حاضر رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري امام حشد من
ادارة واساتذة جامعة جورج تاون في الدوحة عن الديموقراطية التوافقية ـ تجربة لبنان
ـ بحضور عقيلته السيدة رنده بري وسفير لبنان في قطر حسن سعد ومدير عام المغتربين
هيثم جمعة وحشد من ممثلي وسائل الاعلام في الدوحة والمهتمين.
وفي مستهل اللقاء ألقى الرئيس بري كلمة مقتضبة عن الوضع العام في لبنان قال فيها :
اصحاب المعالي والسعادة
ادارة واساتذة جامعة جورج تاون
الحضور الكريم
ممثلي وسائل الاعلام
بداية اود ان اشكر ادارة جامعة جورج تاون على
تنظيمها لهذه الفعالية الثقافية – العلمية ودعوتي لالقاء هذه المحاضرة ، واود هنا
كذلك ان اشكر سعادة سفير لبنان على جهوده المخلصة لترتيب هذا اللقاء واعداد برنامج
زيارتنا الى دولة قطر .
بداية سأعرض قليلا" للوضع في لبنان قبل ان ادخل صلب العنوان الذي نحن بصدده في هذه
الندوة
انني من دولة قطر ، ومن الدوحة التي احتضنت الحـوار اللبناني برعاية اميرها وبمسعى
من رئيس وزرائها ، وانتج التفاهم والاتفاق بين القادة اللبنانيين على ما يعرف بـ
اتفاق الدوحة بتاريخ الحادي والعشرين من ايار – من هنا – من بوابة العرب المفتوحة
على الامل ، يسرني ان اعلن ان التزام جميع الاطراف اللبنانيين بإتفاق الدوحة ثابت
ولا يرقى اليه الشك تجاه أي بند ، وقد تم بموجب هذا الاتفاق وبعد اربعة ايام على
توقيعه في الخامس والعشرين من ايار 2008 25/5/2008 انتخاب المرشح التوافقي العماد
ميشال سليمان رئيسا" للجمهورية كذلك تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وكذلك تم اقرار
قانون للانتخابات النيابية وفقاً لذات الاتفاق واستؤنف ايضا الحوار، حتى الآن عُقدت
جلستان، وايضا اقر المجلس النيابي قانون المجلس الدستوري.
ومن دولة قطر ، ومن دوحة الوفاق والحب ، يسرني التأكيد انه وبنتيجة السير قدما" في
اتفاق الدوحة فقد شهد لبنـان جملة مصالحات اساسية وهامة وهي ستستكمل بالتـأكيد ،
لأن كل الاطراف ابدت رغبة صادقة في انجازها ، والتأخير في انعقاد مصالحة هنا او
هناك يتعلق بالشكل وبمقدار تحجيم او تدوير الزوايا لا اكثر ولا اقل.
وهنا اسمحوا لي ان استغل المناسبة للتقدم بالشكر الجزيل الى دولة قطر واميرها صاحب
السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وولي عهده الامين ، والحكومة ومجلس الشورى
والقوات المسلحة القطرية ، على ادوارهم المتنوعة في مساعدة لبنان عبر اعمار اكثر
المدن والبلدات دمارا" وتضررا" جراء الحرب الاسرائيلية المدمرة على لبنان ، وشمول
ذلك العبادة والمؤسسات التربوية والصحية بالمساعدة القطرية وكذلك مشاركة بلدان
عربية اخرى في هذا الميدان ، وكذلك مشاركة قوات الامم المتحدة المؤقتة في جنوب
لبنان ( اليونيفل ) في جانب اساس من مهامها لتطبيق القرار 1701 .
وطالما ان الحديث عن الحرب واثارها على لبنان ، فإنني اذكر العالم وفي الطليعة
الاشقاء بحاجة لبنان الى المساعدة المادية والتقنية لاستكمال عملية ازالة الالغام ،
وخصوصا" القنابل العنقودية الاسرائيلية التي هي مصيدة
لاطفالنا وابنائنا في جنوب لبنان والتي وضعتها اسرائيل امانة لها بعد الاتفاق وبعد
اقرار القرار 1701 وبعد اعلان وقف الاعمال العدوانية، اذكر انه ابتداءاً من صباح
الاثنين الساعة السابعة صباحا القت الطائرات الاسرائيلية مليونين واربعماية الف
قنبلة عنقودية وهي من دون اية مبالغة كل خمسة او ستة ايام او يومين، كل اقل من
اسبوع تقع ضحية نتيجة هذه القنابل، اوقعت حتى الآن ما يزيد عن اربعمئة مواطن جلهم
من الاطفال كما اوقعت عدداً من الشهداء في صفوف المنقبين من ضباط ورتباء وجنود
الجيش اللبناني وأفراد القوة الدولية.
ثم القى الرئيس بري محاضرته حول الديموقراطية التوافقية ـ تجربة لبنان ـ وهذا نصها
:
مع اتساع دور الدولة ونماذج كياناتها وثورة الحضارة في عالم ينقلب على ذاته بسرعة
مذهلة وجدت النظرية الديموقراطية نفسها ملزمة باللحاق بالتطورات فلم تتوان عن تطوير
مفاهيمها وبرز ضمن المبدأ الديموقراطي المستند الى العددية استمراريته والقدرة على
البقاء في وقت اضمحلت فيه انظمة ومبادىء اخرى او باتت تقف على مشارف الانهيار وفي
هذا تكون الديموقراطية قد ارتقت الى مستوى المسؤولية المطلوبة لمنع سقوط نظريتها
التي كانت وما تزال تشكل القاسم المشترك بين تطلعات الشعوب والمجتمعات .
ان الديموقراطية كونها كانت قادرة على انتاج وسائل تطوير نفسها وحل العقد التي
واجهت ممارستها امر يسمح بالقول ان الديموقراطية لا تصدر وهي ليست سلعة للتصدير وان
انتاجها يجب ان يكون وطنيا" انطلاقا" من ان استمراريتها مرتبطة بتناغمها الوثيق مع
تطلعات الشعوب ولذلك فمن يلجأ الى استيراد نسخة طبق الاصل عن ديموقراطية اكد الغير
نجاحها ليسقطها على ذاته ومجتمعه يكون قد ظَلَمَ وظُلم . ظَلم لأنه وسم الانموذج
الناجح عن غيره بالفشل عندما لم يندمج مجتمعه بمثل هذا الانموذج . وظُلم لأنه في
الوقت نفسه يكون قد اسس لحالة ليست في مصلحة الدولة والشعب ودائما" عندما تفشل
النظرية التي يستند اليها تكوين الحكم في الدولة تنشأ حالة اللاستقرار وتصبح
الكيانات تحت رحمة المجهول وعالمنا اليوم يزخر بالامثلة على ذلك .
نعم ان الديموقراطية الناجحة هي التي تبلورها الصناعة المحلية الوطنية وتكون منبثقة
من خصوصيات الشعب وواقعه وتكوينه ولهذا فإن عائلة الديموقراطية قد اتسعت بحيث يمكن
رصد عشرات التسميات التي تميز بين هذه الديموقراطية وتلك ومنها ما يعرف اليوم
بالديموقراطية التوافقية .
من نـافل القـول واستنـادا" الى العالم السياسي الهولندي " ارنت لبيهارت " فإن
النظرية التوافقية ولدت من الحاجة الى توسيع ديموقراطية الاغلبية المعهودة ، أي منع
الاغلبية من التسلط على الاقلية ، ومنع الاقلية من تخريب الديموقراطية ذاتها بحجة
وجود اغلبية تستبد برأيها .
وكما تؤكد مجموعة من الدراسات على عدد من مواقع الانترنت فإن الديموقراطية
التوافقية تقدم كأنموذج بديل عن الديموقراطية التنافسية او الديموقراطية التمثيلية
وهي أي الديموقراطية التوافقية – تختلف عن التنافسية او التمثيلية - بأنها تولد
وتنبع من شروط يطبعها الانقسام المجتمعي والتباينات الاثنية والعرقية والجهوية وضعف
الوحدة الوطنية وصعوبة الاستقرار السياسي وعسر ديمومته وتواتر موجات العنف
الاجتماعي .
كما هو معروف فقد بدأت مساعي بناء التوافق والنهوض بمفهوم " الديموقراطية التوافقية
" لحاجات المجتمعات غير المتجانسة من الناحية القومية ( النمسا ، بلجيكا ، هولندا ،
سويسرا وكندا ) ولم تصدر هذه المساعي عن أي نظرية مسبقة بل كانت وليدة حاجات عملية
في مجتمعات منقسمة ويمكن القول ان تطوير نموذج الديموقراطية التوافقية بدأ بهولندا
بصورة خاصة التي بدت
منقسمة الى اربع فئات بشرية رئيسية الا وهي فئات ليبرالية ، اشتراكية كاثوليكية ،
وبروتستانية . وكان لكل منها احزابه المستقلة ومنظماته الطوعية الخاصة ومدارسه
وصحفه ونقاباته بعدها تطورت دراسات الديموقراطيين التوافقيين لكي تشمل ثلاث دول
اوروبية اخرى هي بلجيكا سويسرا والنمسا وعددا" اوسع من الدول .
العوامل المساعدة في قيام الديموقراطية التوافقية .
لقد اثرت جملة من العوامل والاعتبارات في قيام الديموقراطية التوافقية واستمراها
وتطورها وتمحورت هذه العوامل حول اربعة عوامل :
1 - حجم الدول : لقد اكدت التجربة ان فرص قيام واستمرار الديموقراطية التوافقية في
الدول الصغيرة هي اكبر من فرص قيامها في الدول الكبرى .
2- التحدي الخارجي : ان قادة الدول الصغيرة يشعرون اكثر من قادة الدول الكبيرة او
المتوسطة بالتحديات الخارجية وبالحاجة الى التفاهم والتشارك بغرض حماية بلدانهم من
هذه التحديات .
3- ميزان القوى : ان التوازن النسبي بين الجماعات التي تتضمها الدولة الواحدة يوفر
فرصة افضل لقيام الديموقراطية التوافقية من غياب مثل هذا التوازن .
4- التباينات الواضحة : ان وجود التباينات الواضحة بين فئات المجتمع وكثافتها
وتراكمها يشجع على قيام ديموقراطية توافقية فيه . لأنه يخفف من شعور الغبن والاحباط
الذي يعتري بعض الاقليات عندما تشعر ان صوتها غير مسموع .
خصائص الديموقراطية التوافقية :
1 – الائتلاف الكبير او الواسع : ان الميزة الاهم للديموقراطية التوافقية هي الحكم
بواسطة الائتلاف الواسع . يطال اكبر مجموعة من الشعب المتناقض او المتباين.
وبهذا المعنى فإن الديموقراطية التوافقية ولدت ذاتها من خلال تطلعها الى كيفية ضمان
صيغة حكم ناجح في شعوب وكيانات عجزت الديموقراطية العددية عن ضمان نجاحه .
ومن هنا قد يكمن الفارق الاساسي بين النسخة الاصلية لمفهوم الديموقراطية او
الديموقراطية الام حيث ان الديموقراطية التوافقية تسقط نظريتها على الشعوب بينما
الثانية تتشكل نظريتها من جمع الحلول التي ادت الى حل المشكلات ولهذا فإن
الديموقراطية التوافقية تبقى مفتوحة لمزيد من التفاصيل التي تساهم في بناء نظريتها
وارى انه من الصعب ان تتكامل تلك التفاصيل في يوم من الايام .
ولهذا يمكن رصد بعض المعالم الاساسية التي تدخل في تكوين نظرية الديموقراطية
التوافقية من دون استكمال كل اطرها ويمكن الاشارة في هذا الاطار الى التالي :
أ – حكومة ائتلاف وطني
ب- نسبة في التمثيل
ج – الاعتراف بالفيتو المتبادل
الحضور الكريم
سأدخل الأن في صلب الموضوع وعنوان اللقاء الديموقراطية التوافقية : تجربة لبنان .
اود ان اشير انه كان لا بد من هذا المدخل لأقول ان بلدي قد اعتمد الديموقراطية
التوافقية منذ البداية وليس بعد الطائف كما يقال وتحديدا" منذ صدور الدستور
اللبناني في 23 ايار مايو 1926 . واستطاع لبنان ولو بعد عثرات وعثرات تطوير
ديموقراطيته في اطار التوافقية نفسها . ولهذا يمكن القول بأن الديموقراطية
التوافقية قد مرت في مرحلتين تفصل بينهما التعديلات الدستورية الصادرة سنة 1990 بعد
ان رعت المملكة العربية السعودية اتفاق الطائف.
المرحلة الاولى : ان الدستور اللبناني منذ صدوره نص على احكام تدخل في صلب مفهوم
الديموقراطية التوافقية ويمكن تأكيد ذلك بالاشارة الى بعض النصوص الاساسية ومنها
المادة 95 دستور بنصها على ان تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وتشكيل
الوزارة ، المادة التاسعة التي اكدت ان حرية الاعتقاد مطلقة وكفالة الدولة
لحرية اقامة الشعائر الدينية وتحت حمايتها وكذلك ما عرف بصيغة 1943 التي وزعت
النواب بين المسيحيين والمسلمين بنسبة 5/6 ورئاسات الجمهورية والمجلس النيابي
والحكومة على مذاهب ثلاث ومن الصعب ان لم يكن من غير الموضوعية الحكم على التجربة
اللبنانية في اعتماد هذه الصيغة التوافقية في المرحلة الممتدة من صدور الدستور سنة
1926 وحتى التعديلات الدستورية التي جرت استنادا" لاتفاق الطائف اواخر سنة 1989 .
ومرد ذلك لأن
مرحلة ما قبل استقلال الدولة سنة 1943 كان يخضع للانتداب الفرنسي وبعد الاستقلال
وترسيخ معالمه في الدولة ومؤسساتها تعرض لبنان لعثرات ومطبات ومخاطر واكاد اقول الى
حروب اخذت صبغة حروب اهلية كانت في معظمها مغطاة بيد خارجية الامر الذي حاصر مفاعيل
تلك التوافقية ولذلك فإن الحكم على تجربتها وتقييمها كان ومايزال بحاجة الى
استمرارية اطول .
المرحلة الثانية : وهي المرحلة التي مازالت مستمرة حتى اليوم . ويمكن اختصار هذه
المرحلة بأمرين هما :
الاول : ان الديموقراطية التوافقية التي جاء بها دستور 1926 قد طورت ذاتها في
التعديلات الدستورية لسنة 1990 واضافت الى معالمها احكاما" جديدة فتوزيع النواب
الذي كان يحدده قانون الانتخابات اخذ بصيغة 1943 وقد دخل النص الدستوري في المادة
24 بنصها على ان يكون توزيع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين
بدلا" من معادلة 5/6 ونسبيا" بين طوائف كل من الفئتين وبين المناطق . اما المادة 95
دستور فإن ابقت النص على العدالة بتشكيل الحكومات والوظائف العامة بين الطوائف الا
انها رسمت حدود هذه العدالة بنصها على ان يكون التوظيف على اساس الكفاءة والاختصاص
بإستثناء الفئة الاولى وما يعادلها تكون مناصفة بين المسيحيين والمسلمين
ان هذين النصين سيان اكانا في المرحلتين الاولى والثانية يتطابقان تماما" مع
المفاهيم التي استقرت في تعريف الديموقراطية التوافقية فمهما كان الفارق بين عدد
الطوائف شاسعا" تبقى حصة كل طائفة من المقاعد النيابية هي ذاتها وتبقى نسبة تمثيلها
في مجلس الوزراء من دون تغيير وهذا امر يتعارض مع مفاهيم الديموقراطية العددية رغم
كونه يدخل في صلب بناء وتكوين الحكم في الدولة .
وما هو مهم في هذه المرحلة ( تعديلات سنة 1990 ) كانت اضافة النصوص المتعلقة
بالسلطة الاجرائية وعلاقة رئيس الجمهورية بتكوينها ويمكن القول ان مثل هذه الاضافة
كانت ذات وجهين فهي قربت النظام من اصول النظام البرلماني الديموقراطي من جهة وارست
مدماكا" جديدا" من مفاهيم الديموقراطية التوافقية من جهة اخرى فدستور سنة 1926 اناط
السلطة الاجرائية برئيس الجمهورية – المادة 17 – وهو الذي يعينهم ويولي الموظفين
مناصب الدولة ( المادة 53 ) وجاءت تعديلات 1990 لتنيط السلطة الاجرائية ليس لاخذ
الصلاحيات من شخص في طائفة الى شخص من طائفة اخرى بل بمجلس الوزراء مجتمعا" أي
بالمجلس الذي تتمثل فيه الطوائف بصورة عادلة .
واذ كان هذا التعديل قد طور بعض مفاعيل صيغة 1943 الا انه كان ايضا" من الاهمية
بمكان لما رافقه من اضافات تحكمه وتدخل في صلب تطبيق الديموقراطية التوافقية
فالمادة 69 المعدلة اعتبرت الحكومة مستقيلة اذا ما استقال اكثر ثلث عدد اعضائها أي
الثلث زائد واحد او اكثر واذا ما عرفنا ان الحكومات تتشكل من تمثيل عادل للطوائف
يكون اتفاق طوائف يعادل تمثيلها الثلث زائد واحد موجبا" لاقالة الحكومات . وتظهر
معادلة الثلث هذه كواحدة من المراسيم التطبيقية لكـل ما تمت الاشارة اليه من مفاهيم
الديموقراطية التـوافقية ويتكامل هذا التطبيق ايضا" بما
ورد في المادة 65 معـدلة بنصها علـى ان يكـون اقـرار
المـواضيع الاساسية في مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين وان يكون انعقاد هذا المجلس
بمثل تلك النسبة ايضا" ومما لا شك فيه ان هذا التحديد يشكل وجها" من وجوه ممارسة حق
الفيتو في اتخاذ القرارات واستمرارية السلطة الاجرائية .
اما الامر الثاني في المرحلة الدستورية المستمرة عملا" بتعديلات سنة 1990 فيكمن في
ان الديموقراطية التوافقية في هذه المرحلة وسمت ذاتها بالمرحلية وهذا فارق اساسي
ومهم بين الديموقراطية التوافقية التي جاء بها دستور 1926 وما رافق الديموقراطية
التوافقية بعد تعديلات 1990 . فالديموقراطية التوافقية في الدستور اللبناني النافذ
الاجراء ربطت استمراريتها بنفاذ اجراءين هما :
أ – ما ورد في المادة 24 عندما اعتبرت التوافق حول توزيع في المقاعد النيابية وهو
ما تمت الاشارة اليه سابقا" يبقى ساريا" " الى ان يضع مجلس النواب قانون انتخابات
خارج القيد الطائفي " فوضع مثل هذا القانون ينهي هذا الجانب المهم من مفاهيم
الديموقراطية التوافقية ولا بد من ان يكون ذلك لمصلحة الديموقراطية الأم اي لمصلحة
الديموقراطية العددية.
ب – ان امكانية ان يضع مجلس النواب لمثل هذا القانون يتطلب بالضرورة الغاء الطائفية
السياسية وهنا يبرز الاجراء الثاني الوارد في المادة 95 بنصها على تشكيل هيئة وطنية
برئاسة رئيس الجمهورية مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بالغاء الطائفية وبانجاز
مثل هذه المهمة وما ارتبط بها في المدة 24 ينتهي التمثيل العادل
للطوائف في الوزارة وتوزيع المقاعد النيابية على الاساس الطائفي وبذلك تفقد
الديموقراطية التوافقية في لبنان وجودها ليحل مكانها الديموقراطية التعددية . فمن
هذه المعطيات نبين ان الديموقراطية المعتمدة في النظام اليوم وان كانت توافقية
بأمتياز الا انها جاءت لتؤسس لنشوء الديموقراطية في نسختها الاساسية الاصلية ولمنع
انعكاسات عثرات اعتماد مثل هذه النسخة التي قد توصل نظرا" للواقع اللبناني
للديموقراطية المطلقة .
والسؤال هنا هل استطاع النموذج الديموقراطي اثبات نجاحه في لبنان ؟
بعيدا" عن النصوص والنظريات يمكنني الاجابة على عكس ما يتصور الكثيرون فثقافة
التوافق اصبحت راسخة في ذهن اللبنانيين ويكفي لتأكيد ذلك انه قد لا يكون من بلد في
العالم يلجأ قياديوه والمسؤولون فيه الى اجتماعات الحوار وطرح القضايا بهدف التوافق
حولها من لبنان سيان اكان ذلك على الارض اللبنانية ام في دول عربية ام في بعض دول
العالم .
إنني هنا اعيدكم الى كل مكان تحاور فيه اللبنانيون الى حيث اتفقوا على ادارة
اختلافاتهم كما في لوزان او سان كلو او حيث عقدوا اتفاقا" واتفقوا على ادارة
اتفاقهم كما في الطائف وصولا" الى دولة قطر والى دوحتها والى هذه الرحاب التي
استضافت حوارا" لبنانيا" استطعنا خلاله وبدعم وصبر المسؤولين في قطر بناء تفاهم
كامل على الاتفاق الذي يمثل في كل مواده صورة مشهد ديموقراطيتنا التوافقية
اللبنانية .
اعود الى القول ان ثقافة التوافق وبصرف النظر عن نتائجها تشكل ما يمكن اعتباره صمام
امان للمراهنة الدائمة على منع الوصول الى الفتن والمجهول يكفي الاشارة الى انه
وبعد اتفاق الدوحة وكأن في الامر لسحر فقد تم تنفيذ الاتفاق كما قلت في البداية،
انتخاب رئيس الجمهورية، حكومة الوحدة الوطنية على اساس الثلث الضامن او ثلث الفيتو
كما يقال وصولاً الى قانون الانتخاب، وصولاً الى المجلس الدستوري، وصولاً الى
الحوار.
اخلص الى القول ان الديموقراطية التوافقية معتمدة في بلدي وما ينقصنا ليس الاعتراف
بها فاللبنانيون يجمعون على ذلك، انما هل نحترمها؟ هذا السؤال يطرح على كل
اللبنانيين، علينا ان نحترمها