سادساً: تنفيذ ومتابعة الخطة الوطنية[1]

 

تحمل الخطة الوطنية سبل تفعيلها وإنفاذها في طياتها، فهي تتناول توصيات عامة وأخرى قطاعية تقع مسؤولية إنفاذها على عدد من الجهات الرسمية والأهلية، شاملة القضاء المستقل بداية، مجلس النواب، وعدد من الوزارات أو الإدارات الحكومية، والمجالس والهيئات القومية، ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان، كل في مجال إختصاصه. فالإيفاء بالإلتزامات الواقعة على كل من تلك الجهات ضمن الخطة الوطنية يعني بالضرورة أن عبء تنفيذ ما ورد فيها من توصيات قد تحدد سلفاً بوقوعه ضمن صلاحيات الجهات المذكورة، إفرادياً أو مجتمعةً، كل حسب إختصاصه. كما أن هناك جهات أخرى كاللجنة النيابية لحقوق الإنسان، والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (عند إنشائها) تقع عليها مسؤولية عامة في رصد ومراقبة تنفيذ الخطة بصفة دائمة.

 

غير أن هناك حاجة ماسة وضرورية لوجود جهة مركزية تتولى متابعة تنسيق جميع الجهود المبذولة بواسطة تلك الجهات المذكورة بما يكفل مدى وكيفية التطورات الجارية نحو تحقيق أهداف الخطة، تزود تلك الجهة بالكفاءات البشرية ذات الخبرة في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن الموارد المادية واللوجستية التى تحتاجها، كما تتمكن الجهة المقترحة من الإفادة من برامج التعاون الدولي مع المنظمات العاملة في ذات المجال. 

 

من المقترحات التى تم تقديمها أثناء لقاءات المشورة إسناد مهمة تنفيذ الخطة الوطنية إلى لجنة أو مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان تنشأ وفق "مبادىء باريس"، وقد قامت بذلك بعض الدول التى إعتمدت خطة وطنية لحقوق الإنسان. في هذا الصدد ينبغي أن يؤخذ بعين الإعتبار أن المؤسسات الوطنية المنشأة وفق مبادىء باريس التى تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 134/48 بتاريخ 20/1/1993 ينبغي أن تضم ممثلي القوى الإجتماعية (المجتمع المدني) المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان من المنظمات غير الحكومية، النقابات، الجمعيات المهنية، ممثلي الفكر الديني، الأكاديميين والخبراء، أعضاء المجالس النيابية، وممثلي الحكومة، غير أن القرار ينص على أن ممثلي الفئة الأخيرة، إذا ضموا إلى المؤسسة، يكون حضورهم  بصفة إستشارية حصراً، ما يعنى أن الرسميين لا صفة لديهم بإتخاذ القرارات في المؤسسة.

 

من جهة أخرى، لم يقم لبنان بعد بتكوين مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وهذا يقتضي إصدار تشريع خاص بإنشاء تلك اللجنة وتحديد صلاحياتها ومسؤولياتها وسلطاتها وعضويتها ومواردها البشرية والمادية في اقرب وقت ممكن طالما هناك حرص على انفاذ الخطة الوطنية.

 

هذا، شأنه شأن التشريعات الأخرى، يقتضي إتباع الإجراءات اللازمة، ما قد يستدعي بعضاً من الوقت يؤجل فيه الشروع في تنفيذ الخطة، وربما الحاجة لمراجعتها بغية تعديلها لمواكبة أي تطورات قد تحدث قبل إصدار القانون اللازم لإنشاء المؤسسة الوطنية.

خلاصة الأمر، أن تنفيذ الخطة سوف يحتاج إلى تكوين هيئة وطنية مستقلة تمتلك جميع الصلاحيات والمسؤوليات في إتجاه تنفيذ مكونات الخطة الوطنية والعمل مع الجهات المعنية كافة لمتابعة الوفاء بما ورد في الخطة بجمع المعلومات، والرصد والتوثيق ووضع المؤشرات وإعداد التقارير السنوية والدورية، وتتكون عضويتها من الجهات المختلفة ومنظمات المجتمع المدني، وأعضاء مجلس النواب، والخبراء والمختصين في المجالات المختلفة، ربما بإشراف لجنة وزارية تعمل على التنسيق مع الوزارات المعنية والإدارات والمجالس الحكومية ذات الصلة، وأجهزة الاعلام، على أن تخصص لها الموارد المالية والبشرية اللازمة.