أيها
اللبنانيون المنتشرون
ها
انتم
ما
أعظمكم
حتى
الغربة لم تستطع أن تأكل وجوهكم
ولم
تستطع الأضواء أن تسرقكم من وجع ليلنا
ولا
الألوان أن تغربكم بعيداً عن سمائكم الأولى
وكل
ضجيج العالم لم ينسكم صفاء صمتنا
والريح التي حملت خطاكم بعيداً عن مسقط رأس أجدادكم وآبائكم وأنفسكم لم تنسكم الشمس
الصبية التي تتمخطر في جهات وطنكم
ولا
الأوطان، ولا اللغات ولا الأشرعة الخفاقة بالأحلام، ولا المدى ولا الردى استطاعت ان
تنسيكم لبنانكم
ما
أعظمكم
وقد
تنكرت لكم الحكومات، كل حكومة ثلاثاً قبل صياح الديك، وبقيتم على إيمانكم وعلى
وطنيتكم.
ما
ألطفكم
ونحن
نرد خلفكم الباب حتى لا يبقى منكم اثر سوى الاشتياق، وانتم تردون على توجسنا بزيادة
ثقتكم بلبنانكم
ما
أجملكم
ونحن
نكسر الأباريق خلف ذكرياتكم، وانتم تتذكرون لبنانكم في اليوم الأسود، فتحسّون
أحزاننا بأياديكم البيضاء
ثم ها
انتم كلما قل المعين المقيم زاد المعين المغترب، فأيّ هو لبنان يا ترى؟
هل
هذا اللبنان الذي ينشر غسيله الوسخ على حبال وسائل الإعلام كل يوم، حتى كاد اليأس
من بناء الثقة بأنفسنا وببعضنا يحكم صبحنا ومساءنا
أما
أن لبنان ذلك المنتشر المتشظي على مساحة الكون، والذي جعل من اسمه ومجده إمبراطورية
إنسانية لا تغيب عنها.
هل
هذا اللبنان الذي تعصف به الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، والذي يعيش
الكثير من مواطنيه تحت خط الفقر، والذي يفتقد فرص العمل والذي يتسكع وهو لا يملك
ثمن التدفئة للشتاء وثمن كتب المدرسة لأولاده وثمن الدواء لفرد من عائلته.
أم أن
لبنان هو ذاك الذي عمر مدناً ودولاً وأقام مؤسسات صناعية ومالية، وزرع وحصد على
مساحة القارات.
أي
لبنان تراه لبناننا، هذا الذي لا توجد فيه معايير للمسؤولية ومعايير للمسؤول، ولا
ضوابط ولا ذوق سياسي، ولا وعي ولا سياسات خصوصاً سياسة اغترابية، أم ذاك الذي من
اصل لبناني احتل مناصب رئاسية وتشريعية وحكومية وإدارية، وكان مواطنوه مثال
المواطنية أينما حلوا ؟
أين
ترانا منكم أيتها السيدات والسادة أعضاء المجلس الاغترابي اللبناني للاستثمار،
الذين أتشرف الليلة برعاية حفلكم في إطار مؤتمركم المنعقد في بيروت.
اعترف
أننا على مسافة غير قريبة من محبتكم لوطنكم وتسامحكم تجاهه.
واعترف وانتم لم تقرعوا باب مسؤول من قبل وانتم تحملون عتبكم، بل كنتم على الدوام
تحاولون تفسير احلامكم بلبنان المشتهى لا جمهورية ممالك ولا جمهورية موز، بل لبنان
الرسالة والفرصة وحديقة الحرية، والمكتبة والبحر والشعر ونهر الأغاني ودائماً مجتمع
المقاومة الذي لا يضحك أحد على دقنه، والذي لن يتجرأ عليه أحد بعد أن استهلك محتليه
الإسرائيليين ودحرهم عن أرضه.
السيدات والسادة،
إنني
بمناسبة هذا اللقاء الأخوي الحميم بيني وبينكم أولاً بصفتي الاغترابية كإفريقي ابيض
من أبوين لبنانيين، ولدت ونشأت في (بو) في سيراليون، وبصفتي التشريعية وبصفتي
السياسية كرئيس لحركة أمل التي ارتبط تاريخها بجعل الاغتراب اللبناني، واقعه وآماله
وآلامه قضية أساس على جدول اهتماماتها، وجعل الإمام الصدر كما أنا نفسي هذه القضية
همّاً شخصياً، فإنني لن احور أو أدور في الكلام وأعيد على مسامعكم الاسطوانة التي
مللنا من تردادها على مسمع الحكومات وهذه الحكومة، حول التراجع عن إنشاء وزارة
المغتربين، فيما تقدمت دول شقيقة وصديقة خطوات باتجاه وجود مثل هذه الوزارة، ولن
اطرح الأسئلة عن السياسة الاغترابية التي هي اكثر من ضرورة للبنان، ولا حول مشاريع
بعث الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، ولا حول البطاقة الاغترابية، بل أقول
لكم انه إذا لم يجر إطلاق مبادرة حكومية إلى صياغة حزمة من مشاريع القوانين التي
تضمن ربط لبنان المقيم بلبنان المغترب حتى نهاية العام الحالي، فإني سأعتبر العام
القادم عام المغترب اللبناني، وأدعو زملائي النواب لاتخاذ المبادرة لاقتراح حزمة
كاملة من اقتراحات القوانين التي تغطي هموم وشجون الاغتراب، ودور الدولة تجاه
المغتربين وعالمهم واحتياجاتهم، وتضمن مشاركتهم في كل ما يصنع حياة الدولة والمجتمع
في لبنان.
أقول
ذلك لأن لبنان الذي يقع الآن في منطقة الهدف المفترض لحرب السيطرة، والذي يقع على
خط القلق والتهديد الإسرائيلي، والذي يعاني من أزمات متنوعة، يحتاج إلى لبنان
المغترب كمدى إنساني وسياسي واجتماعي واقتصادي.
وأقول
ذلك لأنّ لبنان الذي تضاعف دينه العام يحتاج إلى القوة المالية للاغتراب اللبناني
والى استثماراتها وعلاقاتها المالية والاقتصادية، ويحتاج كذلك
إلى
استكتاب مالي لصالح الخزينة اللبنانية أي إلى تبرعات (بالعربي الفصيح)، إلى مشروع
(لبنان ـ واحد) وهذه الصفة تحتاج إلى تنظيم والى إخراج إلى حيز الوجود، لأنه خير
لنا أن نمد أيدينا إلى أبنائنا من أن نتسول على قارعة الدنيا.
على
أن هناك قبل المبادرات الاشتراعية والمبادرات الاغترابية بالمقابل جملة مسائل
ضرورية أبرزها :
-
استكمال فتح السفارات في الدول التي تضم جاليات كبيرة وتعزيز السفارات الموجودة
بالكادر البشري.
-
فتح
مكاتب سياحية وإعلامية في بلدان الاغتراب الكبيرة.
-
فتح شركة طيران الشرق الأوسط لخطوط جوية إلى عدد من تلك الدول.
-
وعلى المستوى الرسمي وقبل كل ذلك تنظيم حملة إعلامية سياسية، من اجل أن لا يكون
المنتشرون اللبنانيون في إطار الجاليات العربية والإسلامية في موقع اضطهاد عنصري من
قبل بعض الدول، وان تلصق بهم تهمة الإرهاب وان يكونوا عرضة للملاحقات.
هذا
بالنسبة إلى لبنان المنتشر، أما بالنسبة إلى لبنان المقيم، فإني أقول لكم أن واقع
الاضطراب السياسي الذي يعاني منه بلدنا على خلفية الانتخابات البلدية الأخيرة،
وبسبب الانتخابات الرئاسية والنيابية القادمة ـ كل ذلك الاضطراب هو زوبعة في فنجان
ناتجة عن أننا وبطبيعتنا نحب الإثارة ومحكومون بروح التحدي والمشاكسة، فيما كل تلك
الاستحقاقات تفترض التنافس على أرضية البرامج لا على أرضية شحن الهواء بالكلام المر
وإثارة الغرائز والعصبيات.
وبناء
عليه، الحق الحق أقول لكم انتم يا أبناء لبنان الذين تحتشدون إليه من كل أنحاء
العالم، أن مؤتمركم هو الحدث، وأنكم انتم الرهان في إنقاذ لبنان،
وهذا
الإنقاذ ليس مالياً بل هو في الإنسان، يرتكز على تفعيل دور إنسان لبنان المغترب كما
المقيم، لأن الإنسان هو رأسمال لبنان، ودون ذلك فما نفع المواقع والمسؤوليات إذا
كان إنسان لبنان محكوماً إلى أزمات تتفاقم، وإذا كان هناك تهديد للمصير، وإذا كان
وجود لبنان كضرورة لبنانية وعربية ودولية مهدداً بتفليسه مادياً وسياسياً ومعنوياً.
أنا
من موقعي المغترب والمقيم، يحدوني التفاؤل بأننا سنتجاوز المحن والاستحقاقات لما
فيه خير لبنان، وأننا سنقف إلى جانب بعضنا البعض لنتمكن من إدارة اتفاقنا واختلافنا
بصورة حضارية وديموقراطية، تثبت أننا نستطيع صنع هذه الاستحقاقات لبنانياً بما يحفظ
علاقة المسار والمصير والاخوة والتنسيق والتعاون مع الشقيقة سوريا دون تحميلها
مسؤوليات فوق طاقتها.
إنني
بالمناسبة أتوجه إلى مؤسسات الرأي العام الإعلامية المحلية وخصوصاً الفضائية من اجل
تخصيص برامج خاصة بالاغتراب اللبناني، وان تنتقل فرق عملها إلى مناطق تواجدهم ليس
في عواصم دول الانتشار بل في البر البعيد وفي الأماكن التي يتصادقون فيها مع الشمس
ومع الطبيعة الحادية مع كل شيء خطر وجارف وان لا يغلبهم الوقت في التدقيق في قضايا
الاغتراب، فتقع من ذاكرة الصحف والإذاعات والتلفزيونات ذكرى ضحايا طائرة كوتونو،
فنغلق الملف على دغل كما كل الملفات من ملف الإصلاح الإداري الذي غلب العجز عن فتحه
على مداه، إلى ملف الكهرباء والمليارات التي صرفت على مدى حكومات ما بعد الطائف،
إلى ملف الزراعات البديلة في البقاع، إلى ملف السنترالات والخطوط الدولية والاتجار
بها،
إلى
ملف الأملاك البحرية ولا ننسى الأملاك البرية، إلى ملف الحرمان والإهمال وعشرات
المشروعات المخططة والتي أمنت لها الاعتمادات ولم تعط الإشارة إلى إطلاقها وغيرها
وغيرها.
أقول
أمامكم هذا الكلام في هذا الحفل من باب الدعوة إلى أن يحاسب كل مسؤول نفسه أمام
لبنان المقيم ولبنان المغترب، وأنا شخصياً تجرأت حيث لم يتجرأ الجميع، وبادرت قبل
أن تبادر الدولة إلى إطلاق فعاليات المحاسبة داخل إطار حركة أمل، واتخذنا إجراءات
طالت قيادات، وسكتنا عن محاولة حرق صورة اسم العلم الذي نمثله، لأننا نحن أنفسنا
قلنا أننا لن نغطي أي مرتكب أو مخالف ولكن نحن ندعو أمام كل لبنان المقيم كما
المغترب إلى إعلان حالة طوارئ قضائية، ولمرة واحدة إلغاء العطلة القضائية وفتح كل
شيء، هذا إذا كنا فعلاً نريد التغيير ونريد الوصول إلى دولة القانون، والا فإنني
أمام كل لبنان أقول أنني لن أساير في أي فعل انتقامي أو انقلابي، ولن نقبل بأن نكون
ضحية لكل من يتحدثون بلغة العفة ويمارسون فعل الخطيئة، ولن نقبل بأن يبقى لبنان
منشراً للغسيل وللكلام وللأموال الوسخة، ولا نريد أن يكون لبنان موقعاً لغسيل
الملفات والاتهامات والأموال بطريقة اللفلفة، بل نريد لبنان النظيف الناجح،
الأنموذج في نظامه البرلماني وفي استقلالية نظامه القضائي، واثبات أن لا أحد فوق
الدولة لا شخص ولا فئة ولا جهة ولا طائفة ولا عنوان حتى عنوان المقاومة، فإنه يجب
أن يكون وسيلة في خدمة الدولة والسيادة الوطنية.
إنني
أتمنى لمؤتمركم النجاح وأتمنى لمجلسكم التوفيق في تحقيق أهدافه لما فيه خيركم وخير
لبنان كل لبنان.
عشتـــــم
عاش لبنــان