كلمة دولة الرئيس نبيه برّي في إفطار مؤسسات أمل التربوية - بيروت في 6 تشرين الاول 2005


 

في كل رمضان، وكلما تراجعت عن حضور مناسبات  الافطار العامة، تزيد مؤسسات امل التربوية من إغرائي لحضور إفطارها السنوي، وتكون قد سجلت إنجازاً جديداً لتضم مؤسسة جديدة الى أسرتها لتصبح مكوّنة من ثماني مؤسسات تمتد من بيروت جنوباً الى البيسارية والعباسية وتول والسلطانية والخيام، وتمتد بقاعاً الى بعلبك والهرمل، وأجد نفسي أمام اثني عشر ألف تلميذ يفتتحون يومهم بالنشيد الوطني ويخرجون إلى يومهم في ثياب الماء معلنين قيامة الزيتون.

 

في كل رمضان أجد في هذه المناسبة فرحته خارج رماد الوقت، ورماد الحرائق، ورماد الأحلام، من اجل أن أقرأ في كتاب أمل ليستقيم المساء ولتستقيم الأسماء، ولنفتح للوطن أبواباً غير تلك التي تؤدي الى الأشياء المفخخة والى الموت واليأس والإحباط والاضطراب والقلق والشك، نفتح أبواباً لا تؤدي الى يباس اللغة وموت الكلمات واغتيال الإعلاميين، أبواباً لا تؤدي إلى الطرقات المحاصرة بالموت الكثير الذي عصف بالشهيد الرئيس رفيق الحريري وبالنائب باسل فليحان ورفاقهما، والذي عصف بجورج حاوي الذي كان يلبس شراع الموت كلما أبحر في المقاومة.

ثم انني في هذا العام وقفت أمام إغراء إضافي، حيث اختار مجلس ادارة مؤسسات امل التربوية وعن سابق إصرار وتصميم يوم السادس من تشرين الاول (اكتوبر) الذي يصادف ذكرى مرور اثنين وثلاثين عاماً على حرب السادس من رمضان (اكتوبر) عام 1973 موعداً للقاء على الخبز والملح والمقاومة في هذا الافطار الرمضاني.

"الله واكبر" ذلك كان نداء العز في ذلك اليوم الاغر الذي عبر فيه جنود مصر القنال وحطموا خط برليف، وعبر فيه جنود الجيش العربي السوري الفجر الى مرصد جبل الشيخ والذي حطموا خلاله خط آلون.

 

وهـا نحن لازلنا نقف عند خط ذلك النداء "الله وأكبر"، ولازلنا نؤمن بقيادة شعوبنا على صناعة الحرب وصناعة النصر كما على صناعة السلام والتنمية، وعلى صناعة الديموقراطية والحرية والحكم الرشيد وطنياً، صناعة محلية خالصة لا تحتمل إضافات كيماوية ولا وصاية ولا املاءات ولا توجيه.

 

ها نحن لازلنا نؤمن ان اسرائيل ليست قدراً بل انها شر مطلق كما قال مؤسس حركتنا وامام وحدتنا الوطنية وتعايشنا الامام الصدر.

لازلنا نؤمن بأن السلام يكون عادلاً وشاملاً تحت مظلة القرارات الدولية او لا يكون هناك سلام.

لازلنا نؤمن ان ترتيب تنفيذ القرارات الدولية يراعي اساس مشكلة الشرق الاوسط التي هي قضية شعب شرد من أرضه قبل ان يكون قضية أرض.

 

وها نحن في هذا المساء الرمضاني وفي هذه المناسبة العطرة للانتصار العربي، نؤكد على عروبة لبنان، عروبة في الانتماء والجوهر وليس عروبة مصلحية وفي الشكل، ونؤكد على بناء وضع علاقات مميزة مع الشقيقة سورية قائمة على الاخوة والتنسيق والتعاون في كل المجالات، دون نقوص او تراجع او انكفاء عن الاتفاقيات الموقعة والتي يجب ان تخدم مصالح الشعبين في الحاضر والمستقبل.

نحن في هذا المساء الرمضاني وامام واقع الحال وواقع الازمات الاقتصادية والاجتماعية وواقع العجز عن المبادرة، نجدد الدعوة على مساحة لبنان للقوى التي استعرضت حضورها في آذار في الثامن او في الثاني عشر من شهر اللوز للتعاضد سوياً من اجل الانتقال بلبنان من مرحلة السلطة الى مرحلة الدولة.

 

أقول ذلك لأن ما جرى تقديمه على مسرح نيويورك عروض رسمية مهينة لا يمكن الا ان تعبر عن خطايا ترتكبها السلطات لا الدولة، ذلك لأن الدولة هي تعبير عن الادارة الموحدة وهي في ممارساتها تسعى لكسب ثقة الرأي العام والمواطنين بأفعالها وبأدوارها السياسية والاقتصادية.

وأقول مجدداً ان الاستمرار في صرف الوقت وحرق الوقت ليس من مصلحة احد، بل انه يزيد من التصدع ومن الازمات، وقد آن الأوان امام الجميع للمبادرة خصوصاً واننا تركنا المواطنين يواجهون العام الدراسي الجديد ويتأهبون للشتاء وحدهم تحت عنوان شتى الانشغالات، وضمناً انتظار الحقيقة في قضية جريمة الاغتيال الكبير للرئيس الشهيد رفيق الحريري.

 

ان الرئيس الحريري نفسه وخلال كل الازمات او التحديات التي فرضت على لبنان، خصوصاً خلال ذروة حروب اسرائيل على لبنان في العام 1996، وعندما كنا في دمشق نبني سوياً مع الراحل الكبير سيادة الرئيس حافظ الاسد تفاهم نيسان وسط حركة مكوكية لوزراء خارجية الدول الكبرى ـ كان رحمه الله ـ يفكر في مهام اللحظة التالية ولم يكن يقبل بالتوقف او بالانتظار.

انني ادعو مخلصاً الحكومة المدعومة بثقة مجلس النواب الى اتخاذ المبادرات العاجلة في كل الميادين ورفض تعليق مسؤوليتها في أي مجال.

 

مجدداً ونحن في رحاب رمضان، شهر الايمان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وفي فضاء ذكريات حرب رمضان التحريرية، نؤكد تمسكنا بالمقاومة مشروعاً وثقافة وسلاماً ومجتمعاً، لأننا إزاء إسرائيل التي عملت ولاتزال على جعل بلدنا مشوه حرب ورصيفاً للتسوية، والتي تسعى دون كلل لتوقيع عقوبة التوطين و17 أيار جديد على لبنان، مستغلة الوضع العربي السائد المحكوم الى الغفلة والتساهل ومستثمرة على محاولة اقناع العالم بأن لبنان ميناء للإرهاب.

 

أيها الأعـزاء،

 

بالعودة الى مؤسسات امل التربوية التي تجمعنا على خبزها وملحها كل عام لتقدم لنا كشف مهمات وحساب عن عام من العمل والعلم، ولترانا نجدد وقوفنا معنوياً ومادياً معها لانجاز مشروعاتها وتفسير أحلامها الجديدة، فإنني أقدم التهاني لمؤسسات امل التربوية ومجلس ادارتها وأسرتها التربوية على:

1.  إفتتاح فرع للجامعة الاسلامية في مبنى معهد الدراسات الاسلامية ـ في صور ـ وهو مشروع مشترك بين المؤسسات والجامعة الاسلامية.

2.  استكمال بناء مؤسسة تربوية في سحمر ـ البقاع الغربي.

3.  تأسيس الجمعية الوطنية للتربية والتعليم ـ ومهمتها تقديم المساعدة المادية للطلاب المتفوقين.

4.  تأسيس جمعية خريجي مؤسسات امل التربوية، ومهمتها دعم خريجي المؤسسات وبناء شبكة علاقات فيما بينهم.

5.  إقامة تجهيزات حديثة علمية ولغوية.

6.  إفتتاح مسرح في ثانوية الشهيد بلال فحص ـ تول ـ وإستكمال بناء مسرح في بيروت.

7.  المشاركة الفاعلة في مختلف ورش المركز التربوي للبحوث والانماء على المستويات كافة وفي تقسيم المناهج التربوية الجديدة.

8.  انجاز المؤتمر التربوي الثاني الذي يشكل علامة تربوية مميزة هامة.

 

انني وبالنسبة الى المستقبل القريب وإزاء العدد الهائل للمؤسسات التربوية المتنوعة، أدعو الادارة التربوية لمؤسسات امل الى تركيز اهتمامها على التنمية العامودية وليس الافقية، أي التوقف عن بناء مؤسسات جديدة والاكتفاء بدعم وتنمية المؤسسات القائمة، ودعم المختبرات وتعزيز تعليم اللغات الاجنبية.

التسريع في إنشاء جامعة تتوج مشروع مؤسسات امل التربوية، وانني على ثقة بأننا نستطيع تحقيق هذا الانجاز، لأن مؤسسات امل التربوية استطاعت وفي زمن ظرفي قصير ومحدود من الدخول في تحد تربوي وضعها في مصاف المؤسسات التربوية التي تأسست منذ زمن طويل.

 

في الاتجاه نفسه، أؤكد ان مؤسسات امل التربوية معنية ليس فقط بإنجاز البرامج لكل صف من الصفوف وتزويد الادارة التربوية بوسائل الايضاح اللازمة وانما معنية بأكساب طلاب مؤسساتنا :

1) وسائل التواصل الفعال بينهم وبين المجتمع، والمشاركة الايجابية في مسيرة المجتمع في بعديه الحاضر والمستقبل وبخاصة في صنع السياسات العامة.

2) الوعي لتمتعهم بالحقوق الانسانية وممارسة الحريات العامة.

3) توفير الفرص والمجالات امام أبنائنا للتعبير والتجديد والابداع والابتكار في مختلف مجالات النشاط المجتمعي.

 

كما ان مؤسساتنا التربوية يجب ان تتميز كذلك :

أ ـ ببرامج التنشئة الاجتماعية لمراحل الطفولة وتلاميذ المرحلة الابتدائية.

ب ـ تحسين وضع المرأة التعليمي ومهاراتها الانتاجية.

 

أيها الأعـزاء،

 

ثم ها نحن كما في كل مناسبة تربوية نعود للتأكيد على أهمية الاتجاهات التربوية الحديثة ولاسيما التي أكدت على أهمية الربط بين التربية والتنمية.

ان هذا الامر ولد في العالم الجديد أي الاهتمام بالموارد البشرية وبإقتصاديات التربية تمويلاً وكلفة وإنفاقاً وبتطوير محتوى التربية بحيث تستجيب لحاجات التنمية الشاملة.

انني اليوم اتوجه الى وزير التربية من اجل تعويض الوقت الذي خسرناه في بناء ادارة مستقبلية للتربية.

لقد وقعت ادارة التربية خلال العقود الماضية تحت ضغط الحاجات المطلوبة، وعملت في معظم الاحيان تحت وطأة الحاضر يوماً بيوم، ولم تستطع ان تنظر أبعد من أنفها لترى ان التجربة العالمية في مجال التربية باتت مجموعة من الاتجاهات والمجالات الجديدة.

وبالرغم من اننا قدمنا التهاني لبعضنا البعض في مجال انجاز الهيكلية التربوية، الا انني في ذلك الوقت نبهت الى ان محتوى التربية الذي تضمنته تلك الهيكلية بدا مرتبكاً ومشوشاً وهزيلاً، حيث انها مايزال بينها وبين التربية التي تؤدي الى التنمية البشرية بوْن قد يغدو صراعاً وتعارضاً في بعض الاحيان، ولايزال الطابع التقليدي هو السائد فيها، ولاتزال، بعد تطورها اقرب الى بداياتها منها الى مستلزمات حاضرها ومستقبلها.

انني هنا لا أحمّل التربية وحدها العبء الكبير، حيث لا بد من اسهام سائر قطاعات المجتمع وتعاونها وتفاعلها وتنسيق جهودها في سبيل اعداد الناشئة لمختلف الوظائف التي تتطلبها تنمية المجتمع من جميع جوانبه.

انني هنا أوجه عناية المسؤولين عن تصميم الخطط التربوية الى ان العلاقة بين التربية والتنمية باتت علاقة دائرية، والى ان المدرسة لا تستطيع ان تضطلع بدورها في اي مجال من مجالات تنمية الموارد البشرية الا اذا غدا النظام التربوي "شبكة" من النشاطات التربوية التي تتم داخل المدرسة وخارجها وتنساب بين المدرسة وعالم العمل من حولها.

واقول بصراحة ان ازمة التربية في لبنان ليست أزمة التربية وحدها ولكنها أزمة التنمية، الا ان التربية تستطيع ان تصنع الكثير اذا أدركنا ان التربية صناعة من كبريات صناعات العصر.

ان لبنان الذي يضم حوالي اربع "دزينات" من الجامعات ومعاهد التعليم العالي مثلاً يستطيع ان يلعب دور جامعة الشرق اذا تمكن لبنان من بناء سمعة عالمية لهذه المؤسسات التربوية، انطلاقاً من ان العلم بالمعنى الحصري لهذه الكلمة، أصبح آداة للثورة العالمية الجديدة التي تقع في قلبها تلك الثورة التي تتم " بالعلم " لا " مع العلم ".

اني أطالب وزارة التربية ومن اجل إعطاء انطباع مشجع للجامعات ومعاهد التعليم العالي في لبنان بإيجاد السبل لمراجعة منهجية منظمة للائحة الاختصاصات والاختصاصيين فيها.

انني على مستوى الجامعة الوطنية ادعو الى جعل الجامعة اللبنانية تحيط بكل الاتجاهات بتكنولوجيا التربية وبأشكالها المختلفة، سواء المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات او تكنولوجيا الاتصالات.

 

أخيراً، فإن ثقتي باستمرار لبنان كضرورة لبنانية وعربية ودولية ازدادت اليوم في هذا العرس الرمضاني لمؤسسات امل التربوية، التي أدعوكم جميعاً لعدم التقصير في دعمها، لأنها كما هي صروح للتربية فهي قواعد ارتكاز للمقاومة من اجل لبنان.

 

                  عشتــــــــــــم

                  عاشت مؤسسات امل التربوية

                  عاش لبنـــــــــان