من أبرز حقوق الإنسان التي تسعى المواثيق الدولية إلى حمايتها هو حق الإنسان في الحياة. أملى هذا الحق على المجتمع الدولي إصدار معاهدات وبروتوكولات وإعلانات وتوصيات ترمي إلى إلغاء القوانين والممارسات التي تناهضه وأهمها عقوبة الإعدام.

تعرضت عقوبة الإعدام منذ منتصف القرن الماضي لإنتقادات شديدة من جانب القانونيين وعلماء الإجتماع والمفكرين في مختلف المجالات بحجة أنها عقوبة قاسية ونهائية لا رجعة عنها بعد تنفيذها، حتى وإن ثَبُتَ فيما بعد براءة من تمّ إعدامه بسبب خطأ في التحري أو حكم المحكمة.

والجدير بالذكر أنّ الحكم بالإعدام ليس السبب الوحيد الذي أثار سخط المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم، وإنما أيضاً الممارسات التي تتبع مثل هذا الحكم كالعلنية التي تتبع عملية تنفيذ الحكم وطريقة تنفيذ العقوبة.  

 

I-       الواقع القانوني

 

أولاً: المواثيق الدولية

صدر في الأعوام الأخيرة عدد من الإتفاقيات والقرارات الدولية العالمية والإقليمية ترمي إلى الحدّ من عقوبة الإعدام وصولاً إلى تكريس قاعدة إلغائها بصورة نهائية، وقد التزم هذه القاعدة أكثر من نصف دول العالم.

حث البروتوكول الإختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1989، الدول الأطراف على إلغاء عقوبة الإعدام، مع جواز تطبيقها في وقت الحرب عند الإدانة بجريمة بالغة الخطورة وذات طبيعة عسكرية، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ لبنان لم يوقّع على هذا البروتوكول حتى الآن.

وقد أكدت المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حماية حق كل إنسان في الحياة وعدم حرمانه منها تعسفاً. كما نصت على عدم جواز الحكم بعقوبة الإعدام في البلدان التى لم تلغها، إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة، وبمقتضى حكم نهائي صادر من محكمة مختصة، مع جواز طلب العفو ومنحه، وعدم تطبيق العقوبة على من لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر.

كما أن القانون الجنائي الدولي لا يجيز عقوبة الإعدام، كما هو الحال في النظم الأساسية الخاصة بكل من محكمة يوغسلافيا السابقة، ومحكمة روانـدا والمحكمة الجنائية الدوليـة (محكمة روما) والمحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذلك مهما بلغت خطورة الجرائم المرتكبة.

 

أ‌-        الإتفاقيات الإقليمية:

نصت إتفاقيات إقليمية عدة على وجوب إلغاء عقوبة الإعدام، أو على الأقل الحد من تطبيقها. ومن هذه الإتفاقيات:

-          البروتوكول الملحق بالاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام.

-          البروتوكولان رقم 6 و13 الملحقان بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

-          اتفاقية حقوق الطفل (المادة 37 فقرة أ).

-          الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورعايته (المادة 5 فقرة 3).

-          البروتوكول الأول لإتفاقية جنيف (المادة 77 فقرة 5).

-          الميثاق العربي لحقوق الإنسان (المواد 5 و 6 و 7).

 

ب- القرارات الدولية:

تقيم القرارات والتوصيات الدولية مكانةً خاصاً للحق في الحياة وتحرّم صراحة المساس بهذا الحق حتى ولو كان الشخص المعني مجرماً موصوفاً. ومن هذه القرارات:

-          القرار رقم 2857 XXVI / الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20/12/1971.

-          القراران الصادران عن المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة تاريخ 20/5/1981  و9/5/1979.

-          القرار الصادر عن المجلس الأوروبي رقم 727 تاريخ 22/4/1980.

-          التوصية الصادرة عن البرلمان الأوروبي رقم 891 تاريخ 18/6/1981.

-          القراران الصادران عن لجنة حقوق الإنسان رقم 8/1998 و61/1999.

 

ثانياً: التشريعات الداخلية:

يأخذ التشريع اللبناني بعقوبة الإعدام، ويعود ذلك إلى أنّ قانون العقوبات اللبناني لعام 1943 مأخوذ عن القانون الفرنسي القديم الذي أُدخلت عليه إصلاحات جديدة عدة لم يعرفها التشريع اللبناني. فتعتمد السياسة الجنائية في لبنان على العقاب والردع وحتى "الإنتقام المقونن" لحماية المجتمع والنظام العام، إلى درجة تبلغ هذه السياسة العقابية حدّ "إلغاء القاتل" عوض سجنه وإصلاحه وتأهيله.

إلا أن الجرائم التي يُعاقَب عليها بالإعدام محدّدة على وجه الحصر في القانون تطبيقاً لقاعدة "لا عقوبة دون نص". فتنص المواد 273، 274، 275، 276، 549، 640، 642، 643 من قانون العقوبات العام على تنفيذ عقوبة الإعدام بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذه المواد.

كذلك تنص على عقوبة الإعدام بعض القوانين الخاصة كقانون العقوبات العسكري (المواد 121، 124، 130، 132، 168، 171) وقانون المخدرات (المادة 140)  وقانون المحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطيرة (المادتان 11 و12) وقانون 11/1/1958 الذي هدف إلى تشديد العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات على جرائم إثارة الحرب الأهلية والأعمال الإرهابية، فاستبدل عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة بالأشغال الشاقة المؤبدة ونص على عقوبة الإعدام إذا أدى العمل الإرهابي إلى الموت أو التهديم أو التخريب.

وتجدر الإشارة إلى أنه غداة انتهاء حرب 1975-1990 في لبنان، صدر القانون رقم 302/1994 الذي حرم القضاء من سلطته التقديرية في تطبيق الأسباب التخفيفية، بحيث أصبحت جرائم القتل على إختلافها توجب الحكم بإعدام فاعليها بما فيها تلك المنصوص عليها في المادتين 547 و548 من قانون العقوبات بصرف النظر عن الأسباب التي حملت الجاني على ارتكاب جريمته؛  ثم صدر القانون رقم 338/2001 الذي نصّ على إلغاء أحكام القانون رقم 302/1994 وإعادة العمل بأحكام مواد قانون العقوبات التي كانت نافذة سابقاً.

إلا أنه على الرغم من ذلك فلا يمكن اعتبار هذه الخطوة تطوراً كافياً على صعيد حقوق الإنسان، لأنها لم تلغِ عقوبة الإعدام جذرياً.

 

 

 

II-  الوضع الراهن في لبنان

 

         لحظ قانون العقوبات عقوبة الإعدام في حالات حددتها المادة 549، وتطبق المحاكم اللبنانية هذه المبادئ لدى توافر شروطها، مع الإشارة إلى أن المحاكم غالبًا ما تمنح أسبابًا تخفيفية تستبدل بموجبها عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبَّدة. كما أن السلطة التنفيذية انتهجت منذ عدة سنوات منحى يرمي إلى عدم تنفيذ الأحكام التي تلحظ عقوبة الإعدام والعمل بما يسمى Moratorium.

           من جهة أخرى وضعت وزارة العدل مشروع قانون لإلغاء عقوبة الإعدام ، قُدِّمَ في العام 2008، وقامت بحملة توعية واسعة ودعت الأطراف السياسية كافة لعقد عدة اجتماعات بهذا الخصوص، غير أن الآراء لا تزال متضاربة ومتباعدة بين المعنيين بهذا الشأن.

           تجدر الإشارة إلى أن عقوبة الإعدام والسجن المؤبد بحق الحدث المخالف للقانون لا تطبّق، وذلك بناءً للفقرة 2 من المادة 15 من القانون رقم  422 /2002 التي نصت على أنه  "إذا كانت الجناية معاقبًا عليها بالإعدام أو بالأشغال الشاقة المؤبدة تخفض إلى الحبس من خمس إلى خمس عشرة سنة.

 

III-   التوصيات

 

1.      إعتماد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 149/62 بشأن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام والتصديق على البروتوكول الإختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[1].

2.      تعديل النصوص القانونية المتضمّنة عقوبة الإعدام والإكتفاء بعقوبة الإعتقال المؤبد. وهذه المواد هي البند الأول من المادة 37، والمواد 549، 273، 274، 275، 276 من قانون العقوبات، المواد 110، 121، 124، 130، 132، 168، 171 من قانون العسكري، المادة 140 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف تاريخ 16/03/ 1998، والمواد 10 و11 من قانون المحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطرة رقم 64 تاريخ 12/8/1998، بالإضافة إلى إلغاء القانون 11/1/1958 والعودة لتطبيق المواد 308، 309، 312، 311، 313، 315.

3.      إلى حين الموافقة على إلغاء عقوبة الإعدام، ضرورة تضييق تطبيقها على الجرائم الأكثر خطورة وفقاً للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة، تبعاً لإلتزامات لبنان بموجب المادة 6 فقرة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وفق رأي اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في التعليق رقم 6 حول المادة 6 وحول توصياتها إلى لبنان في العام 1977[2].

4.      التوعية الإعلامية على ضرورة هذه التعديلات مع إبراز فوائدها والإضاءة على مساوئ عقوبة الإعدام وإجراء مقارنات بين الإثنين وإظهار استطلاعات الرأي والإحصاءات المجراة في الدول التي ألغت عقوبة الإعدام لتكوين رأي عام مؤيد لإلغاء عقوبة الإعدام ويكون ذلك عبر عمل مشترك بين وزارة العدل ووزارة الإعلام.

5.      تحديث السجون وتطويرها لتصبح صالحة كمراكز لإعادة التأهيل. فمشروع إلغاء عقوبة الإعدام يحتاج بالمقابل إلى تجهيز أماكن إقامة المحكوم عليهم، بحيث تكفل حسن تطبيق المنهج المتبع لإعادة التأهيل (راجع دراسة "السجون").



[1]  توصية وافق عليها لبنان في الإستعراض الدوري الشامل.

[2]  توصية وافق عليها لبنان في الإستعراض الدوري الشامل.