إن وضع الجمعيات في صلب تطور الحياة الديموقراطية، جعلها تلاقي حماساً كبيراً. فالجمعية هي عصب الإندماج الإجتماعي والتضامن بين المواطنين وهي تسمح بحبك نسيج المجتمع وتعطي المواطنين الوسيلة الكفيلة بجعلهم ناشطين ومؤثرين في المجالات والمواضيع التي تثير اهتمامهم.

 

I-       الواقع القانوني     

 

أولاً: المواثيق الدولية

صدرت إتفاقيات وإعلانات وتوصيات وقرارات خاصّة عدّة ترمي إلى تكريس حرية التعبير والرأي والإعلام وتعزيزها، نذكر منها خصوصاً:

-        قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 59/د-1 تاريخ 14/12/1964.

-        إعلان اليونسكو في شأن "المبادئ الأساسية الخاصة بمساهمة وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب".

-         القرار رقم 104 الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو عام 1991.

 

وقد صادق لبنان على مواثيق عالميّة عدّة في هذا المجال، أبرزها:العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، إتفاقية حقوق الطفل، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المعاهدة المتعلقة بحقوق الطفل. بالإضافة إلى عدد من المعاهدات الصادرة عن منظمة العمل الدولية والتي تضمن الحرية النقابية، إعلان فيلادلفيا تاريخ 10/5/1944 الملحق بميثاق منظمة العمل الدولية، الإتفاقية رقم 98 لعام 1949 الخاصة بتطبيق مبادئ الحق في التنظيم النقابي وفي المفاوضة الجماعية، إعلان منظمة العمل الدولية الخاص بالمبادئ والحقوق الأساسية في العمل تاريخ 19/6/1998. إلا أنّه، ورغم كونه عضواً في منظمة العمل الدولية، رفض لبنان المصادقة على المعاهدة رقم 87 لعام 1948 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية الحق النقابي.

 

ثانياً: التشريعات الداخلية

على الصعيد الدستوري تنص المادة 13 من الدستور اللبناني على أنّ: "حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية الإجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلّها مكفولة ضمن دائرة القانون"، فلم يميّز الدستور بين مختلف أنواع الجمعيات، ولم يتضمّن أي ذكر للحرية النقابية.

أما على صعيد التشريعات العادية فقد صدر بتاريخ 3/8/1909 القانون العثماني الذي ينظّم إنشاء الجمعيات وعملها وحلّها في لبنان، وقد أبقى عليه المشترع اللبناني بعد الإستقلال، ثم صدر المرسوم الإشتراعي رقم 153 تاريخ 16/9/1983 الذي عدل مختلف أحكام هذا القانون وأخضع الجمعيات إلى رقابة صارمة من الإدارة اللبنانية، ولكن تم إلغاء هذا القانون في 23/3/1985 وأصبح القانون الوحيد الذي يرعى الجمعيات هو قانون 1909. وإلى جانب قانون 1909، ترعى موضوع الجمعيات نصوص عدة أبرزها:

-        القرار الصادر عن المفوض السامي غابرييل بيو تاريخ 31/12/1939 الذي يرعى جمعيات الأجانب والذي لا يزال معمولاً به حتى اليوم.

-        المرسوم الاشتراعي رقم 10830 تاريخ 9/10/1962 الذي يمنع على أي كان من الإستمرار بجمعية جرى حلها بسبب جريمة ضد أمن الدولة.

-        قانون رقم 16/72 تاريخ 15/12/1972 الذي يخضع جمعيات الشباب والرياضة إلى رقابة وزارة الشباب والرياضة.

-        الفصل الثاني من قانون العمل (المواد 86 وما يتبعها) تاريخ 23/9/1946 والمرسوم 7993 تاريخ 2/4/1952 المتعلق بإنشاء نقابات أرباب العمل ونقابات المستخدمين.

-        المرسوم رقم 17199 تاريخ 18/8/1964 المتعلق بالتعاونيات.

-        المرسوم الاشتراعي رقم 35 تاريخ 9/5/1977 المتعلق بصناديق التعاضد.

-        المرسوم الاشتراعي رقم87 تاريخ30/7/1977 حول المؤسسات ذات المنفعة العامة.

-        المادة 22 من المرسوم رقم 5734 تاريخ 20/10/1994 الذي أستحدث "قسم الجمعيات والمؤسسات التطوعية" داخل وزارة الشؤون الإجتماعية ووضع إطاراً متشدداً للجمعيات التي تدخل ضمن صلاحية هذه الوزارة.

-        المرسوم رقم 18071 تاريخ 12/12/1957 الذي يُنظم تقديم المساعدات للنقابات وإتحاداتها.

-        المرسوم رقم 16293 تاريخ 11/5/1964 الذي أنشأ اللجنة الدائمة للتدريب النقابي والثقافة العمالية.

-        القانون رقم 17386 تاريخ 2/9/1964المتعلق بالعقود الجماعية والوساطة والتحكيم .

 

II-    الوضع الراهن في لبنان

 

أولاً: الصعوبات والتحديات

تميّزت الفترة التي سبقت عام 2005 بمخالفتها النصوص القانونية والمبادئ التي أجمع عليها الإجتهاد من خلال تدخّل الإدارة في مرحلة إنشاء الجمعيات بمختلف الوسائل. فحاولت الإدارة أن تجعل من "العلم والخبر" ترخيصاً مسبقاً خلافاً لقانون 1909، ثم كانت تقوم بتحقيقات حول المؤسّسين بواسطة الأجهزة الأمنية ومن خلال وزارات أخرى، وكانت تلجأ أيضاً إلى رفض تسليم إيصال الإيداع زاعمة بأنّ موضوع الجمعية غير شرعي. أخيراً، كانت تحاول فرض أنظمة أساسية على الأعضاء المؤسسين، فضلاً عن خرقها لمبدأ حرية اختيار اللجنة الإدارية.

وتجدر الإشارة في هذه السياق إلى أن جمعيات الشباب والرياضة لا تنشأ إلا بموجب ترخيص مسبق من وزارة الشباب والرياضة.

أما بالنسبة للنقابات، فيتّسم التشريع الخاص بالحياة النقابية في لبنان بحذر كبير، لا بل بعدم ثقة في النقابات، التي كان ينظر إليها في المرحلة التي وضع فيها القانون اللبناني على أنّها بؤر للأفكار الشيوعية أو الماركسية أو الناصرية، التقدمية عموماً، وعليه يُمنع على الموظفين الرسميين الإنضمام إلى نقابات عمالية. أما بالنسبة إلى مسألة تمويل النقابات، فتشكل رسوم الإنتساب -فعلياً- المصدر المالي الوحيد للنقابة وتمارس عليه الإدارة رقابة شديدة، إذ تتدخل وزارة العمل في تحديد رسوم الإنتساب إلى النقابة؛ من جهة أخرى، يُمنع فعلياً على النقابة اقتراض الأموال في حين أنّ وزارة العمل تشكو من عجز كبير في موازنتها، ولا تستطيع تالياً تقديم المساعدة. فلا عجب إذا كان القطاع النقابي قد ضُرب وقُضي عليه وخصوصاً بعد انهيار الليرة اللبنانية وانهيار دخل العامل اللبناني.

 

 

 

 

ثانياً: الممارسات الرسمية

 

أ‌-        بالنسبة إلى الجمعيات في صورة عامة: بعد أعوام عدّة جرى فيها خرق منهجي لمبدأ حرية جمعيات "العلم والخبر" المكرس في القوانين اللبنانية، لاسيّما في قانون 1909، أصدر وزير الداخلية بتاريخ 15/5/2006 تعميما يحمل الرقم 10/أ.م./2006 يتعلق بإنشاء الجمعيات وبسير عملها، يعيد فيه التأكيد على مبدأ حرية الجمعيات، إلا إن التعميم فرض نشر الإعلان في الجريدة الرسمية في حين إن القانون لا يلزم هذا النشر.

 

ب‌-    بالنسبة إلى جمعيات الشباب والرياضة: يبدو أنّ ثمّة نيّة لدراسة الموضوع وإعادة النظر في التشريع الخاص بجمعيات الرياضة والشباب، فضلاً عن إعادة تنظيم هيكلية الوزارة. 

 

III-       التوصيات

 

1.      إلغاء أشتراط  النشر في الجريدة الرسمية  لتكوين الجمعيات، والتعميم على جميع دوائر الدولة لقبول إنشاء الجمعية حال الحصول على العلم والخبر.

2.      إدخال مفهوم agrément ministériel أو القبول الوزاري من اجل إعطاء المساعدات والدعم من قبل الدولة لجميع الجمعيات العاملة في لبنان.

3.      إلغاء القانون رقم 16/72 تاريخ 15/12/1972 الذي يفرض ترخيصاً من وزارة الشباب والرياضة لإنشاء الجمعيات الشبابية والرياضية والكشفية، تماشياً مع الدستور والمبدأ العام لحرية التنظيم.

4.   إلغاء القوانين الحالية المتعلقة بالنقابات ووضع تشريع جديد موحد يكفل حرية العمل النقابي ويحد من سيطرة الدولة عليها.

5.        الإنضمام إلى الإتفاقية رقم 87 لسنة 1948 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والخاصة بالحريات النقابية.

6.   إلغاء المادة 85 من قانون العمل لجهة وضع لائحة بالمهن التي يسمح لممارسيها بإنشاء النقابات وجعل السماح كامل لكل المهن بإنشاء نقابات بما فيهم موظفي القطاع العام.

7.   تعديل المواد 86 وما يليها من قانون العمل لإلغاء الترخيص المسبق من قبل وزير العمل لإنشاء نقابة عمالية وتنظيم عملها والإكتفاء بالعلم والخبر.

8.   إلغاء المادتين 6 و7 من المرسوم 7993 تاريخ 3/4/1952 لناحية موافقة وزير العمل ومصلحة النقابات في وزارة العمل على نتائج إنتخابات النقابات ونقل سلطة المراجعة في كل ما يتعلق بآلية تشكيل النقابة أو الإنضمام إليها أو الإنتخابات أو النزاعات أو الإعتراض من وزير العمل إلى القضاء.

9.   تعديل المادة 105 من قانون العمل لنزع صلاحية حل مجلس النقابات من يد الحكومة حصر هذه الصلاحية بالقضاء العدلي المختص، انسجاماً مع المادة 4 من إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87.

10.    إعطاء الأجانب حق الإنضمام والترشح والانتخاب في النقابات.