كلمة
الرئيس نبيه بري
في بلدة بنت جبيل الجنوبية بمناسبة
وضع الحجر الأساس للسراي الحكومي وتدشين المستشفى فيها
رعى رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري الأحد
2/6/2002 حفل وضع الحجر الأساس للسراي الحكومي في البلدة، كما رعى حفل افتتاح مبنى
مستشفى بنت جبيل الحكومي، في حضور جمع من الوزراء والنواب والشخصيات والفعاليات.
بداية ألقى الأمين العام للشؤون الخارجية في مجلس
النواب بلال شرارة كلمة البلدة، تحدث فيها عن صمود البلدة، مشيراً إلى ان واقعها لا
يختلف عن عمق الجنوب أو عن أية بلدة في عكار وكسروان وغيرها، فالحرمان واحد والحارم
واحد.
وتحدث رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان ورئيس البلدية
فياض شرارة اللذين طالبا بتجهيز المستشفى لتكتمل الفرحة. وتكلم وزير الأشغال نجيب
ميقاتي، فأكد ان تدشين المستشفى وسواها من المشاريع التي تنفذها وزارة الأشغال
ووزارات الصحة والتربية والطاقة ومجلس الإنماء والإعمار ومجلس الجنوب، هو بعض من
واجب، وجزء من وفاء وخطوة في مسيرة إنمائية فاعلة، تنسي أهلنا في الجنوب سنوات
القلق والضياع.
ثم تكلم وزير الصحة سليمان فرنجية فوعد بإلحاق
الموازنة بطلب تجهيز مستشفيي قانا وبنت جبيل، وبطلب آخر للصندوق الكويتي وبإنجاز
عملية التجهيز في العام 2003.
وكانت كلمة الختام لراعي الاحتفال رئيس مجلس
النواب الأستاذ نبيه برّي
برزت فيها المواقف التالية:
-
أتمنى على الحكومة الإسراع باتخاذ القرارات
المتعلقة بجعل هذا المستشفى مركز طوارىء صحياً.
-
ان ورش العمل التي أطلقتها الوزارات والإدارات
المختصة لم تكن كما كنا نتوقع ونأمل،وهذه كانت أقل مكافاة لهذه المنطقة التي عانت
الحرمان ثم الاحتلال طيلة أجيال خمسة، ولا عودة الأهالي تحققت لهذه الأسباب
ولتضاؤل فرص العمل بدل توفرها.
-
لا يكفي أن نقول إننا نريد ان نتمم التحرير بمزارع
شبعا، بل نريد أن، نتمم التحرير بالإنسان والتنمية.
وأكد على جملة ثوابت وطنية وقومية هي:
أولاً: تأكيد حق لبنان في المقاومة من أجل
استكمال تحرير أرضه من دنس الاحتلال الإسرائيلي، وفي الطليعة مزارع شبعا وتلال
كفرشوبا، ورفض كل محاولة لوصم المقاومة في فلسطين أو لبنان بالإرهاب.
المقاومة هي نتيجة للاحتلال وليست سبباً له.
ثانياً: التأكيد على علاقة الأخوة والتنسيق
والتعاون وعلى الشراكة الاستراتيجية ووحدة المصير والمسار بين لبنان وسوريا.
-
لمس العالم ان المجتمع الإسرائيلي ليس غير ملائم
أو ناضج للسلام فحسب، بل انه وبسبب الامتيازات السياسية والعسكرية والأمنية التي
تمنحها له الإدارة الأميركية أصبح الولد المدلل والأكثر شراسة وعدوانية في
المجتمع العالمي.
-
هناك خيار أكيد آخر أمام العرب. فلا ضير من ان
يحمل العرب مبادرتهم للسلام بيد ولكن شرط ان لا يتركوا اليد الأخرى فارغة من
التصميم على مواجهة التحدي الذي مثلته وتمثله إسرائيل لماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
هذا الخيار هو:
بناء مجتمع المقاومة العربي. مقاومة كل محاولة
لإحلال أنظمة إقليمية على حساب تاريخ وحضارة ومعتقدات شعوبنا. مقاومة استمرار سلب
ثرواتنا ومواردنا الوطنية والقومية والسيطرة على أسواق عملنا، مقاومة كل محاولة
للجوء إلى القوة ضد أقطارنا وامتنا ومقاومة كل أشكال الاحتلال والسيطرة والهيمنة.
مقاومة كل اعتداء على خصوصياتنا الثقافية. ونبذ الخلافات بين الدول التي أسس لها
الاستعمار حول الحدود والمياه والمناطق المتنازع عليها، خصوصاً ازاء محاولة إشعال
حرب بين الجارتين الباكستان والهند، والتي نرى فيها محاولة استعمارية لتبديد قوة
الشعبين الجارين واستهلاك ثرواتهما على حرب عبثية.
-
ان وحدتنا الوطنية أقوى من ان تنال منها الأيادي
الإسرائيلية التي تعمل في الظلام لضرب استقرار لبنان.
نص الكلمة كاملاً:
بسمه تعالى
ما أوجع الكلام وما أحلى الكلام
ما أوجع الكلام حين يدخل بين حبيبين بنت جبيل وأنا،
فيفتري الظنون أو يغري بالفتنة، ويبيع الخيبة أو ينحني من الخوف.
وما احلى الكلام حين يكون مباشراً بين حبيبين دون
وسطاء أو خطّابين، دون ان ينقل محرفاً أو يتنقل حافياً.
لبنت جبيل التي اعترفت لها بالحب ورسمت لها الورد
وعداً.
لبيدرها الذي درسنا عليه النعس كي لا يسرقنا الليل،
والذي قرأنا فيه كفنا وتجادلنا على مسرحه بالحزازير، وتبارينا بخاتمة القافية.
لبنت جبيل التي تعلمت فيها الوقت والمسافة والصبح
والحياة، والأناشيد والحرية والوحدة وفلسطين، والمدى والصدى والهوى والردى، والفضاء
والسماء ..
لبنت جبيل التي تأتي اليها القرى في المواعيد مرتدية
قمصان الخميس الملوّنة، ممتشقة سنابل الذهب من حواكير الصيف.
لبنت جبيل التي تذهب في صيفها إلى الشتاء لتملأ
جرتها وبركتها وعيونها وتسقي شرفة ياسمينها ..
لبنت جبيل ياقوتة الجنوب الزرقاء من صيب العيون ومن
شرور الحاسدين ..
لصحوة الأشجار فيها حيث كان يجتمع أدباؤها محمد
شراره ومحمد فلحه وابراهيم نعيم بزّي والآخرون ..
لبيوتها التي تعصفها عصافير الهوى والحلم
والأزهار...
البيوت التي تلذع بطعم الأنوثة والتي الهمت موسى
الزين شراره وعبد الحسين العبدالله وحسين صعب وغيرهم القصائد، فكتبوا سورة الانسان،
وخلجة النبض، و.. الكون يفرد جانحيه..، وما تيسّر من أشعار الحب والفخر والمراثي.
وكتبوا أشواق المقاومين، التي انفجرت حريقاً في حقول الحرب، وكتبوا حجر فلسطين الذي
يحتد كالبرق القديم وسالف الأزمان.
ولساحات بنت جبيل التي عصمت الجنوب من الأعداء وشهدت
التظاهرات والاعتصامات والانتفاضات، والتي سقاها مصطفى العشي وعقيل الدعبول ومحمد
الجمّال وواصف شراره ويوسف سعد وحسن بزّي بدمائهم.
ولتلال بنت جبيل (شلعبون والمشتي ومسعور) التي تحتضن
صيف مصطفى شمران، والتي كتب ابناؤكم عسل دمهم على ترابها حكايات أرواحهم ومواسم
أعمارهم من أجل انجاز التحرير.
ولأهل بنت جبيل الذين تسربوا من بين اصابعها
واغتربوا حتى يذوب الثلج عن وقتها وصوتها وفرخها وتينها.
للذين دفعهم الحرمان للنزوح إلى العاصمة بحثاً عن
فرصة عمل وكي يبقوا على مرمى حجر من ملعب طفولتهم
للذين تهجّروا بسبب وطأة العدوان الإسرائيلي بعيداً
عن تضاحك الدواري على شبابيكهم..
وللذين اقاموا بنت جبيلهم في (سدني) و (ديربورن)
وأفريقيا والأرجنتين وكوبا والبرازيل ..
وللأهل الأعزاء الذين كنا نتركهم خلفنا ونلومهم ..
ويستحضرون أرواحنا ونلومهم .. ويصغون بأسماعهم لوقع أقدامنا ونلومهم، ويتطلعون إلى
المرايا بحثاً عن صورنا ونلومهم ثم نعود اليهم ونلومهم، ونتمرجل عليهم .. لهؤلاء
الذين ناموا في فراشنا يوم هاجرنا إلى الخلف، والذين كانوا ممنوعين من الضحك في
سرهم، الذين صمدوا برغم الحرمان والعدوان والاحتلال .. الذين لم يتزحزحوا عن مصطبة
الدار وهم يسرجون لنا المواويل.
لهؤلاء ولكم تحية لبنان كل لبنان وبعد،
من دواعي سروري ان يكون لي شرف رعاية هذا اللقاء في
بنت جبيل بدعوة كريمة من معالي الصديق نجيب ميقاتي وزير الأشغال العامة والنقل لوضع
حجر الأساس لسرايا بنت جبيل الكبير، وبدعوة كريمة من معالي الصديق سليمان فرنجية
وزير الصحة العامة ومن مجلس الجنوب لإفتتاح هذا الصرح الطبي الذي اكتمل بناؤه ليكون
مستشفى مركزياً لهذه المنطقة الحدودية.
بداية اسمحوا لي ان أنوّه بشخصيتين بارزتين من هذه
البلدة يشكلان قدوة حسنة وأنموذجاً لأبناء لبنان المغتربين المؤمنين هما : الحاج
الدكتور اسماعيل عباس والمرحوم الحاج موسى عباس اللذان أسسا هذه المستشفى على أرض
وقفاها لأعمال الخير، واللذان أسسا لأوقاف هذه البلدة وأقاموا مشاريع تربوية
وإجتماعية وإنسانية.
بالنسبة إلينا، فإننا نعرف ان جميع مراجع الطائفة
الشيعية ورئاسة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، قد فوّضت على الدوام الدكتور
اسماعيل عباس التصرف بالأوقاف بالطريقة التي أثبت فيها على الدوام حرصه على المصلحة
العامة وعلى الأموال الشرعيّة، وبالتالي فإن أية لجنة للأوقاف يجب ان تحتكم وتتصرف
وفق المعايير الشرعية والوطنية التي يلتزمها.
واننا نعدكم بأن نسعى لدى رئاسة المجلس الشيعي
الأعلى للتأكيد على ان أي عائد مالي محقق من أملاك أوقاف بنت جبيل، سيكون أمانة
تستخدم من أجل الصالح العام والأعمال الخيرية في هذه المدينة وان يتصرف بها وكيل
الأوقاف دون وصاية من أحد.
وبالعودة إلى المناسبة، أولاً بالنسبة للسرايا.
فقد أخذت على نفسي عهداً عند إفتتاح سرايا تبنين بأن
موعداً سيكون لنا لإطلاق سرايا بنت جبيل الذي لا يتحمل احد من الحاضرين مسؤولية
التردد أو التأخير في بنائه، فالأسباب كانت تتعلق بوقائع محلية استطاع القيمون من
أبناء البلدة وفعالياتها وقواها السياسية تجاوزها لما فيه خير الجميع.
ويعرف جميع المهتمين بالشأن العام في بنت جبيل انني
ألاحق كل صغيرة وكبيرة من أجل عودة مؤسسات الدولة إلى عاصمة القضاء، وانني لم أكن
يوماً أسعى إلاّ من أجل تعزيز موقع ودور بنت جبيل.
وقد علمت ان معالي الوزير ميقاتي لبى جميع المطالب
المتعلقة بالإستملاكات وبمخطط البناء ليكون لائقاً بهذه المدينة وسيكون التلزيم على
قدر عالٍ من الشفافية.
ثانياً : وبالنسبة للمستشفى، فإني أضع هذه الأمانة
بين يدي معالي الوزير فرنجية، حيث اننا لا نزال مصابين بخيبة أمل جراء الوعود التي
قطعت في عهد الحكومات السابقة بتجهيز مستشفى قانا، التي بادر لتأسيسها المغترب
الحاج علي حيدر ثم استكمل مجلس الجنوب مشكوراً بناءها.
ان هذه المنطقة التي تقع على خط تماس التاريخ
والجغرافيا والتي كانت ضحية العدوان والاحتلال الإسرائيليين، والمهددة يومياً بحقول
الموت التي تمثلها الألغام، لا يوجد فيها مركز لغسيل الكلى أو لمواجهة طارىء بمستوى
انفجار الزائدة.
ان الوقائع الصحية في هذه المنطقة لا تحتمل تأجيل
تجهيز هذه المستشفى، وانني بإسم نواب الجنوب، وبإسم المواطنين أتمنى على الحكومة
وعلى معاليكم الإسراع بإتخاذ القرارات المتعلقة بجعل هذا المستشفى مركز طوارىء
صحياً بكل ما تتضمنه هذه الكلمة من معنى، وتشكيل مجلس ادارة له ووضع الآليات
الادارية والفنية لتمكينه من تأدية دوره.
إنني على ثقة بأن معالي الوزير فرنجية سوف لا يألو
جهداً وبالسرعة الممكنة لجعل المنطقة الحدودية أولوية، وبإستكمال الاسوارة الصحيّة
على معصمها من حاصبيا إلى مرجعيون وميس الجبل وتبنين وقانا ..
أيها الأعزاء،
اليوم يكون قد انقضى عامان وبزيادة يومين على انعقاد
الجلسة الاستثنائية لمجلس النواب في بنت جبيل.
ويجب علينا جميعاً ان لا نشيح بوجوهنا أو ان ندفن
رؤوسنا بالرمل حتى لا نرى ان ما تحقق هو جزء يسير من التوصيات التي تبناها المجلس
في الجانب المتعلق بالنهوض الاعماري وانماء المناطق المحررة.
فلا الوزارات ولا الادارات المختصة أطلقت ورش العمل
كما كنا نتوقع ونأمل، وهذه كانت أقل مكافأة لهذه المنطقة التي عانت الحرمان ثم
الاحتلال طيلة أجيالٍ خمسة، ولا عودة الأهالي تحققت لهذه الأسباب ولتضاؤل فرص العمل
بدل توفرها.
وبإستثناء بعض المبادرات الحكومية الخجولة وليعذرني
صاحبا المعالي الصديقين سليمان فرنجية ونجيب ميقاتي، فإن مجلس الجنوب حاول
بإمكانياته المعروفة سد غياب وغيبة الحكومة، الا ان احتياجات هذه المنطقة الحدودية
ومعاناتها تحتاج بالواقع إلى اعتبارها أولوية تنموية على الأقل إستجابة لشعار
التنمية المتوازنة.
اني لا أنكر ان أهلنا في هذه المنطقة والمدينة
متواضعون في مطالبهم، ولا زالوا يقفون عند حدود المطالب المرفوعة منذ الاستقلال بما
في ذلك إنشاء سرايا أو مستشفى أو مسلخ أو مدرسة أو تسوية الطرقات.
ان ما أود ان أوجه عناية المسؤولين إليه هو ان أهالي
هذه البلاد لا يشتهرون فقط بأنهم أنموذج المقاومة والصمود، وانما كذلك بأنهم قادة
ونشطاء الحركة المطلبية والانتفاضات التي شهدتها البلاد. فقد كانت بنت جبيل عاصمة
انتفاضة التبغ عام 1936، وكانت ميدان الانتفاضة ضد تقصير الدولة عن رد الاعتداءات
الإسرائيلية في مطالع السبعينات من القرن المنصرم، وكانت هذه المنطقة الناصرة
والمنتصرة لجميع القوى السياسية الإصلاحية، ومن أجل هذه المنطقة بصفة خاصة حوّل
الامام الصدر الحرمان من حالة إلى حركة مطلبية، وكذلك من أجل درء العدوان وإزالة
الاحتلال الإسرائيليين عنها أسس الامام الصدر أفواج المقاومة اللبنانية (امل).
لقد تحملت خلال العامين المنصرمين المسؤولية امام
الناس هنا لا عنهم على خلفية المعاناة الوطنية العامة، الناتجة عن نقص الموارد
المائية والديون وأعبائها والعجز وما إلى ذلك من تعبيرات، وقلت للجميع ان يتجملوا
بالصبر.
اني سأواصل تحمل مسؤوليتي تجاه أهلي في الجنوب وبصفة
خاصة في المنطقة الحدودية، ولكن من موقع حرصي على زيادة الثقة بالدولة وعلى بناء
مصداقيتها وعلى زيادة احساس الناس بحضورها خاصة مع ما تحاول إسرائيل فرضه على
المنطقة من تحديات.
وعليه فإني أرفض بشدة القبول بالرأي الذي يفترض ان
تحرير معظم أرضنا كان نهاية المطاف، وان هذا الأمر يلغي اعتبار هذه المنطقة أولوية
تنموية،
وهنا أعود بذاكرة الجميع ربع قرن إلى الوراء عندما
نبّه الامام الصدر أكثر من مرة ان لبنان لا يمكن ان يبتسم وجنوبه متألم، ونبّه إلى
ان كل دولة لا تقوم ببناء دفاعاتها وبدعم صمود جبهة حدودها ستجد نفسها عاجزة عن
الدفاع عن عاصمتها، الا يجب على الجميع اخذ الدروس والعبر مما وقع فيه لبنان في
السابق ؟
أليس من الواجب اتخاذ الأهبة الوطنية ازاء الوقائع
الاقليمية وازاء حرب إسرائيل المفتوحة على الشعب الفلسطيني وعلى جغرافيا الجوار وفي
الطليعة لبنان ؟
لقد اثبت أبناء الجنوب والبقاع الغربي للعالم انهم
بمستوى الامتحان المستمر منذ ما يزيد على خمسين عاماً، ومنعوا سقوط لبنان في العصر
الإسرائيلي، وجعلوا من لبنان أنموذجاً لعصر المقاومة، الا ان هذا لا يعني ان يتركوا
لمصيرهم وان يجري ترتيب الأولويات إنطلاقاً من خطوط التماس المستحدثة والوهمية حول
قضايا وعناوين عادية، فيما الوطن والمنطقة مهدّدان بإستقرارهما وأمنهما وسلامهما
ووجودهما.
أيها الأعزاء،
من مدينة بنت جبيل نجدد الإلتزام بجملة ثوابت وطنية
وقومية هي :
أولاً : تأكيد حق لبنان في المقاومة من أجل
إستكمال تحرير أرضه من دنس الاحتلال الإسرائيلي، وفي الطليعة مزارع شبعا وتلال
كفرشوبا، ورفض كل محاولة لوصم المقاومة في فلسطين أو لبنان بالإرهاب وكل محاولة
لتحميل المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية المسؤولية عن الوقائع الدامية في الشرق
الأوسط،لأن المقاومة هي النتيجة الطبيعية للإحتلال ولإرهاب الدولة الذي تمثله
إسرائيل.
ثانياً : التأكيد على علاقة الأخوة والتنسيق
والتعاون وعلى الشراكة الاستراتيجية ووحدة المصير والمسار بين لبنان وسوريا، خصوصاً
وان البلدين أثبتا صحة توجههما في ما يخص بناء وضع السلام، وقد لمس العالم ان
المجتمع الإسرائيلي ليس غير ملائم أو ناضج للسلام فحسب بل انه وبسبب الامتيازات
السياسية والعسكرية والأمنية التي تمنحها له الادارة الاميركية أصبح أكثر شراسة
وعدوانية.
ثالثاً : رفض الدعوة إلى لقاءات أو اجتماعات
أو مؤتمرات إقليمية أو دولية تمنح صك غفران لحكومة شارون ولشارون عن جرائم الحرب
التي ارتكبت خلال العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني وعن جرائم الحرب التي ارتكبت
في لبنان سواء في صبرا وشاتيلا أو في قانا وسواهما.
أيها الأعزاء،
ان ما حققه شعبنا ومقاومتنا منذ عامين من انتصار أكد
في مطلع الألفية الثالثة ان الشعوب مهما كانت صغيرة وقليلة الموارد قادرة على اثبات
حضورها واثبات عجز القوة مهما كانت أسلحة العدوان حديثة وعصرية ومدمرة وفتاكة، وهو
الأمر الذي يجعلنا متأكدين ان الشعب الفلسطيني سيتمكن من تحقيق أمانيه الوطنية وانه
لن يسقط في امتحان الاختيار بين الفكرة والسلطة، بين فلسطين وبين المقاطعة، بين حق
العودة والتوطين.
اني أوجه عناية الأشقاء العرب وفي الطليعة
الفلسطينيون إلى ان التعطر بالأوهام الاميركية سوف يبقى (الدولة الفلسطينية) مجرد
رؤية وسوف يحوّل السلطة الفلسطينية إلى ادارة تستجيب لضرورات الأمن الإسرائيلي.
ان ما يجب ان يعلمه الجميع ان (الورقة الاميركية)
للحل لا تمت بصلة إلى المبادرة العربية الصادرة عن قمة بيروت، وما نقله السفير
الاميركي في تل أبيب إلى شارون ورقة تتجاهل الأسس التي لا تقبل المساومة في
المبادرة العربية وفي طليعتها الإنسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية
المحتلة حتى حدود الرابع من حزيران عام 1967، وتفكيك المستوطنات وعودة اللاجئين وفق
القرارات الشرعية الدولية وفي طليعتها : 242 و 338 و 425 و 194.
ان ما يجري محاولة لحرف القضية الفلسطينية عن
اسبابها الانسانية والسياسية وتحويلها إلى مشكلة أمنية، وإسقاط مشروعية المقاومة
لمصلحة تعزيز الأجهزة البوليسية والقمعية وفي الطليعة الفلسطينية منها بما سيؤدي
حتماً إلى إستكمال تطبيع وتطويع ما سيتبقّى من الشعب الفلسطيني خارج حدود النكبة
الأولى والنكبة الثانية الجاري تنفيذها.
أيها الأعزاء،
من بنت جبيل أقول ان هناك خياراً أكيداً آخر أمام
العرب.
فلا ضير من أن يحمل العرب مبادرتهم للسلام بيد ولكن
شرط ان لا يتركوا اليد الأخرى فارغة من التصميم على مواجهة التحدي الذي مثلته
وتمثله إسرائيل لماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ولطغيان النظام الدولي ومحاولة الهيمنة
على شعوبنا وتفكيك اقتصاداتها وإخضاعها.
ان هذا
الخيار هو : بناء مجتمع المقاومة العربي.
-
مقاومة كل محاولة لإحلال أنظمة إقليمية على حساب
تاريخ وحضارة ومعتقدات شعوبنا.
-
مقاومة استمرار سلب ثرواتنا ومواردنا الوطنية
والقومية والسيطرة على أسواق عملنا وإنتاجنا.
-
مقاومة كل محاولة للجوء إلى القوة ضد أقطارنا
وأمتنا ومقاومة كل أشكال الاحتلال والسيطرة والهيمنة.
-
مقاومة كل إعتداء على خصوصياتنا الثقافية. وعلى
المستويين العربي والاسلامي نبذ الخلافات بين الدول التي أسس لها الاستعمار حول
الحدود والمياه والمناطق المتنازع عليها، خصوصاً إزاء محاولة إشعال حرب بين
الجارتين الباكستان والهند، والتي نرى فيها محاولة إستعمارية لتبديد قوة الشعبين
الجارين وإستهلاك ثرواتهما على حرب عبثية.
أخيراً وليس آخراً، لا بد من التعبير عن مخاوفنا
وهواجسنا إزاء إنتقال العلاقات الروسية الاميركية من الاختلاف الكامل إلى الائتلاف،
خصوصاً مع ما يترافق ذلك من كلام صادر عن روسيا التي كانت بالنسبة للعرب حليفاً
قوياً، والذي تضمّن إشارات حول ان روسيا لا تملك أدوات للتأثير في وضع الشرق
الأوسط، وانها ستترك الساحة لأميركا وتجلس وتتفرج وتعطي بعض الإعلانات.
ان إعلان النوايا الروسي ـ الاميركي وما تضمنه حول
استثمارات بحر قزوين ومباحثات القمة الروسية ـ الاميركية التي تناولت ايران والعراق
وغيرهما أمر سيزيد من مساحة الاضطراب والفوضى في العالم.
أيها الأعزاء،
ان ما يزيد تفاؤلي وأملي بقدرتنا على تحمّل
المسؤولية إزاء كل تحدٍ يواجهه وطننا هو ان وحدتنا الوطنية أصبحت أقوى من ان تنال
منها الأيادي الإسرائيلية التي تعمل في الظلام لضرب إستقرار النظام العام في بلدنا.
وما يزيد من ثقتي بقدرة لبنان، ان الجنوب لن يبقى
جهة مستفردة خصوصاً مع هذا الحضور الوطني الشمالي بيننا اليوم، الذي يمثله الصديقين
سليمان فرنجية ونجيب ميقاتي ومع كل أبناء الوطن في الشمال والبقاع والجبل والعاصمة
الذين يؤمنون بأن قوة لبنان في مقاومته وان قوة المقاومة تنبع من كل جهات وفئات
وطوائف ومذاهب لبنان.
عشتــــم
عاش لبنـان
|