أكد
رئيس مجلس النواب نبيه بري في حوار مع جريدة الأخبار أن دعوته الى انتخاب رئيس جديد
للجمهورية في 25 أيلول المقبل نهائية، متمسكاً بنصاب الثلثين لافتتاح الجلسة،
ومعتبراً أنه لا يمكن إجراء انتخابات خارج النصاب الذي نصّ عليه الدستور، وأن
الطريق الى الدورة الثانية من الاقتراع تمر بنصاب الثلثين لافتتاح جلسة الانتخاب،
أي 86 نائباً.
وقال الرئيس بري «هذا هو النصاب منطقاً وعرفاً وممارسة»، معتبراً توجيه الدعوة
بمثابة «تحريض على التوافق».
وأضاف
«ما دام انتخاب رئيس مجلس النواب قد حصل بالتوافق، وتعيين رئيس الحكومة بالتوافق،
فليكن انتخاب رئيس الجمهورية بالتوافق أيضاً».
ولم يمانع الرئيس بري وجود أكثر من مرشح توافقي للرئاسة. لكنه نادى برئيس يكون على
علاقات جيدة مع كل دول العالم بدءاً بسوريا لأنها الجار الأقرب، وأميركا لأنها دولة
عظمى.
-
الدعوة التي وجهتها إلى النواب إلى جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في 25 أيلول،
هل هي سياسية أم رسمية؟
-
لا
فرق بين الاثنتين، لأن المردود سياسي. وبحسب الأصول لا بدّ أولاً من توجيه دعوة
للانتخاب ثم توجيه دعوة تحدّد موعد الجلسة. وهذا الأمر أنجزته على مرحلتين عندما
قلت إن الجلسة ستنعقد يوم 25 أيلول، في اليوم الأول من المهلة الدستورية، ثم قلت
لاحقاً إن الجلسة تقع يوم الثلاثاء، في تمام الساعة العاشرة والنصف من نهار 25
أيلول. وهكذا أكون استكملتُ المرحلتين، وتالياً فهي دعوة رسمية. يبقى أن تتولّى
دوائر المجلس قبل مدة معقولة توجيه برقيات إلى النواب بحسب الأصول.
-
إذاً
الدعوة نهائية؟
-
طبعاً.
- هل
الدعوة مرتبطة بالنصاب أم بالانتخاب؟
-
ليس
هناك تمييز لأن لا انتخاب من دون نصاب. وهذا أمر محسوم. لا يمكن إجراء انتخابات بلا
النصاب الذي نص عليه الدستور، وهو نصاب الثلثين. ومن أجل الوصول إلى الأكثرية
المطلقة في الدورة الثانية من الاقتراع لا بد من المرور أولاً بنصاب الثلثين. أي أن
حضور النواب الـ86 في المجلس وفي القاعة حتمي وضروري قبل أن يدخلها رئيس المجلس
لافتتاح الجلسة. ولن يدخل رئيس المجلس القاعة قبل توافر هذا النصاب، منطقياً وعرفاً
وممارسةً مئة في المئة. النصاب العادي لجلسات التشريع هو 65 نائباً، ولم تنعقد مرة
جلسة اشتراعية لم يتوافر فيها نصاب الـ65 نائباً. ولم يكن يدخل رئيس المجلس القاعة
إلاّ بعد تأكّده من وجود هذا النصاب. القياس نفسه في انتخابات الرئاسة، ولكن بنصاب
الثلثين لا نصاب الأكثرية المطلقة، فيدخل رئيس المجلس ويستخدم المطرقة إيذاناً
بافتتاح الجلسة.
-
إذن
هذا الموقف يقطع الطريق على أي اجتهاد آخر في نصاب الجلسة من أي جهة أتى؟
-
لا يمكن أن يكون هناك اجتهاد مع وجود النص. حتى وإن تجاهلت ما حصل منذ عام 1943 حتى
الآن، وتجاهلت ما حصل في جلسة انتخاب الرئيس الياس سركيس عام 1976 تحت القصف في
انتظار ساعات ريثما يكتمل النصاب القانوني الذي هو الثلثان، وتجاهلت جلسة انتخاب
الشيخ بشير الجميل التي طالت أكثر من ثلاث ساعات حتى اكتمل النصاب القانوني، والذي
هو الثلثان أيضاً، وأنا كنت ممّن وقف ضد اكتمال النصاب القانوني حينذاك، وصولاً إلى
انتخابات 1988 والتي كان الرئيس حسين الحسيني هو رئيس المجلس، فلم يفتتح الجلسة
بسبب عدم اكتمال نصاب الثلثين. رغم أنه احتسب في ذلك الوقت عدد النواب الأحياء وليس
عدد نواب المجلس. لكن ظل المطلوب الثلثان. إذا كان عليَّ أن أتجاهل كل هذه الحالات
فإنني أطلب إجابة عن هذا السؤال: إذا كنّا نعتبر أن لا فرق بين الجلسة والدورة فهذا
دليل جهل بالعربية. لماذا أتى الدستور على ذكر الثلثين. يمكن أن تشهد الجلسة
الواحدة دورتي اقتراع. الدورة ليست الجلسة. الدستور استخدم التعبيرين. الجلسة
تتطلّب الثلثين ودورة الاقتراع الأولى الثلثين والدورة الثانية الأكثرية المطلقة.
يجب أن يحضر كل جلسة 86 نائباً.
-
ألا
يشكل توجيه الدعوة مأزقاً للانتخابات ولنصاب الثلثين في حال لم يحصل توافق على
الرئيس الجديد؟
-
سمّهِ تحريضاً، وسمّه إغراء ورجاء كما تشاء، كل ذلك في سياق سعي رئاسة المجلس إلى
التوافق. إذا لم يكن هناك نص دستوري بالثلثين وهو موجود، ولم يكن عرف بالثلثين وهو
موجود، وإذا لم تكن هناك ممارسة بالثلثين وهي موجودة، فيجب أن نوجد هذين الثلثين من
أجل لبنان وخصوصاً في ظل الظروف الراهنة كي نعود ونلتقي حول وحدته والسير به قدماً.
يكفينا تلهّياً.
- تطرح
لانتخابات الرئاسة شعارين هما الثلثان وهو شرط دستوري والرئيس التوافقي وهو بعد
سياسي، فإلى أي مدى تشعر بأن هذين الشرطين سيقبل بهما الطرف الآخر؟
-
هما
شرطان متلازمان. وهل يحصل التوافق للمرة الأولى؟ ألم يتوافق كميل شمعون وحميد
فرنجية عام 1952، حتى في سائر الانتخابات كان التوافق يرافق الاستحقاق الرئاسي حتى
اللحظة الأخيرة من المساومات والجهود المبذولة. وليس هذا بالأمر الجديد. وما دام
هناك كثيرون في لبنان يستهوون تقليد فرنسا، فإن نيكولا ساركوزي رئيسها الجديد، فاز
في الانتخابات بعد معركة كاسحة، وهو أتى إلى الحكم والحكومة الجديدة بأشخاص من خارج
حزبه ومن المتعاطفين مع خصومه.
بعد
هذه المعركة بدأ يلمّ شمل الفرنسيين، فلماذا لا نقدم نحن على ذلك؟ ماذا يعني انتخاب
رئيس للجمهورية بالأكثرية المطلقة سوى أنه يصبح في الإمكان انتخاب رئيس بـ33 صوتاً.
بهذا الرقم تستطيع الطائفة الإسلامية بنوابها الـ64 انتخاب رئيس ومن دون الحاجة إلى
أصوات المسيحيين. هذه طروحات مذهبية طائفية ضيّقة الأفق. المطلوب تحقيق توافق عام.
وللغيارى على المسيحيين والموارنة أريد أن أقول لهم إن رئيس الحكومة اختير بما يشبه
الإجماع إكراماً للشهيد رفيق الحريري (126 نائباً)، وكذلك رئيس المجلس أتى بتوافق
وطني. وأنا أوافق الدكتور سمير جعجع قوله إنه يقبل برئيس توافقي للجمهورية شرط
انتخاب رئيس توافقي لمجلس النواب. أنا أتيت بتوافق وطني. نلتُ في آخر انتخابات
لرئاسة المجلس 90 صوتاً التي هي خليط أصوات نواب مسلمين ومسيحيين، وليست هي أصوات
الشيعة فقط، علماً أن نواباً شيعة صوّتوا ضدي، وهي كذلك أصوات النواب السنّة
والشيعة والدروز الذين يبلغ عددهم 64 نائباً وليس 90. وهذا يعني أن انتخابي حصل
نتيجة توافق. هناك مَن اقترع لي ومَن لم يقترع لي. حزت أصوات نواب مسيحيين مقدار
عدد الأصوات التي نلتها من النواب المسلمين. النواب الشيعة في كتلة الرئيس ميشال
عون صوّتوا ضدي لأنه اتخذ قراراً بمعارضة ترشيحي، وكذلك هناك نواب في كتلة النائب
سعد الحريري أقرّوا بأنهم لم يصوّتوا لي من بينهم نائب الرئيس (فريد مكاري). متى
حصل هذا التوافق؟ على أبواب انتخابات رئاسة المجلس. قبل ذلك كان هناك موقف اميركي
وفرنسي وبريطاني ضد انتخابي رئيساً للمجلس علناً. وهذا الأمر حملني على القول إنني
لست مرشحاً لرئاسة الكونغرس الاميركي ولا لرئاسة الجمعية الوطنية الفرنسية، ومع ذلك
حصل توافق على رئاسة المجلس. فلماذا يكون التوافق على رئاسة الحكومة ورئاسة المجلس
ولا يكون على رئاسة الجمهورية؟ وأريد أن أذكّر أن نبيه بري وحركة أمل وخطها مشوا في
دائرة انتخابية صغيرة هي القضاء لم يكن في الإمكان تصوّر حصوله لأنني دائماً من
دُعاة الدائرة الانتخابية الواحدة للبنان وفق النسبية وفي أسوأ تصغير للدوائر لم
أكن لأقبل بأقل من المحافظات الخمس. ولكنني مشيتُ في القضاء لأنني وجدت أن نصف
لبنان، وتحديداً المسيحيين. لم يعد يركنون إلاّ إلى القضاء دائرة انتخابية، فليكن،
وإن خسرت عدداً من النواب. من أجل التوافق وصلت إلى القضاء، ومن أجل التوافق ليصلوا
هم إلى القدر. يجب أن يفهموا أننا في لبنان لسنا أعراقاً مختلفة، بل أديان عدة،
ليست مختلفة بعضها مع بعض. نحن عرق واحد. ليتفضّلوا ويسمّوا لي عائلة واحدة هي وقف
على طائفة أو على مذهب إلاّ ما ندر. هذا هو لبنان.
-
ما هي
مواصفات المرشح التوافقي في رأيك؟
-
أن يكون لبنانياً وآدمياً وفقط.
-
وفي
لعبة التوازن الإقليمي والدولي؟
-
أن يكون على علاقة طيّبة مع كل الدول. وسأسمح لنفسي بأن أصحّح ما ورد أخيراً في بعض
الصحف نقلاً عن لسان السيد دافيد ولش (مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق
الأدنى) بأنه قال لي إن واشنطن لا تسعى إلى وصول رئيس أميركي للبنان، وإنني أجبته
إننا لن نقبل برئيس ضد سوريا. وهذا خطأ. بل حقيقة الحوار بيننا وحرفيته أنه قال إن
بلاده لن تكرّر خطأ سنة 1988 وأن يأتي رئيس بالتفاوض مع سوريا أو أن يكون سورياً،
فأجبته بأننا نحن أيضاً لا نريد رئيساً يكون أميركياً.
وقلت
له إننا نريد رئيساً لبنانياً وتكون له علاقات جيدة مع كل دول العالم بدءاً بسوريا
وأميركا. سوريا لأنها الجار الأقرب، وأميركا لأنها دولة عظمى. ومصلحتنا كلبنان أن
تكون لنا علاقة مع كل الدول. ومن باب أولى أن نكون على علاقة جيدة مع سوريا
وأميركا.
- عام
1995 عندما حصل التمديد للرئيس الياس الهراوي، استبقته كرئيس للمجلس بمشاورات
نيابية واسعة. فهل ستكون في صدد إجراء مثل هذه المشاورات في وقت لاحق، وقبل الوصول
إلى الاستحقاق الرئاسي؟
-
آنذاك كان الموضوع محدّداً، تمديداً أو لا تمديد. ولو أصغوا إليّ لما كنا وصلنا إلى
ما وصلنا إليه، لأن التمديد في تلك السنة أدّى إلى تمديد آخر. وهذا أصبح جزءاً من
التاريخ. كان الموضوع مطروحاً بين التمديد للرئيس الياس الهراوي أو لا تمديد، وليست
هذه هي الحال الآن. ولن أقوم الآن بتحرك حول نصاب الثلثين لأن هذا الأمر محسوم لديّ
نهائياً وغير قابل للنقاش ليس لأنني أريد أن أفرض رأيي، بل لأن الدستور يفرض رأيه
علينا جميعاً. ولن أتساهل حيال هذا الأمر. قلت مرّة إنه قد تكون لديّ قابلية
لمخالفة قانون ولكن ليس لمخالفة الدستور. أتاني قبل مدة وزير العدل (شارل رزق) وقال
لي إنه طلب استشارات قانونية من الخارج في موضوع النصاب، فأجبته هل لديكم مال كثير
في وزارة العدل لإهداره. لن أقبل بأي استشارة قانونية من أي مكان في الدنيا ما دام
الدستور صريحاً وواضحاً في أمر النصاب، وكذلك العرف والممارسة. أما المشاورات حول
المرشح التوافقي فهو شأن آخر، ويمكن أن يكون هناك توافق حول مرشح واحد وحول أكثر من
مرشح. وآمل في ألاّ أضطر لإجراء مشاورات نيابية وأن نجتمع جميعاً كلبنانيين حول
مرشح أو مرشحين توافقيين معينين ونجري الانتخابات الرئاسية. أما إذا وجدت في 25
أيلول أن الوضع يحتاج إلى مشاورات، أرجئ جلسة الانتخاب إلى موعد لاحق وأبدأ تحركي
لأنه سيكون أمامي متّسع من الوقت، نحو شهرين، بين 25 أيلول و25 تشرين الثاني،
لإنجاز الاستحقاق الرئاسي. كل أوان لا يستحي من أوانه.