بسم الله الرحمن الرحيم
كلما
ازدادت مساحات الإبداع في وطني
كلما
كثرت الأيادي الخضراء التي تغرس وتزرع البذار الطيب للفكر والثقافة وكلما تأكدت
أنني في لبنان .
وكلما
ازداد حضور الكلمة واتخذت المزيد من المواقع، هنا في نقطة المركز في العاصمة على
مرمى العين الحارسة لمجلس النواب، كلما تأكدت أن بيروت ، العاصمة بيروت ، تستعيد
صفتها كمرضع للقوانين ومدرسة للحقوق الأولى في الشرق .
الآن
وفي هذه اللحظة الثقافية لا يسعني إلا أن اعبر عن سروري الغامر بتشريفي من قبل
صديقي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز رئيس مؤسسة الفكر
العربي، وأعضاء المؤسسة رعاية هذا الحفل لافتتاح مقر المؤسسة هنا في قلب العاصمة
بيروت.
وبداية اسمحوا لي أن أتوجه بتحية الوفاء إلى الصديق الرئيس الشهيد رفيق الحريري ،
الذي غامر بإطلاق مشروعه لإعادة اعمار قلب العاصمة، وها هو الشهيد أمامكم وكأن
ساحراً قد نفض غبار الدمار وأزال كل اثر لحريق أو تشويه ، ومد يده فرمّم وعمرّ
ولوّن وأضاء المكان الذي عادت معه بيروت لتكون درة تاج الشرق وملكة جمال العواصم.
أتطلع
إلى هذا المشهد المتباهي بجماله وأناقته بألم وغصة، لأن من صمـم وهندس قيامة المكان
دفع حياته ثمناً لأحلامه ومحاولة تفسيرها، إلا أن عزاءنا يبقى وجوده القوي بيننا،
وهذا الاحتفال الذي يؤكد انتصار صرخة الدم على دموية الانفجار، وانتصار بيروت
العاصمة وبيروت الكلمة والخاطرة والقصيدة، والقصة والرواية واللوحة واللحن على كل
أبعاد تلك الجريمة النكراء.
وأعود
إلى هذا الاحتفال الذي يتوج نشاطاً مميزاً لمؤسسة الفكر العربي، عبر عنه الملتقى
العربي الثالث للتربية والتعليم تحت عنوان:
"التعليم والتنمية المستدامة في الوطن العربي" لأرحب بالشخصيات الحكومية والتربوية
المشاركة في هذا النشاط الذي ينعقد في المكان المناسب لبنان ، الذي يضـم أربعاً
وأربعين جامعة ومعهداً للتعليم العالي، الأمر الذي يجعل من بلدنا جامعة مفتوحة على
علوم العصر خصوصا" عالم الاتصالات ، ويفتح امكانية بناء علاقة في عالمنا العربي بين
التكنولوجيا والتشريع والإدارة، كما التكنولوجيا والتجارة والزراعة والصناعة ،
وصناعة التربية بصفة خاصة باعتبارها الصناعة الأكبر والاهم في عالمنا المعاصر ، ومن
جهتي لا أخاف فأزيد وأقول: بناء علاقة بين التكنولوجيا والدفاع عن سيادتنا.
أقول
ذلك، لأن امتلاك واستخدام التكنولوجيا والمعرفة للأغراض الحربية الهجومية أمر
تمارسه إسرائيل، وهي باتت تتميز بمعاهد التكنولوجيا المتطورة والصناعات الحربية
المتنوعة، وصولاً إلى إنتاج الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.
لقد
كنت في طهران قبل عشرة أيام للمشاركة في مؤتمر حول القدس ودعم الشعب الفلسطيني
الشقيق، وأعيد عليكم جوابي لوسائل الإعلام حين سألت عن استكمال الجمهورية الإسلامية
الإيرانية دورة كاملة لتخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية لقد قلت وبصراحة: إنني
اطمح أن تملك الدول العربية والإسلامية أكثر من ذلك، أي التكنولوجيا للأغراض
الدفاعية، واليوم وفي هذه المناسبة نجدد رفضنا الكيل بمكيالين في صناعة السياسة
الدولية واعتبار إسرائيل فوق القانون الدولي وخارج الرقابة على إنتاج الأسلحة
النووية، ونؤكد على المواقف الصادرة عن القمة العربية ومختلف مؤسسات جامعة الدول
العربية ، وعن مختلف مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي بالدعوة إلى جعل منطقة الشرق
الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية.
صاحب
السمو
الحضور الكريم
منذ
أن قررتم بإرادة صلبة إطلاق هذه المؤسسة، وكان المشروع لازال فكرة وحلماً ، التقينا
وأكدت دعمي لوجود مبادرة تضامنية بين الفكر والمال تعبر عنها مؤسسة دولية أهلية
عربية، ووصلت في التعبير عن دعمي لهذه الفكرة إلى حد القول "أن دعم هذه المؤسسة عمل
يرقى إلى مستوى العبادة "ومنذ ذلك اليوم لم أتأخر عن الاستجابة لكل دعوة تخص هذه
المؤسسة، وشاركت في كل مرة مكنتني الظروف في اغلب مؤتمراتها الأساسية، انطلاقاً من
أن أهداف مؤسستكم كانت ولا تزال تنمية الاعتزاز بثوابت الأمة ومبادئها وقيمها
الأخلاقية وهويتها، وترسيخ الأفكار والفعاليات التي تعمل على نبذ دواعي الفرقة ،
وتحقيق تضامن الأمة وتوجيه جهودها لتصب في المصلحة العربية العليا.
الآن
وفي هذه اللحظة الثقافية ولا أقول اللحظة السياسية، لأنني أصبحت متأكداً مما كنت
اذهب إليه، عندما أكدت في غير مناسبة أن استقرار النظام الثقافي في أي مجتمع وفي كل
مجتمع هو أساس استقرار النظام العام السياسي كما النظام العام الاقتصادي، لذلك –
وفي هذه اللحظة الثقافية – أسارع إلى الاستثمار على هذه المناسبة لأدعو مؤسستكم إلى
قيادة تحرك ثقافي طليعي على مساحة الأمم، يهدف إلى:
1-
تعزيز ثقافة المقاومة والممانعة ، لأننا إزاء:
أ – مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يموه نياته بالديموقراطية والحكم
الرشيد بينما يهدف إلى السيطرة على مواردنا البشرية والطبيعية كما هو ثابت في تجربة
أفغانستان والعراق.
ب – إسرائيل التي تواصل حربها العدوانية على الشعب الفلسطيني الشقيق وتواصل
حربها الاستيطانية ومصادرتها للأراضي وصولاً إلى وضع الشعب الفلسطيني أمام الحرمان
من حق الحياة أو نكبة جديدة أو الانتحار.
إن إسرائيل تواصل احتلال الجولان العربي السوري ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا
اللبنـانية وتحاول أن تعمم الإرهاب والفوضى عبر حدودنا.
إننا
نرى أن هذه المؤسسة –مؤسسة الفكر العربي– تستطيع أن تلعب دوراً طليعياً في تعزيز
ثقافة المقاومة والممانعة، وفي تشكيل خط دفاع ثقافي بمواجهة مشاريع التطبيع ، وفي
نشر وعي حول مساندة أماني الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة وتقرير المصير وإقامة
الدولة الفلسطينية.
2-
تعـزيز المشاركة، مشاركة كل مواطن عربي، النساء كما الرجال، في كل ما ينتج الحياة
السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأساساً الثقافية على مساحة الأمة.
إن
ثقافة المشاركة يجب أن تتأسس ليس ارتكازاً على إزالة عامل الخوف والكبت فحسب بل
على:
1-
تعزيز ثقافة الحوار والاعتراف بالآخر.
2-
التربية على الديموقراطية كما التربية على الشورى .
أقول
ذلك، لأننا في لبنان وقبل أن نقدم على الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني حول العناوين
والقضايا الخلافية التي استجدت بعد الطائف، كنا نعتقد أننا قاصرون عن المبادرة،
وإننا لم نبلغ سن الرشد لنأخذ بيد بعضنا البعض إلى مكان هادىء وندير حواراً حول أية
قضية، وكنا نعتقد أننا نحتاج إلى من يكون حكماً وحكيماً من اجل أن يقرب وجهات النظر
بين القوى السياسية والبرلمانية التي تحكم شارعنا السياسي .
إننا
ونحن نؤسس لهذه التجربة الجديدة عشنا خوفاً حقيقياً من الإقدام على هذه المغامرة
ومن النتائج المتوقعة، في كل مرة وبين الموعد والموعد إلى الحوار كان بعض
المتحاورين يعودون ليتوزعوا على محاور التوتر السياسي، ولكن المسؤولية كانت وستبقى
تدفع الجميع إلى اللقاء، لذلك اعبر عن تفاؤلي باللقاء مجدداً بعد ثلاثة أيام رغم ان
المتحاورين سيحملون دائماً أرواحهم على اكفهم من اجل لبنان.
أقول
أن أطراف الحوار الوطني في لبنان يكتبون سوياً تجربة تصلح أنموذجاً للعلاقة بين كل
أطياف مجتمعاتنا ودولنا، وهي أول ما تصلح للعراق الشقيق الذي أرادوا له أن يقع في
اللبننة نسبة إلى الحوار الوطني المستمر اليوم في لبنان.
إن
الحوار يعني بكل صوره وأشكاله نبذ التوتر والعنف، ويفتح الباب للحوار وللتفكير بصوت
مرتفع وللتفكير المشترك، وأنا أقول هذا الحوار والتفكير ليس مقدراً له بالضرورة
التوصل إلى قواسم مشتركة أو إلى تفاهمات أو إلى اتفاقات، بل ربما يؤدي إلى تكريس
الاختلاف، ولكنه يفتح الباب أمام أطراف كل حوار لإدارة الاتفاقات والاختلافات
بطريقة ديموقراطية، والأصح إذا أردنا تعبيراً عربياً أن نقول بطريقة أخلاقية خارج
إرادة التسلط والقمع والفوضى والتهميش.
في
موضوع التربية على الديموقراطية فقد اطلعت على أهداف الملتقى العربي الثالث للتربية
والتعليم وعلى محاوره الأساسية والفرعية ، وكم كنت أتمنى أن يتضمن محوراً أساسياً
عن التربية على الديموقراطية ، لأن هذا المحور يمهد ويشكل أساساً ضرورياً لفتح
الباب أمام بناء مفاهيم التنمية المستدامة، وكذلك لفتح الباب أمام التربية
المستدامة سواء التربية للمواطنة، أو التربية البيئية والصحية والسكانية والتقنية
والإبداعية والتعاونية وصولاً إلى الاقتصاد الرقمي.
إنني
أدعو إلى تأسيس كل شيء ارتكازاً كما أشرت إلى التربية على الديموقراطية وتعزيز
ثقافة الحوار، لأن مثل هذا الأمر لو كان معمولاً به على مساحة الوطن العربي، ولو
أننا بدأنا العمل به الآن قبل أي وقت آخر ، لكنا وفرنا ولازال أمامنا فرصة لتوفير
الكثير من دماء العراقيين وغداً لتوفير الدماء التي ستترتب على استراتيجية تحالف
الراغبين، الذي يعتمد سياسة فرق تسد، وما يوصف بالفوضى البناءة العابرة للحدود
وللقوميات.
صاحب
السمو
الحضور الكريم
يبشر
هذا الاحتفال بأن لبنان تمكن من عبور حقول ألغام الفتن الكثيرة التي زرعت بين
طوائفه ومذاهبه وأطيافه وجهاته وفئاته، ويؤكد اللقاء على خبز وملح الكلمة أن لبنان
يستعيد موقعه كملتقى للحضارات ونافذة للشرق على الغرب، ويستعيد مهمته في الطباعة
والنشر وكحديقة للحرية، وهو الآن مرشح بفضل مؤسستكم لأن يصبح مكتبة سمعية بصرية
لتاريخ العرب وحاضرهم، ولمستقبلهم الذي نؤمن انه سيكون زاهراً وانه سيشهد ازدهاراً
للإنسان رغم إرادة أصحاب مشروع حرب السيطرة الذين يريدون لامتنا أن تتخبط في التخلف
.
إن
هذا الاحتفال هو إعلان عربي صريح بأن مساحة المقاومة للتصحر الفكري وللتطبيع مع
أعداء الأمة قد زادت.
إننا
نعتبر أن مؤسسة الفكر العربي تمثل في أهدافها مشروعاً يهدف إلى الإسهام بفاعلية في
عملية إصلاح النظام العربي انطلاقاً من التأسيس لمفاهيم موحدة وموحدة.
إننا
وانطلاقاً من أن هذه المؤسسة هي في واقع الأمر مؤسسة أهلية عربية دولية، ندعوها إلى
بناء علاقة مؤسسية مع اتحاد الكتاب العرب والمؤسسات الأهلية اللبنانية وفي الطليعة
اتحاد الكتاب اللبنانيين واتحاد النقابات الفنية، وجمعية ونقابة الفنانين
التشكيليين ونقابة الناشرين ونقابة شعراء الزجل والحركة الثقافية في لبنان وفي
انطلياس والرابطة الثقافية في الشمال، لأن هذه المؤسسات الأهلية اللبنانية تتمتع
بخبرات ومـزايا إبداعية كثيرة وهامة، والدليل على ذلك اختلافها مع وزارة الثقافة.
إن
مؤسستكم يمكن أن تشكل حضناً عربياً دافئاً لمؤسسات الفكر والإبداع في مختلف الأقطار
العربية.
مجدداً باسمي وباسم مجلس النواب اللبناني أجدد ترحيبي بمؤسسة الفكر العربي في لبنان
وفي بيروت تحديداً، مع التذكير بترحيب دولة الرئيس الحريري بفكرة طرحتها عليه ذات
يوم يوم كثر الحديث عن "القريعة" ومشروع للتوطين فيها، وقد اقترحت عليه وهب هذه
الغرض لمؤسسة الفكر العربي لتقيم عليها مدينة للثقافة، ويومها لم يتردد الرئيس
الحريري بالإعجاب بالفكرة.
عود
إلى بدء،
إلى
افتتاح هذا المقر لمؤسسة الفكر العربي هنا في قلب بيروت لأجدد القول، الآن يزداد
إيماني بأنني في لبنان.
عشتم
عاشت مؤسسة الفكر العربي
عاش لبنـــان