كلمة الرئيس بري في مؤتمر القدس في طهران لدعم الشعب الفلسطيني


 

بداية أتقدم بالشكر الجزيل لمجلس الشورى الإسلامي ورئيسه الأخ غلام علي حداد عادل على دعوتهم الى انعقاد الدورة الثالثة للمؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية في طهران.

واشكر بصفة خاصة القائمين على تولي مسؤولية إبراز القضية الفلسطينية كعنوان أساس في استراتيجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الهادفة الى لدعم الشعب الفلسطيني لتحقيق أمانيه الوطنية في تحرير أرضه وعودة اللاجئين من أبنائه، وتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .

وأود بداية ان انوه بالمتابعة الحثيثة والدقيقة والاهتمام الكبير الذي توليه سكرتارية المؤتمر، وكذلك ان انوه واشكر حسن الاستقبال والوفادة والضيافة والتنظيم.

 

       دولة الرئيس

       الحضور الكريم

 

في مؤسسة جبل عامل المهنية، المدرسة الاستثنائية التي كانت أول بذار طيب ألقاه سماحة الإمام المغيب السيد موسى الصدر في ارض الجنوب ارض جبل عامل الطيبة – في تلك المؤسسة – تعلمنا درس فلسطين.

علمنا الإمام الصدر ان قضية فلسطين هي قضية شعب شرد من ترضه قبل ان تكون قضية ارض.

علمنا الإمام الصدر ان مقاومة الشعب الفلسطيني وانتفاضاته هي فعل مقدس.

وعلمنا الأمام الصدر ان إسرائيل شر مطلق وان التعامل معها حرام.

وعلمنا الأمام الصدر ان شرف القدس يأبى ان يتحرر إلا على أيدي المؤمنين.

وعلمنا الإمام الصدر درس المقاومة الأول

وقال " إذا التقيتم العدو الاسرائيلي فقاتلوه بأسنانكم وأظافركم وسلاحكم مهما كان وضيعا".

 

استلهم الإمام الصدر الآن لأني أراه حاضرا" في عناوين المؤتمر، تراه حـاضرا" في المقاومة وفي الانتفاضة وفي القدس والأقصى الشريف، وإتطلع في هذه اللحظة السياسية الضاغطة على الأمة الإسلامية وعلى الشعـب الفلسطيني، لأنـه كان أول من طرح فكرة " مجتمع المقاومة "، فهو اعـاده الله وان اتخـذ الخطوات السريعة لتشكيل أفواج المقاومة اللبنانية ( أمل ) قبــل نضــوج مشروعـها فقد دفعه الى ذلك أمران:

 الاول: انفجار لغم أثناء التدريب أدى الى استشهاد طليعة مقاومة، شكل صراخ دمها مناسبة لإعلان ولادة أمل، الثاني لتكون العين الساهرة على خط التـاريخ والجغرافية مع فلسطين، ولدرء أي عدوان إسرائيلي ضد لبنان.

لقد ركز سماحته على فكرة ومشروع " مجتمع مقاومة "، لأنه استشعر عن بعد أفاق حرب السيطرة التي تخطط ضد امتنا بعنوان مشروع الشرق التوسط الكبير آو الموسع، والذي يحمل شهادة منشأ إسرائيلية، والذي تشكل إسرائيل قاعدة ارتكازه الأساس.

لذلك أيها الأعزاء لا يمكننا إلا ان نصدق بأن تغييب الإمام الصدر قد تم في سياق مؤامرة تستهدف قضية المسلمين الاولى، وقضية العرب الاولى، وقضية الأحرار الاولى على مساحة العالم، قضية فلسطين.

إننا أمام المؤتمر وفي هذا اليوم الذي جعلته الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوما" فلسطينيا" بامتياز، ندعو الى العمل من اجل كشف مصير هذا المفكر والعالم والقائد ورمز المقاومة الأمام الصدر ورفيقيه .

 

       الحضور الكريم

 

تعودت ان ادخل البيوت من أبوابها، لذلك لا بد من ان ادخل الى المشهد الفلسطيني عبر باب الجنوب.

ففي مثل هذه الأيام من العام 1996 كان كل شيء يتجه نحو الكارثة وكذلك نحو البطولة.

في مثل هذه الأيام كانت إسرائيل تمهد لإحدى جرائم الحرب التي مثلت إرهاب الدولة في إسرائيل.

في 8/4/1996 لم تمر عطلة عيد الفصح المجيد على المناطق الجنوبية من لبنان دون ان تريق إسرائيل دماء المواطنين اللبنانيين، فقد استشهد الشاب مازن فرحات ( ستة عشر عاما" ) وجرح شقيقه ( ثماني سنوات) وطفلان من أبناء الجيران بعد انفجار عبوات ناسفة زرعت في خراج حقلهم في بلدة برعشيت الجنوبية.

مع ساعات الفجر الاولى اليوم الحادي عشر من نيسان 1996 بدأت إسرائيل عدوانا" جديدا" على لبنان.

صبيحة اليوم التالي ارتكبت المدفعية الاسرائيلية مجزرة في بلدة سحمر.

وفي يوم 13/4 توسع العدوان الاسرائيلي ليشمل 45 مدينة وبلدة وقرية، وارتكبت الطائرات الاسرائيلية جريمة جديدة عبر غارة استهدفت سيارة إسعاف تحمل إشارات الدفاع المدني وكشافة الرسالة الإسلامية مما اصفر عن استشهاد سيدة وأطفالها الثلاثة وطفلتين أخريين.

في أيام 14 و 15 و 16 و 17 نيسان استهدفت الغارات الجوية والقصف المدفعي الاسرائيلي عشرات النقاط السكنية وأسفرت عن عشرة شهداء وعشرات الجرحى ومئات الوحدات السكنية المدمرة والمتضررة.

يوم 18 نيسان 1996 كان عرس قانا.

استنادا" الى الناطق العسكري الاسرائيلي فقد استخدم الجيش الاسرائيلي نظاما" معلوماتيا" جديدا" لتوجيه مدفعيته.

افتتح الجيش الاسرائيلي هذا اليوم الدموي بطائرة جوية على منزل في مدينة النبطية الفوقا والحصيلة كانت استشهاد أم وأطفالها السبعة.

عند الساعة الثانية عشرة والدقيقة العاشرة كان موعد قانا مع المذبحة.

سبع عشرة قذيفة مدفعية منثارية من عيار 155 ملم استهدفت موقعا" للامم المتحدة.

تحت علم الأمم المتحدة اشتعلت النار والشظايا في أجساد ثلاثة وثلاثين طفلا" وسبعين شيخا" وامرأة ورجلا".

 

       عرس الدم في قانا كان مدخلا" الى التحرير في أيار 2000.

 

       أيها الأعزاء

 

دعـونا نعبر خط تماس التاريخ والجغرافيا من الجنوب الى فلسطين.

ان اجتماعنا ينعقد وكأنه تلبية لنداء أطلقه علماء المسلمين في فلسطين المحتلة قبل ثلاثة أسابيع، وأشاروا فيه الى ان هناك خطرا" جديدا" محدقا" بالمسجد الأقصى، يتمثل بالتهديدات اليومية لاقتحامه من قبل مجموعات صهيونية متطرفة، تبدل أسماءها ولها بالنتيجة اسم واحد هو: حكومة إسرائيل التي تمثل أعلى درجات إرهاب الدولة.

وتجتمع الآن في أعقاب الانتخابات الاسرائيلية التي كانت فرصة للمزايدة بالشعارات الصهيونية بين أطرافها، والتي انكشفت خلالها الكثير من المشاريع المتعلقة بترسيم حدود إسرائيل من طرف واحد، والتي لا تخفي النية حول "ترانسفير" لعرب فلسطين المقيمين في لراضي 1948، بما يعني استكمال مشهد تحويل الشعب الفلسطيني الى شعب لاجئين.

ونجتمع الآن وجدار الفصل العنصري يستكمل فصوله عبر المناطق الفلسطينية، فيما يتواصل الاستيطان الاسرائيلي وتعزيز الوحدات الاستيطانية في إطار الخطة الرسمية الاسرائيلية الهادفة لإنشاء أربعة أطواق استيطانية حول القدس.

ونجتمع الآن في الوقت الذي تدور فيه معركة قانونية حامية الوطيس بين المسلمين ومركز " فيزنتال " حول "مقبرة مأمن" الله في القدس حيث سيتسبب إقامة متحف باسم يهودي ضد النازية فوق عظام الموتى المسلمين بضرر بالغ.

ربما لم ينتبه احد الى هذا الفصل الأخير، لذلك اقرأ لكم بعض سطوره:

 

عام 1945 قام مجهولون بنبش القبور في" مقبرة مأمن" الله والتي تضم بعضها بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واخرجوا أجداث الموتى وانتزعوا أسنانهم وبعد أيام ضبط يهودي يقوم بهذا العمل.

الآن مركز شمعون فيزنتال ينوي بناء ما سمي متحف التسامح في الموقع بميزانية قدرها مئتا مليون دولار.

إذاً اجتماعنا يعيد ترتيب صفوفنا بمواجهة مشروع صهيوني متكامل يريد استكمال ترحيل عرب فلسطين، يريد إزالة كل المعالم المتصلة بالتاريخ العربي الإسلامي والمسيحي للمنطقة، وبالنتيجة يريد التوصل الى فرض مشروع جديد للتوطين هو نفس المشروع الذي تبناه مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة الاميركية.

المشروع الفلسطيني للترانسفير والتوطين لا تختلف صورته بين العمل والليكود عنها لدى حزب كديما الجديد، فالاحزاب الاسرائيلية هي اوجه لعملة إسرائيل ولممارستها التشريد والقتل والاستيطان والتوطين.

الجديد في مشهد الصورة هو الانتخابات الفلسطينية.

لكن الغريب هو ان قرار الناخب الاسرائيلي مقدس وملزم للمجتمع الدولي، بينمـا قـرار الناخب الفلسطيني قاصر ومراهق ثوري وغير مقبول.

ان بعض الدول تمارس عقوبات على الشعب الفلسطيني نتيجة خياراته الديموقراطية.

ان العالم لا يريد ان ينتبه الى حجم الكارثة الجديدة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني بفعل استهداف حقه في الحياة، عن طريق استهداف موارده البشرية والطبيعية وقوة عمله وإنتاجه وصولا" الى منع عبور المواد الغذائية والطبية. ان سلطة القرار الدولي المتمثلة بالدول الصناعية الثمانية الكبار وعلى رأسهم الولايات المتحدة الاميركية لا تريد فوق ذلك كله الانتباه الى حصاد الدم الذي يقوم به الجيش الاسرائيلي منذ ثلاث سنوات، حيث استهشد اكثر من أربعة ألاف فلسطيني واعتقل ما يزيد عن عشرة، ألاف ، ودمرت ألاف الوحدات السكنية وتغيرت الملامح المعمارية لمناطق بأسرها، وجرفت آلاف الدونمات الزراعية، واقتلعت مئات ألاف الأشجار المثمرة.

ان هذا الضغط الوحشي على الشعب الفلسطيني يستمر مستخدما" أعلى درجات إرهاب الدولة الذي تمثله إسرائيل، من اجل دفعه للاعتراف بأن أمانيهم الوطنية مستحيلة التحقيق، وخصوصا" حقه في العودة وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

المطلـوب من الفلسطينيين الاعتراف بأن ثورتهم لم تعد حتى النصر، وبأن انتفاضتهم كانت مغامرة.

والمطلوب من الفلسطينيين باختصار: إلقاء السلاح.

هذا المطلب هو عابر الحدود، حيث تحاول سلطة القرار الدولي تعميمه على سلاح المقاومة في لبنان، وستحاول غدا" تعميمه على سلاح الممانعة على سوريا.

وسيكـون علينا بعد ذلك التنازل عن كل الشعارات ونسيان فلسطين.

 

      الحضور الكريم

 

ابدأ من القدس لأدعو الى تعزيز الوجود العربي الإسلامي والمسيحي، وتعزيز هذا الوجود ينطلق من دعم مؤسسات الشعب الفلسطيني العامة والخاصة التربوية والصحية والاجتماعية، وبناء جامعة إسلامية ودعم الأعمال التجارية والحرفية وتعزيز فرص العمل.

ابدأ من القدس لاذعو الى تحرك على مساحة العالم من اجل ضمان حماية دولية للاماكن المقدسة في فلسطين، من كنيسة البشارة في الناصرة الى كنيسة القيامة، ومن مسجد سيدنا إبراهيم عليه السلام في الخليل الى المسجد الأقصى الشريف.

ان الضمانة الدولية المطلوبة يجب ان تشمل حرية الوصول الى آماكن العبادة.

إنني بالنسبة الى ألاماكن المقدسة اذكر ان استهداف إسرائيل لمقدسات المسلمين كما المسيحيين بدأ تنظيم أول عرض عسكري إسرائيلي في القدس في 15 أيار 1968، ثم بإحراق المسجد الأقصى في 11/8/1969، وإحراق 4 مراكز مسيحية في القدس في اليوم التالي، والاعتداء على دير الأقباط ورهبانه في 25/12/1970، وتحطيم قناديل الزيت والشموع الموضوعة فوق القبر المقدس عند مدخل كنيسة القيامة.

ان الانتهاكات والاعتداءات التي تعرضت لها ألاماكن المقدسة من قبل الإسرائيليين لا تعد ولا تحصى، وهي لن تتوقف إذا لم تقرر دول القرار التوقف عن معاملة إسرائيل كإستنثاء لا تطبق عليه القرارات الدولية.

ان بقاء اسرائيل فوق القانون الدولي وبقاء اسرائيل محمية بالفيتو الاميركي على تنفيذها للقرارات الدولية حتى تلك المتصلة منها باتفاقية جنيف الرابعة، وصولا" الى الرقابة على منشآتها النووية، كل ذلك سيجعل اسرائيل تمضي قدما" في تعريض ألاماكن المقدسة للخطر، خصوصا" وان النوايا الاسرائيلية تجاه المسجد الأقصى معروفة ومعلنة.

 

       الحضور الكريم

 

من المؤكد ان وحدة الشعب الفلسطيني تبقى هي السلاح الأقوى بمواجهة الاحتلال والعدوان.

أنني من لبنان الذي احتضن وسيواصل احتضان قضية أشقائنا في فلسطين، ومن موقـع أفواج المقاومة اللبنانية ( أمل ) وبإسم الإمام الصدر، وبإسم الشهيد محمد سعد والاستشهاد يين بلال فحص وحسن ومحمد قصير أدعو الإخوة من كافة الفصائل الفلسطينية الى التمسك بخيار المقاومة والى الاتجاه ليس للصراع على السلطة، بل لبناء مجتمع المقاومة، الذي سيجد فيه كل واحد منكم نفسه ممثلا" في مواقع الجهاد المتنوعة في المجلس الوطني كما التشريعي كما الحكومة والإدارة وفي الأساس في موقع الثورة قبل موقع السلطة.

 

       الحضور الكريم

 

ان القضية الفلسطينية الآن تواجه أحزاب أقليات إسرائيلية ستقع دون شك في حال من المزايدة والتطرف، لتصل الى نوع من التفاهمات والتنسيق في إطار حكومة على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه.

إني احذر من ان استعادة وحدة الشارع السياسي الاسرائيلي وإعادة تأسيس المستوى السياسي وسلطة القرار الاسرائيلية، ستتم عن طريق توجيه الأنظار خارج التنافس الاسرائيلي، عن طريق نقل المشكلة سواء عبر الحدود للاعتداء على لبنان وتهديد سوريا، أو نحو المزيد من الاعتداءات على المناطق الفلسطينية وعبر استهداف شخصيات معنوية على طريقة اختطاف المناضل احمد سعدات .

إني في هذا المجال اوجه عنايتكم الى ان اسرائيل أعلنت حالة تأهب لقواتها على امتداد الحدود مع لبنان وفي مزارع شبعا المحتلة اعتبارا" من 19/3/2006.

ان هذا الأمر ترافق مع تصعيد الانتهاكات الاسرائيلية لحرمة الأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية.

إنني أنبه من ان اسرائيل ستحاول الانتقام من لبنان الذي دحرت مقاومته جيشها وأجبرته على الانسحاب من معظم أرضنا.

 

       الحضور الكريم

 

أخيراً " أجدد شكري للجمهورية الإسلامية ولمجلس الشورى الإسلامي ولفريق العمل، الذي أنتج أعمال هذا المؤتمر الذي يعيد التأكيد ان فلسطين أولاً " يجب ان تبقى شعار كل المسلمين وكل الأحرار في العالم، لأنه وعلى ارض فلسطين الطاهرة يتقرر ما إذا كان العالم سيقدم المبادىء على المصالح آو العكس، علما" انه في مرحلة سابقة مماثلة انتصر في حطين الحق على القوة، المبادىء على المصالح، وتم تحرير القدس، وهو الأمر الذي سيتحقق بأيدي المؤمنين.

 

                                      والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته