رعى رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري مساء السبت
5/ 2 /2000، في قاعة المؤتمرات في قصر الاونيسكو حفل تكريم فنان الكاريكاتور بيار
صادق الذي دعت اليه اندية الليونز الدولية في المنطقة 351 (لبنان والاردن).
حضر الحفل حشد كبير من السياسيين الذي غصت بهم القاعة ابرزهم راعي الاحتفال
والرؤساء الياس الهراوي، رفيق الحريري ورشيد الصلح . والوزراء محمد يوسف بيضون،
انور الخليل ونجيب ميقاتي. والنواب باسم السبع، شاكر ابو سليمان، صلاح الحركة،
بشارة مرهج، حسين يتيم، مروان حمادة، والوزراء السابقون ميشال اده، فؤاد السنيورة،
بهيج طبارة، وممثل قائد الجيش العقيد عبد الله واكيم، وممثل المدير العام لقوى
الامن الداخلي العميد علي اللقيس، وممثل المدير العام للامن العام العميد محمد
فقيه، والمطران خليل ابي نادر ممثلاً الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، نقيب
الصحافة محمد بعلبكي. والاستاذ غسلن تويني الى عدد كبير من اعضاء الليونز وشخصيات
سياسية واجتماعية.
بدأ الحفل بالنشيد الوطني ثم قدم عريف الاحتفال رامز وهاب الخطباء على التوالي :
رئيسة لجنة " تشجيع الابداع الوطني وتكريمه " السيدة وفاء ضو ثم كلمة حاكم الجمعية
في المنطقة 351 المحامي ميشال قليموس وكانت كلمة للاستاذ غسان تويني.
الرئيس
بري:
ثم القى رئيس مجلس النواب كلمة استهلها بالقول :
" استعرض الاستاذ غسان عهود بيار الصادق وتوقف عند
الرئيس الهراوي، فلماذا لم يكمل ؟ لذلك سأبدأ بنقل تحيات فخامة االرئيس العماد اميل
لحود الى الحضور والى بيار صادق.
ثم اضاف :
لأن فنه لغة تحاكي الوقت، لاذعة التشافه، تشدو روحها
في القلب.
لأن لغته تقول ولا تكتب، توآخي ورد الجراح وتطلع صرخة من رماد الناس.
لأن لغته تُرسم على صور الناس والاشجار والبيوت والوطن
ولأن رسومه ناس منتبهين للشمس يمتلكون حاسة الضوء وحاسة الحنين وحاسة الحاضر وحاسة
المستقبل.
ولأنه يحملنا على الحلم او يحملنا على الندم
ولأنه يعلمنا كيف نقرأ صوتنا حين يخيم السكون والسكوت
ولأنه لا يأبه للعيون الحديدية التي تصيب قرانا ولم يأبه للموت الذي اختال في
شوارعنا حتى تعب منا
ولأنه يلمس ضمائرنا ويمنعنا من المضي في الغيبوبة والاندحار
ولأن مواطنه لا يقف عاري الرأس ولأن وطنه فكرة لا يغلب البحر عاصمتها ولا يغلب الظن
جبله ولا يغلب الفراغ بقاعه ولا تأخذ شماله الغيرة من جنوبه الذي لا يفله الحديد
والنار.
ولانه يحالف صراخ دم المقاومين وصرخة المحرومين في برية الوطن
ولأنه يخرجنا من ليلنا على صياح ريشته حيث النور اصفى والنهار اوضح.
ولأنه لا يمسح جوخاً ولا يتملق المستوى السياسي ولأنه يرسم مقالته اليومية نافرة
وواضحة وصريحة ومهذبة ومفاجئة، تستدرج ابتسامتنا رغم ما تتضمنه من اعاصير وألم.
لأنـه كذلـك اقـف اليوم في المهرجان التكريمي للمبدع اللبناني الاستاذ بيار صادق.
وبداية لا بد من شكر المحامي ميشال اقليموس حاكم
جمعية اندية الليونز الدولية، ولجنة تشجيع وتكريم الابداع الوطني في الجمعية على
تشريفي بالمشاركة في هذا الاحتفال، ولا بد من التنويه بهذه المبادرة التي تفتح
الباب على المسؤولية الوطنية الرسمية والشعبية تجاه تكريم المبدعين والمخترعين
اللبنانيين في شتى المجالات.
ان اولى الخطوات المطلوبة على طريق تكريم النخبة
المبدعة هي تخصيص مؤسسات الرأي العام الاعلامية والثقافية بموازنات تنسجم مع دور
لبنان ومهمته في نظام منطقته كمنبر وحديقة للحرية.
قد يقول قائل ان المجلس النيابي اللبناني انتهى لتوه
من اقرار موازنة الدولة، فلماذا يطالب رئيس مجلس النواب بما كان يمكن تحقيقه خلال
درس الموازنة.
اقول رداً على ذلك، انني لم اترك مناسبة دون توجيه
عناية الحكومة للاستثمار على موقع لبنان الاعلامي والثقافي، ودون ان اشدد على زيادة
الائتمانات والضمانات للعاملين في القطاعين وشمول القطاعات الثقافية بالضمان الصحي
والاجتماعي، وتأمين مراكز للكتّاب والفنانين التشكيليين والنقابات الفنية، وانشاء
صندوق للسينما وسوى ذلك من المطالب، واني لازلت آمل ان يصبح هذا الاستثمار اولوية
رسمية لأن المردود المتوقع من هذا الرهان هو مردود مربح للخزينة ولسمعة لبنان.
اشير الى ذلك، لأن موارد لبنان البشرية في القطاعين
الثقافي والاعلامي تستمر بالنزف خصوصاً وان المؤسسات العربية والدولية تفتح اسواق
عملها امام مهارات اللبنانيين واستجابتهم لعصرهم.
انني هنا لا ابدي حرصاً اكثر من المسؤولين الاخرين
في مختلف مستويات السلطة على الثقافيين والابداعيين ولا على مؤسسات الرأي العام
الاعلامية والثقافية، ولكن اتطلع الى الواقع بمنظار مختلف وبعين مختلفة، وارتب
الاولويات بشكل مختلف، وارى ان هناك قطاعات يجب ان لا تخضع للتقشف، لأنه بالاساس لم
تكن مشمولة بالرعاية والبحبوحة، وعلى سبيل المثال وباستثناء مرة واحدة فإن اتحاد
الكتاب اللبنانيين والنقابات الفنية كانت تتلقى مساعدة موازية لأي ناد او جمعية في
قرية او دسكرة ثم ترانا نتباهى بأن بيروت عاصمة للثقافة فيما نحن نريدها عاصمة
دائمة للثقافيين والاعلاميين.
ان تكريم بيار صادق كمبدع لبناني في مجال احترافه
وحرفته يقتضي الصدق في القول، ويستدعي تحقيق الاسباب والضمانات التي تؤمن كرامة
المبدع في العيش الكريم قبل تكريمه.
لقد كنا دائماً في عجلة من امرنا نقوم بسباق مع
الوقت للحاق ببعض المبدعين وتكريمهم قبل موتهم، وقد ادركنا بعضهم الذين نتمنى لهم
طول العمر، بينما خجلنا كبير من انفسنا ونحن نقف في حضرتهم قبل ان يواريهم الثرى
وقد قصر الوطن في واجباته نحوهم بل لعل اغلبهم توفاه الله وهو لا يملك ثمن
الدواء،وهناك على فراش المرض العديد من الذين حفروا اسماءهم وافكارهم وقصائدهم
والوانهم ومؤلفاتهم في كل ذاكرة معاصرة ( الاديب سلام الراسي، الشاعران محمد
المصطفى والزين شعيب وسواهم ).
اننا على المستوى الرسمي لازلنا نتطلع الى انشاء
المجلس الاعلى للثقافة الذي نص عليه قانون انشاء وزارة الثقافة، والذي اقترح ان يضم
نخبة من ممثلي القطاعات الثقافية تكون مهمته بالاضافة الى رسم السياسة الثقافية
للدولة تشجيع وتكريم المبدعين اللبنانيين المنتشرين في العالم.
السيدات والسادة،
ان الاجتماع في هذا العرس لتكريم فنان واعلامي مبدع،
مناسبة للتوجه الى الرأي العام حول صورة الوقائع اللبنانية وصورة الحركة المتعلقة
بالمنطقة.
فعلى المستوى الوطني ورغم الوقائع الاقتصادية ـ
الاجتماعية القاسية الضاغطة منذ سنوات، فقد اصبح الجميع على قناعة بالرهان على عائد
السلام الاهلي خصوصاً وان الرهانات السابقة على عائد السلام الاقليمي ادت الى هدر
الوقت والى قلب الاولويات الوطنية رأساً على عقب.
ان معركة بناء الثقة بلبنان كضرورة لبنانية وعربية
ومتوسطية ودولية لاتزال مستمرة، وهي ترتكز على ارادة المخلصين لهذه المعركة، ونحن
نراهن ان تتمكن الدولة من لعب دورها في النشاط الاقتصادي واخراج الخطة الخمسية
للنهوض الاقتصادي الى حيز الوجود من اجل اطلاق دينامية اقتصادية وطنية.
كما وانه من نافل القول ان بناء الثقة بلبنان
وبالدولة هي مسؤولية تقع على عاتق الموالاة كما على المعارضة، فلا يجوز ان تتبادل
الموالاة والمعارضة خلال العهدين الرئاسيين السابق والحالي الادوار لبعث الشكوك
بأدوار الدولة وسياستها، لأن ذلك ادى على الدوام الى بث القلق حول امكانية
الاستثمار على مستقبل لبنان والاستثمار في لبنان.
ان التوقيت المناسب لابداء الملاحظات والاعتراضات
على السياسة المالية والاقتصادية هي فترة مناقشة الموازنة وصولا" الى اقرارها، بما
يعني ان المجلس النيابي هو المكان المناسب للبحث والمناقشة وفي غير هذا المكان يصبح
الامر نشراً لغسيل لبنان على حبال الهواء.
اشير الى ذلك والمجلس النيابي يتقدم بخطوات باتجاه
تجهيز لجنة المال والموازنة النيابية بالتكنولوجيا وبالمساعدين الاختصاصيين
لتمكينها من ضبط وتحليل الموازنة، وهو امر سيمكن المجلس النيابي ليس من قوننة
الموازنة وتشريعها فحسب بل من ممارسة دوره في الرقابة والمحاسبة على صرفها.
كذلك فإننا في اطار بناء الثقة بلبنان كضرورة،
وبالدولة، فإننا نؤكد ثقتنا بمؤسستنا الدفاعية التي يقف ضباطها ورتباؤها وجنودها
متأهبين على خطوط النار في الجنوب والبقاع الغربي، والتي قدمت ضريبة الدم خلال
الصمود والمقاومة التي يخوضها شعبنا ضد الاحتلال الاسرائيلي، والتي اثبتت انها عنصر
استقرار حاسم للنظام العام خلال تصديها بالامس للتشكيلات المسلحة في الشمال وغيره.
اننا مع تأكيدنا حق كل مواطن في الانتماء والتعبير
فإننا نقف في طليعة اللبنانيين المجمعين على رفض تهديد الامن الوطني، من قبل اية
جماعة كانت، واننا نرفض ان يأخذ احد بيد لبنان مجددا" الى دوامة العنف ويجعله رهينة
يزعزع وحدته الداخلية
السيدات والسادة،
ان الجميع معنيون الآن وفي هذا اللحظة السياسية
بتأكيد وحدة الجبهة الداخلية ووحدة الخطاب السياسي ازاء الاحتلال والعدوان
الاسرائيليين، لأن كل تفريط او تغليب للصراع الداخلي على الصراع مع اسرائيل يشكل
تواطؤا" مع العدو وخدمة لمصالحه.
ان هذه المسألة تنقلنا الى الوقائع الشرق اوسطية.
لقد فتح الباب مؤخراً لعودة المفاوضات على المسار
السوري ـ الاسرائيلي والنتائج المعلقة على هذه المفاوضات هي المحددة لاستئنافها على
المسار اللبناني.
ان سوريا لن تمضي قدماً في المفاوضات الا اذا اقتنعت
بأن اسرائيل جادة وواضحة في تعهدها بالانسحاب الكامل الى حدود الرابع من حزيران عام
1967.
ان ترسيم الحدود بما يتفق مع الارادة والحقوق
السورية هو علامة مضيئة على طريق المفاوض اللبناني في ما بعد لمنع أي تلاعب
اسرائيلي بعلاقات الحدود، علماً ان للبنـان حقوقـاً فـي الاراضي خسرها بموجب
اتفاقية حسن الجوار الموقعة في القدس التي تمت بين ممثلين عن بريطانيا وفرنسا في
الثاني من شباط 1926 أي قبل اربعة وسبعين عاماً من الان، وليست خافية الابعاد
الامنية والزراعية والاثرية التي اراد من خلالها الصهاينة ان توافق بريطانيا العظمى
على تخلي الفرنسيين عن تلك الاراضي اللبنانية مقابل منح شركة فرنسية استثمار تجفيف
سهل الحوله.
وبالعودة الى المفاوضات، فإن لبنان وسوريا متكاملان
ومتضامنان في صياغة مسارهما بما يكفل التوصل الى سلام عادل وشامل تحت مظلة القرارات
الدولية.
واقول عن القرار425 الصادر عن مجلس الامن الدولي، ان
صمود شعبنا ومقاومته قد اكدا ان هذا القرار ليس مجرد رقم تستطيع اسرائيل ان تمسح به
جنبها وان تقفز فوقه، وقد حاولت ذلك خلال اجتياح العام 1982 وخلال الاسبـوع الاخيـر
من تمـوز 1993 وفي نيسان 1996 ثم في حزيران عام 1999 وهي تحاول كل يوم من خلال
استخدامها لكرة النار الجوية والبرية المتصاعدة منذ نهاية الاسبوع الماضي.
ان الحكم الدولي المتمثل بهذا القرار الذي يملكه
لبنان وصمود وتضحيات شعبنا ومقاومته يستدعيان ان نكسب الوقت من اجل اعداد الملفات
التفاوضية المتعلقة بالحقوق اللبنانية وبناء رأي عام محلي وعربي ودولي حولها يحصن
موقف لبنان.
ايها السيدات والسادة ،
ان احتفالنا التكريمي بالفنان المبدع الاستاذ بيار
صادق مناسبة لدعوة مؤسسات الرأي العام الاعلامية والثقافية للمساهمة الى جانب
اللجنة الوطنية لاحياء الرابع عشر من اذار والثامن عشر من نيسان في بث وعي وطني
وعربي ودولي حول حروب اسرائيل ضد لبنان والعرب ونتائجها، والتأكيد اننا لن نقبل
المفاوضات حول حقوقنا، وان على اسرائيل ان تنصاع للارادة الدولية في تنفيذ قرارات
مجلس الامن الخاصة بالمنطقة ولبنان.
قبل ان اختم لا يفوتني ونحن نحتفل بتكريم
الكاريكاتير كفن يقيم علاقة مباشرة بين الفكر والسياسة ان اتذكر زميلاً لبيار صادق
هوالشهيد ناجي العلي الذي كانت فلسطين في لوحته اليومية فكرة اكبر من الدولة وشهيدة
حية لا تموت واطفالاً يلعبون على مسافة البيارات من النهر الى البحر والذي كان
لبنان له اكثر من " براكية " للحزن واكثر من خريف المنفى.. كان لبنان في ذاكرته وفي
خفقة ريشته درباً لصباح سيأتي.
ولا يفوتني كذلك اليوم الخامس من شباط ان اتذكر
ابداعاً من نوع اخر يرتقي بعيداً عن شبهة التورية وظلال اللون الى الق الدم ففي مثل
هذا اليوم عام 1985 فجر الاستشهادي حسن قصير ( عامل ) نفسه قي قافلة عسكرية
اسرائيلية على مرآى عين مهنية الامام الصدر وبين يدي الجنوب واضاء الطريق امام
المقاومين والمبدعين اليوم وغداً من اجل صناعة وبناء سلام واستقلال لبنان.
ولا يفوتني كذلك انه لولا انتفاضة السادس من شباط
عام 1984 التي قلبت العصر الاسرائيلي واطلقت عصر المقاومة لما كنا اليوم نقف في
حضرة بيروت لنكرم مبدعاً لعلنا اليوم ونحن نواصل تلك الانتفاضة ونواصل المقاومة نصل
الى الوقوف في حضرة لبنان محرراً بالكامل من دنس الاحتلال الاسرائيلي.
وفي الختام لا يفوتني التنويه بصحيفة النهار حيث
يوقع بيار صادق لوحته اليومية، تلك الصحيفة التي كانت السباقة الى كشف سرقة اسرائيل
للتراب اللبناني وكذلك عبثها مؤخراً بعلامات الحدود، اضافة الى انها كانت ولا تزال
عنواناً للكثير من المبدعين نصاً وفناً والاعلاميين الذين تفانوا في خدمة لبنان.
عشتـــــــــــــم
عاش لبنــــــان
ثم كانت كلمة المحتفى به وبعدها قلّده الحاكم قليموس
وسام الاستحقاق الليونزي. وجال الحضور على رسومات الفنان في معرض اقيم للمناسبة.