رعى رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي غروب السبت
24/11/2001 حفل الإفطار السنوي الذي أقامته مؤسسات "أمل" التربوية في فندق شيراتون في الجناح ببيروت.
حضر حفل الإفطار بالإضافة إلى رئيس المجلس الأستاذ نبيه برّي الوزير ميشال فرعون ممثلاً رئيس
الوزراء وعدد كبير من الوزراء والنواب.
كما حضر حشد من النقابيين والفاعليات العمالية وأطباء ومحامون وإعلاميون.
بداية، ألقى رئيس مجلس ادارة مؤسسات " أمل " التربوية الحاج خليل حمدان.
ثم كانت كلمة راعي حفل الإفطار دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي
الذي قال:
بسمه تعالى
في اللحظة التي يكون القلب شراعاً فيها، والصوم
حقولاً خضراء وحروفاً ترسم ساقية من ماء،
وفي اللحظة التي ينهض فيهـا الكلام الابيض فوق كتاب الليل،
في هذه اللحظة التي يتوقد فيها سراج على زيت القلب،
وتجلو الغيوم عن منارة العين، نفتح فصلاً جديداً دائماً لكي يستيقظ الورد في صفوف
مدارسنا وفي احواض مدارسنا، ولكي تتسع فسحة الامل وتضيق ليالي الكوابيس وتتلاشى
هواجس الاساطير، ولا تعود ارواحنا تتغرب على جبهة الليل.
في هذه اللحظة من هذا الشهر الفضيل : رمضان، ونحن
نلبي دعوة لمؤسسات امل التربوية، لا بد ان نراجع رحلتنا والمسافات التي قطعتها
صرختنا في برية الوطن وهي تحمل كلمة السر : امل، وتحمل الامل بوطن مزدهر بالمحبة
ومزدهر بالانسان.
اذكر ذلك اليوم، كان الصبح يتلو صورة الاخلاص، يغدو
خلف فلاح عتيق.
كان الامام الصدر مشدوداً الى سنبلة ارجعها الحلم
الى بذرتها الاولى.
كانت اصداف بحـر صور في تلك اللحظة تصطاد نجوم
الماء.
ولم يكن في البر سوى القحط الذي خلفه الخوف.
في تلك اللحظة القى الامام الصدر بذرة طيبة في الارض
الطيبة.
فكانت : مؤسسة جبل عامل المهنية في برج الشمالي.
منذ تلك اللحظة انتبهنا الى اننا يجب ان نزرع غرسة
تربوية في كـل مدينة وبلدة وقرية، لأن صناعة الانسان تبدأ من المدرسة، حيث ان صناعة
التربية اضحت صناعة من كبريات الصناعات العالمية كما قلت في غير مناسبة.
وهكذا بين الطلقة والطلقة، وبين المجزرة والمجزرة،
كنا نغامر بأن نوظف امكانياتنا الرسمية والحركية من اجل ان نؤسس صروحاً تربوية حيث
امكننا ذلك.
الليلة، وفي هذا المساء الرمضاني، نجتمع بدعوة من
مؤسسات امل التربوية التي شاركنا في عرس من اعراسها هذا الصيف، بإفتتاح مجمع
التحرير التربوي على تلة من تلال عامل في السلطانية، والتي افتتحت مؤسسة جديدة بصمت
ودون اعلام على اسم الشهيد حسن قصير في بيروت، والتي اطلقت خلال الاعـوام المنصرمة
عدداً من المؤسسات والصـروح التربوية هـي
-
مؤسسة الامام الصدر في الهرمل
-
مؤسسة الشهيد محمد سعد ـ العباسية
-
مؤسسة الشيهد محمد يعقوب ـ بعلبك
-
مؤسسة الشيهد بلال فحص ـ تول
-
مؤسسة الشيهد مصطفى شمران ـ البيسارية
نجتمع لاشهد امامكم انه سيكون لنا موعد قريب في
الجنوب لاطلاق مؤسسة شهداء الخيام التربوية.
وهكذا يصير شهداء امل واسماؤهم اجنحة واعياداً
ووطناً للامل، فيعصمون الاجيال وترتفع حجارة اشواقهم مؤسسات تربوية يهدل فيها الحرف
والحمام، وننسج من اثواب حكاياتهم مقاعد للدراسة فلا يضيع همس خطوهم في الوقت.
ايها السادة،
يعـرف الجميع وتعرفون انني امسك عن الكلام في رمضان،
الا في مناسبة وحيدة تغلبني على امري كل عام هي الافطار السنوي لمؤسسات امل
التربوية.
ورعايتي لهذه المناسبة هي لجملة اسباب :
اولها انني اشعر بالفخر لارتفاع هذه الصروح التربوية
وللنتائج التي تحققها، وثاني تلك الاسباب هو لتقديم الشكر الى اصحاب الايادي
البيضاء الذين لم تهتز ثقتهم بأن حركة امل هي السباقة الى المقاومة، هي السباقة الى
تقديم الانموذج التربوي لابنائنا.
واتوجه الى هؤلاء الاخوة في جناحي الوطن المقيم
والمغترب، من سياسيين ورجال اعمال ومواطنين قدموا جزءاً من قوت عيالهم تبرعاً
بالشكر، وشكري هو هذه المؤسسات النماذج التي نقدمها على اسماء الشهداء.
كما ان المناسبة فرصة لتقديم الشكر لوزارة التربية
والتعليم المهني والعالي على شراكتها في المسؤولية عبر الفروع المهنية والاكاديمية
في مختلف المؤسسات.
ايها السادة
في هذه المناسبة، وعلى ضوء الجهود التي نبذلها في
سبيل سياسة تربوية، ولأن التربية تمثل العملية المهيئة للحياة وليست اختباراً لحسن
نوايا الدولة او المؤسسات التربوية تجاه الطالب، او لحسن قيام الطالب بالواجبات
المدرسية واجتيازه الامتحانات بنجاح، فإنني ادعو المكتب التربوي لحركة امل ومجلس
ادارة مؤسسات امل التربوية الى المبادرة بقيادة تحرك تربوي من اجل :
-
صياغة قانون عصري للجامعة اللبنانية.
-
صياغة قانون عصري ينظم ترخيص وعمل الجامعات
الخاصة.
-
مجلس اعلى للتربية ينظم العلاقة بين التربية
وحاجات سوق العمل.
-
توجيه الطلاب نحو الاختصاصات التي يحتاجها سوق
العمل.
-
ايجاد علاقة بين التربية والتعليم المهني.
-
القيام بمراجعة منهجية منظمة للائحة الاختصاصات
والاختصاصيين، وذلك من اجل تلبية حاجات العمالة والتنمية بل من اجل تجديدها.
-
اقامة انواع جديدة من مؤسسات التعليم بعد الثانوي،
من اجل تدريب اليد العاملة الماهرة والفنيين على المستوى المتوسط.
-
ادخال تكنولوجيا التربية بأشكالها المختلفة في
مختلف مراحل التعليم.
اكتفي بهذا القدر على مستوى العناوين التربوية التي
يجب ان نسعى الى تحقيقها، مؤكداً ان على مؤسسات امل التربوية النهوض بجملة مسؤوليات
تجاه طلابها ابرزها :
تربية طلابها على الديموقراطية وتوسيع خيارلتهم
وتمكينهم بدءاً بالسماح لهم ببناء منظمات طالبية وشبابية.
تربية الطلاب وتعزيز دوافعهم وحوافزهم للمشاركة في
كل جوانب التنمية، وصولاً الى المشاركة في كل ما يصنع حياة المجتمع والدولة.
ان مؤسساتنا التربوية مسؤولة عن بناء وعي دستوري
وقانوني.
ان مؤسساتنا التربوية يجب ان تلعب دوراً في النظام
التربوي الوطني، لتحويل المؤسسات التربوية الرسمية والخاصة الى المكان الامثل
لازالة كل تلوث طائفي او مذهبي يضرب الجسم الوطني بدءاً بالجسم الطالبي.
ان مؤسساتنا التربوية يجب ان تضطلع بدور خاص في نشر
وعي على مساحة طلابها وعلى مساحة المؤسسات التربوية حول الوقائع الدولية والاقليمية
الضاغطة على الوطن وعلى الامة، وكشف الحقائق المتعلقة بالارهاب والمقاومة وصناعة
السلام بدءاً مـن :
اولاً : ان اسرائيل تمثل في نشأتها وفي تأسيسها
وتكوينها انموذجاً للارهاب المعاصر خصوصاً الارهاب الرسمي.
ان قيام اسرائيل تأسس على شريعة قتل الاغيار من غير
اليهود وتشريع ذلك دينياً وسياسياً، وبالتالي ارتكاب المجازر وتشريد الشعب
الفلسطيني والاستيلاء على ممتلكاته، وممارسة العدوان على دول الجوار وتهديد الامن
العربي برمته.
لقد تجاوز الارهاب الاسرائيلي وطيلة الخمسين سنة
المنصرمة ما يسمى بأرض الميعاد الى لبنان وسوريا والاردن ومصر والعراق وصولاً الى
اغتيال القادة في انحاء متفرقة من الدول العربية والعالم.
لقد كسر الارهاب الاسرائيلي كل قواعد اللعبة الدولية
الى الاعتراف بأن اسرائيل دولة نووية.
لقد سبق ذلك ان استعملت القوات الاسرائيلية خلال
عملياتها وحروبها ضد العرب الاسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً والذخيرة المستنفذة،
ورمت العرب بالقذائف المسمارية والانشطارية وقذائف النابالم والقنابل الفراغية.
ان طلابنا يجب ان يقرؤا السجل الاجرامي الحافل
للمستوى السياسي في اسرائيل.
إن طلابنا يجب ان يتعلموا المقاومة كما يتعلمون
القراءة او الحساب او التكنولوجيا.
إن طلابنا يجب ان يدركوا ان المقاومة هي السبيل
الوحيد لردع العدوان على اوطانهم وازالة الاحتلال الاسرائيلي.
إن طلابنا يجب ان يحفظوا عن ظهر قلب ان المقاومة هي
نتيجة للاحتلال والعدوان والقتل والتدمير والتنكيل والتشريد، وحروب اسرائيل ضد
بلدنا وضد اشقائنا.
إن طلابنا يجب ان يعلموا ان هناك فرقاً كبيراً بين
الارهاب الذي تمثله اسرائيل وبين المقاومة الاسطورية التي سجلها شعبنا بأسلحته
المتواضعة مقابل احدث الاسلحة التي يملكها العدو.
ان المستوى الذي يدير الشأن التربوي العام والخاص في
لبنان، يجب ان يعمم رفض تشويه صورة المقاومة، ومحاولة قلب الحقائق الجارية، ومحاولة
تحويل لبنان من ضحية الى متهم.
ان طلابنا يجب ان يتعلموا ان من حقنا ازالة الاحتلال
عن كل ذرة من ترابنا الوطني.
واقول لطلابنا وللعالم ان المنطق الدولي الذي اجاز
مقاومة النازية هو نفس المنطق الدولي الذي يجيز لشعوبنا مقاومة الصهيونية.
اننا على المستوى الفلسطيني نرفض تحويل الضحية الى
جلاد ومحاولة وصم منظمات المقاومة الفلسطينية بالارهاب.
اننا نستغرب ان يتجاهل العالم حقيقة شارون والمذابح
التي اقترفها منذ العام 1956 وحتى اليوم.
اننا نستغرب ان يتجاهل العالم البؤس الذي يعيش فيه
الفلسطينيون في مخيماتهم، وان يعتبر قصف مخيم عايده او بيت لحم وخان يونس وبيت جالا
هو استعمال لحق الجيش الاسرائيلي بالرد.
اما بالنسبة الى السلام فإن مؤسساتنا التربوية
الخاصة وعلى مساحة العالم، عليها ان تربي طلابنا على ادراك إن السلام حاجة عربية
وهو حاجة لبنانية وسورية وفلسطينية ملحة.
الا ان ثقافة السلام بالنسبة لأجيالنا يجب ان تنطلق
من تمسكنا بالسلام العادل والشامل تحت مظلة الامم المتحدة وقرارات مجلس الامن 242 و
338 و 425 ومرجعية مدريد.
إن التطلع الى الامام واعطاء زخم جديد لعملية السلام
يعتمد على جاهزية القوى العظمى والفاعلة بوقف معاملة اسرائيل كإسثتناء لا تنطبق
عليه القرارات الدولية، وكذلك تطبيق المعايير الدولية في الرقابة على انتاج ومخزون
اسلحة الدمار الشامل وخصوصاً الاسلحة النووية التي تمثلها اسرائيل.
ان الحقيقة التاريخية الكامنة خلف العجز الدولي عن
بناء السلام، سببه تخلي القوى العظمى والفاعلة عن لعب دورها في وضع المعايير
الواضحة لهذا السلام، ومحاسبة من لا يلتزم بها، ووضع الضوابط لمنع اسرائيل من عرقلة
فرص احلام السلام، والتي تبدأ برفض المعادلة الاسرائيلية المبنية على الامن مقابل
السلام ولأن الامن هو نتيجة للسلام، والزام اسرائيل وقف العنف واللجوء الى القوة
وليس ادانة العنف المفرط الذي يتسبب بموت اكثر من اللازم في فلسطين المحتلة، وكذلك
وقف الاستفزازات ضد لبنان.
ان السلام يتطلب ليس وقف الاستيطان فحسب بل تفكيك
المستوطنات وتفكيك حكومة الحرب التي يرأسها شارون لأثبات نضوج وملاءمة المستوى
السياسي والمجتمع الاسرائيلي للقبول بثمن السلام.
اننا اليوم وازاء التحركات الاميركية والاوروبية
المتعلقة بعملية السلام والمواقف والتصريحات، وحركة الوفود والمبعوثين التي تؤشر
الى الرغبة في تحقيق خطوات سريعة فإننا نرى ان المطلوب :
اولاً : عقلانية وموضوعية في تحليل ظاهرة الارهاب،
اذ لا يمكن الفصل بين الارهاب والسلام، والاقرار بأن الارهاب الرسمي الذي تمارسه
اسرائيل هو السبب الواضح لرفع وتيرة العنف في المنطقة.
ثانياً : تأكيد الالتزام بحق الشعب الفلسطيني في
العودة وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وبلبنانية مزارع شبعا
ووضع آلية للانسحاب منها، وبوديعة رابين الانسحاب من الجولان العربي السوري حتى
حدود الرابع من حزيران.
ايها الاعزاء
ان ابناءنا يجب ان يتعلموا ان وحدة المصير والمسار
تعني التضامن والتكافل بين الاشقاء، لحماية مصالحهم المشتركة وصناعة المستقبل الذي
لا يخضع للتهديد من قبل اسرائيل.
ان ابناءنا يجب ان يعلموا وان يتعلموا ان سوريا تمثل
عمقهم الاستراتيجي وشريكاً اقتصادياً عربياً مثالياً، وانها وقفت الى جانب لبنان في
عز محنته، وانها اخذت بيده نحو سلامه الاهلي ونحو تحرير ارضه، وان الحرية
والديموقراطية حاجتان لبنانيتان لا تتعلقان بسوريا بل تتعلقان بالمفاهيم التي يجب
ان نربي اجيالنا عليها، بحيـث ننشد الديموقراطرية كاسلوب حياة لا كحدث انتخابي،
وننشد الحرية بصفتها صرخة ومقاومة ضد المحتل الاسرائيلي الذي جعل وطننا حقـل رماية
لاسلحته طيلة عقود خمسة، وهو لا ينفك يخرق حرمة اجوائنا ومياهنا الاقليمية ويملأ
ارضنا بالالغام ويحتل مزارع شبعا وتلال كفر شوبا.
ان مؤسساتنا التربوية ونظامنا التربوي يجب ان يركز
على التحولات المتوقعة على المستوى العالمي، يجب ان لا تعزل حاضرنا عن تاريخنا
المقاوم، وان تحول مقاومتنا وممانعتنا لاسرائيل ولعدوانيتها الى تهمة، ويجب ان لا
تشوه صورة معتقداتنا، ويجب ان لا تؤسس لصراع بين الاديان او الحضارات بل لحوار
واقعي وجدي.
ان الغرب يحاول ان يوهم مجتمعاتنا بالتخلف وبكره
الحرية والديموقراطية، ويحاول ان يقسم مجتمعاتنا الى جهات وطوائف وعشائر.
اننا نقول ان محاولة اعادة تصنيع مجتمعاتنا على نحو
يلائم الغرب هو في واقع الامر اعدام لكل ما حققته مجتمعاتنا على طريق صياغة سلامها
واستقرارها وامنها.
انني اوجه عناية صانعي القرار التربوي والهيئات
التعليمية الذين يمثلون السلطة القابضة على عقول اجيالنا، لتنبه الى ان العالم يعيش
في حقيقة الامر تحت ضغط قانون طوارىء دولي يجري استثماره لتحقيق العولمة الاقتصادية
والسياسية والثقافية والعسكرية والامنية.
ان احد الاهداف المتوخاة اجهاض محاولة مجتمعاتنا
العربية والاسلامية النهوض بمسؤولياتها وبناء ادوار دولها وفق حاجات ومصالح شعوبها
وبما يحفظ معتقداتها وتراثها وتاريخها وحضارتها.
ايها الاعزاء
لقد اطلت عليكم ولكني قلت اني اصوم عن الكلام في هذا
الشهر الا في افطار مؤسسات امل التربوية، التي تستحق منا ادارة وهيئات تعليمية ليس
الاطراء فحسب وليس الشكر والتنويه فحسب، بل ان نقدم لها العون المادي المحسوس من
اجل ان تستمر بتفسير احلامنا، وتحويل اسماء عناويننا المقاومة وشهدائنا الى صروح
تربوية.
اننا بذلك نقدم تحيتنا الرمضانية الى الذين حولوا
شظايا اجسادهم الى مدارس للحرية، ولاياديهم الاليفة التي غزلت يومنا المدرسي وشبكات
الطرق والمياه والكهرباء والهاتف، والتي تمضي لتؤلف نظرة ناضجة الى الوطن، وطفولة
تثابر على البراءة، واياد تغسل صباح لبنان.
عشتم
عاش لبنان