كلمة دولة الرئيس نبيه بّري رئيس الاتحاد البرلماني العربي رئيس مجلس النواب اللبناني في الجلسة الافتتاحية للدورة (47) لمجلس الاتحاد البرلماني العربي - البحر الميت – المملكة الأردنية الهاشمية 26/2/2006


 

بسمه تعالى

 

للأردن تفاحة الإغواء على شجرة الحياة، وجنة النهر الذي يحفر أسماءنا واشتياقنا وبيوتنا ودوربنا بالماء على كتاب الأرض. 

للأردن لـون الضوء وشهوة الشمس، وكلمة المحبة وتراب الخصب.

لـ( غادارا ) بل لأم قيس المطهرة من الأرواح الشريرة، سيدة المدن العشر ومنبر الشعراء والكتاب ولوحة الفنانين.

لعمان أيقونة الشرق وكوكب الأردن المدلل، عاصمة الشوق وابتسامـة الفصـول، والشاهدة على صعود وأقوى حضارات، ولعمان (عين الغزال) التي امّام الإنسان الأول على شفة الماء في بئرها.

للبتراء خزنة التاريخ المحفورة في الصخر، المحتجبة خلف الجبال 

ولجرش مدرج الحكمة ومسرح الكلمة.

وللمغطس حيث تبات الأرواح، وحيث يلتقى الله سبحانه والإنسان في مسيرة الخلاص، وحيث يتشابك الماضي والحاضر والمستقبل، وحيث الصوت الصارخ في برية العهد الجديد داعيا" الى التوبة استعدادا" لاستقبال نبي المحبة.

للاغوار ولأربد عشيرة العرب الخلص، وللزرقاء زرقاء يمامة الشرق وحديقة اشجار الاحلام.

ولهذا المكان، البحر المملح الساكت الصامت الساكن الهادىء.

للاردن ولكل اسمائه ولكم الف تحية وتحية وبعد.

 

فإنني اتقدم بالشكر الجزيل الى جلالة الملك عبدالله الثاني عاهل المملكة الاردنية الهاشمية، لرعايته السامية لهذه التظاهرة البرلمانية العربية التي يأتي اجتماعها في المكان والزمان المناسبين، كما اتقدم الى اخي دولة الرئيس عبد الهادي المجالي رئيس مجلس النواب الاردني على استضافتهم الكريمة لاعمال الدورة السابعة والاربعين لمجلس الاتحاد وللمؤتمر للاتحاد البرلماني العربي ولحسن الاستقبال والوفادة والضيافة والتنظيم، ولا انسى في هذا المجال شكر الامانة العامة للاتحاد البرلماني العربي والادارة البرلمانية لمجلس النواب الاردني على الجهد الذي بذلوه من اجل انجاح هذه الاجتماعات.

 

الزملاء الاعزاء

 

في مقدمة الدعوة الى اجتماعنا رجاء، انه ونظرا" لخطورة ودقة الظروف التي تنعقد في ظلها دورة المجلس والمؤتمر، ونظرا" لاهمية البنود المدرجة على جدول اعماله، فإن الاتحاد يتطلع الى ان تسهم المداولات والقرارات في تعزيز التضامن العربي، وتوحيد الكلمة بين جميع اقطارنا وتفعيل دور الاتحاد في جميع المجالات.

 

منبع عرضي لهذا الكلام هو ان الاسباب الموجبة لاجتماعنا والظروف والوقائع والضغوط والتحديات الى آخر المفردات، لا تختلف عنها في الدعوة لعقد اجتماعاتنا السابقة التي اقول بكل اسف ان مداولاتها وتوصياتها، حتى لا اقول قراراتها، لم تؤد الغرض منها في تعزيز التضامن او توحيد الكلمة او تفعيل الدور.

 

اعترف ومن موقع رئاسة الاتحاد البرلماني العربي وانا قاب قوسين او ادنى من تسليم امانة الرئاسة، الى اننا نحن البرلمانيين جُلّنا لا نملك في اقطارنا ولا يملك هذا الاتحاد ولا البرلمان العربي الذي ولد عشية العام الميلادي الجديد، وسائل الضغط على مختلف انماط السلطات في الوطن العربي، بما يجعلنا نلمس الاهمية لما ندرسه من موضوعات ولما نوصي به او نقرره.

لقد راجعت بدقة البيانات الختامية وقرارات مجلس الاتحاد في دوراته الستة والاربعين السابقة، وكذلك ما اوصت به دزينة من مؤتمرات الاتحاد، فوجدت اننا نكرر الكلام وندور على انفسنا، دون ان نتجرأ ولو لمرة واحدة على وضع آلية لمتابعة تلك القرارات او التوصيات الآن وانطلاقا" من الاردن العزيز اتمنى ان يختلف الامر، فنشكل لجنة برلمانية الى جانب الرئاسة تكون مهمتها متابعة تنفيذ قرارات مجالس ومؤتمرات الاتحاد، وايصال التوصيات الى سلطة القرار العربي متمثلة بالقمة، من اجل ملاحظتها في جدول الاعمال وبحثها في الاجتماعات.

ان ابراز مسؤوليتنا تجاه قراراتنا وتوصياتنا، ينطلق كذلك من القيام بحملة مشتركة مع الامانة العامة لجامعة الدول العربية ومع الاطر البرلمانية والحكومية في الدول العربية المهتمة بإنشاء السوق العربية المشتركة، بما يعني تحويل الهيئة البرلمانية العربية المشكلة في اطار الاتحاد الى لجنة اتصالات مع سلطة القرار السياسي العربي، يهدف الى اطلاق هذه السوق المنتظرة منذ منتصف الخمسينات وقبل ان تولد فكرة السوق الاوروبية المشتركة والاتحاد الاوروبي.

انني في نفس الاطار وفي اطار تعزيز التعاون مع الامانة لجامعة الدول العربية، اتمنى انجاز جدول بمشاريع العمل العربي المشترك وفي الطليعة ما اقر في اطار مجلس الوحدة الاقتصادية العربي من اجل عرضها على الاتحاد وتبنيها والسعي لدى سلطات القرار في اقطارنا للموافقة عليها.

 

ايها الزملاء

اذ اعبر عن اسفي لهذه المقدمة والتي تحمل المرارة والالم، فإني اتطلع الى دور برلماني عربي متزايد ومحسوس في زيادة مساحة الديموقراطية، انطلاقا" من ان اتحاد مواقفنا في اطار الاتحاد البرلماني العربي والتحرك المقنع الذي قمنا به جميعا" وضع قمة الجزائر العربية امام حتمية اقرار صيغة البرلمان العربي.

 

ان رئاسة الاتحاد وقبل وبعد توجيه الدعوات لعقد الاجتماع الاول للبرلمان العربي الانتقالي، اجتهدت كثيرا" لتشكيل قناعة قطرية من اجل ان تسمي المجالس النيابية والشوروية ممثليها الى هذا البرلمان.

 

الآن اشدد على قيام الاتحاد البرلماني العربي بإحتضان هذا البرلمان الوليد، الذي يستمد شرعيته ليس من قرار القمة فحسب بل من اختيـار مجـالسنا لممثلينا اليه، بإنتظار ان يجري انتخابهم من شعوبنا ذات يوم.

وبالمقابل اتمنى على البرلمان العربي ان لا يتصرف كمؤسسة منسلخة عن تاريخ النضال البرلماني العربي او كمؤسسة بديلة، بل كمؤسسة موازية لها دورها الذي اقرته القمة كما اقرته قرارات مجلس الاتحاد في الجزائر.

 

اذن وانطلاقا" من الاردن الشقيق اتطلع بكل امل الى دور برلماني عربي محسوس، ذلك ان دور الاتحاد ورئاسته يجب ان يكون اساسا" العمل لزيادة مساحة الديموقراطية في اقطارنا وعلى مستوى الامة، وتحديث التشريعات وتوحيدها، ومساءلة الحكومات وتفعيل الدبلوماسية البرلمانية خدمة للتضامن العربي وقضايا الامة، وايضا" على المستوى القطري فتح الابواب امام مؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في صنع السياسات العامة.

ان الانطلاق من موقع الامل يعود الى ان العملية الديموقراطية بدأت تأخذ مداها اكثر فأكثر، ليس بسبب المضمون الخطي لمشروع الشرق الاوسط الكبير ومشاريع الشراكة المتنوعة مع المتوسط، بل لأن القناعة تزداد يوما" بعد يوم بمشاركة المواطن المرأة كما الرجل في كل ما يصنع حياة دولنا ومجتمعاتنا، ولأن القناعة تزداد يوما" بعد يوم بالتنمية الموالية للناس وللطبيعة ولفرص العمل والموالية للمرأة، ولأن القناعة تزداد بمواجهة الفساد واساءة استعمال السلطة والتعسف في استخدام القانون، واساسا" ودائما" لأن الثقة تزداد بأنفسنا وببعضنا وبقدرتنا على صناعة الديموقراطية وطنيا" وعربيا" تمهيدا" للانتقال من عصر السلطة الى عصر الدولة وبناء الثقة بالدولة وبأدوارها.

 

انني اعبر عن فرحي الشديد لأن عددا" من الاقطار العربية تمكن من اجراء انتخاباته العامة في اجواء ديموقراطية والتي كان اخرها في العراق وفلسطين، واعبر عن سروري لأن عددا" من الاقطار العربية اتخذ قراره بإجراء انتخابات لمجالسه او لنصفها وان مشاركة المرأة كمرشحة قد ازدادت.

 

انني من على منبر الاتحاد البرلماني العربي، اطالب بتخصيص جزء كبير من موازنات الدفاع وموازنات الاجهزة الامنية في مختلف اقطارنا من اجل التربية على الديموقراطية، ومن اجل تطوير صيغ انظمتنا السيـاسية، ومن اجل تطوير مفاهيم الوطن والمواطن والمواطنية، ومن اجل ابراز الاخطار التي تهدد حدود مجتمعاتنا كما حدود بلداننا وفي طليعتها المرض والفقر والخوف، ومواجهتها بالتنمية والعدالة والديموقراطية والحرية.

 

ايها الزملاء الاعزاء

 

انني اتمنى على مجلس الاتحاد ان يركز بصفة اساسية خلال دورته المقبلة على :

1 – دعم الحوار اللبناني الذي سينعقد تحت قبة البرلمان اللبناني وتحت سقف اتفاق الطائف حول القضايا المستجدة والتحديات المفروضة على لبنان والتي تتلخص:

   أ – بكشف الحقيقة واستتباعاتها في الجريمة التي ارتكبت ضد لبنان بإغتيال دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.

   ب – القرار الدولي رقم 1559 واستتباعاته.

   ج – العلاقات اللبنانية السورية على قاعدة ان لبنان لا يحكم من سورية ولا يحكم ضد سورية.

 

2 – القيام بحملة برلمانية عربية ذات طابعين عام وخاص تتناول :

   أ – قضية تسعة الاف وثلاثماية معتقل فلسطيني، والمعتقلين اللبنانيين والسوريين في سجون الاحتلال الاسرائيلي.

   ب – قضية الخمسة عشر عضوا" في المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد المعتقلين في الزنزانات الاسرائيلية.

 

انني في اطار هذه الحملة من اجل الزملاء النواب الفلسطينيين المعتقلين ادعو الى تقديم طلب بإسم الشعب البرلمانية العربية في الاتحاد البرلماني الدولي لادراج بند استعجالي في جدول اعمال الجمعية 114 للاتحـاد البرلمـاني الدولي التـي ستنعقد في نيروبي ( كينيا ) في ايار (مايو) القادم.

 

اننـي كذلك ادعو الامانة العامة للاتحاد بعد موافقة المجلس والمؤتمر، الى اعداد ورقة موحدة حول الوقائع الفلسطينية في ظل الاحتلال الاسرائيلي وتقديمها الى اجتماعات مجلس ومؤتمر اتحاد برلمانات دول منظمة المؤتمر الاسلامي الذي سينعقد في اسطنبول في نيسان (ابريل) القـادم وكذلك الى مؤتمر دعم القضية الفلسطينية المزمع عقده في طهران.

 

الزملاء الاعزاء،

 

اسمحوا لي ان اختم كلمتي بتوجيه التحية للاردن الشقيق على ما نلمسه في ظل القيادة الحكيمة لجلالة الملك عبدالله الثاني، من زيادة مساحة حرية التعبير في وسائل الرأي العام الاعلامية، والتعددية السياسية القائمة، وزيادة المشاركة السياسية للمرأة الاردنية، وايضا" ارتفاع قيمة الصادرات الوطنية خلال العام الماضي.

 

اخيرا" اكرر شكري الخالص للاردن ولمجلسه النيابي على استضافتهم لاعمال مجلس ومؤتمر الاتحاد البرلماني العربي، متمنيا" ان تتكلل اعمالنا بالنجاح لما فيه خير امتنا واقطارنا واتحادنا.

 

                               والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته