كلمة الرئيس نبيه برّي في إفتتاح مؤتمر الرابطة الدولية للبرلمانيين المدافعين عن القضية الفلسطينية ونصرتها في بيروت


 

بداية أرحب بإنعقاد المؤتمر الأول للرابطة الدولية للبرلمانيين المدافعين عن القضية الفلسطينية في بيروت، الدرّة المرصّعة على تاج المتوسط، وصوت الحرية الصارخ في برية الله من أجل الحق والحقيقة والحقوق، والتي تشكل أنموذجاً لها الأماني الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي طليعتها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وحق هذا الشعب المجاهد البطل في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وانه إذ يسرني رعاية هذه الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر، فإنني اشعر بثقل المسؤولية المترتبة على هذا التكليف، الذي يستدعي دوراً ملماً للبرلمانيين بمواجهة محاولة المستوى السياسي والعسكري الاسرائيليين في الكيان الصهيوني بقيادة الإرهابي شارون احلال نكبة جديدة بالشعب الفلسطيني.

 

قبل الدخول في القراءة السياسية لصورة المشهد الإنساني والسياسي من فلسطين، لا بد لي من موقعي كرئيس للجنة البرلمانية العربية المختصة بكشف النقاب عن جرائم الحرب الاسرائيلية ضد المدنيين العرب، من تسليط الضوء على بعض الوقائع الدامغة المتعلقة بالحرب الاسرائيلية الراهنة ضد الشعب الفلسطيني.

فقد أكدت المعلومات الواردة من فلسطين المحتلة سقوط ثلاثماية وخمسة وتسعين شهيداً من الفلسطينيين منذ بدء الحملة العسكرية الاسرائيلية الأخيرة في التاسع والعشرين من آذار وحتى نهاية الأسبوع الماضي.

وقالت المعلومات ان مئة وستة وثلاثين طفلاً فلسطينياً قتلوا في غزة وحدها برصاص المحتلين الاسرائيليين منذ بدء الانتفاضة في ايلول عام 2000 وحتى نهاية الشهر المنصرم. وانه أصيب ثلاثة آلاف وستماية طفل بينها إصابات سببت الإعاقة لخمسماية طفل.

وأفادت المعلومات انه بالترافق مع الحرب الاسرائيلية، فإن الإرهابي شارون رخص منذ توليه لرئاسة المستوى السياسي والعسكري في الكيان الصهيوني لإقامة خمسين نقطة إستيطانية جديدة، وان الجيش الاسرائيلي قام منذ ايام بإسكان مستوطنين قرب رام الله، وان الجديد في ابداعات شارون محاولة "تهنيد" الضفة الغربية عن طريق البدء بمشروع لإستقدام مستوطنين مهودين من القبائل الهندية التي تعيش في البيرو لإسكانها في الضفة الغربية المحتلة.

هذا غيض من فيض مشاهد الموت والإستيطان الاسرائيلية.

لذلك من نافل القول ان فلسطين والفلسطينيين يستحقان في كل لحظة قول كلمة حق تمجد بطولة المجاهدين خصوصاً الاستشهاديين على ثرى تلك الأرض المقدسة، الذين لم يترك لهم الإرهاب الاسرائيلي من خيار آخر غير الاستشهاد والمقاومة، وأيضاً نستنكر الكارثة التي تحيق بهذا الشعب الصابر عن طريق وضعه امام خيار التجويع والموت او الفرار.

الا ان السؤال الذي يطرح نفسه هو :

هل يكفي الكلام بمواجهة الارهاب الاسرائيلي المتمادي الذي يمثل ذروة ارهاب الدولة ؟
وهل يكفي الكلام لرفع الاعتداءات على حرمة الأماكن المقدسة ودور العبادة في فلسطين المحتلة وفي طليعتها المسجد الأقصى الشريف وكنيسة المهد ؟
هل يكفي الكلام لوقف حمامات الدم والمجازر وحفلات الإعدام الجماعية والاغتيالات ضد الفلسطينيين؟
هل يكفي الكلام لوقف عمليات الاعتقال الجماعية التي حولت المدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية الى معتقلات جماعية ؟
هل يكفي الكلام لوقف عمليات تجريف الأراضي الزراعية وإستمرار مصادرة الأراضي واستيطانها ؟
هل يكفي الكلام لوقف عمليات المطاردة والدهم والترويع وتفجير المنازل ؟
وهل يكفي الكلام لرفع الحصار الاقتصادي المضروب على قوى الانتاج الفلسطينية ؟
وهل يكفي الكلام لرد المحاولات الجارية لتطبيع وتطويع الوقائع الفلسطينية ؟

 

طبعاً لا يكفي الكلام مهماً كان بليغاً، قاسياً بحق الجرائم الاسرائيلية او متعاطفاً مع الشعب الفلسطيني، لأن الكلام لم ولن يمنع الاسرائيليين من الاستمرار في الرماية بالذخيرة الحية على جسد الفلسطينيين، وسوف لا يحرر آلاف المعتقلين الفلسطينيين من السجون الاسرائيلية ويرفع عنهم تعذيب الجلادين، وسوف لا يرد الكلام مجرد الكلام زميلنا النائب مروان البرغوثي عضو المجلس التشريعي الفلسطيني المعتقل الى أسرته وأهله، ولن يعيد إعمار مخيّم جنين ..

اذن ماذا ترانا فاعلين نحن البرلمانيين ـ الذين نلتقي اليوم على عنوان : دور البرلمانيين في دعم ونصرة فلسطين.

أتذكر كلمة المرحوم فيصل الحسيني امام مؤتمر دعم الانتفاضة الذي انعقد بطهران بتاريخ 24/4/2001

اتذكر كيف وصّف الوقائع بدقة وكيف وضع أمامنا حقائق رقمية من اجل الحفاظ على الطابع العربي والاسلامي لمدينة القدس ولمنع تهويدها.

فيصل الحسيني قال كلمته ومشى، والكلمة كانت وصية، فهل ترانا نستطيع تنفيذها ؟ هل ترانا قادرين على استنهاض فعل شعبي يقدم دعماً مادياً ومعنوياً ملموساً، هدفه اسقاط الأطواق الاستيطانية من حول القدس، والحفاظ على المسجد الأقصى المبارك اولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين، والحفاظ على المعاني السامية التي تمثلها القدس للأديان السماوية الثلاثة ؟

اتذكر في كل الاجتماعات واللقاءات البرلمانية على المستويين الاسلامي والعربي ان قضية فلسطين كانت الحاضر الأكبر في القرارات والتوصيات، ولكنها كانت ولا تزال الغائب الأكبر في آليات العمل البرلماني لوضع القرارات والتوصيات موضع التنفيذ.

طبعاً هذا الأمر على مستوى البرلمانات هو انعكاس لمرض السلبية المستفحل على مستوى الأنظمة العربية والاسلامية من أعلى قمة الهرم السياسي الى القاعدة العريضة لهيكليات أنماط السلطات المختلفة، التي لا تنفك منذ خمسة وخمسين عاماً حتى اليوم تعجز عن تشكيل موقف بحجم قضية فلسطين. نحن في واد والحكام في واد آخر والبرلمانات العربية أكثرها ديكور ديمقراطي للحكام، أكثر البرلمانات العربية والاسلامية هي ديكور ديمقراطي للحكام.

 

ان المؤتمر في بيروت عاصمة الديمقراطية ولأنها كذلك فهي عاصمة المقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية، التي تمكنت وفي مطلع الألفية الثالثة من اثبات ان الشعوب مهما كانت صغيرة وضعيفة قادرة على تحقيق الإنتصار ودحر الاحتلال المسلح بأحدث الأسلحة وتكنولوجيا العصر.

 

ان هذا المؤتمر البرلماني في هذه العاصمة الاستثنائية يرتب على المؤتمرين قرارات استثنائية وآليات عملية لتنفيذ هذه القرارات، حيث ان الشعب الفلسطيني لا يلزمه أبداً ان يسمع ضجيجاً ولا يرى حجيجاً، وهذا الشعب يلزمه ان يلمس احساسنا المتزايد بمعاناته، وان يلمس دعمنا، ويلزمه ان لا تتلاشى وتنعدم صورة التحركات الشعبية الذي شهدتها كل العواصم العربية والاسلامية والمختلفة بما فيها واشنطن ولندن وباريس دعماً لحقوقه الوطنية.

 

أيها الزملاء،

 

اقول ذلك لأنني لا اريد ان اخفي عليكم اننا هنا في لبنان نكاد نصاب بالإحباط، ونحن نرى ان العدوان الاسرائيلي الذي يتكرر كل يوم بتجديد الاجتياحات للمناطق الفلسطينية وقد اصبح خبراً عادياً روتينياً لا يترك انعكاساً ولا أي ردة فعل.

قد يكون للحكام والحكومات ضروراتهم، ولكننا كبرلمانيين مسؤولين امام شعوبنا لا عنهم لا بد لنا ان نعبر عن او ان نستنفر نبض الناس، خصوصاً وان ما يجري على ساحة فلسطين يتجاوز في أبعاده وشظاياه مصطلحات شارون حول السور الواقي، ومزاعمه حول الارهاب الفلسطيني، الى تحقيق أوسع ترانسفير للشعب الفلسطيني، ومن ثم الاطباق على لبنان وسوريا واستكمال تفكيك النظام العربي.

 

انني رغم الحرب الدموية الاسرائيلية والوقائع الدولية المصاحبة لهذه الحرب التي تتنكر للتاريخ والجغرافيا، وتحاول ان تفرغ القضية الفلسطينية من كل محتوى انساني او سياسي، وتواصل اطلاق العنان للوحش الاسرائيلي ودائماً معاملة اسرائيل مكرسة وضعه كإستثناء لا تطبق عليه القرارات الدولية.

انني رغم ما تقدم ومن منطلق الثقة بمقاومة الشعب اللبناني التي دحرت الاحتلال عن معظم أرضنا اللبنانية، أؤكد على ثقتي بأن جيل الحجارة الذي كتب تاريخ الانتفاضة الفلسطينية المباركة الاولى عام 1987، وأجيال فلسطين الشابة التي تكتب مجد انتفاضتها ومقاومتها الراهنة ستثبت عجز القوة الاسرائيلية عن كسر ارادة الشعب الفلسطيني.

الا ان هذا الشعب وهذه المقاومة يحتاجان مع الدعاء، ومع القرارات والتوصيات وما شابه الى شيء من القطران، خصوصاً في هذه اللحظة السياسية التي تطرح فيها مشاريع مخيبة للآمال كإسقاط حق العودة وازالة المستوطنات وترك مستقبل الدولة الفلسطينية وحدودها الى وقت آخر.

أعترف ولأول مرة في تاريخ حياتي السياسية وقراءاتي انني أسمع بدولة مؤقتة. سمعت كثيراً بحكومات مؤقتة، كيان مؤقت، هذا أمر لم أسمعه في تاريخ حياتي.

في وقت تطرح فيه فكرة مؤتمر او لقاء دولي يفسح المجال امام شارون لغسل يديه من آخر جرائمه ومجازره خصوصاً في فلسطين واعطائه صكاً كآخر انتاج اميركي لأنموذج رجل السلام. ويجب بالمقابل ان نعمل على ما يلي :

  1. تعميم وعي حول الأبعاد التاريخية والسياسية للقضية الفلسطينية.

  2. كشف النقاب عن جرائم الحرب الاسرائيلية بما فيها المجازر وعمليات الإخلاء والاعتقال والتدمير.

  3. كشف النقاب عن المشروع الاسرائيلي الذي اعتمد في أساسه على إقامة كيان لشعب دون أرض على أرض فلسطين تحت ستار تحقيق مزاعم اسطورية لا تمت الى الأديان السماوية بأية صلة.

  4. رفض كل اجراءات الاستيطان والضم والتهويد التي تتخذها سلطات الاحتلال الاسرائيلية على مساحة فلسطين والجولان السوري والأراضي اللبنانية التي لا تزال رهن الاحتلال وفي طليعتها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

  5. القيام بتحرك برلماني ضاغط على الحكومات لوضع قرارات القمم العربية والاسلامية بما يختص بدعم الشعب الفلسطيني وانتفاضته ومقاومته وبما يعزز صموده ويساعده على إحباط مخططات الترحيل الصهيونية.

  6. التأكيد ان قضية الشعب الفلسطيني في اساسها هي قضية شعب شرّد من أرضه.

  7. المساندة المطلقة لحق الشعب الفلسطيني في مقاومته الاحتلال الاسرائيلي بكل الأشكال والوسائل، وصولاً لتحرير أرضه المغتصبة.

  8. مطالبة الحكومات العربية والاسلامية بتخصيص نسبة ثابتة من ميزانيتها السنوية لدعم الشعب الفلسطيني في جهاده حتى تحرير أرضه.

  9. تشجيع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني على إنشاء صناديق لجمع الأموال والمساعدات العينية للشعب الفلسطيني.

  10. تشجيع العودة الى اتفاقيات الدفاع المشترك والدفع بإتجاه إنشاء منظومة أمنية عربية واسلامية مشتركة، والتأكيد على ترتيب المصالح المشتركة بما يكفل خفض سقف التوترات في العلاقات العربية ـ العربية والاسلامية ـ الاسلامية، ونبذ الخلافات واعتماد الحوار وسيلة لرفع درجة التفاهم والتنسيق.

  11. تعزيز الاعتماد على الدبلوماسية البرلمانية واجراء أوسع الاتصالات مع الأطر البرلمانية الدولية والقارية من اجل تشكيل جبهة برلمانية ضاغطة في سبيل رفض الازدواجية في تطبيق المعايير الدولية.

  12. تحريك فعاليات المنظمات الاغترابية التي تمثل الجاليات العربية والاسلامية في دول العالم من اجل قضايانا وفي الطليعة قضية فلسطين، وخصوصاً داخل الولايات المتحدة الاميركية.

  13. حث الحكومات العربية على إنشاء محطة تلفزيونية في أميركا ناطقة باللغة الإنكليزية وداخل أميركا لشرح الأمور على حقيقتها بالنسبة للمواطن الأميركي. ولا ننسى ان الفيتناميين انتصروا داخل واشنطن قبل ان ينتصروا في سايغن.

أيها الزملاء،

 

ومن اجل التاريخ لا بد من التسجيل وان نؤكد ان نصر لبنان صنعه مثلث ذهبي مؤلف من لبنان مقاومة وشعباً مدعوماً من سوريا التي وقفت ولا تزال الى جانب لبنان، ومن الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تقف بثبات وتصميم الى جانب تمسك لبنان وسوريا بثوابتهما القومية والوطنية.

ان توسع هذا المثلث ليشمل دولاً وقوى سياسية وبرلمانية وحزبية ونقابية ليصبح على مساحة أكبر في العالم سيمكن شعب فلسطين من الانتصار.

 

أخيراً أطلت عليكم ولكن أحببت ان اقدم اقصى مساهمة ممكنة في صياغة صورة المشهد المترتب على حروب اسرائيل وإرهابها، وكذلك في تصميم بعض القرارات والتوصيات الممكنة بما يخدم صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني وكذلك صمود سوريه ولبنان.

 

عشتـــم
عاشت فلسطين
عاش لبنـان