برعاية دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري ممثلاً برئيس لجنة حقوق الانسان النيابية النائب ميشال موسى، وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان، نظم مجلس النواب ولجنة حقوق الانسان النيابية بالتعاون مع مشروع برنامج الامم المتحدة الانمائي في مجلس النواب اللبناني والمكتب الاقليمي لمكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الانسان في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ظهر يوم الاثنين الواقع فيه 19/12/2016 في مكتبة المجلس ندوة بعنوان "الهيئة الوطنية لحقوق الانسان: تحديات التأسيس والتنفيذ".

 

وقد خصصت الندوة للاعلان عن اقرار قانون الهيئة الوطنية لحقوق الانسان، وذلك لمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان.


شارك في الندوة مقرر لجنة حقوق الانسان النائب غسان مخيبر، المنسق العام للامم المتحدة في لبنان السفيرة سيغريد كاغ والممثل الاقليمي لمكتب المفوض السامي للامم المتحدة لحقوق الانسان في الشرق الاوسط وشمال افريقيا نضال الجردي.

 

كما حضر الندوة:

- النواب السادة:  احمد فتفت، نواف الموسوي، نوار الساحلي، حكمت ديب، عبد اللطيف الزين وخالد زهرمان.

- العقيد زياد قائدبيه ممثلاً وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق.

- السفير البابوي المونسنيور غبريالي كاتشا.

- الوزيرة السابقة منى عفيش.

- العميد فضل ضاهر امين عام "المركز اللبناني لحكم القانون".

- ناشطين في مجال حقوق الانسان من جمعيات وهيئات مدنية واهلية وحشد من الشخصيات الاجتماعية والنقابية والقانونية والامنية.


أدار الندوة مديرة مشروع برنامج الامم المتحدة الانمائي في مجلس النواب فاطمة فخر الدين.

 

بداية، القى النائب ميشال موسى كلمة قال فيها:

شرفني دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري ان أمثله في هذه الندوة الواعدة، المواكبة لليوم العالمي لحقوق الانسان، وان انقل اليكم اطيب تحياته وتمنياته لكم بمزيد من التعاون والنقاش البناء في سبيل تسليط الضوء على الهيئة الوطنية لحقوق الانسان والتحديات التي واجهتها تأسيساً وتنفيذاً.


ليست حقوق الانسان مجرد شعارات نتغنى بها، ولا هي لافتات شعبوية تستثمر غب الطلب في بعض جوانب السجالات السياسية، بل هي شرعة وطنية وثقافة حياة تتناغم مع الشرعة والمواثيق الدولية، وضابط ايقاع للحكومات والدول، من شأنه الحؤول دون طغيان سوء تنفيذ القوانين والاجراءات السلطوية على حقوق الفرد او الافراد.

 

من هنا كان توجهنا في لجنة حقوق الانسان بدعم لافت من دولة الرئيس نبيه بري وتعاون الزملاء النواب وبرنامج الامم المتحدة الانمائي، ومكتب المفوض السامي لحقوق الانسان، والادارات والوزارات المعنية، لاعداد الخطة الوطنية لحقوق الانسان وقوننتها والسعي الى ضخها في شرايين تشريعاتنا اللبنانية، بما يجعلنا في مصاف الدول الراقية التي تعزز حقوق مواطنيها والمقيمين على اراضيها وتحميها متناغمة مع دستور البلاد والاتفاقات والمعاهدات الدولية في هذا الشأن.

 

لقد اثبت اقرار مجلس النواب لاقتراح انشاء الهيئة الوطنية لحقوق الانسان ولجنة الوقاية من التعذيب من ضمن "تشريع الضرورة" وعي المجلس رئيساً واعضاءً لاهمية هذه الخطوة، الوفاء بالتزامات لبنان الدولية والحرص على حماية الحريات العامة وحرية الافراد.

 

فمن صلاحيلات هذه الهيئة الوطنية رصد انتهاكات حقوق الانسان، والقانون الدولي الانساني وتوثيقها وتقديم المشورة الى الدولة اللبنانية عبر توصيات. ولا شك في ان حسن اختيار اعضائها وتمتعهم بالاستقلالية والكفاءة والنزاهة، من شأنه ان يضفي قوة على عملها ويمنحها القدرة على القيام بمهماتها بكل تجرد ومسؤولية وشفافية وعدالة انسانية.

 

اننا نتطلع الى حكومة العهد الاولى رغم معرفتنا بكل ما ينتظرها من ملفات متشابكة وبالغة التعقيد كي تضع استكمال الهيئة الوطنية لحقوق الانسان في اولوياتها، آملين ان تتمكن في مهمتها المحدودة المرتبطة باجراء الانتخابات في ايار المقبل، من التخفيف من هموم اللبنانيين في سائر الميادين الحياتية والاقتصادية والامنية والسياسية وان تشكل فريق عمل يخرجنا من المراوحة السلبية للانطلاق مجدداً الى آفاق التنمية وحسن سير المؤسسات، وتعزيز اجهزة الرقابة واستقلاليتها وملء الشواغر في الادارات العامة، استناداً الى معايير الكفاءة والكف النظيف، وتوفير الحوافز التي تضمن حقوق الموظف، بما يرفع انتاجيته ويصون كرامته وكرامة الدولة اللبنانية.

 

ان تعزيز ثقافة حقوق الانسان مرتبط بتعزيز الآليات الديموقراطية وتفعيل النظام البرلماني. ورغم كل ما مررنا به من محن واحداث سياسية وامنية، في ظل اشتعال المنطقة من حولنا، وتدفق اللاجئين بأعداد هائلة الى بلدنا الصغير، واهتزاز انظمة وسقوط انظمة فان نظامنا البرلماني لا يزال الاكثر رسوخاً والاشد صلابة لانبثاقه من سلطة الشعب. ولا بد من ان نشيد بالدعم الذي توفره لنا الامم المتحدة ممثلة بالمنسق الخاص السيدة سيغريد كاغ ومكتب المفوض السامي ممثلاً بنائب الممثل الاقليمي الدكتور نضال الجردي، ومكتب البرنامج الانمائي في مجلس النواب وجميع الادارات العامة وهيئات المجتمع المدني سواء في وضع الخطة الوطنية لحقوق الانسان او في العمل لانشاء الهيئة الوطنية التي نأمل في ولادتها ومباشرة مهماتها قريباً.

 

ثم تحدثت المنسق العام للامم المتحدة في لبنان السفيرة سيغريد كاغ فأكدت اهمية حقوق الانسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص، وشددت على اعطاء الكوتا النسائية وتطبيق هذا المبدأ في قانون الانتخابات الجديد الذي يجري اعداده.


ثم عرض النائب غسان مخيبر ابرز خصائص قانون انشاء الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب. ولفت الى اهمية هذا القانون وما يتميز به من صلاحيات في محاور خمسة رئيسية، ومن مميزات في تشكيلها وعضويتها. وقد خلص هذا القانون الى مجموعة من التوصيات لان التحدي يبقى أولاً بتنفيذه بسرعة بحيث يتأمن لها التمويل الكافي، وثانياً ان تتم تسمية الاعضاء المختلفين من قبل الجهات الثلاثة تمهيداً لتعيينهم من قبل مجلس الوزراء، وثالثاً العمل على صياغة انظمة داخلية لكي تقرها الهيئة فور تشكيلها على ان يقرها مجلس الوزراء بعد ذلك وهذه جميعها من الشروط والالية التي تسبق بدئها بالعمل الفعال.

 

ولفت النائب مخيبر الى ان مسودة هذا القانون استغرق اعدادها زهاء ست سنوات وهي تتمتع باستقلالية تامة عن المجلس النيابي وعن الحكومة وعن القضاء وحتى عن المجتمع المدني.


بدوره تحدث الممثل الاقليمي لمكتب المفوض السامي للامم المتحدة لحقوق الانسان في الشرق الاوسط وشمال افريقيا نضال الجردي وقال:

نحتفل هذه السنة باليوم العالمي لحقوق الانسان واوضاع حقوق الانسان في المنطقة لا تسر، فالحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا تخاض بدون ضوابط اخلاقية وقانونية، والضحايا المدنيون الابرياء اصبحوا ارقاماً تسجل كل يوم وبأعداد متزايدة، كما ان اوضاع الحريات في المنطقة ليست بحال افضل، وكأن مطالبة الناس بالحرية والديموقراطية ما افرزت الا بعكس ما طالب الملايين عندما طافوا الشوارع مطالبين بحكم القانون والتغيير الديموقراطي.

 

اما في لبنان، فانه على الرغم من التحديات والازمات العميقة والمخاض العسير فانه لا بد من التوقف باعجاب عند صمود واستقرار الوضع في ظل هذه الظروف المحيطة العاصفة.

ففي هذه الظروف العصيبة لم ينزلق هذا الوطن الى اتون الاقتتال والحروب كما انه وعلى تعدد الازمات السياسية والدستورية نجح البرلمان اللبناني بملء الفراغ الرئاسي وباقرار جملة من القوانين المهمة واولها قانون انشاء الهيئة الوطنية لحقوق الانسان والمتضمنة الية وطنية للوقاية من التعذيب.


بالنسبة لنا فان هذا القانون هو خطوة اساسية في عملية تعزيز واحترام حقوق الانسان وبالتالي اصلاح الممارسات والمؤسسات، ليس لانه مطلب دولي والتزام قانوني على لبنان، بل لاننا نجزم بأن ازمات هذا البلد ما هي الا نتيجة لضعف ثقافة الاحترام والايمان بحقوق الانسان لدى بعض القائمين بالواجب. فسيادة حكم القانون هو من الحقوق الاساسية في قانون حقوق الانسان والحكم الرشيد هو جوهر حقوق الانسان وعدم التمييز هو احد اهم مبادىء حقوق الانسان كما ان الديموقراطية والتعددية هما الفضاء الوحيد للتطور والتغيير بالنسبة لقانون حقوق الانسان. لقد كان مسار اقرار الهيئة الوطنية في لبنان مساراً طويلاً لكنه كان درباً مثمراً عبر التفاعل والنقاشات بين مختلف اطياف المجتمع اللبناني، ولقد رافقت ودعمت مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان هذا المسار من بداياته. ولا بد هنا من شكر رئيس اللجنة النيابية لحقوق الانسان ميشال موسى ومقرر اللجنة غسان مخيبر على دورهم الاساسي في وضع واقرار هذا القانون.

 

الحقيقة ان هذه الهيئة - كشخص من اشخاص النظام العام - هي في موقع فريد من اجل العمل كجسر بين المجتمع المدني والرأي العام من جهة والسلطة التنفيذية من جهة اخرى. ان الاختصاص الواسع للهيئة والذي يشمل حالات السلم وحالات النزاع هو خطوة للحد من ثقافة الافلات من العقاب في لبنان. كما ان قدرتها على المقاضاة تجعل من تفاعلها مع القضاء عنصر قوة للطرفين عبر دعم القضاء المستقل، وبالمقابل هي تأكيد لدور القضاء في حماية حقوق الانسان. الا ان كل هذا يبقى من دون فعالية اذا لم يؤمن للهيئة الدعم الكافي للقيام بمهماتها، وأولها التمويل الكافي لتمكين الهيئة من القيام بمهماتها من وضع تقارير المراقبة ونشر ثقافة حقوق الانسان وزيارة اماكن الحرمان من الحرية وتقديم الاقتراحات لتعديل القوانين والسياسات وغيرها من المهمات. ولا بد من التذكير ان انشاء الهيئة بحد ذاته هو خطوة غير كافية ان لم تقترن بالمشروعية المجتمعية والدستورية وبالاعتراف الدولي وهذه الشروط هي من الاركان الاساسية لوجود الهيئة.


وهنا وفي ظل هذه الاحتفاليات باقرار القانون يطرح السؤال فيما اذا كان ذلك هو نهاية المطاف؟ على العكس اننا في بداية البدايات ذلك ان هذه الهيئات وجدت كوسيلة لحماية وتعزيز حقوق الانسان وليست غاية بحد ذاتها. فنحن نعتبر ان آلية تشكيل الهيئة هي بأهمية وجودها ذلك انه لكي تحقق الهيئة اهدافها الا وهي حماية حقوق مختلف اطياف المجتمع، ولهذا لا بد من اشراك كل اطياف المجتمع في عملية تشكيل الهيئة عبر آلية شفافة وعلنية وتشاركية بعيدة عن المحاصصة والتمييز.


ان مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان مستمرة بدعم مسار انشاء الهيئة عبر تقديم الدعم الفني والتقني لكل مراحل الانشاء بدءاً من مرحلة تنسيب الاسماء الى التعيين، ووضع النظام الداخلي والتوظيف، ومن بعدها بدء العمل على تعزيز وحماية حقوق الانسان على الصعيد المحلي، وتعزيز الحضور الدولي للهيئة ولبنان من خلال الحصول على الاعتماد الدولي لدى لجنة التنسيق الدولية سابقاً والتحالف الدولي للمؤسسات الوطنية حالياً مما يخولها المشاركة المستقلة في اعمال هيئات الامم المتحدة لحقوق الانسان.


ان رسالتنا اليوم هي رسالة شراكة ليس فقط بين الامم المتحدة ولبنان، بل دعوة الى شراكة حقيقية بين الرأي العام والمجتمع اللبناني من جهة، والدولة اللبنانية من جهة اخرى، من اجل المزيد من احترام حقوق الانسان. ان الحراك المدني في السنة الماضية والذي رفع مطالب حياتية وحقوقية لاطياف واسعة من المجتمع اللبناني عكست معها حقيقة غياب الثقة بين اصحاب الحقوق من مواطنين ومقيمين وفئات مهمشة من جهة والسلطة والقائمين بالواجب من جهة اخرى. رسالتنا اليوم مفادها ان هذه الهيئة هي خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح، لكنها قد تكون بداية لمسار جبار لاعادة الثقة بين اصحاب الحقوق والنخب الحاكمة من اجل وطن يسود فيه حكم القانون واحترام حقوق الانسان.

 

لبنان يستحق الاستقرار والسلام وشعبه يستحق العيش مصان الحقوق والكرامة. انه درب شاق انه درب يستحق العناء.

 

ثم جرت مناقشة عامة لقانون انشاء الهيئة الوطنية لحقوق الانسان.