ما
يزال رئيس المجلس نبيه بري ينتظر ردّ رئيس الحكومة البتراء فؤاد السنيورة على مطلب
المعارضة تراجع مجلس الوزراء عن قراريه المتعلّقين برئيس جهاز أمن المطار العميد
وفيق شقير وشبكة الاتصالات الهاتفية لحزب الله. ظنّ رئيس المجلس أنه كان في الإمكان
تجنّب ما حدث في الساعات المنصرمة في الجبل لو استعجل الرئيس السنيورة جمع وزراء
حكومته لإلغاء القرارين، لأنه كان سيفعل ذلك في نهاية المطاف.
وحملت تطورات اليومين الأخيرين الرئيس بري على توجيه الانتباه إلى المعطيات الآتية:
1 ـ
ما إن تلغي حكومة الغالبية قراريها وتعلن قوى 14 آذار موافقتها على مباشرة الحوار،
حتى يحدد الرئيس برّي فوراً موعد طاولة الحوار التي ستنعقد في جلسات مفتوحة إلى أن
يتفق المجتمعون على سلة التسوية السياسية متكاملة وبلا أدنى لبس. ويقول الرئيس برّي
إنه لن يطيل المدد الفاصلة بين جلسة وأخرى إذا اقتضى عقد أكثر من جلسة، ولن يعلن
ارفضاض الحوار إلا بعد تصاعد الدخان الأبيض على طريقة الفاتيكان. وما إن يجلس
المتحاورون إلى الطاولة حتى تفتح كل الطرق في بيروت ويُرفع العصيان المدني، وكذلك
يستأنف المطار الملاحة وحركته الطبيعية. وهو مؤشر إلى ارتباط هذه المظاهر بموافقة
الغالبية على الدخول في حوار مع المعارضة.
أضاف الرئيس برّي أنه لم يعدّل جدول أعمال الحوار الوطني الذي لا يزال يقتصر على
بندين هما حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب. وأشار أيضاً إلى أن لا نيّة
لاستغلال النتائج العسكرية في التسوية السياسية، وما كان ينادي به قبل هذه لا يزال
سارياً، لأن المطلوب تسوية مقبولة للطرفين.
2 ـ أبلغ الرئيس بري إلى القائمة بالأعمال الأميركية ميشال سيسون وإلى السفيرة
البريطانية فرانسيس ماري غاي، رداً على استفساراتهما عمّا يجري في لبنان، أن تطورات
الساعات الأخيرة أتاحت للحكومة المخرج المشرّف واللائق للتراجع عن قراراتها،
وخصوصاً بعد بيان قيادة الجيش في هذا الشأن. وكانت الحكومة قد احتكمت إلى المؤسسة
العسكرية لتحديد الموقف من قراري جلسة 5 أيار. لكن الرئيس برّي لم يلمس رغبة
الدبلوماسيتين الأميركية والبريطانية في إبداء موقف من الحوادث الأخيرة، وقد سعتا
إلى استكشاف موقف المعارضة وخطواتها التالية، وبدتا مهتمتين بما يجري في الجبل
خصوصاً.
واسترعى انتباه رئيس المجلس ردّ فعل واشنطن على حوادث بيروت، فلم يغالِ الأميركيون
في التهديد والتحذير على غرار ما فعلوا في ظروف أقل وطأة وتهديداً لحكومة السنيورة
في معرض إبداء الدعم والتأييد لها، واكتفوا في موقفهم الثاني بإبداء الارتياح إلى
تراجع العنف بالتزامن مع انتقادهم ما أقدم عليه حزب الله. على أن المعطيات
المتوافرة عن الموقف الأميركي في بيروت تشير إلى أن سيسون أبلغت كلّ مَن استفسر
منها عن موقف إدارتها من التطورات الأخيرة ومسارها المقبل، بأنها تدعم كل ما يقرّره
الحريري وجنبلاط. وما يتحدّث عنه برّي يلاقيه فيه مسؤولون آخرون في المعارضة فاجأهم
ردّ الفعل الأميركي على ما عُدّ انقلاباً على الشرعية التي يمثلها السنيورة، الأمر
الذي حمل هؤلاء على الاعتقاد بأن واشنطن غير جاهزة في الوقت الحاضر لتحرّك حاسم في
لبنان يعوّم وجود الغالبية في الحكم، وقد انهارت من تحتها الأرض، ومن فوقها القدرة
على ممارسة الحدّ الأدنى من السلطة والصلاحيات حتى.
3 ـ ويرى رئيس المجلس في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة أن نجاح الوساطة
العربية الجديدة ينبغي أن يقترن بتفسير عربي موحّد للمبادرة العربية، والمقصود بذلك
أن لا حلّ خارج السلة السياسية المتكاملة. وهو ما كان أسرّ به الرئيس برّي قبل أيام
للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، إذ دعاه إلى توافق الوزراء العرب على
تسوية غير ملتبسة كي لا يقع الجميع في خطأ التفسير، ولئلا تخفق جهود الجامعة
العربية مجدّداً.
4 ـ وكان رئيس المجلس قد أبلغ إلى جنبلاط، الجمعة الفائت، أنه في صدد تحييد المنطقة
عن الصراع، وبذل اليوم في ثلاث مكالمات هاتفية مع قائد الجيش العماد ميشال سليمان،
وأخرى مع النائب جنبلاط والوزير السابق طلال أرسلان، وكذلك مع الأمين العام لحزب
الله السيد حسن نصرالله، جهوداً لإيجاد المخرج الذي اقترحه الرئيس برّي وأعلنه
النائب جنبلاط مساءً بتسليم المنطقة إلى الجيش.