كلمة دولة الرئيس نبيه بّري في الأول من أيار: عيد العمال - الاونيسكو 1/5/2006


 

للعمال الذين لا تطال أحلامهم الشيخوخة، ولا يعشقون إلا الأشياء الناضجة بالحياة، ويبتدعون بحرهم ومراكبهم وأشرعتهم وشباكهم، وبذارهم ومساكبهم واغراسهم وحصادهم.

 

للعمال الذين نكتب لهم القصائد، فيكتبون لنا المدن ويعمرون لنا المنازل ويقرؤون لنا حقيقة الخبز.

 

للعمال الذين تحملوا وحشية حروبنا الصغيرة والكبيرة، وعاشوا أعوام الشك وأعوام الأخطاء وأعوام الأوهام، على 000 أمل 000 أن يستيقظوا على صوت فجر يصلي في وطن أكثر عدلاً.

 

للعمال الذين تحملوا المواقف الباردة والقلوب الباردة والضمائر الباردة، من اجل ان يكون الوطن الذي نحمله في أعماقنا دافئاً وأبوياً، ومن اجل أن لا تكون مواسم حصادنا مواسم دمارنا.

 

للعمال الذين يعيشون حياة عادية، ويستيقظون على شقاء نهارات عادية وكوابيس ليال عادية، ويأكلون أكلاً عادياً ويتنفسون هواء عادياً، ويشربون ماء عادياً وينامون نوماً عادياً، ويتوالدون توالداً عادياً ويموتون موتاً عادياً.

 

لهؤلاء العمال الذين لا يكترث احد بحياتهم أو موتهم، والذين لا يعرف احد شيئاً عن منازلهم العارية من الأثاث، منازلهم التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع مكيفات الهواء ومع المدافىء التي تتوقد جمرتها على البترول والغاز.

 

لعمال الزراعة المنتشرين في عكار والبقاع والجنوب، وأعالي جرود جبيل وكسروان والشوف والجبل وخط الساحل، الذين تخضر من أياديهم شجيرات التفاح والكرز وشتلات التبغ ومواسم القمح.

 

لعمال الميكانيك والنجارة والحدادة الذين يعيشون في حي الكرامة في عمق الضاحية، الذين سلكوا في الأزمات الصعبة الموحشة طريق الكرامة بين الجبل وبيروت والجنوب والبقاع والشمال إلى سلام لبنان.

 

لسائقي وسائط النقل العام و الخاص، الذين يحملوننا على علاتنا غلى عناوين مرتبكة.

 

لعمال كراجات السيارات المقيمين والمغتربين اللبنانيين منذ أكثر من مليون عام، المنتشرين على مساحة لبنان ومساحة أوروبا.

 

لعمال الطباعة في عالم الحبر السري، الذين يفتحون عيوننا على الصحف والكتب، والذين يفرزون الألوان ويشتغلون بنقاوة الأحرف.

 

للصيادين الذين يحرثون البحر والخياطين والحياكين الذين يصنعون ثيابنا وأكفاننا، والممرضات والممرضين الذين لا يخطئون في  فرحهم ولا في حزنهم، لا في حبهم ولا في خصومتهم.

 

لهؤلاء جميعاً الذين يقفون وجهاً لوجه مقابل جابي الكهرباء، الذي لا يملك هو نفسه ان يدفع قيمة فاتورة الماء، ومع جابي فواتير الماء الذي لا يملك ان يدفع قيمة فاتورة التلفون.

 

لهؤلاء جميعاً، الذين ليس فوقهم مظلة كاملة من الضمانات الصحية والاجتماعية وضمان الشيخوخة، ومع ذلك اختاروا ان يكونوا نصف لبنان المحروم في وطنه، ليحفظوا هذا اللبنان من اجل الذين حرموا من وطنهم وانتشروا في أصقاع الأرض، لعلهم في ذات يوم يعودون إلى القرى البنية اللون الموشحة بالأبيض والأحمر والأخضر على لون العلم الوطني.

 

لهؤلاء العمال وللاتحاد العمالي العام الذي شرفني برعاية هذا الحفل بمناسبة العيد النابض بالحياة عيد العمال، ولكل اللبنانيين الف تحية وكل عام وانتم بألف خير وبعد وبعد.

 

لا يستطيع أي مسؤول في لبنان أن يتجاهل حقيقة ألازمة الاجتماعية الاقتصادية القائمة، حتى ولو دفن رأسه في الرمل أو اختبأ بظل كل أصابعه.

 

ولا يستطيع أي مسؤول إلا الإقرار بأن الحكومات المتعاقبة لم تقم سوى بإدارة الأزمة دون أن تقدم على وضع تصور عام وآليات ما لحل ألازمة، مما أدى إلى تعميق هذه ألازمة والى زيادة وتراكم الديون، والى وقوع لبنان في شرك الاستمرار في خدمة الدين العام الذي زادت فوائده المصرفية بأضعاف عن الدين نفسه.

 

وعليه فإن أي مسؤول لا يستطيع سوى الاعتراف بأن ضغط هذه الأزمة بأبعادها الاقتصادية وكذلك الاجتماعية، قد وقعت على المواطنين الذين وقعـوا بنسبة معروفة تحت خط الفقر وتآكلت رواتب بعضهم الآخر، وكذلك بعض المبالغ الاحتياطية التي كانوا يقطعونها من لقمة عيشهم لمواجهة الأيام السوداء، كما وان السمة الظاهرة الناتجة عن هذا الواقع أصبحت: البطالة، وهذه المشكلة وقعت على السواد العام للمواطنين وخصوصاً على خريجي أربع وأربعين جامعة ومعهداً للتعليم العالي، بحيث أصبحت صناعة لبنان الأساسية تصدير الموارد البشرية التي تحمل شهادات عليا في مختلف الاختصاصات.

 

ربما يقول قائل أن الهجرة والاغتراب والانتشار اللبناني ظاهرة قديمة جديدة، فلماذا اعتبارها الآن نتيجة لواقع الأزمة وللسياسات الحكومية، نقول ذلك صحيح، فاللبناني مغامر بطبيعته وأدت أسباب عديدة إلى اتساع الهجرة، ولكن هذه الظاهرة أصبحت امتيازاً لبنانياً معاصراً يزيد عن نسبته في أي دولة في العالم، وهي ظاهرة تسحق اجيالاً بأسرها وتحولها إلى أجيال محرومة من وطنها، فيما تقع الأزمة بثقلها على المواطنين المقيمين لتحولهم إلى محرومين في أرضهم.

 

أيها الأعزاء

 

أنا لا احمل هذه الحكومة والحكومات فيما بعد الطائف مسؤولية الوقوع في ألازمة، بل أقول أن السياسات الرسمية حتى مطلع السبعينات مهدت لبنان ليكون ساحة للتقاتل وجعلته مسرحاً لحروب إسرائيل على أرضه، مما أدى إلى دمار بنيته الاقتصادية المصرفية كما التجارية والصناعية والتحتية واساساً الزراعية.

 

ثم جاءت الحكومات الحديثة العهد فلم تنظم جداول أعمالها أو ترتب أولياتها تنفيذاً لبياناتها الحكومية، ففتحت جميع الملفات دفعة واحدة ولم تستطع إنهاء أي ملف من إصلاح الإدارة إلى طي ملف المهجرين إلى تعويض أضرار حروب إسرائيل ضد بلدنا، إلى ملف الكهرباء والهاتف والماء وشبكات المواصلات وشبكات الأمان الصحية والتربوية والى أخر ذلك.

 

وها نحن أمام واقع الحال المأزوم الذي سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ان وضع دراسة توصيفية عن مشاهده، ووضع كتاباً مثالياً حول الحلول المقترحة، وتعاقبت الحكومات ولم يلتفت احد منها الى هذا الكتاب، بل ان الحكومات أهملت هذا المجلس إذا لم نقل أنها أهدرت دمه وهمشت حضوره نهائياً.

 

اذكر أمر هذا المجلس الذي انشىء بقانون، ثم وضعت له المراسيم التطبيقية، وتشكل من مختلف المؤسسات التمثيلية للرأي العام وخصوصاً العمال وأرباب العمل، بما اتاح إمكانية دراسة المشاكل والحلول المتعلقة بقـوى العمـل والإنتاج وسبل تطوير الاقتصاد اللبناني وتفعيل الأسواق – اذكر هذا المجلس – لأننا نقف أمام مؤسسة وطنية تم إعاقتها رسمياً.

 

ليس ذلك فحسب، بل ان الكثير من القوانين التي يمكن ان تسهم في تخفيف واقع ألازمة الاقتصادية والاجتماعية لم يتم وضعها موضع التطبيق ومنها :

   - نظام الضمان الصحي للمسنين اللبنانيين

   - قانون حماية المستهلك

   - قانون المعوقين

 

بالإضافة إلى قوانين كثيرة تتعلق بالإنماء المتوازن اننا من موقع رئاسة المؤسسة التشريعية نقول ان تهميش او تجاهل أي قانون يماثل جريمة إساءة استعمال القانون او التعسف في استخدامه.

 

إننا ندعو الزملاء النواب إلى مساءلة الحكومة واستجوابها حول العمل بهذه القوانين.

 

الحضور الكريم

أيها العمال

 

نعتقد أن الدور الأهم الذي قمنا بها في المرحلة الماضية كان ترسيخ السلم الأهلي ارتكازاً على شجاعة كل الأطراف في سلوك الطريق إلى طاولة الحوار، وطرح مواقفهم من كل العناوين والقضايا المستجدة بصراحة ووضوح كاملين.

 

ان هذا الأمر وفر على لبنان الكثير وابرز وللمرة الأولى اننا لسنا قاصرين، وإننا لا نحتاج ان يأخذ احد بأيدينا وان يقدم الكفالات والضمانات لالتزامنا نحن اللبنانيين تجاه بعضنا البعض بعدم السقوط في التجربة.

 

لقد تم بحث أكثر الأمور تعقيداً في تاريخ لبنان على طاولة الحوار في المجلس النيابي، ووفقنا إلى الاتفاق حول مواضيع هامة، فيما نجزم ان الاتفاق على استراتيجية دفاعية للبنان أمر سيكون موضع اتفاق تام على مستوى القرار السياسي الذي سيتطلب من الخبراء في شؤون الدفاع وضع الخطط والآليات التنفيذية له.

 

إن أزمة الحكم التي توقف عندها المتحاورون لا تعني ان كل واحد منا سيعود إلى متاريسه او أننا سنقيم خطوط تماس فيما بيننا.

 

لقد تكرس الحوار ليس كأسلوب فحسب بل كنهج حياة في لبنان.

 

اننا رغم مرارة الخطاب السياسي الذي غالباً ما يكون مصحوباً بالتوتـرات، الا أننا في لبنان نتعلم كيف ندير اتفاقاتنا وكيف ندير اختلافاتنا.

 

إن هذا الأمر يشجعني ان أقول لعمال لبنان اليوم، اننا سنتمكن من ترسيخ استقرار النظام العام في بلدنا، وان كل مسؤول سيكون مسؤولاً أمامكم، وعليه وبأسرع وقت ان يقدم لكم برنامجاً قصير الأمد لمواجهة القضايا الحياتية الضاغطة، وبرنامجاً طويل الأمد ولكنه محدد بالتواريخ من اجل حل ألازمة الاقتصادية الاجتماعية.

 

أيها الأعزاء

 

بالنظر إلى الورقة الإصلاحية فإننا بداية نسجل رفضنا منطق اعتبار هذه الورقة سلة كاملة وقبولها كما هي على علاتها، ونؤكد الإصرار على مناقشتها بنداً بنداً خصوصاً فيما يتعلق بخصخصة القطـاعات، حيـث اننا نتمسك باحتفاظ الدولة بالقطاعات الإنتاجية المربحة. 

 

إن موقفي يعبر عن انحيازي الكامل إلى جانب القاعدة العريضة من المواطنين المحرومين، الذين يشكلون قاعدة ارتكاز سياسية وانتخابية لحركة أمل وكتلة التحرير والتنمية التي امثل ولكل التيارات الشعبية. 

 

إننا نؤكد انسجامنا مع موقف الاتحاد العمالي العام في رفض زيادة الضرائب خصوصاً على العمال وأصحاب الدخل المحدود.

 

إننا ندعو إلى المزيد من البحث والتشاور قبل المضي قدماً في مشاريع التعاقد الوظيفي وتخفيض المعاش التعاقدي على أساس الراتب.

 

إننا كذلك نسجل بأسف ما يتعرض له الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي منذ فترة من حملة تشويه مركزة.

 

إننا في الوقت الذي ندعو فيه إلى زيادة الضمانات والائتمانات، نرى ان أي زعزعة غير مسؤولة لمؤسسة الضمان ستهدد الأمن الاجتماعي للبنان، وهذا أمر ليس في مصلحة احد.

 

ان أمراض هذه المؤسسة ناتجة أولاً عن عدم دفع الدولة لمستحقاتها مما يؤثر على تقديماتها.

 

إننا نؤكد على تكريس مبدأ انتخاب مجلس الإدارة، لأن ذلك أمر يحول دون حصول ما لا تحمد عقباه في تعيين مجلس الإدارة.

 

الحضور الكريم

يا عمال لبنان

      اننـا في هذه المناسبة وحرصاً على تعزيز القدرة الشرائية للمواطن، ومن اجل تفعيل الاقتصاد، فإننا ندعو  الى كسر كل احتكار عبر الغاء الوكالات الحصرية، اننا كذلك ندعو الى :

 

   1 – تقييم اثار مختلف السياسات الحكومية والخاصة الاقتصادية وغير الاقتصادية على البيئة وإيجاد أنموذج شامل لذلك.

 

   2 – ربط موضوع البيئة بالسياحة والاقتصاد

  

   3 – ربط اجراء الحكومة بأهداف الألفية للتنمية لتعزيز فرص لبنان في الحصول على مساعدات وهبات من منظمة الامم المتحدة وهيئاتها المتخصصة.

 

   4 – وضع برنامج عمل لسياسة الجوار الأوروبي.

 

   5 – وضع سياسة دعم لشتى القطاعات الزراعية.

 

   6 – تعزيز دور التنمية الريفية المناطقية في النشاط الاقتصادي.

 

   7 – تبني استراتيجية رسمية للملكية الفكرية وربطها باقتصاد المعرفة وتشجيع الاستثمار.

 

ان هذه المطالب تشكل مقدمة لمجموعة مطالب وإجراءات لا بد وان تكون مترافقة مع تنفيذ الإصلاح الإداري الحقيقي، من خلال إعطاء الاستقلالية الكاملة للهيئات الرقابية ومكافحة الفساد والرشوة وهدر المال وتحقيق شمولية الجباية للأموال العامة.

 

الحضور الكريم

يا عمال لبنان 

 

بكل صدق نقول لكم ان اتخاذ الإجراءات التصحيحية في جميع المجالات التي تؤدي إلى تمكين المواطنين وتوسيع خياراتهم والحفاظ على قوة عملهم وإنتاجهم واحترام حقوقهم المتنوعة، هي رهن بتقديم الجميع للتنازلات اللازمة للارتقاء بلبنان من مرحلة السلطة الى مرحلة الدولة.

     

إن الدولة التي تعتمد على بناء ثقة مواطنيها بأدوارها، هي تلك التي تعتمد سياسة مالية سليمة تبدأ بإصلاح النظام الضريبي وتصحيح الأجور، وحفظ القوة الشرائية واستعادتها لأملاكها البحرية، وحل مشكلة السكن وتحصين ودعم المدرسة الرسمية، وزيادة انتاجية القطاعات الزراعية والصناعية والخدماتية، وتمكين المرأة وإعطائها دورها في بناء المجتمع، والمشاركة في صنع القرار ومكافحة البطالة الظاهرة والمستقرة.

 

الحضور الكريم

يا عمال لبنان

 

ما تقدم كان مقترحات هادئة لتفعيل الدخول في حلول للازمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف ببلدنا على امتداد حدود المجتمع.

 

إننا يجب ان نكون على درجة عالية من الانتباه والاهبة الوطنية لمواجهة أي محاولة إسرائيلية للاعتداء على حدود الوطن.

 

واذكر بأن إسرائيل أعلنت حالة التأهب على حدودها منذ اقل من شهر ونصف، وحشدت القوات وجنرالاتها ينتظرون تشكيل حكومة الأقليات الحزبية من اجل إطلاق العنان لخططهم المريضة ومحاولة استهداف قوى المقاومة والممانعة اللبنانية والفلسطينية وسوريا.

 

إننا مطالبون بالاستعداد، خصوصاً وان التوتر الشديد والعنف والإرهاب يحكم كل ما حولنا ويضغط على أشقائنا من فلسطين والعراق.

 

إنكم أيها العمال الأعزاء مدعوون إذن للاستنفار والانتباه على حدود الوطن كما على حدود المجتمع.

 

فليكن اليوم الأول من أيار 2006 عيد العمال، منطلقاً لتوسيع قاعدة مقاومتنا الشعبية لعدوانية إسرائيل، ولإثبات عجز قوتها عن استهداف وطننا، وليكن هذا العيد منطلقنا لنقل لبنان من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة، وبناء الثقة بها وبأدوارها تحقيقاً لازدهار الإنسان في لبنان.

 

                                    عشتم

                                    عاشت الاتحاد العمالي العام

                                    عاش لبنـــان