كلمة الرئيس نبيه برّي في افتتاح مؤتمر إتحاد المحامين العرب  في قصر الأونيسكو ـ بيروت
ممثلاً رئيس الجمهورية العماد اميل لحود في تظاهرة قومية للتضامن مع الشعب اللبناني ودعم إنتفاضة الشعب الفلسطيني 


 

" يشرفني باسم فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ان أفتتح أعمال الدورة العشرين لمؤتمر اتحاد المحامين العرب، التي تنعقد في لبنان المقاومة والحرية والتعايش والديموقراطية، والتراث الإنساني لسبع حضارات متعاقبة.

 

ويسرني أن أرحّب بصفة خاصة برئيس الاتحاد نقيب المحامين في جمهورية مصر العربية الأستاذ ساطع عاشور، وأن أتوجه من خلاله ومن خلال رئيس الدورة نقيب المحامين اللبنانيين الأستاذ ميشال ليان بأسمى التحيات إلى نقابات المحامين في كافة الأقطار العربية، وإلى الزملاء المشاركين في أعمال هذا المؤتمر.

 

وبعد، إن اجتماعكم ينعقد في المكان المناسب : بيروت دُرّة العواصم العربية ومنارة المتوسط، وأم الشرائع ومُرضع القوانين.

وينعقد اجتماعكم في الوقت المناسب لمواجهة التحديات المختلفة التي تواجه أمتنا وأقطارنا، وفي طليعتها العدوانية الإسرائيلية المتمادية، وكذلك ينعقد اجتماعكم في الوقت المناسب ليسبق اجتماعات القمة العربية، وهو الأمر الذي يتطلب من المحامين العرب التأكيد على الحقوق العربية التي لا تقبل التنازل ولا التفريط ولا المساومة.

 

وكذلك فإن مؤتمركم ودورتكم يحملان الشعارين المناسبين : التضامن مع الشعب اللبناني، دعم إنتفاضة الشعب الفلسطيني.


إنني انطلاقاً مما تقدم وبإسم فخامة الرئيس العماد اميل لحود، ومن موقعي المهني الأساسي كمحام، ومن موقعي المسؤول كرئيس للسلطة التشريعية في لبنان، أتوجه إليكم كمؤسسة عربية مهتمة بالدفاع عن قضايا الأمة وعن حقوق المواطنين والشعوب العربية، من أجل التأكيد على دوركم كحراس للقانون، وأساساً للعدالة سواء أمام المحاكم في أقطاركم، أو أمام محكمة الأمم والتاريخ.

 

وأعيد على مسامعكم ما قلته بالأمس القريب على منبر نقابة المحامين اللبنانيين : ان المحامين هم حراس القانون الدولي من طغيان السياسات والمصالح الدولية، وهم حراس العدالة من الذوبان في عالم أضحى بلا حدود او محددات، في عالم الإتصال المريع الذي يتجاوز الاسرة والمجتمعات والسيادة الوطنية والثقافات والحضارات والقوانين، ليصبح محدداً الى شركات قابضة عبر القارات، تتحكم بالغذاء والدواء حتى أصبح كل شيء معرّضاً للخصخصة ما عدا العدالة.

 

وأجدد التأكيد كذلك على ما قلته بالأمس : ان المحامين هم الحراس الذين يتوقف عليهم مناهضة إحتكار كل ما هو إنساني. ولأن الأمر كذلك، فان أولى واجبات المحامين العرب ان يرسخوا في أقطارهم قناعة أساسية هي ان حقوق الإنسان العربي عنوان حان وقت اعتباره جزءاً من السياسات القطرية والقومية.

 

أقول ذلك، لأننا يجب ان لا نبقى متخلفين عن ادراك ان مفهوم حقوق الإنسان يشكّل صميم الجدل العام حول البناء والتنظيم المفضل في المجتمع.


وأقول ذلك لأن ترسيخ قاعدة دستورية وقانونية لحقوق الإنسان العربي هو الأساس في إتاحة الفرصة أمام كل مواطن عربي للمشاركة في كل ما يصنع حياة مجتمعه ودولته وأمته.
 

ان أولى المسائل التي تتطلب من المحامين العرب ان تكون طليعة النضال لأجلها في أقطارهم وأمتهم هي تأهيل مواطنيهم من أجل وعي هذه الحقوق وإكتسابها.

 

أقول ان المحامين العرب يجب ان يكونوا طليعة النضال في إطار حقوق الإنسان العربي، اتحادنا الذي مضى سبعة وخمسون عاماً على تأسيسه، يستطيع تجاوز الإعتبارات التي تقف عندها الجامعة العربية واللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان في تعاطيها مع الحكومات في هذا الشأن، خصوصاً ان التجربة أثبتت ان تحرك جامعة الدول العربية في هذا الإطار يتّسم في أحسن الحالات بالتشجيع أكثر منه بالإهتمام الجاد لحماية حقوق الإنسان العربي.

 

أؤكد على هذه المسألة، لأن الإنسان العربي سيكون محبطاً في آماله وتطلعاته، حتى في تعاطفه في لبنان وفلسطين وسوريا، اذا كان مقيداً ومنتقص الحقوق في اقطاره نفسها، وغير قادر على تأكيد حقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
 

انني اصارحكم، ان أبناء الشعب الفلسطيني يفتقدون المشاعر الملموسة والمحسوسة مع إنتفاضتهم، ليس لأن الشارع العربي لا يؤيد إنتفاضة الشعب الفلسطيني وحقوقه، بل لأن الشارع العربي مغلوب على أمره ومجرد من وسائل التعبير.

 

وهذا الأمر افتقدناه في لبنان ولا نزال، خصوصاً في كثير من ساعات المحنة والعدوان الاسرائيلي ونتائجه الكوارثية، اذكر عندما حاصرت القوات الاسرائيلية وشارون ذاته بيروت لم نر تظاهرة عربية واحدة الاّ في الّلد من "حركة السلام الآن" الاسرائيلية، حيث ان الحكومات العربية كانت تمتص مشاعر الشارع العربي عبر اجتماعات وقرارات وتوصيات بدعم لبنان، وصولاً الى الصندوق العربي الذي رافق التأكيد على إنشائه إتفاق الطائف، ولم يصل الى لبنان الاّ كما يقول المثل الشعبي (من الجمل اذنه).

 

لهذا السبب أيها الزملاء، وانطلاقاً من ان حقوق الانسان اصبحت اساساً راسخاً في القوانين الدولية والدبلوماسية، ولأنها موضوع لا يمكن تجاهله في جدول اعمال صنع السياسات في اقطارنا، اطالبكم بجعل حقوق الانسان العربي مفهومة وتدعيمها، والهبوط من علياء الشعارات المتعلقة بها الى الأرض، والعمل من أجل تأكيدها عبر عملية تشريعية.

 

ايها المحامون، ان ثاني واجبات المحامين العرب هي إعادة دراسة ملف قضية الشرق الأوسط.


اقول ذلك لأن أجيال المحامين العرب الذين عاصروا نكبة فلسطين هم غير أجيال المحامين الذين عاصروا نكبة حزيران، وغير الذين واكبوا وقائع المنطقة المتعلقة بحرب تشرين المجيدة، وصولاً الى حروب اسرائيل ضد لبنان ثم انتصار المقاومة وانتفاضات الرض المحتلة وصولاً الى انتفاضة الأقصى التي نشهدها اليوم.

 

ان الكثير من المحامين العرب غير مطلعين على ان قضية فلسطين في أساسها هي قضية شعب شُرد من أرضه قبل ان تكون قضية أرض على الإطلاق.

 

ان الكثير من المحامين غير مطلعين على المرتكزات الأسطورية لمشروع إسرائيل وشريعة قتل الأغيار التي بني عليها هذا الكيان العنصري. ان الكثير من المحامين العرب غير مطلعين على الأبعاد الاستراتيجية والمائية والاقتصادية لمشروع اسرائيل.

 

ان الكثير من الأجيال الجديدة للمحامين العرب غير مطلعين على السجل الأسود لإرهاب الدولة الذي تستند إليه إسرائيل لفرض نفسها كأمر واقع.

 

لذلك، أتمنى وأطالب إتحاد المحامين العرب بوضع ملف إتهامي لمشروع إسرائيل من اساسه، وجعل دراسته من قبل أي محام عربي متدرج ضرورة يتم على اساسه إدراجه في جدول النقابات القطرية والإتحاد.

 

أطالب بذلك لأننا نحتاج في إطار الدبلوماسية الإنسانية إلى محامين عرب يدافعون عن حقنا في إستعادة أرضنا العربية المحتلة، سواء في مزارع شبعا أو في الجولان العربي السوري حتى حدود الرابع من حزيران أو في فلسطين المحتلة.

 

أطالب بذلك لأننا نحتاج إلى محامين عرب يدافعون عن حقنا في إستعادة مياهنا في الوزاني والحاصباني، وغداً حق سوريا المكتسب في الإستخدام المتنوّع لمياه بحيرة طبريا، وعن الحقوق العربية في مياه نهر الأردن والثروات الجوفية للأراضي الفلسطينية.

 

أطالب بذلك لأننا نحتاج إلى محامين عرب يدافعون عن حقوقنا الكاملة في إستعادة كل قطعة اثرية نهبتها إسرائيل من أرض لبنان.


وأطالب بذلك لأننا نحتاج إلى محامين عرب أكفياء، يقفون امام محاكم العدالة الدولية، وهم يطالبون بحق لبنان في التعويض عن كل ما سببته حروب إسرائيل ضدنا، وعن كل ما سببه إحتلال إسرائيل لأجزاء عزيزة من تراب لبنان، وعن حق كل معتقل لبناني في التعويض.

 

أطالب بكل ذلك، وهذا قليل من كثير، أمام محاولة إسرائيل تهويد القدس التي هي قطعة من السماء لا قطعة من الأرض، وأمام قيام إسرائيل بمصادرة الأراضي العربية وإستيطانها.

 

أيها الأعزاء،

 

انني أسمح لنفسي كما قلت كزميل وكمشرّع بأن ألفت نظركم من موقع ان إتحاد المحامين العرب هو خط الدفاع الأول لأمتنا في إزاء الحقوق العربية المعبر عنها في إطار ملف قضية الشرق الأوسط، إلى ان إسرائيل سعت على الدوام لإعتبار نفسها إستثناء لا تنطبق عليها القرارات والقانون الدولي.

 

فهي إستخدمت الأسطورة لتجعل من مشروعها أيديولوجية فوق القانون الدولي، وهي سعت للتحكّم المباشر في السلوك الدولي بما يطابق سياساتها وعملت لتكييف القوانين الدولية معها، بحيث لا تنطبق عليها حتى في مجال إنتاج وتخزين أسلحة الدمار الشامل، وفي مجال إستخدام الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً بما فيها قذائف اليورانيوم المستنفذ وقنابل النابلم والمسمارية والإنشطارية، وتجاهلت كل القوانين والأعراف الدولية والإجراءات الملزمة المتعلقة بالإنسان في الصراع المسلّح.

 

ومع ذلك تطالبنا الولايات المتحدة الأميركية بأن نوقّع إتفاقية حظر الأسلحة النووية، على لبنان الاّ ينتج قنبلة نووية، ولكن لا توقعه إسرائيل التي تملك مخزوناً كبيراً.

 

لقد تجاهلت إسرائيل وتجاوزت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإتفاقية الدولية في شأن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وفي الطليعة مضمون المادة الأولى الفقرة واحد التي تنص ان لكل الشعوب الحق في تقرير المصير. وبمقتضى هذا الحق، فإنها تقرر بحرية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

كما تجاهلت إسرائيل وتجاوزت الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية في شأن الحقوق المدنية والسياسية.


ان إسرائيل رفضت تطبيق القرارات الدولية الخاصة بالمنطقة ولبنان الصادرة عن أعلى محكمة دولية هي مجلس الأمن الدولي.
 

ان قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425 الخاص بلبنان لم يُطبق بكل مصوغاته وبكل تفاصيله براً وبحراً وجواً. فما زالت إسرائيل تحتل أجزاء من الأراضي اللبنانية وما زالت تنتهك حرمة الأجواء والمياه الدولية اللبنانية.


والجريمة الأبلغ ان إسرائيل نشرت مصائد وأفخاخاً للموت بواسطة حقول الألغام والمواد الناسفة ولن تقدم خرائطها حتى للأمم المتحدة، والأراضي اللبنانية والمدنيون الذين كانوا هدفاً للرماية الإسرائيلية بالذخيرة الحيّة مازالوا يمثلون الهدف الإسرائيلي نفسه، وان اختلفت الوسائل من الأسلحة النارية إلى حقول الألغام.

 

ان إسرائيل تحاول في كل مرة ان تساوم الفلسطينيين على مساحة الإنسحاب من أي مساحة في الضفة والقطاع المحتلين، وتحاول تشريع التجمعات والنقاط الاستيطانية في تلك المنطقة، علماً ان قراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338 ينصان صراحة على الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة.

 

ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تلحس كلام بعضها البعض في ما يختص بالإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة كما حدث بوديعة رابين.

 

ان المستوى السياسي في إسرائيل، من اليمين واليسار مجتمعين، يتنكر لحق الشعب الفلسطيني في العودة، ولحق سوريا في إستعادة أراضيها كاملة غير منقوصة، وان أعترف في لبنان، فأنه اعترف تحت تأثير القوة، فلا حق من دون القوة على الإطلاق.


لذلك سبق وقلت وأقول لكم أيها المحامون : أنتم المسؤولون عن الحقيقة والحق في ألاّ يسقطا في الأكذوبة والباطل، وأنتم المسؤولون عن الصوت الا يسقط في الصدى والصمت، وأنتم المسؤولون عن إشتقاق الأحلام من وحشة الألوان.

 

أيها المحامون العرب، السنا في هذا اللقاء معنيين بالتأكيد بأن لا حدود امام العدالة وحقوق الإنسان، واننا اذ كنا حراساً اشداء للعدالة وللإنسان العربي ففي استطاعتنا ان نؤسس لإزدهار الإنسان في أمتنا؟

 

أليست اللبنة الأولى في صرح الإنسان العربي هي رفع مستوى مشاركة المرأة العربية وتمكينها فعلاً من القيام بدورها؟ ألسنا معنيين دائماً ليس فقط بإصدار الإعلان العربي لحقوق الإنسان بل بوضع آليات لتطبيقه؟ ألسنا معنيين بإنشاء آلية عربية لتسوية النزاعات وفي مقدمها إنشاء محكمة عدل عربية؟

 

وبعد، انني اذ أشكر لكم بإسم فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود وبإسم لبنان تعبيراتكم التضامنية مع لبنان خلال العقود الماضية في مواجهة عدوانية إسرائيل، فإنني أدعوكم بإسم الإتحاد البرلماني العربي وإنفاذاً لقرارات وتوصيات الدورة الثامنة والثلاثين لمجلس الإتحاد، والتي انعقدت في أبو ظبي الى المساهمة في :

1 ـ تشكيل لجنة من كبار الحقوقيين العرب لإعداد ملف مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين ارتكبوا مجزرة قانا وسائر المجازر الأخرى في حق اللبنانيين والعرب في فلسطين وسوريا ومصر والأردن، وكذلك لإجبار إسرائيل على تقديم التعويضات عن الأضرار البشرية والمادية والناتجة عن عدوانها المتمادي على لبنان وإحتلالها أراضيه لسنوات.

2 ـ إنتخاب ثلاث شخصيات من إتحادكم للإنضمام الى اللجنة البرلمانية العربية التي يرأسها لبنان والخاصة بكشف الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين العرب.

3 ـ تقديم الإقتراحات الى الإتحاد البرلماني العربي في مجال إقامة البرلمان العربي الموحد الذي تقرر، وتوفير جميع مقومات إقامة هذا البرلمان على أسس واقعية متينة.

4 ـ تقديم الإقتراحات الى الإتحاد البرلماني العربي في إطار وضع التشريعات اللازمة لدعم الحريات العامة وتوسيعها، وحماية حقوق الإنسان وترسيخ الديموقراطية في الوطن العربي.

مرة أخرى أكرر ان بذل واحد على عشرة او على عشرين مما دفعته الدول العربية من أجل التسلّح، لو دفعته لتشجيع الديموقراطية، لكانت هذه الديموقراطية حمتها أكثر من الأسلحة.

5 ـ المساهمة في تقديم الإقتراحات اللازمة الى الإتحاد البرلماني العربي من أجل ضمان نجاح الملتقى المقرر عقده هذا العام، للبحث في تنسيق التشريع وتوحيده في الوطن العربي، وكذلك تقديم إقتراحات ملموسة تتضمن وجهات نظر إتحاد المحامين العرب في القوانين العربية المقترحة للتوحيد في إطار البيئة ـ المرور ـ مكافحة المخدرات، المعلوماتية والتجارة الألكترونية، وحقوق الملكية الفكرية والأدبية وقوانين الطفل.

6- سادساً وأخيراً، فإني أدعو إتحاد المحامين العرب الى التجاوب مع دعوة الإتحاد البرلماني العربي لإعلان يوم إنعقاد القمة العربية في السابع والعشرين من الشهر الجاري يوماً للتضامن مع إنتفاضة الشعب العربي الفلسطيني وتأكيد عروبة القدس.

أكرر ترحيبي بإنعقاد مؤتمركم في بلدنا وبلدكم، وهو الأمر الذي يؤكد ثقتكم ببسالة هذا الشعب وثقتكم بقيامة لبنان، انه قام حقاً قام.

 

عشتـــــــــــم
عاش اتحاد المحامين العرب
عاش لبنــــــــــان

 


أعلى الصفحة | اتصل بنا |

حقوق الطبع محفوظة 2002 ©

أنجز هذا الموقع الفريق الفني في مصلحة المعلوماتية - مجلس النواب اللبناني