كلمة الرئيس نبيه بري
في احتفال تدشين مبنى ثانوية أنصار الرسمية
"حركة الموفدين لا يمكن ان تخفض سقف التوتر
والعنف في المنطقة
والحل يكمن في عدم معاملة إسرائيل كاستثناء لا تطبق عليها القرارات الدولية
إسرائيل تدفع الفلسطينيين نحو نكبة جديدة وسياسة شارون ستؤدي الى إشعال المنطقة
عاجلاً أم آجلاً
الإرهاب هو الخروج على القرارات الدولية
هناك ضرورة لإنشاء مجلس أعلى للتربية"
رعى رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي حفل تدشين
مبنى ثانوية انصار الرسمية (النبطية) بدعوة من مجلس الجنوب وأهالي أنصار بعد ظهر
الجمعة 18/ 1 /2002 بحضور الوزيرين عبد الرحيم مراد وعلي قانصوه، وعدد كبير من
النواب وحشد من الشخصيات والفعاليات الرسمية والسياسية والاجتماعية والثقافية
والتربوية والعسكرية والدينية والمواطنين.
توالى على الكلام الخطباء السادة : رئيس بلدية أنصار
محمد أحمد عاصي، فرئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان، ثم كلمة وزير التربية والتعليم
العالي الأستاذ عبد الرحيم مراد.
وفي الختام، ألقى راعي الاحتفال رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي الكلمة
الآتية :
بسمه تعالى
لاسراب الحمام التي لم تخف حراس ابراج المعتقل،
والتي هدلت بالامل والشوق.
للاطيار التي غردت في الصباحات المنكسرة، واستدعت الشمس من غمد الليل.
للنسائم التي مرت على اجسادهم المعذبة كبرد او سلام.
للحرية التي خبأناها في الصدور، حتى تكبر شجرتها في حقول القلب، وتصير مقاومة لا
تنكر الوطن ثلاثاً، ولا تنكر المحبة ولا تنكأ الجراح.
لأنصار، التي اطلقت اسراب حمامها واطيارها ومسحت
بنسائمها على اوجاعنا واحزاننا، وعلمتنا الصبر على المحن، وكيف نخـرج من( وادي جهنم
) الى نصرنا ونبزغ كالورود.
لوعد المقاومة الذي قرأناه في مكتبة الشيخ عبدالله
شعيتاني، والذي تعلمناه في مدرسة السيدين محمد وحسن آل ابراهيم.
لأنصار .. لشهدائها واحيائها ولكم الف تحية وبعد،
قدر انصار ان تكون موقعاً متجدداً لكربلاء الجنوب.
قدر انصار ان تكون صوتنا المتألم الصارخ في برية الله
وقدر انصار ان تطلع من حناياها ومن تحت ركام ضلوع منزلها براعم المحبة.
ربما وقع من دفتر الذاكرة، ان انصار كانت شاهدة
وشهيدة يـوم باغتها احد الامراء المعنيين بتحريض من والي صيدا العثماني، وهي ومن
فيها من ابنـاء جبل عامل غير متأهبين للقتال، ولم يحتاطوا لهجوم جيشه الذي دبره،
متخذاً وسيلة له اجتماعاً بهم عزلاً من السلاح، ففاجأهم عسكره المسلح في مكان
اجتماعهم، فكان ما كان من القتل والترويع وتخريب القرية.
الا ان انصار قامت، حقاً قامت.
وقدر انصار ان تدخل التجربة في عصرنا الحديث،
فقد ارادت اسرائيل ( انصار ) سجناً ومعتقلاً كبيراً
لكل مظاهر الحياة.
ارادت اسرائيل ان تعاقب الفلسطينيين على امانيهم
الوطنية وعلى حلمهم بالعودة.
ارادت ان تعاقبهم على انهم سلكوا الطريق الى الثورة
والانتفاضة.
وارادت ان تعاقب اللبنانيين والجنوبيين بوجه خاص على
احتضانهم لهذه الثورة وعلى تأييدهم لحقوق الفلسطينيين.
وهكذا وقع الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وما قبله
وما بعده من اجتياحات.
من يتذكر وقائع ذلك الاجتياح ؟
مـن يتذكر صورة الحركة الدموية الاسرائيلية النظامية على مساحة لبنان ؟
من يتذكر صورة القتلى المدنيين على جسر الدامور الذين فتكت بحياتهم وبوسائط نقلهم
الطائرات الاسرائيلية ؟
من يتذكر بيروت المحاصرة التي أكلتها نيران وقنابل المدافع والطائرات الاسرائيلية؟
من يتذكر مشهد الجنوب المعتقل تحت الحراب الاسرائيلية على امتداد شاطىء الاولي؟
من يتذكر مجزرة صبرا وشاتيلا؟
من يتذكر ان ارائيل شارون رئيس وزراء اسرائيل الان هو الذي قاد الكارثة ضد لبنان
عام 1982.
واخيراً وليس آخراً من يتذكر معتقل انصار، من يتذكر
وادي جهنم وشلعبل ؟
من يستذكر ليل العذابات وانين ضحايا تحقيق وحشية
الجلادين الاسرائيليين؟ من يتذكر كربلاءاتنا في انصار الشاهدة والشهيدة على كتاب
معتقلها، الذي لم يتجرأ احد على كتابته وتسجيل وقائعه الى اليوم، وبقي مجرد فصول
متناثرة لحكايات تكاد تضيع من الزمن؟
ترى من منكم سيجرؤ على هذا الكتاب وعلى فتح صفحاته
على الانترنت، من اجل ان يكتشف العالم جـذور الارهاب الحقيقي، وجذور ارهاب الدولة
التي تمثلها اسرائيل ؟
اقول ذلك لأنه كذلك، تكاد تضيع صفحات كتاب معتقل
الخيام، ولا تبقى منه سوى كافيتريا للسياح الذين لا يهمهم فتح ابواب الزنزانات على
الكارثة والبطولة في المكان والزمان.
انني هنا ومن اجل حفظ ما تبقى، ادعو وزارة الثقافة
الى المبادرة الفورية لتحويل معتقل الخيام الى متحف تسجيلي للذاكرة، ليوميات
المعتقلين، لجرائم الجلادين الاسرائيليين، لادوات التعذيب، للشهداء الاحرار، وان
يحفظ بمجتمع المعتقلين الاحرار في انصـار والخيـام دورهم في المقـاومة والتحـرير
وايضاً في التنمية.
ايها الاعزاء،
وبالعودة الى المكان ( انصار ) والى المناسبة، فإنه
لمن دواعي سروري ان نفتح لقاءاتنا في الجنوب هذا العام على خبز وملح التربية
والاستثمار على الاجيال، وان تكون فاتحة هذه اللقاءات في انصار تدشين هذا الصرح
التربوي، الذي يتمثل بالثانوية التي انجز مشروع بنائها مجلس الجنوب وفي حضور معالي
وزير التربية والتعليم العالي الصديق عبد الرحيم مراد.
انني هنا لا اعطي دروساً في الوطنية، وكذلك لا اريد
النيل من احد بتسجيل نقاط عبر تبرير الحاجة الوطنية الى مجلس الجنوب، كونه للأسف
الجهة الرسمية الملموسة والمحسوسة لدى المواطن في الجنوب والبقاع الغربي بغياب
الكثير من الادارات اذا لم نقل بتغييبها.
الا ان ما اريده مجدداً، التأكيد على تنظيم
الاولويات الوطنية انطلاقاً من الجنوب، لأن الخطر والتهديد للمستقبل ينبع من عدم
تحصين هذه المنطقة وتنميتها، وهذا اولاً.
اما ثانياً، فإن اصلاح الادارة وتحديثها وايجاد
علاقة مباشرة بينها وبين التكنولجيا لتلائم العصر هو هدف اساس، الا ان الادارة لا
يمكن فصلها عن دور الدولة الاقتصادي والسياسي والامني والاجتماعي والثقافي كما
التشريعي.
ولعل هذا الانجاز التربوي يقدم سؤالاً وربما جواباً
على معنى الضغط الذي يقع على موازنة مجلس الجنوب من قبل الحكومة العتيدة، وهو ضغط
بدأنا نشعر معه انه يتجاوز واقع الازمة المالية الاقتصادية، الى سياسة حكومية
مقصودة تريد القفز فوق واقع الضرورة الذي يملي ابقاء الجنوب والبقاع الغربي في غرفة
العناية الوطنية الفائقة، وجعلهما اولية انمائية في دعم صمودهما وجعلهما موقعاً
قادراً على الممانعة واستمرار المقاومة بمواجهة الخطر الاسرائيلي، الذي لايزال
ماثلاً ويهدد لبنان سواء عبر السياسة العدوانية والارهاب الذي يمثله ارئيل شارون
على رأس المستويين السياسي والعسكري لاسرائيل، وسواء عبر استمرار واحتلال اجزاء
عزيزة من ارضنا، في مقدمتها مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وعبر حقول الموت التى
تمثلها الالغام، وعبر النيل من سيادتنا الوطنية بحراً وجواً، وعبر استمرار احتجـاز
حرية عدد من ابنائنا داخل المعتقلات في فلسطين المحتلة.
ولا يمكن التأسيس لادارة خارج ادوار الدولة وسياسات
الدولة ومهمة الدولة، والا فإن الادارة ستكون تعبيراً عن سياسات تسلطية تمارس باسم
الدولة، وتعبيراً عن محاولة احتكار بعض من في الدولة لمصادر القوة والثروة.
إن مطالبنا الدائمة بوضع معايير ثابتة واتباع اسلوب
ومنهجية واحدة في اعادة انتاج الادارة ودورها لتتلاءم مع ادوار الدولة وسياستها،
تنطلق من معاييرالكفاءة والعدالة والضمانات الدستورية الديمقراطية وليس من قواعد
المحاصصة والطائفية.
ايتها السيدات والسادة،
انني وبمناسبة افتتاح هذا الصرح التربوي، اؤكد
مجدداً ان صناعة التربية اضحت من كبريات الصناعات، وان هناك ضرورة لانشاء مجلس اعلى
للتربية ينظم العلاقة بين ناتج التربية وسوق العمل، وكذلك ما سبق ان اشرت اليه حول
المناهج، وما يهمني ان اشير اليه اليوم هو ما يلي :
ان التعليم هو عملية اجتماعية تهدف الى اعادة
الانتاج الاجتماعي وتطويره، وتتحقق في اطار نظام تعليمي تنشئه الدولة والمؤسسات
الاجتماعية، فلقد برزت مع التطور الحياتي، ومع ازدياد عدد السكان، وظهور ادارة
الدولة كمراكز للتوظيف والعمل، برزت الحاجة للتعلم عند الفقراء الذين لم يكونوا
يستشعرون هذه الحاجة، وراحت المطالبة بالمدارس تزداد، ووجد النظام السياسي اللبناني
نفسه مضطراً لتلبية هذه المطالبة من جهة، ولحاجته ليد متعلمة في حدودها الدنيا من
جهة ثانية، فراحت موجة المدارس الرسمية الابتدائية والمتوسطة والثانوية تنتشر في
الاطراف، وهكذا برزت المدرسة الرسمية كمدرسة لطائفة جديدة مقدسة هي فقراء الطوائف
او طائفة الفقراء.
ومع الايام، ومع العناية التربوية اللازمة ولو في
حدها الادنى، تطورت المدرسة الرسمية فغدت لكل الناس، واصبحت المؤسسة التي تسهم في
توحيد ابناء الوطن نابذة كل تعصب، ساعية الى تكوين اتجاه وطني حقيقي.
هذه المدرسة التي يقدمها اليوم مجلس الجنوب هدية،
بحضور معالي وزير التربية يمكن ان تلعب دوراً فعالاً بالتنسيق مع الاهالي والهيئات
الاجتماعية المحلية، انطلاقاً من هدف سام هو الارتقاء بالمصلحة العامة.
انني ومن انصار الانتصار والمجد والحرية، اؤكد ان
وطناً لا يرتكز على :
نظام تربوي عصري، وبناء علاقة متكاملة بين التعليم
والتكنولوجيا، وتنمية الموارد البشرية في عملية دائمة ومستمرة، سيكون حتماً وطن
الخراب.
ايها الاعزاء،
من الجنوب، الموقع الاكثر التصاقاً بفلسطين
وبالجولان العربي السوري نقول :
ان حركة الموفدين الى المنطقة لا يمكن ان تخفض سقف
التوتر وتعالج العنف المفرط، وتفرض تقبل الامر الواقع الذي تنتجه السياسة العدوانية
الاسرائيلية وعلى رأسها شارون دون معالجة الاسباب.
لقد قلت، للوفود البرلمانية والدبلوماسيين التي
تتزاحم على لبنان والمنطقة، ان ما يجري ليس مشكلة بين جماعتين حتى يتم حلها بالضغوط
او بتطبيق هذه التوصيات او تلك الاجراءات.
كما ان حل المشكلة ليس بالعودة الى مفاوضات امنية او
سياسية بين الفلسطنيين او الاسرائيليين.
وابلغت الجميع ان الاحباطات او النكسات التي اصابت
عملية السلام على مختلف المسارات، ليست فقط نتيجة عمل بالغ الخطورة من اعمال العنف،
بل في الاساس عدم ملاءمة المجتمع الاسرائيلي بدفع ثمن السلام.
لقد اكدت للجميع واعيد التأكيد من الجنوب ان الحل
يكمن في عدم معاملة اسرائيل كإستثناء لا تطبق عليه القرارات الدولية.
لقد حذرت من ان اسرائيل تدفع بالفلسطينيين نحو نكبة
جديدة، وان شارون ينفذ مخططاً يهدف الى دفع الشعب الفلسطيني الى حافة الهاوية
وتحويله الى شعب نازح ورميه على رصيف التسوية.
انني من الجنوب احذر من ان سياسات شارون ستؤدي
عاجلاً ام آجلاً الى اشعال المنطقة برمتها، صدقوني.
ايها الاعزاء،
وبالعودة الى انصار كأنموذج لبناني، فإن مسؤولية
انماء بلدتكم هي مسؤولية رسمية واهلية مشتركة، تتطلب اولاً تجاوز العقد الفئوية
والعائلية التي سادت العلاقات الاجتماعية والسياسية فيها، والتسامح وتعزيز الثقة
المتبادلة بين جميع العناوين السياسية والعائلية، وتجاوز كل ما يعطل انماء وتحديث
هذه البلدة وسواهـا، وكذلك كل ما يعطل المبادرات الاهلية والشعبية والفردية.
لقد تحقق لأنصار بعض مطالبها ومنها :
السنترال ومجمع مدارس وشبكة مياه، والان هذه
الثانوية.
وقد طلبت الاسبوع الماضي التسريع بإنجاز ملف تعبيد
طريق النبطية ـ أنصار ـ الدوير، ونحن نساهم بتقديم الاسمنت لمقر البلدية.
يبقى ان المطلوب :
ـ مبادرة من وزارة الثقافة ومديرية الاثار تحديداً
لازالة الاهمال والتهديد اللاحقين بقلعة " ميس " وكذلك المواقع الاثرية في محيط
البلدة.
ـ مبادرة من وزارة البيئة لانشاء محمية في حرش انصار
واعادة تشجيره.
ومن جهتنا، فإننا اذ نلتزم بتقديم المساهمة المطلوبة
لانجاز النادي الحسيني في بلدتكم، فإنه سيكون لنا موعد معكم لافتتاح هدية سورية
هدية الرئيس الخالد حافظ الاسد المستمرة اذ انني خلال لقائي الاخير مع سيادة الرئيس
بشار الاسد وعدني باتمام هذا المشروع لهذا الجنوب الصامد عنيت به مدينة الاسد
الرياضية التي ستسهم دون شك في تعزيز قدرات الشباب والرياضيين في الجنوب وكل لبنان.
عشتـــــــــــــم
عاش لبنــــــان |