كلمة فخامة رئيس جمهورية البرازيل لويس ايناسيولولا داسيلفا في الجلسة العامة لمجلس النواب اللبناني -

 بيروت، في 5 كانون الأول 2003


 

        بادئ ذي بدء، أوّد أن أشكر مجلس النواب اللبناني على دعوتي لإلقاء كلمة في هذا البرلمان العريق، حيث تتم مناقشة وتقرير مصير الأمة. وإنني لفخورٌ أن أكون أول رئيسٍ لجمهورية البرازيل يتوجه إلى أعضاء هذا المجلس.

 

        أوّد أن أحييّ نواب هذا المجلس، بالأخص الرئيس نبيه بري. كذلك أوّد أن أشير إلى أنّ برلمانيين برازيليين من أصلٍ لبناني قد رافقوني في هذه الزيارة: إنكّم حرّاس العلاقات اللبنانية-البرازيلية وتشكلّون مثالاً ملموساً عن هذه الجالية المهمة التي قامت بالكثير ومازالت لمصلحة البرازيل والعلاقات مع لبنان.

 

        السادة النواب،

 

        بصفتي نائباً سابقاً، إنّني على ثقة أنّ لا بديل لمسؤولية السلطة التشريعية في بناء الأمة، فيتعيّن في المجلس، توجيه الارادة الجماعية وتحقيق طموحاتها وأحلامها.

 

        تسمح لنا الحياة البرلمانية ببناء مجتمعات حديثة وحيوية، قادرة على تخطّي المحن، وهي العبرة المثالية التي يقدّمها لنا هذا المجلس. فهو ساعد في تضميد الجراح وتخطي الانقسامات المتراكمة طوال سنوات الصراع الخمسة عشر، لتوجيه البلاد نحو المصالحة السياسية والاستقرار الاقتصادي.

 

        وقد تعلّمنا في البرازيل كما في لبنان، أهمية التفتيش عن حلول بطريقةٍ ديموقراطية والتشديد على الحوار ورفض اللجوء إلى العنف. وكما فعلتم في لبنان، فقد وضعنا نصب أعيننا مواجهة تحدي تعزيز الاصلاحات الصعبة، التي كانت في بعض الأحيان قاسية، ولكنها قادتنا نحو طريق التنمية المستدامة والمواطنية الكاملة.

 

        سيداتي سادتي،

 

        تربط بلدينا علاقات قربى راسخة، إذ يتحدر العديد من البرازيليين من أجدادٍ قدموا من هذه البلاد، واليوم يتراوح عددهم بين 6 و7 مليون متحدرٍ من مهاجرين لبنانيين بدأوا بالوصول إلى البرازيل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وكانوا "مقاولين" بارعين وأقوياء، تركوا بلادهم لتحقيق طموحاتهم.

 

        ولم يكتفِ اللبنانيّون الأوائل الذين وصلوا إلى البرازيل بالتسلّح فقط بإرادة العمل والنجاح، بل حثّتهم عزيمتهم على المقاومة من أجل تأسيس مجتمعٍ عادل، حيث يتمتع كل انسانٍ بحق التقدّم بفضل جهوده الفردية. وهكذا، توصلوا إلى التمتع بمركز اجتماعي متحرر، عندما تخلّوا عن الزراعة لصالح التجارة المتنقّلة. بفضل هذا المثال، تشجّعت جنسيات أخرى على التحرّر من نير كبار مالكي حقول البن، فتحوّل اللبنانيون إلى روّاد التجارة الشعبية، في البلدات البرازيلية الكبيرة والصغيرة على حدٍ سواء.

 

        وطوال هذه السنوات، ساعد اللبنانيون على قولبة ثقافتنا، عبر الانصهار في كافة أوساط المجتمع البرازيلي، من خلال التوزع في مختلف أنحاء البلاد. وقد لحظنا نجاح متحدري هؤلاء المستكشفين في المجالات المهنية المتعدّدة، فلمعوا في السياسة والتعليم والطب والهندسة والكتابة والصحافة وفي الأعمال والفن.

 

        أودّ أن أعبّر عن امتنان بلادي العميق لمساهمة هؤلاء البرازيليين المتحدرين من أصلٍ لبناني، الذين ساعدوا في بناء البرازيل. ويغذي تيار المهاجرين بلدينا ويُغنيهما، إذ نجد الآلاف من المواطنين البرازيليين الذين يعيشون اليوم في سهل البقاع، محاولين تكريم أسلافهم الذين هاجروا إلى البرازيل، عبر تحقيق الانجازات.

 

        سيداتي سادتي،

 

        يجب أن تكون العلاقات بين بلدينا طريقاً ذي وجهتين، تأخذ العبر من علاقات القربى والتاريخ التي تجمع بيننا، ولا تكتفي بعبارات الموّدة والمجاملة. وتأمل البرازيل إقامة شراكة أكثر عمقاً، تعود بالمنفعة على البلدين، فهذه رسالة زيارتي إلى لبنان ورسالة زيارة رئيس الحكومة رفيق الحريري إلى البرازيل في شهر حزيران الماضي.

 

        نحن ندرك أنّ مكامن قوى علاقاتنا أهم من علاقاتنا بحدّ ذاتها، ونحن نأمل توسيع التنسيق السياسي بين البرازيل ولبنان، وتعزيز التبادلات التجارية والتعاون الثقافي والتقني والتربوي. وفي هذا الاطار، سنوقّع والرئيس إميل لحود "مذكّرة التفاهم من أجل تأسيس اللجنة الثنائية الرفيعة المستوى برازيل-لبنان"، و"اتفاقية التعاون التقني" و"البرنامج التنفيذي لاتفاقية التعاون الثقافي والتربية بين البرازيل ولبنان"، ولكن ما زال أمامنا الكثير للقيام به.

 

        سيداتي سادتي،

 

        لقد قدمت شعوبٌ من مختلف المناطق والأديان إلى البرازيل ولبنان، كوّنت هويتنا العالمية والمتسامحة. ونفتخر في البرازيل بإرثنا الثقافي العربي الذي أعطى الكثير للحضارة الغربية التي تعتبر البرازيل وريثتها.

 

        لهذا السبب، نتابع باهتمام وقلق بالغين، التطورات في الشرق الأوسط ونحن نأمل أن يحلّ السلام والتفاهم في مهد العديد من أقربائنا وأجدادنا. في البرازيل، تعيش جميع الإثنيات والطوائف في سلامٍ وتناغم، ونحن على ثقة أنّ السلام ممكن، بل هو ضرورة قصوى.

 

إنّنا نرفض رفضاً قاطعاً الارهاب بجميع أشكاله ولأي ذريعةٍ كانت ونساند، بكل ثقة وأمل، المبادرات الهادفة الى التقريب بين شعوب المتوسط عبر الحوار والتفاهم.

 

        تطرح خريطة الطريق والمبادرة العربية للسلام خيارات متقاربة لإنشاء دولة فلسطينية مستقلّة وديمقراطية ومستقرة أمنياً واقتصادياً؛ وفي الوقت نفسه، تؤمّن هذه المبادرات الشروط الضرورية لكي تتمكّن دولة اسرائيل من العيش بسلام وأمان داخل حدودها.

 

        يشكّل إحلال السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين مهمة مشتركة لجميع الدول. إنّنا ندعم دور الامم المتحدة الفعّال في المنطقة والتطبيق الفعلي لقراراتها، كتعبير للارادة الدولية الجماعية؛ ولا يجب أن ننسى أنّه لا يمكن استبدال خبرة الامم المتحدة الواسعة ومصداقيتها لحل قضية العراق في الوقت الذي يحاول فيه هذا البلد إيجاد طريق المصالحة وإعادة الاعمار.

 

        تؤمن البرازيل بلبنان قوي وشامخ مثل الارز، رمزه الوطني. وإنّنا على ثقة أنّ خبرة لبنان في التوصل الى سلام دائم ستشكّل إلهاماً للمجتمع الدولي لكي يثابر  في جهوده.

 

        وابتداءً من سنة 2004 ، ستعود البرازيل عضواً غير دائم في مجلس الامن، الا انها ستستمر في السعي، بعزمٍ أكبر، لتحقيق أهدافها. باستطاعة لبنان الاعتماد على البرازيل كحليف له في الدفاع عن مصالحه الوطنية الشرعية واستقراره وتطوره في الشرق الاوسط.

 

        سيداتي سادتي،

 

إنّ البرازيل دولة ذات رسالة عالمية، لذلك تسعى لتعزيز علاقاتها بجميع دول العالم. إنّ البرازيل دولة عازمة  على صياغة سياسات للتطور والتكامل في محيطها الجغرافي وحتى أبعد من محيطها. خلال مؤتمر رجال الاعمال الذي افتتحته مؤخّراً، دعوتُ رجال الاعمال البرازيليين والعرب الى الانخراط بحماس في التكامل الاقتصادي والتجاري بين المناطق، لصالح تعزيز المبادلات الاقليمية، التجارية والتكنولوجية إضافةً الى رؤوس الاموال.

 

        إنّ العلاقات التاريخية ورسالة البرازيل العالمية – التي قادتني هذه السنة الى أوروبا وأفرقيا- تقودني الآن الى العالم العربي الذي نودّ تعزيز علاقاتنا معه وإعادة اطلاق الحوار. إنّني على ثقة أنّنا يجب أن نستخدم صوتنا الواحد  وقدرتنا كمستهلكين وكرأي عام ، لخلق كتلة قوية تستطيع الوقوف في وجه العولمة. لهذا السبب أوجّه شكري العميق الى فخامتكم لاقتراحكم  إقامة قمة أميركا الجنوبية والدول العربية في البرازيل سنة 2004.

 

سيداتي سادتي،

 

إنّنا نودّ أن يكون لبنان شريكنا المفضّل في هذه الحملة، في هذه المغامرة الجديدة التي أطلقها "بلدنا" والهادفة الى  تقليص المسافات والى الجمع بين شعبينا.

 

        تشكّل الجالية اللبنانية في البرازيل – إضافةً الى الهجرة البرازيلية الحديثة الى لبنان- شهادةً معبّرة عن روح التعاون والتضامن  التي لطالما ميّزت علاقاتنا.

 

        تعتبر زيارتي للبنان احتفالاً بالفخر والثقة بانجازاتنا المستقبلية العديدة. أعتبر وجودي هنا، في هذا البرلمان العريق، فرصةً لتجديد الدعوة الى الاستمرار بتوسيع وتعزيز جسور الصداقة والتعاون التي لا تربط لبنان والبرازيل فحسب بل تتعداهما الى شعبينا و ثقافتينا.

 

                                                                        شكراً