كلمة دولة الرئيس نبيه بّري رئيس الاتحاد البرلماني العربي في الجلسة الافتتاحية للدورة 46 لمجلس الاتحاد البرلماني العربي

 - الجزائر العاصمة 11 تموز 2005 -


 

بداية، باسمي وباسم الاتحاد البرلماني العربي أقدّم الشكر الجزيل للجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية بشخص فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجمهورية، على رعايته السامية لأعمال الدورة السادسة والأربعين لمجلس الاتحاد المنعقدة الآن في الجزائر، وكذلك بالشكر الخالص للمجلس الشعبي الوطني الجزائري ولمجلس الأمة رئيساً ونواباً على استضافة أعمال هذه الدورة، وعلى حسن الاستقبال والوفادة والضيافة والتنظيم، سائلاً الله عزّ وجلّ أن يكلّل اجتماعنا بالنجاح.

 

الحضور الكريم،

 

تستحق الجزائر بلد المليون شهيد، وعنوان فخرنا وعزتنا في مرحلة الكفاح الوطني للخلاص من نير الاستعمار والاحتلال والتسلط والانتداب والظلم، أن تكون نقطة المركز الجاذبة لعناصر الحياة المستمرة في صيغ العمل العربي المشترك والتضامن العربي.

 

لذلك، فإنه وعن سابق إصرار وتصميم، تبرز الجزائر كعاصمة للنشاط البرلماني العربي، بعد أن برزت كعاصمة لسلطة القرار العربي عبر انعقاد القمة العربية الأخيرة، وهو أمر يدل على مسؤولية كبيرة بمواجهة الوقائع الضاغطة على أمتنا وكل أقطارنا من المحيط إلى الخليج، بل في واقع الأمر على أمتنا الإسلامية من حدود الصين إلى المغرب العربي وغرب أفريقيا.

 

فخامة الرئيس،

الزملاء الأعزاء،

الحضور الكريم،

 

قبل أن أتطرق إلى الموضوعات والتحديات السياسية الضاغطة على أمتنا ومنطقتنا، سأعرض بداية لشؤون برلمانية تهم إتحادنا، واسمحوا لي أولاً أن أسجل باسم رئاسة الاتحاد وأمانته العامة الاعتذار عن تأخر انعقاد هذا الاجتماع النظامي لمجلس الاتحاد، إلاّ أن سبب التأخير كان إصرار عدد من الشُعب البرلمانية العربية على انتظار نتائج القمة العربية من جهة، ومن جهة ثانية الزلزال الذي ضرب بلدكم الثاني لبنان عبر عملية اغتيال دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقبل ذلك وضع لبنان على منظار التصويب عبر القـرار 1559، الذي سبق لي وأرسلت لكم ملاحظاتنا عليه للإطلاع، وكذلك للتضامن مع لبنان بمواجهة المساعي المبذولة لتجريده من عناصر ممانعته ومقاومته بدل أن يكون التركيز الدولي على نزع سلاح العدوان والإرهاب الذي تمثله إسرائيل.

 

الآن نلتقي في هذه الدورة البرلمانية وأمامنا الكثير من المهام.

 

بداية اسمحوا لي أن أسجل بترحيب وشكر قرار القمة العربية إنشاء البرلمان العربي وفق الصيغة التي كان قد توصّل إليها اجتماع الأمانة العامة للاتحاد والأمانة العامة لجامعة الدول العربية والتي سبق وأقرّها اجتماع اللجنتين السياسية والقانونية للاتحاد الذي انعقد في بيروت.

 

في هذا المجال اسمحوا لي أن اخص بالشكر فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على دوره في تبني هذا المشروع، وكذلك دعم الملوك والرؤساء العرب، وأيضاً الاهتمام البالغ الذي أبداه القادة البرلمانيون العرب وفي الطليعة الزميل الدكتور أحمد فتحي سرور.

 

وكما شاهدتم بالأمس، إن مكاتب هندسية لبنانية أنجزت الخرائط والمخططات والدراسات المتعلقة بمبنى البرلمان العربي الذي كان سيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد قد قدّم الأرض لتشييده في العاصمة السورية دمشق.

 

وأود هنا باسمكم أن أقدّم الشكر إلى المهندس اللبناني هشام ناصر الذي أشرف على هذه الأعمال الهندسية والذي يرافق الوفد اللبناني إلى أعمال هذه الدورة.

 

الحضور الكريم،

 

في الشأن البرلماني، أود أن أتمنى على اجتماعنا الموافقة على تعديل النظام الداخلي ليسمح بإنشاء لجنتين دائمتين جديدتين للإتحاد :

الأولى لشؤون المعاقين والقصد منها تشجيع إصدار التشريعات في الأقطار العربية، التي من شأنها أن تسمح بتحول الإعاقة من حالة إلى حركة ومن إعاقة إلى طاقة. واللجنة البرلمانية الثانية لمكافحة الفساد.

 

إنني أقدم كل الدعم لإنشاء مثل هذه اللجنة خصوصاً وان جهات دولية تنشط في الإطار البرلماني تحت نفس العنوان، بحيث يبرز الجهد وكأن هناك نواباً مناهضين للفساد وهناك نواب غير مبالين، فيما الواقع إننا كمؤسسة تشريعية معنيون بإصدار التشريعات الكفيلة بمعاقبة الفساد والهدر وكل أنواع إساءة  استعمال السلطة أو التعسف في استعمالها، وكذلك دعم المؤسسة القضائية العربية واستقلاليتها في مكافحة كل أنواع الفساد والهدر والإرتكابات المضرة بالصالح العام وبالمال العام.

 

من جهة ثانية وعلى نفس القدر من الأهمية فإننا جميعاً معنيون بما أنجزته كل من :

 

1.  الهيئة البرلمانية للسوق العربية المشتركة.

2.  الهيئة البرلمانية العربية لحقوق الإنسان.

 

إنني أطلب تشكيل وفد من رئيس ومقرر كل هيئة مع الأمين العام للاتحاد وممثل للرئاسة، للقيام بالاجتماع مع الهيئات والمكاتب المختصة  فـي  جامعـة الـدول العربية من أجل وضع صيغة مشتركة للسوق العربية المشتركة ولشرعة حقوق الإنسان العربي، على غرار الصيغة المستعملة بالبرلمان العربي والتي سهلت على القمة إقرارها دون عناء.

 

إنني في الوقت عينه أتمنى على :

 

1)  لجنة المرأة أن تجد الوسائل الكفيلة بإطلاق فعاليات الاتحاد البرلماني العربي والبرلمان العربي في جميع الأطر الرسمية والشعبية من اجل تعزيز مشاركة المرأة العربية في كل ما يصنع حياة دولنا ومجتمعاتنا. 

 

2) اللجنة السياسية أن لا تناقش وتقر بياناً تقليدياً يتضمن العناوين والعبارات المعروفة في القرارات والتوصيات إياها.

 

إني أتمنى على اللجنة أن تضع ما يمكن أن نصفه بإعلان الجزائر، الذي يبدأ بدعوة النظام السياسي العربي إلى إقرار الإصلاحات التي تعبر عن ديموقراطية مصنوعـة وطنياً، والتي تعبر عن  رغبـة شعوبنا في توفير الأبعاد المترابطة للتنمية، وفي طليعتها السلام الداخلي الذي يوفر الإطار الآمن للتنمية والاقتصاد الذي يولد الموارد اللازمة للتقدم والبيئة المحمية، التي تجعل التنمية مستدامة، والأوضاع الاجتماعية السليمة التي تقوي النسيج الاجتماعي وتعزز السلام والتنمية، ودائماً الديموقراطية التي تشجع الإبداع والحكم السليم والاستقرار. 

 

أؤكد على ذلك لأن هناك تجربة عربية يمكن أن تشكل أنموذجاً في إعادة صياغة النظام القطري العربي، عبر عملية بناء وصنع وطنية خالصة، مستلهمة التجربة التي قادها فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من اجل إعادة الأمن والسلم والاستقرار إلى ربوع الجزائر، عبر مسار تشريعي للوئام المدني، وعبر برنامج واسع لتعزيز دعائـم الدولـة من خلال  إصلاح  هياكلهــا.

 

إن إعلان الجزائر يجب أن يكون جريئاً وقوياً، وان يشكل كثورة المليون شهيد صرخة في برية عالمنا العربي والعالم، تعبر عن أن البرلمانيين العرب يعتبرون أن مصالح شعوبهم فوق كل مصلحة، ويعتبرون أن أولياتهم تنطلق من :

 

1.  دعم الشعب الفلسطيني في نضاله من اجل تحقيق أمانيه الوطنية وفي الطليعة حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

 

2.  دعم الشعب العراقي في نضاله لإنهاء الاحتلال الأجنبي للعراق وعملية نقل السلطة بكل معانيها السيادية والسياسية إلى أبناء العراق وإنجاز الدستور الوطني عبر تفاهم شامل لمختلف أطياف الشعب العراقي. 

 

إن إعلان الجزائر البرلماني يجب أن يشكل شبكة أمان برلمانية عربية أولاً :  

للبنان ولمقاومته بمواجهة محاولة استغلال الأمم المتحدة ومؤسساتها وفي الطليعة مجلس الأمن الدولي للانتقام من لبنان ومقاومته التي تمكنت من دحر جيش الاحتلال الإسرائيلي عن معظم أرضنا.

 

التأكيد على استمرار دعم لبنان ومقاومته لاستكمال تحرير أرضه وفي الطليعة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

 

لسورية ولممانعتها ولاستمرار تمسكها بالثوابت والمبادىء التي قامت عليها سياستها الهادفة لصناعة السلام العادل والشامل، ولنضالها لاستعادة الجولان العربي السوري حتى حدود الرابع من حزيران 1967.

 

للسودان في سعيه لصناعة سلامه الأهلي على مساحة هذا القطر العربي العزيز بشرياً وجغرافياً، وإنهاء كل أشكال العنف والتمرد المسلح وبناء وحدة السودان شعباً وأرضاً ومؤسسات.

 

الزملاء الأعزاء،

 

إن إعلان الجزائر سيتطرق دون أدنى شك إلى ما يوصف بالحرب العالمية على الإرهاب.

 

في هذا الإطار، فإننا في الاتحاد البرلماني العربي إذ ندين ونستنكر بشدة الجريمة الإرهابية البشعة التي تمثلت باغتيال سفير جمهورية مصر العربية في العراق والتي وقعت في الوقت الذي جرت فيه جرائم التفجير الإرهابية في العاصمة البريطانية لندن.

 

فإننا نرى أن الحرب العالمية على الإرهاب يجب أن تنطلق من تحديد الأبعاد الجديدة للأمن البشري ويجب أن تستند إلى :

 

     ـ   خطة للسلام العالمي.

     ـ   خطة للتنمية العالمية.

 

نقول ذلك لأن أبعاد الأمن البشري حتى مطلع الألفية الثالثة لم تركز على الإرهاب وأسبابه ومصادره وبصفة خاصة إرهاب الدول، بل ان هذه الأبعاد أبقت على اعتبار إرهاب الدول أمر فوق الشبهات باعتبار أن ذلك سيفضح أدوار أجهزة أمنية في الدولة أو أجهزة رسمية تقوم بعمليات عابرة للحدود وللقارات وللقوميات.

 

إن الكثير من الدول خصوصاً الدول التي تمثل سلطة القرار الدولي والتي تمثل الاحتكار المركزي للقوة اعتبرت أنها فوق الاستهداف ولم تنتبه إلى ضرورة حماية الدول نفسها من الاختلالات المفاجئة والمؤلمة الناتجة عن انقلاب جماعات أو أفراد من موقع إلى موقع وان الجماعات التي كانت مثلاً تتوافق مع إدارة تحالف الراغبين في أفغانستان أثناء الحرب ضد الاحتلال السوفياتي قد تدير انقلاباً في أفكارها وفي وجهة استعمال سلاحها.

 

ورغم الصدمة الدولية التي تمثلت بالجريمة الإرهابية الكبرى في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، فإن مواجهة الإرهاب ركزت على بعض الجماعات وتحميل الشرق الأوسط والمسلمين عامة والعرب بشكل خاص المسؤولية عما جرى والاستثمار على هذه الجريمة لشن حرب سيطرة على الموارد البشرية والطبيعية لهذه المنطقة، وقد أغفلت إدارة تحالف الراغبين الإرهاب المتمادي على مساحة الشرق الأوسط الذي تديره إسرائيل، وأغفلت كل الأسباب التي تهدّد الأمن البشري على مساحة العالم والشرق الأوسط ومنها المرض والتلوّث والبطالة والمخدرات والجريمة وانتهاكات حقوق الإنسان والتفكك الاجتماعي.

 

لقد كان النظام العربي أول من اتخذ المبادرات القطرية والمشتركة بمواجهة الإرهاب، وكان أول من أكد تضامنه مع دول العالم المستهدفة بالإرهاب وقد شهدت المملكة العربية السعودية المستهدفة بعمليات الإرهاب مؤخراً مؤتمراً دولياً لمكافحة الإرهاب وقد سلمت شخصياً وباسم مجلس النواب اللبناني ورقة عمل إلى هذا المؤتمر.

 

الآن أؤكّد أن المطلوب رؤية دولية موحدة لمفهوم الإرهاب، وبداية التوقيع على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والمطلوب كذلك التأكيد على حق الشعوب في تقرير مصيرها باستخدام كل الوسائل التي تؤمن لها هذا الحق بما يعني التمييز بين المقاومة لتحرير الأرض وبين الإرهاب.

 

كما أن المطلوب العودة قليلاً إلى الوراء إلى تقريرين لعام 1994 و 1995 قدمهما الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس بطرس غالي والمتضمنين :

 

ـ   خطة للسلام.

ـ   خطة للتنمية.

 

إننا نرى أن تنفيذ الخطتين على مساحة العالم بغض النظر عن الاعتبارات الخاصة بالدول الغنية والدول الفقيرة ، بالدول القوية والدول الضعيفة، أمر يؤدي إلى بناء وصنع السلام والأمن الدوليين.

 

أخيراً أقول أيها الزملاء البرلمانيون : آن لنا أن نقول بوكالتنا عن مواطنينا كلام الحق الواجب، في مجمل القضايا القطرية والمشتركة لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.

 

وفي الختام أجدد الشكر للجزائر الشقيقة رئيساً وبرلماناً وحكومة وشعباً على استضافتها لأعمال مجلسنا، والتي قامت بأدوار لا ننساها من اجل سلام لبنان، والتي احتضنت أشهر التأسيس الأولى للثورة الفلسطينية، والتي هي قاعدة ارتكاز للوجدان العربي، ومن أجل بناء مستقبل أفضل لأقطارنا ومن أجل قوة ومنعة أمتنا.

 

                                                                                             عشتم

                                                                                             عاشت الأمة العربية

                                                                                             عاشت الجزائر

 

                                       والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته