برعاية دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، نظم المعهد اللبناني لدراسات السوق ورشة عمل بعنوان "النواب أمام استحقاق موازنة 2019" مع السيدات والسادة النواب للبحث في سبل إعادة بعض التوازن إلى الميزانية، وذلك يوم الإثنين الواقع في 8/10/2018 الساعة الثالثة بعد الظهر، في مجلس النواب.

 

مثل الرئيس نبيه بري وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية عنايا عز الدين.

حضر الورشة النواب السادة: أنطوان بانو، قاسم هاشم، هنري حلو، نواف الموسوي، عدنان طرابلسي، شامل روكز، علي درويش، فادي سعد، فادي علامة، عماد واكيم، ادي ابي اللمع وسامي فتفت.

 

افتتح الورشة رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك المارديني، مرحباً بالحضور ومعرفاً بالخبير في الشؤون الإقتصادية والضريبية وضبط الإنفاق الدكتور دانيال ميشيل. وتوقف الدكتور باتريك المارديني عند الوضع الإقتصادي الضاغط وأشار الدكتور دانيال ميشيل الى أن هناك مشاكل في لبنان تحد من النمو الإقتصادي، معنبراً أنه ما من نقطة سحرية أن يتخطى لبنان الأزمة، ولبنان يعتمد على الواردات والإستيراد، لافتاً الى ان القطاع الخاص هو الذي يولد الوظائف وعندما ترفع الضرائب سيتحول الإقتصاد الى اقتصاد الظل.

 

كما تحدث عن سقوف الإتفاق وان الهدف يجب ان يكون بشكل ابطأ عن القطاع الخاص، ورأى أنه عندما تضبط الإتفاق الحكومي يعني تضبط الدين، وعلينا ان نعالج هذه المسائل، والقطاع الخاص ينمو اكثر من الحكومي. ودعا الى إقامة قواعد مواظنة متوازنة، لأنه عندما يكون الإقتصاد ضعيفاً يجب تخفيف الإنفاق. كذلك رأى أن سقف الإنفاق هو فكرة جيدة.

 

وأعطى أمثلة على ذلك في بعض بلدان اوروبا، معتبراً ان الحكومات الصغيرة أمر مهم، واعلن انه يحبذ الحكومات الصغيرة، والقاعدة المالية التي تعمل في العالم هي السقف الإنفاقي، وهذا حيوي بأن يحصل في لبنان ولبنان في الأزمة.

وتحدث الدكتور باتريك المارديني الذي لفت إلى أن الوضع الإقتصادي سيئ ولكن الأخطر هو الديون. وشرح بالأرقام خطر الإفلاس في لبنان وأن أكبر خطر الإفلاس هو في القريب العاجل، ونحن نعيش أخطر مرحلة في تاريخ لبنان، وتحدث عن الفائدة على سندات الخزينة وأن الأسواق ليست لديها ثقة بأننا قادرون على رد القروض.

 

وتناول الدكتور باتريك المارديني مؤتمر سيدر والقروض والإصلاحلات، داعياً الى وجوب تخفيف النفقات، ولافتاً إلى أن ما يحصل يعني أننا ذاهبون إلى إنفاق اكثر، وسأل: كيف سنحسن البنى التحتية من دون زيادة نفقات الدولة؟ وهل نستطيع إصلاح الخدمات من دون ان تدفع الدولة؟ لتقم الشركات الخاصة بإنشاء الأوتوسترادات وإقامة السدود ولتتنافس الشركات، فهذه حلول تستطيع ان تؤمن التحسين الجدي للبنى التحتية.

 

ثم كانت كلمة لممثلة الرئيس بري الوزيرة عناية عز الدين استهلتها بالقول:

كل الشكر لدولة رئيس مجلس النواب على تشريفي بتكليفي تمثيله في هذه الورشة التي تتناول إحدى أهم القضايا في لبنان اليوم وهي الموازنة.

 

الموازنة التي يفترض ان تكون إجراءً طبيعياً وعادياً ودورياً تقوم به الحكومة، تحولت في لبنان الى حدث منتظر واستحقاق استثنائي بسبب عدم إعدادها لمدة 11 عاماً على التوالي. ويسجل للحكومة الحالية أنها وضعت حداً لهذا المسار من خلال إعداد الموازنة في العام الماضي. ويسجل لوزارة المال أنها أنجزت الحسابات المالية للدولة التي كانت الحكومات المتعاقبة قد امتنعت عن إنجازها طوال ربع قرن.

 

ويسجل لهذه الحكومة ووزارة المال تحديداً أنها ذهبت الى إجراءات ضريبية لم يجرؤ أحد على خوضها ربما منذ الإستقلال من خلال فرض ضرائب على الشركات المالية والمصارف. إن هذا التوجه يؤدي، اذا ما استتبع بخطوات أخرى، الى تحقيق العدالة الإجتماعية والإقتصادية لأنه يعيد توزيع الثروة من خلال فرض الضريبة على ذوي الدخل المرتفع الذين يستفيدون اكثر من مقدرات الدولة والمجتمع.

 

اليوم يتحضر مجلس النواب لمناقشة الموازنة المقبلة ولأجل ذلك نجتمع بمبادرة من المعهد اللبناني لدراسات السوق بحضور خبراء دوليين ولبنانيين، إضافة الى السيدات والسادة النواب.


كما تعلمون، فإن الوظيفة الأساسية والتي لأجلها أنشئت مجالس النواب هي الرقابة على الإنفاق المالي وهي مهمة تعتبر جوهر العملية الديموقراطية، كما أنها إحدى اهم العمليات التشريعية والرقابية لمجالس النواب والتي تعكس الرؤية الإقتصادية للحكومة وسياساتها الإقتصادية والمالية والإجتماعية والتربوية والثقافية والصحية.

 

اعتقد ان لب المشكلة في لبنان يكمن في هذه النقطة تحديداً. لأننا، ومنذ أعوام طويلة، نضع مشاريع الموازنة في ظل غياب الرؤية الإقتصادية الشاملة التي تتحدد على أساسها سياسات الدولة في مختلف القطاعات. وهذه النقطة لطالما أشار اليها دولة الرئيس نبيه بري في الكثير من المحطات والمناسبات. كما اني تحدثت عنها خلال الأسبوع الماضي في ورشة عمل عن قانون النفايات، فضلاً عن طرحي لهذا الموضوع طويلاً خلال إحدى الجلسات الأولى لـحكومة استعادة الثقة. إلا أننا وحتى اليوم ما زلنا نفتقر الى القرار السياسي الذي ينتج رؤية اقتصادية واضحة لهذا البلد.

 

يبدو ان هناك تردداً او خوفاً من المعنيين باتخاذ القرار الذي يحول الإقتصاد اللبناني من الإقتصاد الريعي الكسول وغير القابل للإستمرار والذي يركز الثروة في يد القلة، الى الإقتصاد الإنتاجي. وكأن التجارب الماضية والتي اثبتت عقم الخيارات الإقتصادية التي حكمت منذ الإستقلال حتى الآن، لا بل كارثيتها، لم تشكل عبرة للمعنين. ولعل حجم الدين العام الذي يتفاقم سنة بعد أخرى هو أحد أوضح المؤشرات الخطيرة وهو اقترب من ال80 مليار دولار في احسن التقديرات - كما تعلمون ان الرقم، كما قال دولة الرئيس سليم الحص، لا يزال وجهة نظر في لبنان، وهناك الكثير من الأرقام التي تطرح والتي تفوق بكثير رقم ال80 مليار دولار - وخصوصاً اذا نظرنا الى نسبة الدين من الناتج المحلي وهي نسبة من بين الأعلى في العالم.


إن النظام الإقتصادي المعتمد كان أحد أسباب نشوء الحرب الأهلية السيئة الذكر او على الأقل شكل أرضاً خصبة لها. كما ان استمراره أدى الى دخولنا في حلقة مفرغة من الأزمات الإقتصادية والمالية المتتالية وصولاً الى اليوم حيث الأصوات ترتفع محذرة من الأسوأ. إن إعادة النظر في البنية الإقتصادية القائمة لم تعد ترفاً بل هي ضرورة تمليها الوقائع الحاكمة. إن إعادة النظر هذه يجب ان ترتكز على أربع مرتكزات:

 

الأول الإنتقال الى الإقتصاد المنتج مع الإبتكار في مجالات الإنتاج - واللبنانيون مبدعون ومبتكرون.


الثاني: إطلاق عملية حقيقية وحديثة للإصلاح الإداري، وقد وضعنا في وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية الإستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي باعتبارها خطوة متقدمة على طريق الإصلاح الإداري.


الثالث: قرار حازم بمكافحة الفساد، وقد وضعنا ايضاً في الوزارة الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.


الرابع: إقرار نظام ضريبي أكثر عدالة.


الخامس: تنظيم العلاقة بين القطاعين العام والخاص بما يساهم في تطوير الإستثمارات في البنى التحتية والخدمات العامة ووضع التشريعات الضرورية التي تساهم بعلاقة تؤمن مصلحة المواطن اللبناني وتحفظ الحقوق الأساسية للمواطن وتحفز القطاع الخاص.

 

إن هذه المسارات ستقود في حال اعتمادها الى موازنات اكثر توازناً وشفافية واقل عجزاً. موازنات تفتح آفاق التنمية والنمو بالتوازي وتنتج مشاريع وبرامج تضع حداً لنسب الفقر المتفاقم وتخفف من نسب البطالة المستشرية وتفتح مسارات حلول للأزمات المتراكمة. وهذا هو عنوان الألفية للتنمية المستدامة وهو الشمولية في التنمية.


إن المواطنين اللبنانيين يعانون على مختلف المستويات، واعتقد اننا كلنا متفقون ان الأوضاع وصلت الى حدود خطيرة وان المجلس النيابي الحالي يجب ان يكون على مستوى التحديات. وهو اليوم المؤسسة الأكثر نشاطاً في ظل غياب حكومة فاعلة ونحن نشهد ورشة تشريعية مهمة يمكن ان يكون لها اثر إيجابي على الوضع الإقتصادي وعلى تشجيع الإستثمار وتحسين بيئة الأعمال. وقد أقرت أخيراً قوانين مهمة ومتطورة مثل قانون المعاملات الإلكترونية وهو خطوة لتحفيز الإقتصاد الرقمي في لبنان، وهناك تحضيرات لإقرار القانون الذي يصر دولة الرئيس بري عليه وهو قانون تشريع زراعة القنب في لبنان واستخداماته الطبية والصناعية - بالطبع الموضوع يحتاج الى درس ووضع كل الضوابط اللازمة لتحويله الى مورد إقتصادي يساهم في عملية التنمية والإنتاج. كما أننا معنيون بمواكبة قرارات مؤتمر سيدر التي يفترض ان تكون اولوية لدى الحكومة العتيدة المنتظرة خلال عشرة أيام كما وعد دولة الرئيس المكلف. ولا بد من الإشارة الى ان الأوضاع الإقتصادية والمالية والنقدية يجب ان تكون الحافز الكبير والفاعل لتأليف الحكومة اليوم قبل غد وخصوصاً ان الناس ينتظرون التعاطي بمسؤولية من قبل المسؤولين. وإلا فإننا نذهب الى ما لا تحمد عقباه. ومناقشة الموازنة العامة هي فرصة لوضع الأمور في نصابها الصحيح وكل الأمل ان نكون على قدر توقعات الناخبين الذين اولونا ثقتهم.

وإني أتمنى ان تكون هذه الورشة خطوة على هذا المسار.


وتحدث الخبير الإقتصادي المستشار طوم بالمر عن الوضع الإقتصادي والمالي في لبنان.

 

ثم جرى حوار واسئلة بين النواب والدكتورين ميشيل والمارديني عن الموازنة والعجز والانفاق.