كلمة الرئيس نبيه بري في احتفال مباراة أمناء التدرج في نقابة المحامين – بيروت  


 

بسمه تعالى

 

      زملائي الاعزاء

      نقيب المحامين في بيروت

      النقباء السابقون

      مسؤول التدرج في النقابة

      الحضور الكريم

 

      مجددا" اتشرف بالوقوف على منبر النقابة التي اعتز بالانتماء اليها نقابة المحامين ، بمناسبة مباراة امناء التدرج في نقابة المحامين في بيروت ، وهوالامر الذي يتيح لي ان اسلك خطواتي نحو العدالة من موقع حر ونزيه .

 

      وها انا اقف بينكم حسب الاصول المهنية ، في زي المهنة وفي مرافعة مهنية حول القضايا التي تتصل بنا كمحامين وكنقابيين ، وحول دورنا تجاه القضايا الوطنية والقضايا التي تمس الوطن .

  

      وها انا ذا كما حلمت ان اكون وكما احاول ان اكون ،

      ها انا ذا كما اردت ان اكون ، وكما أنا عليه ،

 

      ارتدي الثوب الذي لا يحتمل ان يلسعه لون آخر ، ولا يحتمل الغبار ،

 

      الثوب الذي لا يمسح جوخا" ولا يجامل ولا يهادن ،

 

      الثوب الذي لا يكفي لارتدائه النجاح في استحقاقات السنوات الجامعية والتخرج من كليات الحقوق ، ولا يكفي لارتدائه التدرج وعبور مثل هذا الامتحان فحسب ، وانما يحتاج الى التشبع بنص وروح القوانين والمواثيق والشرائع المحلية كما الدولية ، لانها نتاج فكر بشري يهدف الى تحقيق العدالة المحلية كما الدولية ، ويحتاج الى التشبع بروح العدالة الاجتماعية بكل ابعادها السياسية والاقتصادية والثقافية .

 

      اذن فإن ارتداء هذا الثوب يتجاوز المهنة او الوظيفة او الدور الى المحامي الذي يتطلع اليه الانسان في قضاياه الشخصية وحماية حقوقه المحلية والوطنية والدولية ، على اساس انه المسؤول عن اثبات الحقيقة والحق ، ووضعها تحت قوس العدالة بإنتظار الحكم من قضاة سلكوا دروب المحاماة وصولا" الى مواقعهم يعرفون معنى الاتهام من موقع الادعاء ويعرفون معنى المرافعة من موقع الدفاع .

 

      واقول وكما يحتاج ارتداء هذا الثوب الى المعايير العلمية المكتسبة من كليات الحقوق والى الخبرة التي يعبر عنها التدرج ، فإن معايير المهنة باتت تحتاج الى عصرنة عبر تحديث قانون تنظيم مهنة المحاماة ، وهو رأي يعبر عنه الكثير من الاساتذة الحقوقيين في لبنان والمحيط العربي ، من اجل مواكبـة التحولات والاستجابة للحاجات وتحقيق التطلعات ، ومن اجل التجديد في روح وجسد قانون تنظيم مهنة المحاماة ، لكي يتوافق اولا" مع التحـولات الدستورية والسياسية المتضمنة للدستور ما بعد الطائف ، ومن اجل ان يتمكن من اللحاق بالتحولات القانونية التي تخلف عنها لبنان خلال الحرب الفتنة ، ومن اجل مواكبة التطور التشريعي العام ومسيرة تحديث القوانين ، وثانيا" وعلى المستوى العربي لملاقاة توصيات وقرارات اتحاد المحامين العرب ، المبنية على توصيـات جهـات نقابية عربية بينها نقابة المحامين في لبنان ، والهادفة لصياغة : " قانون عربي انموذجي لتنظيم مهنة المحاماة " ، وثالثا" وعلى المستوى الدولي من اجل مواكبة التطورات السريعة للعلاقات التجارية والعلمية في عالم تجري محاولات حثيثة لاخضاعه للآحادية ، ولعالم تضغط على صدره الشركات والجيوش العابرة للقارات والقوميات ، ولعالم تضغط على قوانينه المحلية منظمة التجارة الدولية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي .

 

      كما ان ارتداء هذا الثوب الذي يعني عمليا" الانتظام المهني بعد قبول تسجيل المحامي في النقابة لسلوكه طريق الجلجلة علميا" وتدرجا" وصولا" الى ادائه القسم القانوني ، بات يتطلب على مستوى المعايير الشخصية لشخص المحامي زيادة الاسس الكفيلة بترسيخ البناء الاخلاقي – القانوني لمهنة المحاماة ، لزيادة حمايتها من امراض العصر الراهن وزيادة حمايتها من الاغراء ، ولتقليص الهوة بين الواقع والقانون ، وبين الاصول النظرية والتطبيق في قواعد المهنة .

 

      اقول ذلك لأن الوقائع الاقتصادية تكاد تحول وهي حولت المحامي في كثير من المواقع من موقع المهنة  الحرة ومن رب عمل الى اجير ، ومن ممارس لمهنة مستقلة محصنة الى تابع لمشروع مالي ومن جهة ثانية فإننا نشهد في واقع الامر انهزام القيم الاخلاقية عبر تعريض المهنة الى الاغـراء الـذي يؤثـر على حقوق الموكل ، وكذلك اساءة استخدام اجراءات التقاضي لاهدار حقوق الخصم او الانتقاص منها .

 

      انني في هذا الامر اتفق مع الاراء التي سجلها الكثير من اساتـذة القانون في مجلة الحياة النيابية الصادرة عن مجلس النواب ، والهادفة لاصلاح وتطوير قانون مهنة المحاماة عبر :

 

-  تحريك القانون القائم وتطبيقه بجدية وموضوعية .

-  تحديث مفاهيم المهنة ومرتكزات قانونها المستقبلي ، عبر رفع مرتبة الشروط الاخلاقية للانتساب والتشدد في تطبيقها لتقترب من شروط الانتساب الى جسم القضاء ، ورفع درجة الشروط العلمية للانتساب والتشدد في اعتماد القواعد المطمئنة للاهلية القانونية .

-  وضع نظام صارم لتأهيل المتدربين يسمح بالتصنيف في مجموعة اختصاصات .

-  تحديث وتطوير وحماية نظام التعليم الحقوقي الجامعي .

-  اصـدار تقنين شامل متكامل لاداب المهنة وقواعد السلوك .

 

انني اجزم واعلم ان السادة النقباء والزملاء جميعا" مقتنعون بإعادة بلورة تعريف مهنة المحاماة وتعريف دورها ، على ضوء كيفية التطابق بين مهنة الواقع ومهنة القانون .

 

وانني فيما تقدم انحاز كمحام وكمشرع الى ما سعت اليه نقابة المحامين منذ دزينة من السنوات ، عندما اقرت ان القانون الحـالي لمهنة المحاماة في لبنان لا يتضمن كل ما تصبو اليه النقابة ، حيث شكلت لجنة توصلت لمشروع لتطوير القوانين والانظمة النقابية ، وهو الامر الذي بات يحتاج بنظري الآن نظرا" لمرور الزمن ودخول الالفية الجديدة بكل متطلباتها الى لجنة تلحظ التطورات الملائمة لمعايير المهنة ولمعايير المحامي ، لاقتراح مشروع قانون عصري لمهة المحاماة ، وانا من جهتي وباسم مجلس النواب اؤكد سلفا" ان المجلس سوف يأخذ بهذا المشروع ويقره في سبيل جعل مهنة المحاماة تعبر عن رفعة ونوعية التخصص القانوني بما يمكنها من تأدية رسالتها بأمانة واخلاص ونزاهة .

 

      ايها الزملاء ،

 

      على المستوى الوطني و في العام 1995 وعلى هذه المنصة طرحت سؤالا" : من اين يجب ان يبدأ المحامي ؟ واجيب بالقول :

 

      الوطن ووجوده ، الوطن وحدوده والمواطن وحقوقه .

 

وفي ذات الكلمة اكدت على ان هناك قضايا وملفات ستبقى مفتوحة حتى تختتم قضائيا" ، وهي القضايا المتصلة بالجريمة المنظمة والمخدرات والنفايات والفساد والرشوة .

 

الان اؤكد على نفس العناوين والقضايا ، حيث لازال الوطن يحتاج الى طاقات وامكانيات ابنائه المقيمين والمغتربين من اجل ترسيخ وجوده وبناء دوره في نظامه العربي والاقليمي والدولي ، وهذا الدور اضافة الى امكانية لبنان الظاهرة والكامنة كمتحف للتاريخ والتراث الانساني وكموقع سياحي فريد – هذا الدور – يجب ان يكون كما اكدت قبل اسبوع : جامعة مفتوحة لعلوم الاتصالات والمعلوماتية ، لأن لبنان الذي يحتضن ثلاثا" واربعين جامعة ومعهدا" للتعليم العالي يملك البنـى والمـوارد البشريـة التي تؤهله للعب هذا الدور ، كما ان الوطن لازال مهددا" انطلاقا" من حدوده الجنوبية بفعل التهديدات الاسرائيلية واستمرار احتلال اسرائيل لاجزاء عزيزة من ارضه ، في طليعتها مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والاطماع الاسرائيلية في مائه ، وبفعل حقول الموت التي تمثلها حقول لالغام ، وبفعل استمرار اعتقال او اخفاء مصير العشرات من ابنائه ، وبفعل الموت والدمار اللذين خلفتهما الاعتداءات والاجتياحات الاسرائيلية ، وهو الامر الذي يتطلب تعويضا" ، وجملة هذه التفصيلات المتعلقة بحروب اسرائيل ضد لبنان تحتاج الى معرفة القوانين الدولية ووضعها موضع التطبيق ، وهذا الامر لا بد وان يعتمد اساسا" على نقابة المحامين ، التي يجب ان تجد قوس العدالة الدولي المناسب ، وان تحضر ملفها الاتهامي بهذا الخصوص من اجل ضمان حقوق لبنان التي لا يمكن للقوة الغاشمة التي اثبتت مقاومتنا عجزها ان تستمر في تجاهلها .

 

      يبقى في العناوين موضوع اساسي هو المواطن وحقوقه .

 

      في هذا الاطار بادر المجلس النيابي اللبناني وخلال انعقاد الدورة ( 43 ) للاتحاد البرلماني العربي الى الدعوة لتشكيل هيئة برلمانية عربية ، من اجل اعداد ميثاق عربي لحقوق الانسان وقد اقر الاتحاد هذا المطلب .

 

      ان الاولى بنا في لبنان ان نرسخ قيم مشاركة المواطن في كل ما يصنع حياة المجتمع والدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وهذه المشاركة لا يمكن ان تكون كاملة دون ضمان حقوق المواطن ليس في الانتماء والتعبير فحسب،  وانما في الوصول الى القوت ، وضمان هذه الحقوق لا تحتاج الى وكالة من المواطن الى نقابة بل ان واجب نقابتكم المبادرة الى اخذ دورها في الرقابة على تطبيق القوانين ، ومنع الاساءة او التعسف في استعمالها ، بما يجعل المواطن بمنأى عن أي تسلط او قهر او ظلم او اضطهاد ، اضافة الى ان واجب النقابة وكل محام ان يتحول الى داعية ناشط في مجال نشر وعي قانوني ودستوري خصوصا" في مجال حقوق الانسان .

 

      والان كذلك ومن على منبر هذه النقابة التي اعتز بالانتماء اليها ، ارى ان القضايا التي طرحتها في السابق واشرت اليها لاتزال تستحوذ على الاهتمام ، رغم ان لبنان سجل معدلات عالية في كبح الجريمة المنظمة ، واصبح نظيفا" تقريبا" من زراعة المخـدرات ، وقطـع خطوات هامـة علـى طـريق حـل معضلة فرز معالجة النفايات ، الا اننا لازلنا نحتاج الىهمة عالية في مجال كفح الفساد والرشوة ، ومن اجل اكتساب الخبرات الى جانب السلطة التنفيذية ، فقد انضم المجلس النيابي منذ تاريخ 10/12/2002 الى المنظمة البرلمانية العالمية لمكافحة الفساد .

 

      الا ان هناك قضايا مستجدة لابد وان تستأثر بالاهتمام ابرزها الارهاب والبيئة .

 

      فالارهاب عنوان ضاغط على لبنان والمنطقة ، ليس على خلفية الحرب الدولية الجديدة على الارهاب ، بل لأن لبنان عانى الامرين من الارهاب الاسرائيلي الرسمي والمنظم ضد بلدنا بشرا" وشجرا" وحجرا" ، وكذلك لأن لبنان عانى من المحاولات الاسرائيلية المستمرة لارباك نظامه الامني بعمليات الاغتيال والتفجير ، وعلى المستويين السياسي والقانوني فإن لبنان يقود حملة من اجل منع الخلط السياسي المقصود بين المقاومة والارهاب ، ومن اجل منع المحاولات الهادفة لاسقاط حق الشعوب في المقاومة بكل انواعها للاحتلال والاستعمار والانتداب والتمييز العنصري ، ومن اجل وضع تعريف دولي واضح للارهاب .

 

      وعلى المستوى البيئي فإن لبنان الذي تعرض لمحاولة تشويه طبيعته خلال مرحلة غياب الدولة ، وعانى من الفوضى والواسطة التي كادت تحوله الى مقلع كامل للصخور ومحافر للرمال ويهدد الزحف الاسمنتي مساحة هذا الوطن الجميل ، لا يكفي ان تستحدث له وزارة للبيئة بل انه يحتاج الى نوعين من الحماية :

 

-  حماية قانونية لتفاصيل حياته البيئية ، تنطلق من ضمان جعل لبنان كل لبنان يتمتع بشبكة عصرية للصرف الصحي ، وبشبكـة بلدية لازالة النفايات واعادة تصنيعها ، وهذا الامر ليس مجرد ملف تقني خدماتي بل ان له جوانبه القانونية التي تتعلق بحق المواطن ببيئة نظيفة .

 

- تحول كل مواطن الى شرطي متطوع لحماية البيئة .

 

      ايها الزملاء

 

      اخيرا وليس آخرا" وامام الفوضى العارمة التي تهدد منطقتنا من المحيط الى الخليج ، وتهدد اقطارنا مباشرة او غير مباشرة ، والناتجة عن اعتماد الولايات المتحدة الاميركية مع من يتبعها من تحـالف راغبين في كل مرة على القوة في صياغة السياسة الدولية ، والناتجة بالاساس عن اعتبار اسرائيل كذلك استثناء" لا تطبق عليه القوانين والقرارات الدولية بما يتيح لها اعتبار القوة اساسا" في صياغة سياساتها ، وعلى ضوء معاناة شعوبنا الناتجة عن العبر والدروس المبنية على ان الاحتلال لن يكون ارحم من انماط السلطات الظالمة ، وان أي احتلال لا يمكن ان يساهم في افساح المجال امام الشعوب لتقرير مصيرها واختيار انظمتها السياسية بحرية ودون تدخل – امام ذلك – وانطلاقا" من تجربة لبنان التي اثبتت عجز القوة ، فإنني ادعو لبنان الرسمي والنقابي ، وفي الطليعة المجلس النيابي ونقابتي المحامين بقيادة تحرك على المستويين العربي والدولي ، لاثبات ان قوة القانون الدولي اقوى من الاحتكار المركزي للقوة واستخدامها في النزاعات الدولية عبر تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالامتناع عن التهديد بإستعمال القوة او استعمالها ضد السلامة الاقليمية او الاستقلال السياسي لأي دولة .

 

      اقول ذلك لأن الاحتلال الاميركي – البريطاني للعراق ، والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والاراضي العربية ، ادى بشكل كامل الى تهديد اهم حق انساني الذي هو حق الحياة كما يفهم بالتفسير الواسع والضيق .

 

      اذ يجب ان يكون لدى المرء ظروف غذائية وصحية كافية من اجل ان يعيش وينضج بذهن وجسم سليمين ، ولكن يجب ان يكون المرء متحررا" من القتل والتعذيب وسوء المعاملة من اجل ان ينمو بكرامة انسانية ، كما أن الاحتلالين الاميركي للعراق والاسرائيلي لفلسطين والاراضي العربية اديا الى تهديد اهم ثاني الحقوق وهو الحق في المشاركة وخصوصا" السياسية التي تسمح للمرء بأن يمارس اغلب الحقوق وبمراقبة كل نوع من القرارات التي تؤثر على حقوقه .

 

      انني هنا اتحدث بلغة القانون تجاه الحدثين الاخطر على مساحة الشرق الاوسط ، لالفت انتباه اتحاد المحامين العرب ونقابات المحامين في الوطن العربي ولبنان الى فرصة المقاومة القانونية للتعسف الدولي والتي تتيح لهم فتح ملفات العدوان على امتنا واقطارنا ، ومحاكمة جرائم الحرب والجرائم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المتنوعة .

 

      لن اطيل عليكم اكثر ، فأنا بينكم في موقع الحكم الى جانب النقباء وامين التدرج ، ولا اريد ان آخذ المزيد من وقت المتدرجين الذين آمل ان يقفوا على منصة العدالة الدولية للمرافعة عن حقوق ضحايا المجازر الاسرائيلية في لبنان ، وان يقفوا على منصـة العدالة في لبنان للدفاع عن حقوق المظلومين والمحرومين ، حتى لا يبقى مظلوم او محروم واحد في لبنان  .

 

                                    عشتم

                                    عاش لبنـــان