تُعتبر حرية التعبير والرأي والإعلام إحدى أهم الحريات الأساسية الواردة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بإعتبارها من ركائز المجتمع الديموقراطي التعددي لإتاحة الفرص للجميع، سواء كانوا من مؤيدي نظام الحكم أو معارضيه أو غيرهم.

 

I-    الواقع القانوني       

 

أولاً: المواثيق الدولية

صدرت إتفاقيات وإعلانات وتوصيات وقرارات خاصة عدّة ترمي إلى تكريس حرية التعبير والرأي والإعلام وتعزيزها؛ نذكر منها:

-        قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 59/ د-1 تاريخ 14/12/ 1946، بخصوص "حرية الإعلام".

-        إعلان اليونسكو في شأن "المبادئ الأساسية الخاصة بمساهمة وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب".

-         القرار رقم 104 الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو عام 1991 بعنوان "تشجيع حرية الصحافة في العالم".

 

ثانياً: التشريعات الداخلية

ينص الدستور اللبناني بوضوح على حرية الرأي (المادة 13) واحترام الحرية الشخصية (المادة 8).

وقد صدرت عدة قوانين على هذا الصعيد، أبرزها:

-        قوانين الإعلام.

-         قانون المطبوعات.

-        قانون البث التلفزيوني والإذاعي.

-        قانون الإنتخابات النيابية في القسم الذي يتناول فيه الإعلام الانتخابي.

 

II- الوضع الراهن في لبنان

 

أولاً: الصعوبات والتحديات

نظام الترخيص المسبق وحصر وسائل الإعلام بالمتنفّذين السياسيين، التمييز بين وسائل الإعلام السياسية وغير السياسية، ملاحقة الإعلاميين، الرقابة على وسائل الإعلام، ولى توجيه الإعلام، الرقابة على الأعمال الفنية وغياب الحماية الإجتماعية، القصور التشريعي في مواكبة التقدّم في ميدان تبادل المعلومات وحريّة تدفّق المعلومات (حق الجمهور في المعرفة) ومعوقات حقّ الإطّلاع والبلوغية، الحدود الجزائية لحرية الرأي والتعبير، إلخ. مع الاشارة إلى أنّ الصعوبات التي تواجهها الحريات الدينية في لبنان، وإن تكون موجودة، فهي أقل بكثير مما هي عليه الحال بالنسبة إلى الحريات السياسية.

 

 

ثانياً: الممارسات الرسمية

بدأ التعاطي مع الإعلاميين يتحول نحو الحضارة منذ عام 2005 وما لبث أن تعاظم عام 2006. فشهدت الأعوام الأخيرة تحسّناً ملحوظاً في مجال حرية الرأي خصوصاً لناحية الجرأة الإعلامية والشعبية في توجيه النقد العلني، لم يكن ممكناً في السابق.

وتبقى الحال الإعلامية عموماً، والفنية والتعبيرية خصوصاً، مقبولة نسبياً في لبنان قياساً على دول عربية أخرى، بحيث نشهد استمرار لجوء كثيرين من الكتّاب العرب إلى لبنان، حتّى قيل أن "الكتاب يُكتب في مصر، يُطبع في لبنان، ويُقرأ في العراق".  

كما تم إقتراح قانون جديد للإعلام من قبل جمعية مهارات و بالتعاون مع النائب غسان مخيبر.  ويدرس مجلس النواب اللبناني حالياً مشروع القانون الجديد ليحل محل "قانون المطبوعات" المعمول به في لبنان منذ 64 عاماً.

 

III- التوصيات

 

1.      تعديل قانون المطبوعات وقانون البث التلفزيوني والإذاعي وقانون الانتخاب وسائر النصوص المتّصلة بحرية التعبير والرأي والإعلام لإلغاء الأحكام المجحفة بهذه الحرية، ومنها:

أ‌-        رفع القيود عن حرية تأسيس وسائل الإعلام وحرية نشاطها لاسيّما لناحية تحرير تراخيص وسائل الإعلام

والإكتفاء بنظام العلم والخبر أي التصريح بتأسيس وسيلة الإعلام إلى السلطات في مهلة معينة وضمن شروط يحدّدها القانون بدقّة لجهة تفاصيل هوية المؤسسين وعناوينهم وأمكنة العمل إضافة إلى شروط تقنية تحافظ على جودة ونوعية البثّ الإذاعي والتلفزيوني تكون واضحة حتى لا يتّخذ من هذه الشروط حجّة لتعطيل عملية التأسيس.

ب – إلغاء المادة 74 من قانون المطبوعات لناحية اشتراط الترخيص لبيع الصحف والكتب والمجلات والرسوم وغيرها من المطبوعات.

ج‌-   تعديل المادة 90 من قانون المطبوعات بحيث يتم السماح للأجنبي بالانتساب إلى نقابة محرري الصحافة وفقاً للمعايير الدولية.

د- إلغاء محكمة المطبوعات، وخضوع الرقابة على المطبوعات للمحاكم العادية على أن تكون أحكامها قابلة للمراجعة العادية وغير العادية.

2.      توضيح وتحديد بدقة العبارات العامة الواردة في النصوص الجزائية والمتعلّقة بتعكير السلامة العامة[1] والمسّ بالشعور الديني[2] وإثارة النعرات الطائفية[3] والمس بوحدة البلاد[4] وسيادة الدولة واستقلالها والمكانة المالية للدولة[5] والحضّ على الاقتتال بين عناصر الأمة[6] والتحقير[7] والقدح والذم[8].

3.      تضمين مفهوم "الكرامة الإنسانية" على نحو واضح وصريح في النصوص والتشريعات الإعلامية لتجنّب الإساءة إلى مشاعر الأطفال والشرائح الإجتماعية الضعيفة والمعوّقة نفسياً وجسدياً عبر البرامج والأفلام المتضمنة مشاهد عنف أو جنس أو إساءة للكرامة الإنسانية. فيما تكتفي النصوص الحالية في لبنان بالتركيز على "عدم المسّ بكرامة الرؤساء" أي رئيس الجمهورية ورؤساء الدول الأجنبية.

4.      توضيح مَنْ هو المقصود بعبارة "الصحافي" في قانون المطبوعات و"الإعلامي" في قوانين الإعلام كسبيل إلزامي وواضح لإيلائهم الحماية القانونية اللازمة.

5.      تعديل هيكلية المجلس الوطني للإعلام وإيلاؤه صلاحيات تقريرية وليس إستشارية وحقّ مراجعة القضاء، وفك التشابك في الصلاحيات مع وزير الإعلام وتوضيح علاقته به– في حال الإبقاء على وزارة الإعلام- وإعادة النظر بطريقة تعيين الأعضاء فيه دون تأثير المتنفّذين السياسيين وتعزيز استقلاليتهم (تعيين حكمي من النقابات المعنية بحرية الإعلام ومهنيي القطاع وأهل الفكر).

6.      إعادة تنظيم الإعلام المرئي والمسموع من النواحي التقنية من خلال تسجيل الموجات التلفزيونية والإذاعية في المكتب الدولي للإتصالات، تنظيم كيفية تركيب تجهيزات البثّ وهوائيات الإرسال وتقوية البثّ، تنظيم البثّ المرمّز الغارق في فوضى كبيرة اليوم، تنظيم تركيب الصحون اللاقطة وطرق إشتراك المستفيدين منها.

7.      نزع صلاحية وقف وسائل الإعلام عن البثّ من مجلس الوزراء ووزير الإعلام وحصرها بمحكمة المطبوعات بعد تعديل تسميتها إلى "المحكمة الناظرة بقضايا الإعلام والتعبير" وتوسيع صلاحياتها حتى يدخل في اختصاصها الإعلامي النظر في قضايا العامل في مؤسسة مرئية أو مسموعة والكاتب والمسرحي والشاعر والسينمائي والمغنّي وسائر الفنانين والفنّيين... وتالياً توفير الحماية القانونية والقضائية لهؤلاء.

8.      توضيح المخالفات التي قد تؤدي إلى وقف وسائل الإعلام عن البثّ وحصرها بالمخالفات الجسيمة وفق نظام تدرّج في العقوبات، يبدأ بقفل المؤسسة الإعلامية يوماً واحداً ويتصاعد تبعاً لدرجة المخالفة.

9.      حصر صلاحية منع إدخال المطبوعات الأجنبية بمحكمة المطبوعات - وليس وزير الإعلام- وفق أصول معجّلة ومعايير محدّدة.

10.  التعميم بعدم التحقيق مع الإعلاميين من قبل معاوني الضابطة العدلية (الشرطة، جهاز المعلومات والإستقصاء...) خصوصاً أنه لا يوجد في هذه الحالة ضبط للمواد الجرمية بل أن ثمّة شريط مسجّل يمكن للنيابة العامة طلب تسلّمه عندما تدّعي على الإعلامي وتحيله إلى قاضي التحقيق.

11.  إلغاء وزارة الإعلام وإعادة النظر بملكية وسائل الإعلام الحكومية من تلفزيون وإذاعة ووكالة أنباء على الوجه المفصّل في المحور السابق ونقل عدد من صلاحياته إلى المدّعي العام التمييزي أو المدّعي العام الإستئنافي كما هي الحال في صدد المناشير.

12.   كفّ يد دوائر الأمن العام والمباحث الجنائية عن الرقابة على المسرح والكتب والمجلات والأفلام وأقراص المعلوماتية وسواها من وسائل التعبير وإلغاء جميع النصوص التي تولي دوائر الأمن العام هذه الصلاحية أينما وردت.

13.  إنشاء هيئة رقابية مستقلة وذات اختصاص تضمّ ممثلين عن الأمن العام، الوزارات والإدارات والهيئات غير الحكومية المعنية (وزارات الثقافة، التربية، الخارجية، الإعلام المرئي والمسموع، نقابات الصحافة والمحررين والفنانين والمركز الوطني للسينما...) وتحديد وحصر الأسس القانونية التي يمكن أن تجري الرقابة على أساسها وفق صياغة لا تترك مجالاً واسعاً للتأويل والاستغلال السياسي.

14.  تحديد التدابير والعقوبات التي يجوز اعتمادها بنتيجة الرقابة بشكل متوازن وواضح وتدريجي، إضافة إلى آليات فعالة لاستئناف هذه القرارات.

15.  تنظيم الإعلان وشفافية تمويل وسائل الإعلام ومنع الإحتكار الإعلاني عبر تبنّي اقتراحات اللجنة الوطنية لإعداد قانون الانتخابات برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس نظراً لما أتت عليه من شمول وما اقتبسته من القوانين الأجنبية المتقدمة على صعيد حرية التعبير المنظم.

16.  إلغاء الأحكام الواردة في أنظمة الموظّفين التي تقيّد حقّ الموظّف في الكتابة في الموضوعات العامة، وحظر فرض العقوبات التأديبية لهذا الغرض.

17.  تسهيل عملية إنشاء نقابة إلزامية وفاعلة للعاملين في الإعلام المرئي والمسموع وتحديد شروط الإنتساب والإنتخاب بدقّة في جميع النقابات المهنية وإعطاء المنتسبين إليها حصانة بوجه الملاحقة القانونية والصرف التعسّفي من الخدمة في المؤسسات الإعلامية.

18.  تنظيم الإحصائيات وفق المعايير الدولية وتنظيمها بموجب تشريع ينظّم مصادر التمويل، الجهة طالبة الإستطلاع، هدف الإستطلاع، وطريقة وضع أسئلة الإستطلاع والإستمارة المتّصلة به.

19.  تنظيم مساحات وأماكن النشر في الأماكن العامة.

20.  تنظيم استعمال الإنترنت خصوصاً لناحية حماية الأطفال.



[1]   المادة 322 والمادة 323 من قانون العقوبات وسواهما.

[2]  المادة 473 إلى المادة 475 من قانون العقوبات وسواها.

[3]  المادة 295 والمادة 317 من قانون العقوبات وسواهما.

[4]  المادة 302 من قانون العقوبات وسواها.

[5]  المادة 297 و319 من قانون العقوبات وسواهما.

[6]  المادة 308 والمادة 317 من قانون العقوبات وسواهما.

[7]  المواد 383 و385 و386 من قانون العقوبات والمادة 22 المرسوم الإشتراعي 106/77 والمادة 35 من القانون 382/94 وسواها.

[8]  المادة 385 إلى المادة 389 من قانون العقوبات وسواها.