كلمة الرئيس نبيه
برّي في حفل "اللقاء الإغترابي الحركي في لبنان"
"تعديل
قانون أصول المحاكمات خدم الحرية لكن القصة سياسية والقانون
الجديد هو القانون الوحيد في المنطقة الذي وضع إطاراً للحرية "
نظم مكتب العلاقات الخارجية لـ" حركة أمل " برعاية
وحضور رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي الخميس 16/8/2001 " اللقاء الاغترابي
الحركي في لبنان " في فندق " رويال بلازا " الروشة، في حضور الوزراء : محمود حمود
ممثلاً رئيس الحكومة، بشارة مرهج وعلي العبدالله، مدير عام الشباب والرياضة زيد
خيامي ممثلاً وزير الشباب والرياضة والنواب : أيوب حميد، سامي الخطيب، سمير عازار،
ناصر قنديل، عبداللطيف الزين، غازي زعيتر، علي الخليل، محمود أبو حمدان، عباس هاشم،
علي بزي، أنور الخليل، قاسم هاشم، مدير عام وزارة الإعلام حسان فلحة، السفير
الإيراني في لبنان محمد علي سبحاني، رئيس الإتحاد العمالي العام غسان غصن، نقيب
المهندسين سمير ضومط، نقيب الأطباء محمود شقير، السفير الكوبي انريكي
ايرنانديز،ممثل السفارة الكويتية سامي الحمد، ممثلي السفارات الأوسترالية
والباكستانية والروسية، وممثلي الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية وحشد من الشخصيات
والهيئات الاغترابية ومسؤولي قيادة " أمل " وعريف الحفل الدكتور طلال حاطوم.
بداية، تحدث مسؤول الممثليات في مكتب العلاقات
الخارجية في الحركة عدنان جزيني، وتلاه رئيس المكتب علي مسمار.
وألقى وزير الخارجية والمغتربين ممثلاً رئيس الحكومة
رفيق الحريري، كلمة مطولة.
ثم كانت كلمة الختام لصاحب
الرعاية الرئيس نبيه برّي الذي قال :
بسمه تعالى
بعضهم لم يبق منه سوى الصدى وطيف خيال خارج من باب
الدار، وصورة الام " التي تفارقها فلذات اكبادها " الواحد تلو الاخر، وهي لا تملك
سوى البكاء والدعاء لهم بالتوفيق.
بعضهم اكلته الغربة، ذابت في اعينهم صور الاهل
والاحباب والضيعة والاماسي والوطن، ذابوا في المسافة عبر البحار، وصار بينهم وبيننا
افق دخاني يحجبنا عن بعضنا إلى حد النسيان، وصاروا جثثاً تنتمي للريح، والابناء من
بعدهم لم يبق لهم من لغتنا سوى مفردات مكسرة، لم يبق لهم من حكاياتنا سوى اشلاء
محطمة ذابلة.
بعضهم لازال بينه وبين الوطن سلام وكلام ورسائل ود،
لازال يقاوم النسيان ولكنهم في واقع الامر اصبحوا حيث هم مواطنين مقيمين، اندمجوا
في حياة المد والجزر لمجتمعات المحيطات الاخرى، اصبحوا جزءاً من وقت العالم الاخر،
اصبحوا جزءاً من نظام نهارات وليالي ذلك العالم، جزءاً من نظـام الحيـاة حيث هـم،
واصحبت عودتهم لامسنا الذي فارقوه مستحيلة سوى كزوار يخطفون ارجلهم الينا يستجنون
تيننا وزيتوننا وتبولتنا ومواويلنا، ثم ينصرفون عنا بعد ان اداروا شوقنا كسبحة في
اصابعهم.
بعضهم لازال يعشق فجر عواصفنا ويتابع زقزقات
قبراتنا، لازالت صدورهم تختزن حزننا وحبنا، لازال حنينهم اقوى من الاضواء، لازالوا
يعشقون لون الهوى والهواء في كرومهم، لازالت اشباحنا تسكن في احلامهم، لازالوا
يفاتحون صغارهم بحكايات البلد، ويفخرون بأننا كنسنا الاعداء من غرف نومنا ومن غرف
طعامنا، وانه لاتزال هناك شرفة صغيرة تمتد من تلال كفرشوبا إلى مزارع شبعا سوف لا
يفوتنا ان نحررها.
انتم هذا البعض الاخير الذي يسكنهم الوطن، الذين لم
يـدركهم الليل ولم تأكل وجوهم عتمة الغربة، ولم تسحقهم المسافات، الذين كانوا القرش
الابيض لليوم الاسود، الذين بقيت لغتنا على شفاههم، الذين يعرفون اسماء شهدائنا
واحداً واحداً، الـذين يتذكرون اسماء قرانا وتلالنا واعين مائنا وضحكة عيوننا،
الذين لا تنعس اشواقهم عنا، الذين يبوح صوتهم بعذاباتنا، الذين يبادلوننا الحب
والفرح والحزن عيناً بعين وسناً بسن.
للبعض الاول الذي صار رماداً في موقدة اغترابنا.
وللبعض الثاني الذي استوت جمرة عمره في موقدة الغربة وكاد يترمد.
وللبعض الاخير الذي لازال يفتش عن صورته في ذاكرة الجميع.
لهم جميعاً الف تحية وبعد،
للمرة الاولى، ينعقد هذا اللقاء الاغترابي الحركي
علىارض الوطن، وهو امر سيتكرر كل عام، يؤسس لتواصل مستمر انساني بالدرجة الاولى ومن
ثم لروابط عميقة في بعدها العقائدي والسياسي والتنظيمي بينكم وبين الوطن.
اعترف انه ربما، بل والصحيح اننا تأخرنا في تشكيل
مؤسسة اغترابية محددة المهام والدور، واكتفينا في السابق بوجود رابط تنظيمي وبادارة
العلاقة فيما بيننا عن بعد، ومرد ذلك لاسباب تتعلق بمشاغل وهموم محلية لم تقصروا
انتم عن تحمل المسؤولية ازاءها فيما قصرنا عن تحمل المسؤولية ازاءكم.
انني اعترف بأن هناك نوعاً من التقصير في اطلاق
فعاليات وادوار قوتنا الاغترابية، في وقت كنتم تستجيبون فيه للمهام المطلوبة ازاء
القضايا الوطنية، واتذكر علىالدوام انكم كنتم سفراء مخلصين في نقل الوقائع المتصلة
بالاحتلال وبالاعتداءات وبالجرائم الاسرائيلية ضد شعبكم، وانكم استطعتم علىمساحة
بلدان الانتشار اللبناني ان تنقلوا صورة الحقيقة والمعاناة الناتجة عن حروب اسرائيل
ضد لبنان.
واتذكركم في الرابع عشر من اذار في كل عام وانتم
تقيمون الدنيا ولا تقعدونها، وانتم تدقون علىضمير العالم كي يصحو ليبصر حمامات الدم
التي تخلفها حروب اسرائيل ضد بلدنا، وليبصر مجزرة قانا واخوات قانا، ليبصر الحريق
المشتعل جراء عناقيد الغضب والحقد الاسرائيلية في المدن والبلدات والقرى والمخيمات.
وها نحن اليوم، وطنكم ومواطنيكم، احوج اليكم اليوم
اكثر من اي وقت مضى.
فقد حدث ما توقعنا ونحن صابرون
لقد عوقبنا على انجاز التحرير بدل ان نكافأ على هذا الانجاز
وبإستثناء سوريا التي تقطع من لحمها لتعطينا والتي عمرت مقابل اسرائيل التي دمرت.
بإستثناء سوريا التي تلتزم تعزيز سلامنا الاهلي وتحصين وحدتنا الوطنية.
بإستثناء سوريا التي رعت ودعمت مقاومتنا وصمودنا.
وبإستثناء مبادرات مشكورة من الاخوة في الجمهورية الاسلامية في ايران ومن بعض
الاشقاء العرب.
فإن بعض الاشقاء الاخرين يدفنون رؤوسهم بالرمل حتى
لا يروا انتصارنا، وحتى لا يروا ولا يسمعوا صرخة الدم الفلسطيني في برّية العالم،
بل ان هذا البعض الاخر لا يكتفي فقط بالتجاهل واللامبالاة، بل يمد جسوراً وخطوطاً
وخيوطاً مع الاسرائيليين، وكأنهم يلعبون مع شعوبهم وامتهم لعبة غميضة، وبالمقابل
يراهنون على الروليت الاسرائيلية.
اقول اننا نحتاج اليكم اليوم اكثر من اي وقت مضى
لاسباب ابرزها :
اولاً : ان انجاز التحرير لم يكتمل بعد، فلا زالت
مزارع شبعا وتلال كفر شوبا رهينة الاسرائيليين يعني ان لبنان كله تحت الاحتلال لأن
السيادة لا تتجزأ.
وهذا الامر يحتاح إلى تأييد الدول والرأي العام
العالمي وفي الطيعة بلدان الانتشار اللبناني، وهذا الامر لا يقع على عاتق الدولة
ووزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية فحسب، بل يقع على قوة حضوركم النشطة في ارجاء
المعمورة، حيث ينتشر لبنان كأمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وحيث هم موجودون
كبرلمانيين وكجزء مؤثر في صنع السياسات لتسعة عشر بلداً.
ثانياً : لأن ازالة اثار الاحتلال من المناطق
المحررة تحتاج إلى تضافر جهود الدولة مع المواطنين مقيمين ومغتربين، خصوصاً وان
هناك نسبة كبيرة من المغتربين من ابناء المناطق الحدودية الذين هجرتهم وابعدت
غربتهم اساساً الاعتداءات والاجتياحات الاسرائيلية، وقد جاء الوقت الذي يجب ان
يعوضوا فيه غربتهم ليس بمد بساط منازل وقصور لهم في ملاعب طفولتهم فحسب، بل بإقامة
المشروعات التي تفتح الباب امام فرص العمل لابناء بلداتهم.
ثالثاً : لأننا في لبنان نحتاج إلى خبراتكم المتنوعة
التي اكتسبتموها في عالم الغربة سواء في عملية صنع السياسة العامة وتعزيز المشاركة،
وسواء في الاستجابة والتلاؤم مع متطلبات العصر.
ان هذه المهمات تحتاج إلى تنظيم علاقتكم في الوطن .
انني هنا لا اتحدث عن تنظيم وجودكم كفئة حزبية، لأن
الحزبية يجب ان تذوب في عالم الغربة ولا يبقى منها سوى :
ـ الشعور بالانتماء والتمسك بالهوية الوطنية.
ـ تعزيز وحدتكم الوطنية كجاليات لبنانية وتنظيم حضوركم الفاعل والمؤثر.
ـ تقديم المشهد اللبناني كأنموذج للعيش ليس فقط في لبنان وانما في اكثر من منطقة في
العالم تعاني من الازمات نفسها.
ـ تقديم فعل المقاومة على انه رد طبيعي على الاحتلال والعدوان على شعبكم.
ـ انحيازكم إلى السلام العادل والشامل في منطقتكم المبني على قرارات الشرعية
الدولية والتمسك بالثوابت والمبادىءالتي اكدت عليها رسالتنا كقوة سياسية حية، والتي
تنطلق من دعم انتفاضة اشقائنا ابناء الشعب الفلسطيني بل والدفاع عن كل عملية
استشهادية يقوم بها فلسطيني في فلسطين.
ان التزامكم هذه المبادىء يجسد التزامكم في افواج
المقاومة اللبنانية ( امل ) كقوة مقاومة وكقوة تعايش وكركيزة اساس للوحدة الوطنية،
وكقوة سياسية فاعلة تهدف إلى ترسيخ النظام البرلماني الديموقراطي وإلى تحديث الدولة
وسيادة القانون، وما تقرأونه الان عن ضربة للبرلمان اللبناني وضربة للديموقراطية
تأكدوا ان الذي حصل في البرلمان اللبناني لا علاقة له مطلقاً بالحرية ابداً. ان
النصوص التي اقرها المجلس النيابي في قانون اصول المحاكمات الجزائية صدقوني انه
القانون الاوحد في هذه المنطقة كلها الذي وضع اطاراً للحرية. وان التعديل الذي حصل
مؤخراً خدم الحرية ولكن القصة، قصة سياسية قصة تشريع.
ايها الاعزاء
ربما يعرف بعضكم او لا يعرف ان المغتربين والمنتشرين
اللبنانيين يشكلون على الاقل ثلاثة اضعاف سكان لبنان، الا ان العهود السابقة قصرت
في بناء اشكال تواصل ثاتبة معهم مما ادى إلى ذوبان اجيالهم في مجتمعات دول
الانتشار.
انني ادعو لأن تكون مؤسستنا الاغترابية التنظيمية
جزءاً من وكالة وطنية تسعى إلى احياء الاتصال بالمتحدرين مـن اصل لبناني، ورصد
كفاءاتهم وخبراتهم وبناء معلوماتهم حول وطنهم الام والامكنة التي ينتمون اليها
علىمساحة الوطن.
ان هذا العمل يشكل الاساس النظري لاطلاق مشروع البطاقة الاغترابية التي تشكل
اعترافاً وطنياً بإنتماء هؤلاء المغتربين إلى لبنان. اذا كانت مسألة الهوية
والاحتفاظ بالهوية فيها مشكلتان المشكلة الطائفية الداخلية اللبنانية ومشكلة
ازدواجية الجنسية فالبطاقة الاغترابية ليس فيها اي شيء او ضيم في هذهين الموضوعين.
ان هذه البطاقة يجب ان تضمن لهؤلاء بطاقة سفر واقامة وانتقالاً داخل لبنان مدروس
الكلفة من اجل تشجيعهم على التواصل مع وطنهم.
انكم معنيون بالعمل كمرشدين ثقافيين وسياحيين
لوطنكم، اولاً مع المتحدرين من اصول لبنانية ومن اصول عربية وبعد ذلك المواطنين
المتمكنين والمستثمرين في بلدان الانتشار.
انكم معنيون بمعني اوضح ببناء قوة ضغط او ( لوبي )
لبناني كطليعة لقوة ضغط او " لوبي " عربي في بلدان الانتشار. بما لا شك ان الولايات
المتحدة الاميركية محكومة من اللوبي الصهيوني وهذا امر غير خاضع للمناقشة.
منذ اكثر من اربعين سنة كان استاذنا ادمون رباط يقول
ان الذي يعتقد ان اسرائيل محكومة لاميركا " يعاني باشكالية في رأسه فالحقيقة هي
العكس " وان اميركا هي محكومة من اسرائيل لان هناك " لوبي " اعلامياً وماليا يضغط
ويشكل قوة ضغط داخل الولايات المتحدة.
هناك مليون والنصف مليون من اصل لبناني في الولايات
المتحدة ناهيك عن فلسطينيين وباقي العرب وان المال العربي المودع في المصارف
الاميركية ماذ يفعل ؟ لو كان هناك " لوبي " عربي حقيقي كان بامكاننا مقاتلة
الاسرائيليين داخل المجتمع الاميركي وفي النهاية علينا ان ننتصر علىاميركا بواسطة
الشعب الاميركي ولن نذهب ونحتل اميركا . هذا الامر جزء من جهادنا والفيتناميون
انتصروا علىاميركا داخل اميركا وخارجها أي ان الجهاد كان ديبلوماسيا وسياسيا وشعبيا
بالاضافة إلىالجهاد العسكري. لقد قال الامام الصدر لليهود " لستم اقوى من اميركا
ولسنا اضعف من فيتنام.
لقد كان الصوت العربي إلى جانب المنظمات الاميركية
الاسلامية محسوساً في الانتخابات الاميركية الاخيرة.
انكم معنيون بتأسيس التواصل بين الجامعة الوطنية والجامعات في اماكن انتشاركم،
ومعنيون بصورة مباشرة في تحقيق برنامج التعلم عن بعد الذي تسعى اليه الجامعة
اللبنانية.
انكم معنيون بتأسيس مدارس : كيف حافظ اليهود على هذا
الامر كيف عادوا يطالبوننا بدون حق بفلسطين وانتزعوها منا رغما عنا ؟ لقد انتزعوها
منذ عام 1948، بماذا ؟ هل فقط بالسيطـرة ؟ لا لقـد حافظوا على تراثهم وعلىلغتهم ولم
يتركوا "القلنسوة " عام 1978 سبحوا في الليطاني وهم يضعون "القلنسوة ".
عندئذ تأكدنا ان هؤلاء لا يمكن دحرهم الا بالايمان
والان تأكدوا تماماً ان هذا هو معنى الكلمة الحقيقية للامام الصدر، واقولها مرة
اخرى " اعلم يا ابا عمار ان شرق القدس يأبى ان يتحرر الا على ايدي المؤمنين " علينا
ان نقاتل اليهود بايماننا.
ان العقوق تعني عقوق الولد بوالديه، لذلك يقال الولد
عاق ولكـن لم يتضمن المنجد مرة واحدة ان هناك عقوقاً للوالدين بالولد. لبنان
بالنسبة للمغتربين هو العاق ضد جميع ابنائه لقد تركناهم بدون لغة ومدارس وتعليم .
وابقينا لهم الصور الخيالية فقط عن لبنان مثل التبولة والزيتون.
ان المفاهيم التي ارساها قائدنا ومؤسس حركتنا الامام
الصدر كفيلة بجعل بلدمن دولة فريدة ليس بالنظام الذي يحكم تعايش طوائفها فسحب، بل
بجعله نافذة حضارية معاصرة وحديقة للحرية ورسالة حقيقة للمحبة والتسامح، وكذلك جعل
لبنان وطناً لازدهار الانسان.
اخيراً، اشكر لمكتب العلاقات الخارجية في حركة امل
تنظيمه لهذا اللقاء الذي يجب ان يؤسس للقاءات دورية سنوية تصب اولاً ودائماً في
خدمة لبنان.
عشتم
عاشت حركة امل
عاش لبنان
|