E-23-السجون
الأحد 30 تشرين الأول 2011
E-21-حقوق اللاجئين غير الفلسطينيين في لبنان
الأحد 30 تشرين الأول 2011

E-22- الحماية من التدخل في الحياة الخاصة -التنصت

home_university_blog_3


22-الحماية من التدخل في الحياة الخاصة (التنصت)



قانون حقوق الانسان، وإن لم ينص صراحة على منع التنصت، الا أنّه شدّد على احترام حق الخصوصية وعدم تقييده إلا بموجب القانون وفي حدود حماية أمن المجتمع.

 

إن الدستور اللبناني يشدد في المادة 8 منه على الحرية الشخصية للأفراد، والمادة 14 تنص على احترام حرمة المنزل. على الرغم من ذلك، فإنَّ الكثير من الممارسات السياسية والأمنية للسلطات منذ الإستقلال شكلت تقييداً لبعض هذه الحريات.

 

I-     الواقع القانوني

 

أولاً:  التشريعات الدولية

إن التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان بشكل عام والمعاهدات الدولية بشكل خاص، لا تتضمن نصاً صريحاً يمنع التنصت على الإتصالات الهاتفية أو مراقبة الإتصالات والمراسلات الخاصة بين الأفراد والمواطنين. إلا أنها تؤمن بشكل عام الحماية من التعرض للتدخل التعسفي في حياة الأفراد الخاصة مع ما يشمل ذلك من حماية من التدخل في حياة الأسرة والمسكن والمراسلات عموماً.

 

ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 12 منها على أنه "لا يعرّض احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو اسرته أو مسكنه أو مراسلاته او لحملات على شرفه أو سمعته. ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات"[1].  إن قواعد شرعة حقوق الانسان اكتسبت صفة "القاعدة الآمرة" والتي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها.

 

يؤكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في المادة 17 منه على عدم جواز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني للتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته[2]. لا بد من الإشارة إلى أن المادة 4 من العهد تسمح للدول بشكل ضيق أن لا تتقيد ببعض الإلتزامات المترتبة عليها تحت هذا العهد في حالات الطوارئ الإستثنائية، على أن لا يؤدي هذا الإجراء إلى مخالفة إلتزامات أخرى في القانون الدولي[3]. على أنه عند إعلان الطوارئ يفرض العهد عليها أن تبلغ الدول الأعضاء بالبنود والأحكام التي لم تتقيد بها والأسباب التي دفعتها لذلك عن طرق الأمين العام للأمم المتحدة[4]. ولبنان قد أعلن حالة الطوارئ مدة طويلة إلا أنه لم يعلم الأمين العام في أي من المراحل عن نيته تعليق تطبيق أي من مواد العهد بما فيها المادة 17 من هذا العهد.

 

 

 

 

ثانياً: البنية التشريعية والقانونية في لبنان

 

‌أ-  الدستور اللبناني

لم يلحظ الدستور مادة خاصة حول احترام حق الخصوصية وحماية الأفراد من التدخل في مراسلاتهم واتصالاتهم، إلا ان المادة 14 منه تضمن حرمة المنزل ولا تسمح لأحد بالدخول إلى المنزل إلا في الأحوال المحددة في القانون. وإذا كان الدستور يهدف إلى حماية الحياة الخاصة فإن روحية المادة 14 لا بد وأن تكون في اتجاه حماية الفرد من التدخل في حياته الخاصة ومراسلاته واتصالاته، نظراً لأن محادثات الإنسان ومراسلاته ومنزله تدخل ضمن إطار الحق في الخصوصية.

 

ب- التشريعات العادية

حتى العام 1999 لم يكن في لبنان قانون يرعى التنصت، إلا أنه ونظراً لتفشي التنصت غير الشرعي، ارتفعت الاصوات داخل البرلمان وخارجه لأجل وضع تقنين ينظم الأمر، ويحد من اعتباطية الاجراءات ويجعل التنصت محدداً وفق أصول وأطر معينة يمارسها جهاز منوط قانوناً بمهمة التنصت ويمارس صلاحياته بموجب تكليف أو طلب من الجهة المختصة قانوناً، فتم إصدار القانون رقم 140/1999.

وبموجب القانون 140/1999، يعاقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسين إلى مئة مليون ليرة لبنانية كل شخص يعترض أي مخابرة خلافاً لأحكام هذا القانون. كما يعاقب بالعقوبة عينها كل من حرض أو اشترك أو تدخل في الجرم أو استنسخ أو احتفظ أو أفشى معلومات استحصل عليها لدى اعتراض المخابرات بناء على تكليف السلطات المختصة أو أقدم على اعتراض المخابرات في غير الأماكن المحددة في قرار الإعتراض. ولقد أعطى القانون صلاحية البت بالجرائم المرتكبة والمحددة في المادة 17 منه للمحاكم العدلية.

 

لقد تأخر تطبيق قانون 140/1999 حتى صدور المراسيم التطبيقية في العام 2005. وقد أدى التأخر في إصدار هذه المراسيم إلى عدم تطبيق هذا القانون مدة ست سنوات. جدير بالذكر أنه حتى هذه المراسيم لم تطبق إلا بدءاً من 3/2/2009، حيث بوشر اعتباراً من هذا اليوم بتنفيذ الأحكام القانونية والتنظيمية الخاصة بالتنصت.

إنَّ حداثة دخول هذا القانون حيز التنفيذ تجعل من الصعب التكهن المسبق بمدى نجاحه في تنظيم وتضييق حدود التنصت وحماية حقوق الأفراد. وإن قانون 140/ 1999 المستمد من القانون الفرنسي لسنة 1991 يبدو كخطوة متطورة في مراعاة المعايير الدولية المعتمدة في قانون حقوق الإنسان. فنصوص هذا القانون التي تنظم عمليات التنصت تتميز بالوضوح بشكل مقبول، وهي غير ملتبسة.

 

II-  الوضع الراهن في لبنان

 

أولاً:  التحديات والصعوبات

ان المتابعة المعمقة لهذا الملف تظهر أن هناك عمليات تنصت تتم ويمكن أن تتم خارج القنوات أو الأماكن الرسمية، فحتى آب 2005، تحدثت تقارير عن أن التنصت يمارس من قبل المديرية العامة للأمن العام ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني. كما أن هنالك جهات غير رسمية من المرجح أن تقوم بعمليات تنصت من داخل أو خارج الأراضي اللبنانية. كما أنه من المرجح أن عدداً من النافذين يملكون أجهزة متطورة للتنصت. يضاف إلى ذلك أن هناك عدداً من منصات التنصت العالمية الموجودة في قبرص والمنطقة بشكل عام والتي بوسعها التنصت على الاتصالات في مجالات جغرافية واسعة تشمل لبنان.

إن الصعوبة ليست في حظر التنصت أو في قوننته ولكن تكمن في نقطتين أساسيتين: الأولى، مدى الإلتزام في تطبيق القانون والثانية، في القدرة على معرفة وجود التنصت أصلاً. فالتنصت الذي يحدث من أماكن مجهولة وغير محددة رسمياً من الصعب اكتشافه أصلاً حتى يتم بعدها وقفه أو تنظيمه.

 

ثانياً: الممارسات والسياسات الرسمية

إن إقرار قانون 140/1999 " يرمي إلى صون الحق بسرية المخابرات التي تجري بواسطة أي وسيلة من وسائل الاتصال"، شكل خطوة في الطريق الصحيح لوضع حد لانتهاكات الحريات الشخصية والحق بسرية المخابرات.

لكن المؤسف أن تطبيق هذا القانون قد تأخر حتى العام 2005، بسبب تأخر صدور المراسيم التطبيقية. إنَّ هذا التأخير يظهر غياب الإرادة الحقيقية لدى بعض مواقع القرار لمكافحة عمليات التنصت.

إنه لمن المؤكد أن التاريخ الحديث للبنان في أغلب مراحله وحتى بعد الإنسحاب السوري شهد ولا يزال استعمال التنصت بهدف جمع المعلومات السياسية والأمنية. وإذا كان الغطاء لعمليات التنصت حماية الأمن الوطني، فإن الوقائع أظهرت أنَّ معظم عمليات التنصت تمَّت لأهداف سياسية ضد المعارضين للنظام. لقد أدت هذه الممارسات الى انتهاك الحريات الخاصة بحجة حماية المصلحة العامة.

 

III-      التوصيات

 

1.      على المستوى القانوني

 

أ‌-        تنزيه القانون من الشوائب والثغرات

إن وجود نقاط سلبية في القانون رقم 140/1999 يوجب اجراء بعض التعديلات التي من شأنها تعزيز الأمان القانوني في التشريع، وملاءمة هذه النصوص بما يتناسب والواقع اللبناني. وبناء عليه يقتضي:

-        تحديد الحالات التي يجوز فيها التنصت حصراً وبدقَّة.

-        اعطاء صلاحية الإشراف على التنصت لقاضي التحقيق الأول، وايلاء السلطة التقريرية لهيئة قضائية اخرى.

-        تضييق شمولية الحق بالاعتراض في ملاحقة جرائم يعاقب عليه بالحرمان من الحرية لمدة لا تقل عن سنتين بدلا من سنة.

-        النص على جواز الطعن بقرار التنصت القضائي ( المادة 2).

-        تحديد صريح بعدم جواز تمديد التنصت بقرار من المرجع نفسه ووفق الآلية نفسها إلا لمرة واحدة (المادتان 3 و9 من القانون 140/1999).

-        لتضيق هامش استقلالية موظف الضابطة العدلية الذي يقوم بمباشرة التنصت الشرعي.

-        تحديد مفهوم وهدف التنصت بجمع المعلومات في سبيل مكافحة الإرهاب، والجرائم الواقعة على امن الدولة، والجرائم المنظمة، حصراً في حالة وجود شبهة تبرر اتخاذ مثل هذا الإجراء.

-        النص صراحة على معاقبة وتشديد عقوبة افشاء معلومات ناتجة عن تنصت غير مشروع.

-        النص صراحة على معاقبة وتشديد عقوبة استخدام المعلومات لأهداف شخصية أو للتنكيل بالسياسيين.

-        النص صراحة على معاقبة وتشديد عقوبة الإستغلال السياسي لقرارات اعتراض مخابرات النواب بناء على قرار قضائي .

-        عدم جواز الإستناد إلى القوة الثبوتية للمحاضر المنظمة في معرض اعتراض الإتصالات، كسبب كاف للإدانة، وعدم اعتبار المكالمات التي حصل عليها بهذه الطريقة كإقرار على أن يستفاد منها فقط في رصد تحركات الجناة والإستفادة من ذلك لكشف الجريمة.

 

ب‌-     تطوير القانون رقم 140/1999 بادخال التعديلات التي تساهم في حماية حقوق الافراد

لقد كان الأجدى بالمشرع اللبناني الذي استعار معظم نصوص قانون 1999 من القانون الفرنسي، أن تضمّن نصوص القانون اللبناني تحديداً مشابهاً لما هو مذكور في القانون الفرنسي حول  "حالات الضرورة القصوى" المذكورة في المادة 2 من القانون 140/1999.

إضافة الى ذلك كان المجدي تحديد مدة التنصت بفترة محددة كما هي الحال في القانون الفرنسي. وبالرغم من أنَّ مناقشات النواب في جلسة اقرار القانون المذكور في 12 و13 تشرين الأول من العام 1999، وتحديداً في مداخلات رئيس المجلس والنواب لاسيّما في ما يتعلق بالمادة التاسعة منه، تؤكد نية المشرع أن تكون هذه المهلة محددة بسقف التمديد لمرة واحدة، جاء النص غامضاً لا يعكس نية المشرع، الأمر الذي كان يفضل تجنبه بإيراد نص صريح يحدد المدة القصوى للتمديد. 

 

2.      على المستوى التقني

 

أ‌-        رفع الحماية التقنية لشبكات الاتصالات

رفع المعايير الفنية المستخدمة لدى شبكات الهاتف الخليوي والهاتف الثابت المعتمدة في لبنان. وهذا يكون عبر إضافة شروط فنية على الشبكات العاملة كي تلزم كل شركة أو مؤسسة برفع مستوى حماية خطوطها بشكل لا يبقى معه اختراقها من الناحية التقنية أمراً سهلاً. لقد أكد بعض المصادر أنَّ نظام التشفير المعتمد في لبنان لشبكات الخليوي لديه ستة مستويات من التشفير وشبكات الخليوي اللبنانية تعتمد مستوى منخفض من التشفير، أي أنها لا تعتمد على نظام حماية كافٍ مما يجعل التنصت على هذه الشبكات عملية سهلة. إن رفع الحماية إلى درجة عالية قد لا يلغي امكانية التنصت بشكل مطلق لكنه حتماً سيجعلها أكثر صعوبة وأعلى تكلفة مما يقلص من امكانية اختراق الشبكة إلى حدود متدنية.

 

ب‌-       رفع الحماية التقنية للمعلومات البيانية )داتا الاتصالات(

رفع الحماية لداتا الاتصالات وبنك المعلومات ووضع اجراءات تقنية محددة لضمان اتلاف المعلومات بعد استعمالها ضمن المهل القانونية المحددة لذلك.

 

3.      على المستويين الإداري والسياسي

 

‌أ-        اصلاح الأجهزة الأمنية والإدارية

إن وضع قانون لتنظيم وتقييد التنصت هو خطوة في الطريق الصحيح لكنها غير كافية اذا لم تقترن بالتطبيق السليم والاحترام الكامل لمضمون هذا القانون. وذلك يتطلب إصلاحًا جذرياً للأجهزة الأمنية المعنية التي عانت اختراقات أمنية وسياسية منذ سنوات طويلة. إن إصلاح هذه الأجهزة وإبعاد أي تدخل سياسي أو غير قانوني عنها هو ضرورة للحد من التعدّي على الحريات الشخصية وحقوق المواطنين. يستدعي ذلك أيضاً وجود قضاء مستقل وفاعل لقمع أي مخالفة لنصوص القانون في هذا المجال.

‌ب-    تركيب وتشغيل الأجهزة التقنية اللازمة والكادر البشري والتقني الكافي لبدء مركز التحكم الخاص في عمله.

‌ج-     تفعيل عمل الهيئة المستقلة المنوط بها التثبت من قانونية اجراءات الاعتراض الإداري، وتأمين الكادر الإداري والقلم مع ما يستلزم ذلك من موارد ولوازم وقرطاسية.

 

‌د-       توافر إرادة سياسية لاحترام القانون

المطلوب توافر توافق سياسي وارادة سياسية لاخراج التنصت من دائرة الاستغلال السياسي والابتزاز، وهذا يفرض دوراً على النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة بتحمل مسؤولياتها ورفع الغطاء عن اي مسؤول ينتهك القانون.

 

4.      على المستوى الاجتماعي

تنشيط وتشجيع ثقافة حقوق الإنسان بين المواطنين من أجل احترام الحرية الشخصية للفرد وحقه بالحماية من التدخل في مراسلاتهم واتصالاتهم. وهذا يساعد على تشكيل رأي عام ضاغط معادٍ لأي تقييد لهذه الحقوق عبر ممارسات التنصت أو أي مخالفة لروحية ومضمون قانون 1999. كما أن دور الصحافة لا يقل شأناً في المساهمة في تسليط الضوء على اي استمرار للانتهاكات.



 [1] المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان Available at: http://www.unhchr.ch/udhr/lang.arz.

[2]  المادة 17، العهد العالمي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. اعتمد وعرض للتصديق والانضمام بقرار الجمعية العامة 2200 /ألف المؤرخ في 26/12/1966. دخل حيز التنفيذ في 23/3/1976.

[3]  المواد التي لا يسمح بتعليقها تحت المادة 4، هي المواد 6، 7، 8 ( الفقرتان 1 و2 )، 11، 15، 16، و 18.

[4]  المادة 4، العهد العالمي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. اعتمد وعرض للتصديق والانضمام بقرار الجمعية العامة 2200 /ألف المؤرخ في 26 /12/1966. دخل حيز التنفيذ في 23 /3/1976.