حديث الرئيس بري أمام وفد المجلس الوطني للإعلام


 

استقبل رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري الجمعة 23/12/2005 وفد المجلس الوطني للإعلام برئاسة رئيسه عبد الهادي محفوظ الذي استهل اللقاء منوهاً بالمبادرة الحوارية التي أطلقها الرئيس بري أخيراً وسط "سياسات التصعيد التي تعمق المأزق".

وقال: انه يمكن أن يكون "للإعلام دور في هذا الحوار لأنه لا بد من تلطيف الخطاب السياسي عموماً. فالمسؤول عن التصعيد الإعلامي هو الخطاب السياسي في ظل رؤية إعلامية للسلطة عموماً. وقد تقدمنا من مجلس الوزراء بتقرير يتضمن اقتراحات لطريقة الوصول إلى رؤية إعلامية وتحديد مسلمات نهائية بمفردات مشتركة".

وعول على مبادرة الرئيس بري سائلا ما المطلوب إعلاميا. وقال: "نحن مستعدون لكل شيء. إن البرلمان هو المكان الفعلي لإنتاج وحدة اللبنانيين وخصوصاً أننا لمسنا من لجنة الإعلام والاتصالات التي بحثت في تداعيات اغتيال المرحوم جبران تويني ان هناك إمكاناً للتوافق والتلاقي. وفعلاً، طرحت في اللجنة اقتراحات عدة.

فلماذا لا تنقل هذه المواقف وتظهر بما يتناسب والتشديد على الثوابت. فالجميع يشكون مما يقولون انه تصعيد في الإعلام مع العلم انه ليس مسؤولاً عما يحصل بمقدار ما إنها مسؤولية المجتمع السياسي".

 

الرئيس بري

 

وردّ الرئيس بري سائلاً من أين تأتي المادة الإعلامية؟

وأجاب: "لا أقول ان ليست هناك حالات تجاوز إعلامية. هذه ظروف الحياة. ولكن الإعلام في لبنان وغيره من الدول، يكون حراً أو موجهاً، وتالياً له معين يغرف منه. فالإعلام الموجه تعطيه الحكومة المادة فيقولها. وفي الإعلام الحر يأخذ تلك المادة من السياسيين. إن الأخطاء في الإعلام نسبتها ضئيلة لان الثلم الأعوج من الثور الكبير.

إن الجو السياسي في البلاد يترك مجالا لذلك. إن الإعلامي يريد أن يستفيد من خط الاستواء غير المرئي. ولكن في الجو المتوتر، يريد أن يستفيد بسبب التشوق والسبق الإعلاميين".

وأضاف: "سبق أن قلت أنا مع الحرية والإعلام ظالما أو مظلوما. ولكن هذا شيء والعودة إلى الحقيقة شيء آخر. إن الجو السياسي هو الأساس. في لبنان، لم أسمع إلى الآن من يقول انه لا يريد أن يعرف حقيقة اغتيال الرئيس الحريري وبقية الشهداء. وأقول انني صباحاً اتخذت باسمي الشخصي وباسم مجلس النواب صفة الادعاء الشخصي على قتلة الشهيد جبران تويني، وأوكلت إلى النواب المحامين إدمون نعيم وعبدالله فرحات ونقولا فتوش وعبد اللطيف الزين ملاحقة الدعوى وإجراء كل ما يلزم".

وتوجه إلى الإعلاميين الذين "يخلدون فوق الأرض وتحتها" قائلاً:

"لم أسمع أن أحدا لا يريد الحقيقة، أو أنه ضد المقاومة، إلى الآن. ولكن واقعاً، يتبين كأن هناك أناساً مع المقاومة وضد كشف الحقيقة، وأناساً آخرين مع كشف الحقيقة وضد المقاومة. إننا نقسم الشعب اللبناني بذلك. لماذا؟".

ورأى "بعد خلاصة وتفكير عميق ان هذا الشرخ سببه ان هناك أناسا باتت ترى في سوريا إسرائيل ولا أقول العكس. صار هناك خلاف حقيقي. من هنا، إذا بقينا على هذه الحال، إلام سنصل؟ لن نصل إلى موقف موحد، لا حيال معرفة الحقيقة ولا حيال المقاومة، وسيظل لبنان يرقص على حبال السياسة الكثيرة في الشرق الأوسط، ولا أحد يعرف لعبة الدول. هناك فرصة للبنان لأن يستفيد ولكن يجب التقاطها".

ووجه كلامه إلى قوى 14 آذار وقوى 8 آذار:

"في 31 آب، قلت ان الحقيقة لا تظهر إلا إذا كان الشعب متضامنا بسبب الإجراءات الواجب اتخاذها. كذلك، ان المقاومة لا تستمر إلا إذا كانت هناك وحدة وطنية".

وأضاف: "بالنسبة إلى سوريا، لم أسمع أحدا في لبنان لا يريد استقلاله وسيادته. أنا أول من تكلم على تبادل السفراء في ندوة تكريمية أقيمت في الاونيسكو مع الأستاذ غسان تويني للنائب السابق صفي الدين قبل 8 أشهر. وكنت قلت هذا الكلام قبلا في اجتماع للمجلس الأعلى اللبناني–السوري في عهد آخر حكومة للرئيس عمر كرامي بعدما طلبت الإذن بالكلام من الرئيسين إميل لحود وبشار الأسد وفوجئت بموافقة سورية وايجابية في هذا الموضوع".

 

انطلاقة الحوار

وحدد الرئيس بري أسس الحوار الذي كان دعا إليه. ووضع له ثلاث نقاط "وفي اعتقادي أن لكل الأمور حلولا من ضمن مجلس الوزراء أو مجلس النواب أو الاثنين معا. إن ما يهم اللبناني هو قانونا الانتخاب واللامركزية الإدارية. وأقول أن إخواننا في 14 آذار الذين وضعوا 20 نقطة للحوار، أرى أنها موجودة في دول أخرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا، وفي كل محل أقول أن هذه النقاط إذا تحاورنا حولها ووصلنا إلى تسوية أقول "افتح يا سمسم".

 

وعدد الرئيس بري نقاط الحوار كالآتي:

   1– الحقيقة في اغتيال الرئيس الحريري والاغتيالات الأخرى ومتفرعاتها أي لجنة التحقيق الدولية ومحكمة العدل الدولية.

وسأل: "لماذا لم تأخذ حركة "أمل" و"حزب الله" القرار بالعودة إلى مجلس الوزراء؟ عندما علقنا تمثيلنا، لم تكن لدينا نية الانفصال الكامل، حتى أن أحداً منا لم ينسحب من الجلسات. وهذا أمر يدل على نية أننا نريد أن نحاور وأن نعمل. ولكن، حتى لو عدنا كوزراء إلى الحكومة، سنختلف بعد أسبوعين. أسأل من هو أول من حكى عن المحكمة الدولية؟ انه نبيه بري. ولكنني قدمت معطى لذلك. والى الآن، ليس هناك مشروع قدم إلى مجلس الأمن في هذا الشأن. نريد أن نعرف الحقيقة، ونريد متفرعاتها، أي المحكمة الدولية ولجنة التحقيق الدولية".

 

   2– القرار الدولي رقم 1559 وما يرتبط به لجهة الحدود والأسرى ومزارع شبعا.

"النقطة الأساسية في هذا البلد هو سؤال: هل ان المقاومة ميليشيا أم مقاومة؟ نريد أن نتفق.

حتى الآن، لم أسمع أناسا قالوا أنها ليست مقاومة، لذا، أريد أن أقف إلى جانب المقاومة ما دمت لم أؤمن وقف العدوان الإسرائيلي. وفي هذا السياق، أشير إليكم أنني أبلغت إلى السفير الاميركي جيفري فيلتمان والسيد غير بيدرسن عن الطائرات الإسرائيلية التي تجوب سماء لبنان. سألتهما عن السبب. فقالا لي أنهما متفاجآن وان لا تفسير لهما.

وكذلك، لا يمكن أن نفرض على مجلس الأمن ما نريده. إن 14 آذار منذ أن كنت رئيساً لمجلس النواب حملته وعلقت العلم على الروشة". وقال: "عندما كان الرئيس كميل شمعون في لوزان أيام رئاسة الرئيس أمين الجميل، كان الاختلاف هل لبنان عربي أم هل هو ذو وجه عربي. آنذاك سأل الرئيس شمعون من باب التكتيك ماذا تعني كلمة عربي. فقلت له: يا فخامة الرئيس، أريد أن أتوجه إليك والرئيس الجميل على السواء. دعونا نقل انه ليس عربيا ولنتفق على هويته. هل هو ياباني؟ إذا، لنعلم أولادنا اليابانية. كانت هذه هي البداية إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه في الطائف. كان ذاك الحديث المفتاح".

 

   3– العلاقة مع سوريا:

هنا الحساسية. لذا، وضعت نصب عيني المعادلة الآتية: لا يحكم لبنان من سوريا، وهذا أمر غير مطلوب. وليس مطلوبا، ولا يمكن أن يحكم لبنان سوريا ولا ضدها أيضاً. فهل المطلوب أن يحكم لبنان ضد الدول العربية، لنقل السعودية آو مصر أو جيبوتي؟ طبعا لا.

هناك اتفاق التعاون والتنسيق والأخوة مع سوريا، ولقول ان هذا ليس شرطا للحوار. ولكن، كما تحدثت في 31 آب، لقول: من باب المصلحة،  لا تخطئوا  في إعادة النظر في الاتفاقات  المعقودة مع سوريا".

 

الحوار

وأوضح "إذا أردنا أن نصل  إلى الحقيقتين الأولى والثانية، فلا يمكن أن نتجاوز الحقيقة الثالثة. إذا لم تكن هناك علاقات مع سوريا، فلا يمكن التوصل إلى الحقائق الأخرى. وتالياً، انه ضرب من الجنون وضع إسرائيل في الجيب، وأنا  لا اتهم. لذا،  إن التوصل إلى وفاق لبناني حول هذه النقاط أمر غير مستحيل.  إن العلاقة  مع سوريا  تساعد في كشف الحقيقة،  والحقيقة  تساعد في تحسين العلاقة مع دمشق".

وإذ ذكر بأنه سيكون "خادماً  لهذا الحوار لا رئيساً له"، أشار إلى امكان انعقاده في  أي مكان  في لبنان، في القصر الجمهوري، في مجلس النواب، في مجلس الوزراء، عند احد أقطاب المعارضة أو الموالاة: "وللحقيقة، لم اعد  اعرف من الموالي ومن المعارض. أنا حاضر  لأكون إلى طاولة مستديرة لا رئيس لها. بمجرد أن تنعقد  الجلسة،  تكون فريقا  وأدافع عن أفكاري".

وأضاف: "أنا مع  كشف حقيقة  من قتل الرئيس الحريري، ومع المقاومة، ومع العلاقات مع سوريا". ورأى أن "لا غنى عن الحوار وهذه العناوين الثلاثة لا يستغرق التوافق عليها وقتا طويلا، ولها انعكاس ايجابي على اقتصاد البلاد ولاسيما أن لدينا فرصة دعم دولية بمؤتمر يشبه باريس–2. هناك طفرة مالية جدا جداً في الخليج العربي نتيجة ارتفاع سعر البترول، في وقت يكتوي اللبناني بالفقر والأموال تدق أبوابنا".

وفي حوار مع أعضاء المجلس سئل الرئيس بري هل يمكن الوصول إلى الحقيقة في وقت تتهم سوريا باغتيال الحريري: "لا أريد  أن أضع شروطا مسبقة. لنأخذ الأمور على الطريقة العشائرية. في هذه المرحلة، أحاول أن أكون خادماً. عندما أكون في الداخل،  يختلف موقفي. قلت واكرر: لدى لبنان حدود مع ثلاث إسرائيل وسوريا والبحر. إذا أردنا أن نضع سوريا بمقدار إسرائيل، فلنسبح كلنا".

وهل يمكن إنتاج تسوية والبلاد على شفير الهاوية، فرد: "لنقرأ بالسياسة، ألا تلاحظون أن هناك تغييرات  في المنطقة؟ كيف كان تقرير (المحقق الألماني ديتليف ميليس) والإطار العراقي قبل شهرين، وكيف باتا  منذ 10 أيام؟

الم يروا مصالح الدول كيف تتغير؟ ما الفارق  في الانتخابات العراقية بين الدورتين الأولى والثانية؟ هل جاءت مسحة الرسول عليها؟ ان الذي لا يرى هذه الأمور أما لديه مياه زرقاء  في عينيه أو سوداء. في السياسة ليس هناك  قسم يمين إنما مصلحة لبنانية".

وأشار مجددا إلى مقاطعة الوزراء الشيعة إعمال مجلس الوزراء. فقال: "ليس صحيحا أن الوزراء الشيعة يريدون تجاوز الدستور. فتسلسل الأمور يبدأ من التمييز إلى الاستئناف فالبداية لا العكس. إن المادة  65 من الدستور نصت على أن القرارات  في مجلس الوزراء تتخذ بالتوافق، وإذا تعذر ذلك فبالتصويت. أريد أن اسأل هل صار  هذا الأمر؟ إن الوزراء الشيعة  قالوا أنهم ايجابيون  بالنسبة إلى المحكمة الدولية  لأن التسوية حصلت. آما إنشاء  لجنة تحقيق  جديدة أو توسيع مهمات لجنة التحقيق الراهنة،  فأمران جديدان. إذ ذاك طلب وزير الخارجية فوزي صلوخ  فرصة حتى الخميس، وكانت جلسة مجلس الوزراء الاثنين. فلم يعط المهلة. فصدر الحكم بالتمييز مباشرة. ولكن، عندما نصل إلى الحوار،  نحكي من جديد. وفي هذا السياق، اذكر  بأنني كنت من قدم اقتراح المحكمة الدولية على الطريقة السييراليونية بعدما اتصلت بسعد الحريري ورئيس مجلس الوزراء. فتأجلت الجلسة التي كان مقرراً أن تعقد إلى موعد  لاحق".

وأضاف: "في الطائف، لم يكن احد يعرف أو يبصر أن مثل هذه الأحداث يمكن أن تحصل في لبنان. نحن نوافق على مبدأ المحكمة  الدولية ما دام ان ليس هناك نص. ولقول ان هذا الأمر الجديد فرض علينا  نتيجة "تعتيرنا"  الذي وصفته بأنه "الزلزال". ولأدلل كم ان الامور صعبة في لبنان، أشير إلى موضوع التمثيل الاغترابي في المجلس. اتهم المسلمون  بأنهم  ضد هذا الأمر على اعتبار ان المسيحيين هم الأكثرية في بلاد الاغتراب. وفي المقابل، اتهم المسيحيون  بأنهم ضد  الفاء الطائفية السياسية على اعتبار أن المسلمين هم الأكثرية في لبنان. فهل يمكن أن يقر قانون تمثيلهم في مجلس النواب بـ12 نائبا على ما اقترح النائب نعمة الله أبي نصر دون حوار أو نقاش؟".

 

وختم الرئيس بري اللقاء بتأكيده: "لا يزال  الحوار سائرا في مسألة الحكومة،  لكن التقدم  بطيء. أنا حريص على عدم تكرار هذا الموقف. فليس المهم من يربح أو يخسر،  إنما البلاد".