نص كلمة الرئيس نبيه بري في الذكرى الثانية لإستشهاد الرئيس رفيق الحريري


 

ها أنت يا صديقي، وبعد عامين على رحيلك المدوي المعلن، تبقى الأكثر حضوراً من بين جميع الأسماء والعناوين، والأكثر إحساساً بالوطن وبالمواطن، والأكثر تعبيراً عن معنى العاصمة والحدود.
ها أنت من كل الأمكنة، من كل عواصم الأقضية والمحافظات، من كل المدن والبلدات والقرى حيث استقبلتك الناس بكل حب، وحيث زغردت لك الأمهات ها أنت – ترفض ان تكون احتكاراً لأحد، لفئة، أو طائفة، أو مذهب، أو جهة.
وها أنت ترفض كل احتكار وكل وكالة حصرية، وخصوصاً احتكار السلطة ووسائلها.
ها أنت، يا صديقي، الجنوبي المولد والنشأة في صيدا، العربي الانتماء، اللبناني الجنسية والمواطنية، البيروتي الهوى، ها أنت وبعد عامين على زلزال استشهادك تنظر إلينا فتجدنا متفرقين عنك، كل يغني على ليلاه: البعض يعتصم بالحكومة، والبعض يعتصم بالصبر، والبعض يعتصم بالصمت، والبعض الذي لا يجد سبيلاً الى لبنانك ليعتصم به يسلك الطريق الى أوطان مختلفة، لعله يجد الأمن والأمان وفرص العمل والاستشفاء والسكن والتعليم والضمانات والائتمانات.
ثم ها نحن الذين منحتنا حياتك واستشهادك، نحن كلنا – في لبنان، قلوبنا معك وسيوفنا على أهدافك، نرفع صورك ونستجير بك كلما أردنا الهرب من استحقاق الوحدة والمشاركة والتوافق والعروبة اللامصلحية، وكلما أردنا ان نشق عصا الالتزام لاتفاق الطائف.
ها نحن في الموالاة والمعارضة، في الأكثرية والقلية، في اليمين واليسار والوسط، في الإسلام وفي المسيحية، في المسجد وفي الكنيسة، ها نحن – كلنا – ندعيك، نختبىء خلفك، نحمل قميصك وكأننا ندفع عن أنفسنا تهمة أننا توقعناك جميعاً في الجب، أو نرفع قميصك وكأننا ذاهبون الى الفتن عن سابق إصرار وتصميم.
ها نحن لا نقترب جميعاً بقدر متساوٍ من تفسير حلمك بلبنان، بل نبتعد جميعاً بقدر متساو عن حلمك الى كابوس ثقيل ضاغط على لبنانك بالتوترات السياسية والطائفية والمذهبية.
ها نحن إذاً – كلنا – لا نجتمع إليك بل نتفرق عنك كما تفرقت أيدي سبأ.
ها نحن وقد لصبح وطننا مساحة للعبة الأمم لم نتعلم من الدروس والعبر، يوم عصفت الحرب الفتنة بوطننا طوال سبعة عشر عاماً سابقة، الى ان أخذت بيدنا الى الطائف، ولم نتعلم من الدروس والعبر يوم جعلت إسرائيل وطننا ساحة لحروبها، الى ان قامت المقاومة – حقاً قامت، وحررت بيروت وأسقطت العصر الاسرائيلي، وحررت صيدا والنبطية وصور، ثم دحرت المحتل عن معظم أرضنا واستعادت الأنجم المعلقة على حدود الوطن بإستثناء مزارع شبعا، واستقبلتك المقاومة وشعبها في بنت جبيل يوم 31/5/2000 وقلت فيها كلاماً وإلتزاماً.
ها نحن يا رفيقي كلنا لم نتعلم من تجربتك، فلا أنت يوماً وكنا جميعاً معك وكنت في الحكم تمثل أكثرية نيابية مطلقة وأكثرية شعبية – فلا أنت – حذفت أحداً أو همشت أحداً أو استثنيت أحداً، وكان صدرك يتسع للجميع وكنت تجد مكاناً تحت شمسك حتى لخصومك، الى أن أجهدك التعب من السلطة وانتبهت الى أنها قفص من ذهب فأردت ان تنأى بنفسك عنها – دون ان ترتاح – وتمارس من خلال موقفك النيابي دور المشرع والمراقب على أعمال الحكومة، لكن يدُ الغدر سبقتك الى نهارك قبل عامين في ذلك اليوم – الزلزال الذي ستبقى ارتداداته تأخذ أبعادها المحلية والعربية والدولية الى ان تظهر الحقيقة ويتم تحقيق العدالة.
ها أنت وها نحن يا أخي لا نزال نجهد ونحن محطة الذكرى والذاكرة، ليس فقط كي لا ننسى وإنما لنبني أساساً لاستقرار النظام العام يمكننا من الانتقال من مرحلة السلطة الى مرحلة الدولة، وفي هذا ويسعدني ان انقل اليك في هذا الكتاب المفتوح أمام أعين اللبنانيين، انه سوف لا يمكن أحداً ان يعيد التاريخ الى الوراء وان يضع اللبنانيين على متاريس متقابلة، وسوف لا يمكن أحداً ان يمتلك حق النقض على قرارات الإجماع الوطني بترسيخ السلم الأهلي ونبذ التوترات والفتن، وسوف لا يمكن أحداً ان يقزم لبنان ليكون على قدر يده.
أخيراً، لك مني أيها الصديق والرفيق والأخ، ان أجهد بكل إخلاص لأن يكون هذا العام 2007 "عام رفيق الحريري" على ما كان يشتهيه للبنان، مساحة غير مدولة تحت أي انتداب أو وصاية، بل أيضاً لكل اللبنانيين ووطناً ثانياً لكل العرب ورسالة للتسامح والمحبة وحديقة للحرية وواحة للديموقراطية.

 

رئيس مجلس النواب
نبيه بري