعدوان، كما حدث في نيسان 1996، وفي هذا الإطار، أوجه عناية الحكومة
الجديدة إلى أن الحكومة السابقة والتي سبقتها أيضاً، أنهتا خدماتهما قبل أن تضعا
مقررات الاجتماع الحكومي الشهير في سراي النبطية موضع التنفيذ، ولا يزال أهلنا في
الجنوب والبقاع الغربي ينتظرون بعض الوعود من هذا الأمر. وفي كل الحالات، فإن لبنان
بمقاومته التي تمكّنت من إسقاط اتفاق 17 أيار، ستتمكن من دون مغالاة ومبالغة من فرض
الوقائع اللبنانية على نتائج انتخابات 17 أيار في إسرائيل، وستجد الحكومة
الإسرائيلية المقبلة نفسها أمام الوقائع نفسها التي تواجه حكومة الليكود
الإسرائيلية الحالية، كما حكومة العمل السابقة، وهي أن لبنان سيكون أقوى من أي
إعصار إسرائيلي مهما بلغت قوّته طالما أنه يحتفظ بوحدته الوطنية وطالما أنه يمتّن
علاقاته مع سوريا، ولن يكون بلدنا بطناً رخواً أمام الضربات الإسرائيلية تحت حزام
الجنوب او فوقه.
أيها
الأعزاء،
لقد أطلت
قليلاً في هذه الأمسية الرمضانية، ولكن العناوين تتدافع وبعضها يحاول أن يصنّفنا
على تماس مع العهد والحكومة الجديدة. وقبل أن أختم، واختصاراللكلام، وخير الكلام ما
قلّ ودلّ، أجدد القول، بأننا نرى في العهد الرئاسي الجديد، وكذلك في رئيس الحكومة
والحكومة فرصة لإطلاق دولة المؤسسات، وسنترجم شعاراتنا بلعب دور الرافعة للدولة
باتجاه بناء الإدارة ومنع استخدام السلطة، وبإعطاء مضمون عملي لمعنى المراقبة
والمحاسبة، من موقع السلطة التشريعية لكل أجهزة الرقابة على مستوى الدولة، وكذلك
تشجيعاً لقيام قضاء نزيه خدمة للمواطن والوطن، لبنان.
عشتم وعاش
لبنان