كلمة الرئيس نبيه
برّي في افتتاح مجمّع التحرير التربوي في السلطانية - بنت جبيل
بسمه تعالى
كما تتكاثر
الاحلام في ليالي الجنوب الذي وقف على مرمى الدمع والموت ويقف اليوم على مرمى
الاقلام والامل.
كما يحب
الجنوبيون الندى الذي يغسل وجه صباحهم،
كما يحمـل الفلاحون رغيف تعب نهارهم الى موائد صغارهم،
احمل اليك ايها الجنوب هدية من امل :
مجمع
التحرير التربوي
كما تطلع
الشمس وضاءة كل صباح
كما يطلع الكلام من الصمت ناضجاً وبليغاً
كما يطلع البذار الطيب في الارض الطيبة
كما يضحك الماء بين فم الغيم وبين ضفتي القلب
كذلك يبزغ هذا المجمع كنجم مضيء على هذا التل
كنت اعرف ان
سياسة الحرمان سوف لا تبقي ولا تذري
في هذا
المكان السلطانية سبقنا بعض المبادرين واسسوا جمعية النهضة الخيرية الاسلامية، التي
حاولت ولاتزال وقف النزف والهجرة، وتعويض الحرمان وتأسيس مشاريع واطلاق المبادرات
الاهلية، ولكن الوقائع كانت اكثر مرارة مما توقعنا وتوقعوا.
وكانت قرانا
قبل الاحتلال تدب فيها الحياة فقط في عطلة نهاية الاسبوع وكانت السلطانية بل وعادت
السلطانية تسهر حتى صباح التين.
منذ ايام
الشباب احببت ان اجاري مبادرات الخيرين في هذا المكان حلمت بمشروعات عل رؤوس التلال
حتى اذا حمل اليّ ابن من ابنائي الفكرة طالبته سريعاً بأن يباشر المشروع.
وها انا ذا
اقف على تفسير هذا الحلم.
وها هي
افواج المقاومة اللبنانية (امل ) تطلق اليوم مؤسسة تربوية، اضافة الى سبع مؤسسات
عاملة تحمل اسماء وعناوين السباقين الى المقاومة، والذين اسسوا لعصر المقاومة
وكانوا تلاميذ افداذاً في مدرسة الامام السيد موسى الصدر.
وهذه
المؤسسة العاملة والعاملية الجديدة التي نرعى افتتاحها اليوم والتي تتربع فوق هذا
التل، تأتي لتحمل مجمع التحرير. ولتلبي حاجة وطموحاً.
الحاجة هي
تلك التي نستدركها في مواجهة الحرمان السابق من كل شيء خصوصاً الحق في اكتساب
المعرفة والعلوم، وهو الامر الذي دفعنا بالترافق مع تحرير كل شبر من ارضنا الى نشر
شبكة من المدارس في كل مدينة وبلدة وقرية ودسكرة، لتحصين انتصارنا بالتعليم
والاستثمار علىابنائنا الذين يحق لهم ان يدخلوا عصرهم من ابواب مدارسهم.
اما الطموح،
فهو الطموح المكمل لفكرة الامام السيد موسى الصدر عندما زرع غرسة مؤسسة جبل عامل
المهنية في برج الشمالي في ارض القداسة في الجنوب وقال انني اضع هذه الغرسة هنا
مقابل ( اسرائيل ).
يومها تطلع
بعض الحضور الى بعضهم وكأنهم يتساءلون ماذا يقول الرجل، وما دخل انشاء مدرسة بـ "
أسرائيل " ؟ وكيف ستقاوم تلك المدرسة " اسرائيل " ؟
وما ان شبت
الغرسة وتعمقت جذورها في الارض وحاكت اغصانها السماء وبدأت تستقبل الاساتذة والطلاب
حتى بدأ الجميع يدركون الفكرة.
فإنعقد اول
مؤتمر لافواج المقاومة اللبنانية ( امل ) في تلك المؤسسة.
وفي تلك
المؤسسة اتخذ مصطفى شمران غرفة عملياته لمتابعة الموقف في ايران ولتحضير عناصر
الثورة.
وفي تلك
المؤسسة تعلم محمد سعد ورفاقه المقاومة، ومن هناك توجه قائد المقاومة الى ساح
كربلائه في صور واطلق استشهادي امل، واصبحت مدرسة الشجرة واحمد وحسن قصير وبلال
وهشام فحص عناوين لاساتذة وطلاب والان عناوين لمدارس.
اذن الطموح
كان في تحقيق ذاتنا الوطنية مقابل الاعتداءات الاسرائيلية على سيادتنا وارضنا،
الطموح في ان نكون، في ان نعيش في كرامة وعزة، وان لا نسقط في التجـربة.
وحققت اول
غرسات امل التربوية هذا الطموح، وها نحن وعلى نفس الطريق نضع غرسة جديدة تتمثل في
هذا الصرح التربوي على تلة جديدة من تلال عامله،
الطموح كذلك
كان في تحويل الحرمان من حالة الى حركة، وفي تحقيق مشاركة الناس في كل ما يتيح حياة
المجتمع والدولة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لذلك ومن
هذا الصرح اتوجه بالشكر اولاً الى ابن امل، ولدي الحاج عبدالله برّي الذي سهر على
انجاز هذا المشروع، والى كل الخيرين من مغتربين ورجال اعمال الذين اسهموا في اتمام
مجمع التحرير، الذي يضم قسماً للتعليم المهني مشتركاً مع الوزارة المختصة يحمل اسم
معهد الشهيد هشام فحص، اضافة الىالمختبرات والمكتبة ومركزاً ثقافياً وتجهيزات
عصرية.
ايها
الاعزاء
على ابواب
العام الدراسي، لن ندفن رؤوسنا في الرمل ونتجـاهل الوقائع الاقتصادية والاجتماعية
التي يعاني منها شعبنا، ويجب ان لا نتجاهل ان اكثرية الاسر في مختلف المناطق لا
تملك رسم التسجيل المدرسي وثمن الكتب لاولادها كما ان المواطنين في المناطق الجبلية
والريفية المرتفعة لا تملك ثم وقود التدفئة وحسناً فعلت الحكومة ومعالي وزير
التربية ورئيس الحكومة واولاً رئيس الجمهورية بالغاء الرسوم المدرسية عن كاهل
المواطنين.
لقد تحدثت
منذ سنوات عن مخاوفي من النمو الذي لا يخلق فرص عمل، وعن سياسة الانفاق وعن الضرائب
الملتهبة وغيرها، وغيرها، وقلت اننا يجب ان نجد حلولاً جذرية شاملة للمشكلات لا
حلولاً علاجية مؤقتة، وقد سبق لي ان اقترحت جملة اجراءات، وطلبت ان لا يتم
الاستنساب منها بمعنى ان يتم الاخذ بها دفعة واحدة كوسيلة اصلاحية لحل المشكلات
الادارية والاقتصادية.
وبصراحة،
الان وبمواجهة تحدي الازمة الاخذة بالتفاقم وامام الوقائع الدولية والاقليمية
والمحلية، فإن المطلوب اجراءات وطنية ومقاومة اقتصادية مبنية على اسس واضحة، وليس
ادارة الازمة على حساب ما تبقى في جيوب المواطنين.
انني ادعو
لاطلاع المواطنين على الابعاد المترتبة على كل اجراء ضريبي وبما سيخدم البلد، وكيف
يؤدي الى خدمة الدين العام وكيف يحمي العملة الوطنية. لأننا لا نريد اجراءات فقط
لنثبت اننا استطعنا تقليص العجز وان الحكومة اي حكومة ستتمكن من اللعب والمناورة في
الهوامش المتعلقة بحجم المديونية بل اننا نريد من هذه الاجراءات من خلال خطة خمسية
او عشرية، ولكن خطة معروفة الامد تقرب الناس من الهدف الذي يؤدي في لحظة ما بتاريخ
ما من اشعار المواطن انه سيلمس وسيحس بالازدهار.
وبانتظار
ذلك، فإنه لا بد من توليد فرص للعمل ومن توسيع خيارات الناس ومن جعل الاسواق رؤوفة
بالناس.
ايها
الاعزاء
وبالنظر الى
الوقائع الدولية الراهنة، فإن الزلزال الذي ضرب نيويورك وواشطن مثل في البعد العام
كارثة انسانية، وطرح على المستوى الدولي اسئلة ومسؤوليات على الولايات المتحدة
الاميركية نفسها وعلى سياستها الخارجية، خصوصاً وان الادارة الاميركية التي تحمل في
العلن هم حقوق الانسان كانت تداري لحساب مصالحها وتغمض العينين عن الازدواجية في
الموقف الدولي الارهاب الممارس على الشعوب.
انني بداية،
اود ان اؤكد ادانتنا واستنكارنا " للطرود " الطائرة المفخخة التي استهدفت الولايات
المتحدة الاميركية، والتي استخدم من خلالها منفذو العمليات ركاب الطائرات المدنية
المختطفة كدرع وقائي غير متوقع.
اننا اذ
نأسف للارواح البرّيئة التي ازهقت في خلال تلك العمليات، وللدمار الهائل والخسائر
الجسيمة التي وقعت، فإننا نتطلع الى استتباعات ما حدث من خلال اعلان الولايات
المتحدة الحرب الشاملة على الارهاب والدعوة الى انشاء تحالف دولي للمشاركة في تلك
الحرب.
اننا نرى ان
المبادرة الاميركية الدولية ضد الارهاب تأتي متأخرة اكثر من نصف قرن، وكان يجب ان
تترافق مع هزيمة النازية في الحرب الكونية الثانية، لمنع تشكل الصهيونية في كيان
ارهابي هو السبب الان ودون ادنى شك في اطلاق مارد الارهاب كنمط وكأسلوب، ليس من
الضروري ان يبحث عن الارهاب في اي زاوية او شارع في العالم، الارهاب يكمن في البغض،
واذا تعاطت اميركا مع النتائج لن تربح، وان تعاطت مع الاسباب عندئذ هنالك امكانية
للمساعدة والربح، لأن الصهيونية تمثل نمطاً خاصاً للارهاب بما في ذلك ارهاب الدولة.
اننا نرى ان
الصهيونية هي التي اسست لسباق الحرب الكونية الثالثة التي يجري الاعداد لها، والتي
تحاول جعل المسلمين والعرب من جهة ومن جهة ثانية كل المعترضين على الاحادية التي
تحاول ان تتحكم بالنظام العالمي اعداء لها.
اننا نقول
وبأعلى الصوت ان العرب عموماً والفلسطينيين واللبنانيين على وجه الخصوص هم اول
ضحايا الارهاب، ارهاب العصابات الصهيونية ثم ارهاب الدولة في اسرائيل.
اليس ما
فعلته اسرائيل منذ عام 1948 الىاليوم بحق الشعب الفلسطيني من تشريد واستيطان وقتل
وهدم واعتقال ارهاباً ؟
هل ان
الاعتداء على الحرمات الدينية وفي الطليعة المسجد الاقصى وكنيسة القيامة وتواصل هذا
العدوان احتلالاً وتدنيساً منذ عام 1967 امر مقبول في المعايير الدولية والاميركية
؟
هل ان تدمير
رام الله وبيت جالا وقلقيليه واريحا وغزه ودير البلح مناورة اسرائيلية عادية
بالاسلحة والذخائر الاميركية الصنع ؟
هل ان
المجازر الاسرائيلية من دير ياسين الى قانا وجنتا وما بينهما وما يجري في فلسطين
المحتلة من مجازر بحق المدنيين العرب امر يمكن المرور عليه مرور الكرام ؟
هل ان قتل
شعب آمن جريمة فيها نظر ؟
اننا لا
نسوق هذه الامثلة لنقول ان علىالاميركيين ان يشربوا من هذا الكأس المر حتى يعتبروا.
وكذلك،
فإننا لا ندير رؤوسنا عن بشاعة الجريمة التي استهدفت الولايات المتحدة.
ونحن بطبيعتنا ضد الشر والجريمة والارهاب الفردي او المنظم او الرسمي.
ونحن،
اللبنانيين والعرب والمسلمين لن نقبل بأن نوصم بصفة الجريمة والباسها اي لبوس
عقائدي ديني او سياسي.
اننا اول
الداعين الى رفع يد الارهاب عن كل الشعوب على مساحة كل العالم، وبداية رفع يد
الارهاب الاسرائيلية من فلسطين ومن الشرق الاوسط وهو امر يمكن ان تلعب الولايات
المتحدة دوراً مسؤولاً تجاهه.
وقال : "
بصراحة لا يخدعكم من سيقف معكم بل من سيتمكن ان يبقى معكم، وعلينا ان ننتبه من الان
وعلى العرب ان ينتبهوا من الان، انها فرصتهم، انها فرصة العرب لكي تجتمع كلمتهم
ويقولوا ماذا يريدون ويقولوا كلمة واحدة، فالسؤال الكبير ليس ماذا سيحصل في
افغانستان لكن ماذا بعد افغانستان ؟ لماذا كل هذه الاسماء العربية التي يمكن ان
يكون بعضها صحيحاً وبعضها غير صحيح، لماذا هذا اللبوس، لماذا تقد الجريمة علىالعرب
كما تقد الثياب علىمقاليد الاجسام اليس هنالك مطالب بعد ؟ وماذا وراءالاكمة ؟ وهل
المطلوب ان يصبح كل العرب عراقاً اخر ؟ علينا ان ننتبه وان نفهم فنحن مرة اخرى ضد
الجريمة التي حصلت في الولايات المتحدة الاميركية لانها ضد ديننا وانسانيتنا، وضد
شعب نأمل دائماً ان يغير سياسة الادارة الاميركية.
ان ما يجب
ان يدركه العالم هو وجود خيط رفيع بين المقاومة والارهاب وبين الامن والقمع.
لذلك نأمل
ان لا تخطىء البوصلة الدولية اتجاهها في التفريق بين حق الشعوب في مقاومة الاستعمار
والاسيتطان والاستغلال، وبين الارهاب الذي يعني الجريمة والقتل، كما نأمل ان لا
يخطىء احد في محاولة احلال القمع مكان الامن والسلام الدوليين، وفي تحميل الشعوب
مسؤولية اعمال فردية وبالتالي تحويل الشعوب الى ضحية في اطار الرد على الارهاب.
وفي كل
الحالات، فإننا نرى ان استمرار معاملة اسرائيل كإستثناء لا تنطبق عليه القرارات
والمعايير الدولية، وعدم معاقبتها على جرائمها وعدم التعامل مع المستوى المسؤول
فيها كمجرمي حرب، امر يشرع العنف وسيجعل السفاحين والقتلة في كـل مكان من العالم
يعتبرون انفسهم فوق القوانين المحلية والدولية.
اخيراً،
اننا لا نعتقد ان احداً في العالم كان ليتجرأ على الولايات المتحدة وامنها وقوتها،
لولا ان الولايات المتحدة جعلت نفسها مكشوفة سياسياً قبل ان تكشف نظامها الامني
وتجعل من الشركات القابضة على احتكارات الاسلحة سلطات قابضة علىالامن في انحاء
العالم.
وبالعودة
الى لبنان إننا في هذا الوقت احوج ما نكون لكي نعيش في زماننا وفي وقتنا، وان لا
نبقى نستذكر الهواجس والمخاوف ونطرح العصبيات ونحاول ان نعيد لبنان خطوات
الىالوراء.
واقول ذلك
لأن مساحة التحدي تتجاوز لبنان الى كل الساحة العربية ومناطق الجوار الاقليمية،
وهذا الامر يطرح مجدداً التأكيد على وحدة المصير واولاً ودائماً مع سوريا ومع كل
الاشقاء والاصدقاء الذين يستشعرون الخطر عن قرب وعن بعد.
واقول
للجميع ان هناك محاولة لاعادة انتاج الوقائع الاقليمية والدولية وهذا الامر يطرح
مصير كل الاقطار والكيانات وهو ما يتطلب الوحدة الداخلية والتأكيد علىالاخوة
والتنسيق والتعاون الكامل مع سوريا في ذكرى الانتفاضة، انتفاضة فلسطين، العرب
مدعوون لموقف واحد ـ اليوم ـ اليوم يوحد هدفهم في التحرير ويستبعد استهدافهم
ايماناً وحضارة.
ايها
الاعزاء
من مجمع
التحرير ومن معهد الشهيد هشام فحص ومن قاعة الامسيات العاملية التي ستعود، ستفتح
باباً لكل انواع الابداع والتي ستشكل مركزاً لاطلاق فعاليات وانشطة الباحثين.
اهنىء الاخ
وزير التربية على كتاب التاريخ الموحد الذي هوالخطوة الاولى الحقيقية منذ عام 1926
في سبيل تقليص الطائفية.
من هذا
المكان الذي يفتح باباً لقامات الطلاب الناضجة بالحياة، اعلن بأسم افواج المقاومة
اللبنانية امل افتتاح هذا الصرح التربوي على امل ان نلتقي في افتتاح مؤسسة اخرى في
بيروت ووضع حجر اساس لمؤسسة اخرى في الخيام واخرى في البقاع الغربي مما سيسهم دون
شك في ترسيخ الوحدة الوطنية والتعايش الوطني، وبناء مجتمع المقاومة وازدهار الانسان
في لبنان.
عشتم
عاش لبنان
|