بسمه تعالى
للبقاع ، حصاد الكلمات الممتلئة ، ولأهل البقاع الذين نبتت من سواعدهم أعمدة القلعة
.
للبقاع ، السهل الممتنع الذي تتبادل فيه الأيام بريد الشمس ، والذي تستيقظ فيه
الألوان على الفرح والحنين .
للبقاع ، الذي يفتح باب الفجر لصباح الفلاحين ولبذارهم الطيب في الأرض الطيبة .
للبقاع ، سهل المرايا الذي تتجدد فيه وجوهنا ، ولا تصدأ فيه معادن أرواحنا ، والذي
يزهر فيه صوتنا ونلبس فيه حقيقتنا .
ولزحلة المتحصنة بين صنين والكنيسة والباروك .
لقامات جبالها التي تمتد من الشعره والمغر والنقيرات وظهر الشير وعريض الشمالي
وتربل والشرقي ومصابات .
لتلك
القامات التي تحرس أفراحها ، ولأوديتها التي تفتح باب الكتاب على سحر الشرق من وادي
العرايش إلى الساقية ووادي الحرير ووادي السحور .
ولزحله التي اقرأ وجدها الأغلى فتغمر بمودتها .
لساقية المسك التي تمشي على رؤوس أصابع الماء بين ساكب منازلها .
للبردوني ، دموع ثلوج الرغبة التي تحمل الماء إلى شهقة الأقحوان .
ولقضاء زحلة ، عمق البقاع الغربي والجنوب وحـاضن خط الشام .
لأضلغ
قرى القضاء التي تخبئ الأسرار في غرف الاعتراف في دير النبي الياس ودير غزال ودير
زنون .
للبقاع ولزحلة ولكم ألف تحية وبعد ،
الحقيقة أن زحله بكل عناوينها لم تقصر يوما" عن دعوتي لزيارتها، والحقيقة أيضا" هي
أنني لم اقصر يوما" عن حبها ، ولكن تأخري في هذه الزيارة مرده أنني تعودت أن احمل
حيث توجهت مشروعا" وطنيا" يلبي بعض احتياجات الناس .
واليوم ألبي دعوتين : دعوة معالي الصديق الوزير الياس سكاف على الخبز والملح ،
ودعوة مجلس الإنماء والاعمار برعاية وضع حجر الأساس لمحطة تكرير المياه في زحله .
لذلك
أتوجه بالشكر إلى مجلس الإنماء والاعمار رئيسا" وإدارة وموظفين على الإنجازات
التنموية التي تتحقق عبر هذه المؤسسة ، وعلى حسن تخطيط وتنفيذ المشروعات ، وعلى
الاستجابة السريعة لإعادة توليد المشروعات التي تأخرت في الادراج منذ زمن ، ومنها
هذا المشروع الذي يتجـاوز بأثاره الإيجابية هذه المدينة ليشكل جزءا" من جملة مشاريع
، هدفها حماية مصادر المياه السطحية والجوفية وتحقيق مردود أكيد لصالح البيئة في
المنطقة .
وبمناسبة هذا المشروع لا بد من توجيه عناية جميع مؤسسات الدولة وخصوصا" وزارات
الخدمات ، إلى أن حصة قضاء زحلة من إجمالي السكان المحرومين في لبنان تبلغ ثلاثة
ونصف بالمئة استنادا" إلى الدراسات الموضوعة ، وان نسب الحرمان في زحلة في ما يختص
بظروف السكن هي الأسوأ عليه في الميادين الأخرى ، وان نسب الأسر التي يتم إشباع
حاجاتها إلى خدمات المياه والصرف الصحي لا تتجاوز الثماني بالمئة ، في حين أن نسبة
الأسر المحرومة حسب دليل التعليم تبلغ الأربعة والثلاثين والنصف بالمئة من الأسر
المقيمة في القضاء ، من اصلها نسبة ستة عشر بالمئة محرومة جدا" .
لقد
آن الأوان لكي ينتبه جميع المعنيين من سباتهم ليلحظوا ان نسبة أربعة وأربعين بالمئة
من الأسر المقيمة في زحله ، منهم نصفهم يعيشون تحت خط الفقر .
لقد
آن الأوان ليتوقف الجميع عن القفز فوق حقائق الأرقام المؤلمة التي ذكرناها ، ليزعم
أن وضع زحله وقضاؤها هو بالرغم مما هو فيه فهو افضل من الوقائع في أقضية أخرى ، وان
لدى هذه المنطقة موارد طبيعية ومائية ، وان في هذه المنطقة ما يزيد على عشرة آلاف
مؤسسة تنشط في مجالات مختلفة بينها ثماني بالمئة في مجال الزراعة .
أقول
ذلك لأن تلك القفزة ستكون في الفراغ اذا تجاهلت الأمراض التي تصيب الإنتاج الزراعي
من كرمة وقمح وخضار وأشجار ، والأمراض التي تصيب الإنتاج الحيواني مما يزيد من
معاناة المزارعين والفلاحين ، إضافة إلى المشاكل الزراعية المتمثلة بالتسليف
والحسبة ومنافسة المنتوجات .
إنني
آمل أن يكون هذا المشروع والآلية التنفيذية لإنجازه فاتحة خير لإطلاق جملة مشروعات
تنموية على مساحة البقاع ، عبر كل وزارات ومؤسسات الدولة خصوصا" مجلس الإنماء
والاعمار ، لأن هذه المنطقة عانت الكثير وأملت وانتظرت الزراعات البديلة والرزق
الحلال والسدود ومياه الشفة ، وقدمت الكثير من اجل لبنان منذ الاستقلال إلى اليوم
وكانت ول اتزال خزان المقاومة .
أقول
لقد آن الأوان لوقف نزف الموارد البشرية والهجرة الداخلية من جهات لبنان إلى
العاصمة وعواصم المحافظات ، والاغتراب إلى اصقاع العالم سعيا" وراء الحياة الكريمة
.
لقد
آن الأوان لتحصين المواطنين اللبنانيين بالضمانات الاجتماعية والصحية والائتمانات
الكافية التي تجعلهم ينغرسون ويصمدون في ارض وطنهم ، خصوصا" وان سهل البقاع الذي
كان اهراء روما اذا ما تم الاستثمار عليه يمكن أن يوفر الكثير من فرص العمل ، ويمكن
ان يوفر الكثير من الخيرات للبنان وللمنطقة .
الحضور الكريم ،
من
زحله عاصمة الكثلكة وعروس البقاع ، انقل إلى الشعب اللبناني تحيات قداسة البابا
ومشاعره النبيلة والحميمة ، ومحبته الخاصة للبنان رسالة التسامح والمحبة والتعايش ،
لبنان الذي يعيش في ضميره وعقله وقلبه ، وحرصه على أن لا تعكس الأزمات الإقليمية
والدولية نفسها سلبا" على بلدنا ، وكذلك تأكيد قداسته وتأكيد امراء الكنيسة أن
إنقاذ أي مجموعة أو فئة أو طائفة في لبنان يتم من خلال تعزيز بناء الثقة بلبنان
كضرورة لبنانية وعربية ودولية ، وذلك بترسيخ استقرار النظام العام خصوصا" الاقتصادي
، على قاعدة العدالة بمعناها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني وتلكم هي
رسالة لبنان .
وأقول
بعد هذا اللقاء المبارك مع قداسة البابا انه تعززت لدي شخصيا" القناعة على مساحة
الوطن والمنطقة والعالم بقوة القانون مقابل قانون القوة الذي تجري المحاولات لجعل
العالم محكوما" إليه .
وأقول
أيضا" بعد اللقاءات التي أجريتها مع عدد من المسؤولين الإيطاليين خلال زيارتي
الأخيرة ، انه تتزايد على مساحة العالم القناعة برفض احتكار القرارات الدولية .
وأقول
أنني يوما" بعد يوم المس أن محاولة إحلال المصالح مكان الحقائق والمبادئ يلاقي
مزيدا" من الرفض ، ويعزز قناعة مختلف الأفرقاء بأن فرص نجاح مثل تلك السياسات في
الإبقاء على وضع إسرائيل كاستثناء لا تطبق عليه المعايير الدولية تتضاءل ، وانه رغم
المسايرة الدولية الظاهرة لاتجاهات الإدارة الأميركية فرض معاييرها التي تلبي
الشروط الأمنية الإسرائيلية على مساحة فلسطين والتي تلبي الأهداف الأميركية في
العراق ، الا ان المناخ الدولي يشير إلى تزايد القناعة الدولية بفشل خريطة الطريق
والحلول الأمنية ، وكذلك تزايد القناعة الدولية بدور مركزي للأمم المتحدة في العراق
.
وبمناسبة الذكرى الثالثة للانتفاضة اجدد ثقتي الكبيرة بتصميم الشعب الفلسطيني على
نيل حقوقه ، كما أنني على ثقة كبيرة باقتراب اللحظة الدولية التي ستفرض العودة إلى
روح مدريد والى تطبيق القرارات الدولية الخاصة بالشرق الأوسط التي تضع حدا" لاحتلال
إسرائيل للأراضي العربية وتحقق أماني الشعب الفلسطيني .
ونقول
أن استعادة العراق لسيادته ولدوره في محيطه الإقليمي والعربي تتطلب في آن واحد
دورا" مركزيا" للأمم المتحدة ، وتعريب المسألة العراقية عبر بوابة دمشق ، والاقتناع
بأن بناء وصنع السلام على مساحة الشرق الأوسط وملفاته الساخنة يتم عبر البوابة
السورية .
أقول
ذلك لأن سوريا تبرهن يوما" بعد يوم أنها البوابة الحقيقية لصناعة وبناء السلام
والاستقرار الإقليمي والدولي ، كما برهنت أنها بوابة التصدي والممانعة والمقاومة
التي لا يمكن تجاوزها .
أقول
ذلك وأنا استعيد صور ومشاهد حرب تشرين التحريرية ، وعشية الذكرى الثلاثين المتجددة
لتلك الحرب المجيدة التي رسخت معادلة لا بد للمستوى السياسي – العسكري الإسرائيلي
من استعادتها ، وهي أن الاعتماد على القوة وعلى خطوط الدفاع من خط برليف إلى خـط
آلون، وكذلك الاعتماد على الجدار الفاصل هي أمور لا تصنع الأمن ، ولن تكون بديلا"
عن تطبيق القرارات الدولية التي تمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق أمانيه الوطنية
والتي تعيد الأراضي العربية المحتلة.
لقد
سبق وعرضت أمام الرأي العام اللبناني والعربي ان الحرب ضد الحرب يجب أن تدار في
واشنطن .
إنني
متأكد أن الرأي العام الأميركي بدأ بالتمرد ضد مصممي الحروب في البنتاغون وضد أصحاب
سياسات الصدمة والضربات الاستباقية ، وهذا الأمر يتطلب إعادة تخطيط السياسات
العربية والتوجه للرأي العام الأميركي والدولي لنقل وجهة النظر العربية إزاء
القضايا الشرق أوسطية .
إننا
وحتى نكون منصفين فإنه يجب أن لا نلقي دائما" اللوم على الآخرين .
إن
شيئا" من التوجهات العربية لإنشاء محطات فضائية عربية ناطقة باللغات الحية لم تتحقق
في وقت سنواجه فيه قريبا" محطة أميركية ناطقة بالعربية .
إننا
ومن لبنان ، منبر الحرية المفتوح ومطبعة الشرق ، والأنموذج الذي تتأكد فيه إمكانية
حوار الحضارات وتعايش الأديان ، ومن مدينة زحلة التي تمثل مزهرية تجمع في إنائها
الكون الذي ينتشر أبناؤها على مساحته حيث صادفتهم أينما ذهبت مطالبون بالمبادرة عبر
مؤسسات الرأي العام الإعلامية الفضائية للتوجه بلغات العالم الحية ليس فقط لإيصال
وجهة النظر اللبنانية والعربية إلى الرأي العام الدولية فحسب ، بل أيضا" لتغطية
مساحة الانتشار اللبناني والعربي عبر العالم ، وهناك أجيال من أبنائنا الذين انقطعت
صلتهم ببلدهم ولغتهم الأم .
أيها
الأعزاء
بالعودة إلى لبنان ، فإنني اجدد الدعوة للجميع للانتباه إلى أن المنطقة في خطر والى
أن لبنان في خطر ، والى أن ذلك يقتضي وحدة الخطاب السياسي المعبر عن لبنان والمعبر
عن موقف لبنان .
وأقول
بالنسبة إلى بعض القضايا الداخلية الخلافية انه آن الأوان لكي نتعلم سبل إدارة أي
خلاف دون أن ينعكس ذلك حالا" من الشرذمة والتخبط والمزايدة وحرقا" للمواقع .
ومن
زحله أقول أن تعزيز مكانة لبنان الاستراتيجية ومكانته في نظام منطقته يبدأ بالبناء
على تنمية مناطقه وموارده البشرية .
أخيرا" إذ اجدد شكري لمجلس الإنماء والاعمار وأخص الصديق الوزير سكاف فإنني متأكد
انه سيكون لنا مواعيد كثيرة مع مشروعات إنماء البقاع لأن ازدهار هذه المنطقة ستؤسس
لازدهار لبنان .
عشتم