كلمة دولة الرئيس نبيه برّي رئيس الاتحاد البرلماني العربي في العشاء الذي أقامته جمعية الصداقة اللبنانية المصرية لرجال الأعمال مساء الأربعاء 28/12/2005 في فندق هيلتون، تكريماً للرئيس بري والوفد المرافق له


 

لمصر نجمة الأرض وذهب الحنين، وإيقاع اللحن وفتنة الألوان وقيامة الفلاحين بوجه التتار، وسيف صلاح الدين الذي يمجد الله في حطين، وكتاب العبور في (أكتوبر) تشرين.

 

لمصر، المسكونة بعصافير الهوى والأحلام والأزهار، البهية المقيمة التي لا تهاجر أو تنزح أو تبدل جلدها.

 

لمصر، صرخة الحب التي تشرق في الغم، وأغنية صباحات النيل، وشجرة الأحلام وحديقة السماء الأولى ودالية الضوء وبياض الياسمين.

 

لمصر، سيف المساء الذي يستريح ولا يستريح في غمد الأرض.

 

ودائماً لمصر، روح النيل المحمول على كف الأرض، وحكاية التاريخ المغسول بفضة أجمل الأقمار.

 

وللنيل الذي لازال على براءته يعدو حافياً، وهو يحمل شفاعة الماء للمتأهبين للحياة وللمهيئين للموت.

 

وللقـاهرة التي يسافر الزمان في مراياها وهو يطارد وجده وأشواقه.

 

وللقاهرة أيقونة النيل، والحجاب المعلق على زند الأرض.

 

لمصر وللنيل وللقاهرة ولكل أسماء العلم في أم الدنيا، تحية لبنان وبيروت تحية البقاع والشمال والجبل، وتحية الفرح المقاوم، ولهفة القلب ولحظة العين، التي ترى من الميناء المصري في صور بلاد النيل أحرفاً تهدل بالحنين.

 

لمصر ولكم في هذا اللقاء المتجدد على الخبز والملح، ألف تحية وتحية وبعد،

 

بداية أتوجه بالشكر على هذا اللقاء الحميم الذي يكاد يصبح جزءاً دائماً من كل برنامج لزيارة مصر إلى الجمعية اللبنانية المصرية لرجال الأعمال، التي تشكل جسر تواصل وأخوة ومحبة بين لبنان ومصر، والتي ترى أيضاً بعين العقل المصلحة المشتركة للبلدين وللشعبين، في توطيد العلاقة وزيادة أوجه التعاون في المجالات التجارية والصناعية والزراعية، وهي بذلك تكمل ما بدأه الأجداد الأوائل بين لبنان ومصر، وهو الأمر الذي يعبر عنه وجود ميناء خاص هو الميناء المصري في مدينة صور التاريخية في جنوب لبنان.

 

إنني بداية أتوجه إلى هذه الجمعية طالباً إليها التأسيس لمزيد من أوجه التعاون بين القطاع الخاص، والانفتاح بين جميع قوى العمل والإنتاج في البلدين في مجال التبادل السلعي، لأن الوقائع الشرق أوسطية تؤكد أن الجمود المفروض على المنطقة سيستمر، وان الحكومات ستكون عاجزة عن توليد فرص عمل جديدة، وان مشروع السيطرة المطروح على المنطقة بعنوان مشروع الشرق الأوسط الكبير، والذي يستخدم جملة استراتيجيات لجعله أمراً داقعاً من جملتها استراتيجية الفوضى البناءة سوف يدفع الأمور نحو المزيد من التوترات السياسية والطائفية والمذهبية داخل أقطارنا، وسوف يحاول أن يفتعل مشكلات ضاغطة على حدود الأقطار كما على حدود مجتمعاتها، بقصد إرباك النظام العام في كل الأقطار، بما يعني ان الفرص الاقتصادية وإمكانية تمكين المواطنين ستتضاءل، وهو الأمر الذي يستدعي أدواراً متزايدة للقطاع الخاص.

 

أيها الأعزاء

 

كما تعرفون فإن الزيارة إلى هذا البلد الشقيق العزيز تتم لسبب هام هو انعقاد الاجتماع الأول للبرلمان العربي، الذي ساهمنا في تأسيسه والذي نأمل أن يلعب دوراً كمؤسسة فاعلة في العمل العربي المشترك.

 

إنني متأكد أن البرلمان العربي سينطلق بفعالية كبيرة، لأن الاتحاد البرلماني العربي الذي يشكل قاعدة ارتكاز لهذا البرلمان، تمكن خلال السنوات الماضية من الإسهام في تحريك عدد من العناوين الهامة، من جملتها السوق العربية المشتركة، وأصبح يلعب دوراً ضاغطاً باتجاه إنشاء هذه السوق، كما انه لعب دوراً مماثلاً في دعم مشاركة المرأة العربية في كل ما يصنع حياة الدول والمجتمعات العربية، وهو أي الاتحاد أطلق نشاطاً جديداً باتجاه المياه واستخدامها، كون هذا العنوان يحمل في طياته أخطاراً تهدد عدداً من العناوين المائية العربية في طليعتها النيل والفرات والليطاني.

 

إن زيارتي لهذا البلد فرصة هامة من اجل طرح التحديات المفروضة على أقطارنا وامتنا، وشكّل الاجتماع التمهيدي الذي يضم رؤساء المجالس النيابية والشوروية العربية فرصة لتبادل الآراء حول الوقائع العربية وحول تطورات الأوضاع، خصوصاً بعد إنجاز الانتخابات العامة في جمهورية مصر العربية، وكذلك بعد ان تمكن الشعب العراقي من تجاوز أكثر من قطوع وإنجاز انتخاباته العامة.

 

لقد بحثنا إلى جانب القضية الفلسطينية التي تبقى أولى الاولويات العربية في الوقائع المتصلة بلبنان، خصوصاً بعد مسلسل الجرائم الإرهابية التي تستهدف بلدنا والتي كان آخرها اغتيال النائب الزميل والصحافي الأستاذ جبران تويني.

 

لقد أكدت للزملاء البرلمانيين العرب وأؤكد لكم أيها الأعزاء، ان لبنان سيتمكن من الصمود وانه لن يسقط في امتحان صيغة عيشه المشترك، ولن يقع في فخ الفتنة.

 

وأؤكد لكم أن أحداً في لبنان لا يدفن رأسه في الرمل حتى لا يرى الحقائق الضاغطة على بلدنا وعلى المنطقة، واننا جميعاً نعرف أن هناك محاولة لجعل بلدنا موقعاً لتحويل الانتباه عن خطط الطريق وعن خطط السيطرة وعن خطط الفيدرالية والكونفدرالية المطروحة، واننا جميعاً نعرف أن هناك محاولة لإفقاد اللبنانيين الثقة بعضهم ببعض والثقة بأشقائهم والثقة بأنفسهم.

 

إن لبنان سينجح في تأكيد وحدته الوطنية، وفي إثبات أن صيغة العيش المشترك التي اختارها هي صيغة أنموذجية في صنع وبناء السلام الأهلي للأقطار المتعددة الطوائف والمذاهب والمشارب، وان لبنان سيتمسك أكثر فأكثر بعروبته، وانه سيسقط المحاولة لإيجاد شرخ في العلاقات اللبنانية السورية.

 

إننا متأكدون مما تقدم لجملة أسباب أبرزها:

  1– إن الجريمة الزلزال التي ضربت لبنان عبر اغتيال الرئيس الحريري، والتي كان من أبعادها استدراج ردود أفعال طائفية ومذهبية سقط، واثبت اللبنانيون أنهم جميعاً يعتبرون أن كشف النقاب عن هذه الجريمة ومحاكمة مرتكبيها يشكل جامعاً مشتركاً لجميع اللبنانيين، وان الحقيقة المتعلقة بهذه الجريمة وبكل الجرائم المماثلة المتصلة بها من محاولة اغتيال النائب مروان حمادة إلى اغتيال النائب جبران تويني، هذه الحقيقة تشكل عنصر وحدة بين اللبنانيين.

 

  2– إن جميع الأشقاء العرب وفي الطليعة سوريا، يعتبرون أن تبيان الحقيقة في الجرائم التي استهدفت لبنان تشكل ضرورة عربية وضرورة سورية بالأخص، وان جميع الأشقاء العرب مصممون على توقيع العدالة بالمجرمين.

 

  3– إن لبنان كما سوريا استعاد شبكة الأمان العربية التي لم تسمح ولن تسمح بجعل أي من البلدين حقلاً للتجارب أو ممراً من اجل تهديد البلد الآخر.

 

في هذا المجال وخلال كل المحنة التي نعيشها، أكدت جمهورية مصر العربية بشخص سيادة الرئيس محمد حسني مبارك حرصه على المتابعة الدقيقة للموقف في لبنان، وتدخله الشخصي من اجل تمكين لبنان من تجاوز كل أزمة، وكذلك تمكين لبنان وسوريا من إعادة صياغة علاقاتهما بكل أخوة وصدق ومحبة، وبكل حرص على التنسيق والتعاون فيما بينهما.

 

إنني أيها الأعزاء باسمي وبإسم كل اللبنانيين، أتقدم من مصر ورئيسها بالشكر الخالص على الدور المصري المستمر إلى جانب لبنان، كما اشكر الأستاذ عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية على اهتمامه الشديد بالتفاصيل اللبنانية ومنع أي استثمار على الخلاف ولا أقول الاختلاف بين لبنان وسوريا.

 

بالطبع فإنني اشكر لجميع الدول العربية وفي الطليعة الجزائر العضو العربي في مجلس الأمن والمملكة العربية السعودية وكافة دول مجلس التعاون الخليجي اهتمامها بدعم لبنان ساعة الشدة، وهو الأمر الذي جعل لبنان يستعيد توازنه وأدواره بسرعة.

 

أيها الأعزاء

 

على الطريقة اللبنانية فإننا عندما ينصرم هذا العام سنكسر خلفه أباريق كثيرة ولكننا لن نستطيع أن نلقي همومه من خلف ظهورنا، ولن نستطيع آن نتجاوز كل الوقائع الحزينة التي ملأت قلوبنا بالوجع، ولكن سنقف كثيراً عند محطة كلام لصديق وكبير من لبنان هو الأستاذ غسان تويني الذي طلب منا أن ندفن أحقادنا، وهو الأمر الذي يشكل دافعاً لي من اجل الإقدام من اجل لبنان .

 

إنني باسم كل الذين سقطوا من اجل لبنان :

 

الشهداء ضحايا دورات العنف الدموي خلال حروبنا الصغيرة

 

الشهداء المقاومون على حدود الوطن الذين دفعوا ضريبة التحرير وسيدفعون المزيد وما بدلوا تبديلا.

 

الشهداء القادة الرؤساء والمناضلون والنواب الصحافيون

 

الشهداء "الشهداء المجهولون" الذين ليس لهم مكان في ساحة قراهم أو لهم احد يمجد أسماءهم أو يرفع صورهم فوق جدار

 

باسم كل هؤلاء

 

أؤكد أنني سأواصل مبادرتي وصولاً إلى اجتماع كل اللبنانيين تحت قبة البرلمان، من اجل أن نؤكد معاً أننا سننتقل بلبنان من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة، وأننا سنبني سوياً الثقة بالدولة وبأدوارها على قاعدة اتفاق الطائف، وأننا جميعاً سنخرج من أمراض الطائفية والمذهبية والفئوية والجهوية لنؤكد أن لبنان رسالة محبة وتسامح، وان طائفة لبنان هي المحبة والتسامح، وان لبنان حديقة الحرية وانه عنوان المقاومة.

 

إنني إذ أؤكد تفاؤلي بأن العام القادم سيحمل معه بشائر الخير بقيامه لبنان، فإنني متأكد بأن الحكومة ستتمكن قريباً من إنجاز ملف برنامج الإصلاح الذي سيطرح على مؤتمر دعم لبنان الذي نأمل انعقاده في شباط (فبراير) من العام 2006.

 

أخيراً أجدد شكري لجمعيتكم على هذا اللقاء، وكلي أمل أن تنجحوا في تحقيق أهدافكم في توطيد دعائم العلاقات بين مصر ولبنان.

 

                                                                       عشتـــم

                                                                       عاشت جمهورية مصر العربية

                                                                       عاش لبنــــان