يسعدني أن تنتهي أعمال الدورة السادسة والأربعين لمجلس الإتحاد البرلماني العربي
إلى إنجاز جدول أعمالها، وأن نوفق إلى الاتفاق على خطة العمل القادمة للإتحاد،
وكذلك للسير خطوات عملية باتجاه استكمال عناصر البرلمان العربي بتعيين الشُعب
البرلمانية العربية لممثليها، وفقاً للمعايير التي اتفق عليها اجتماع الرؤساء،
وكذلك الاتفاق مع الأمين العام لجامعة الدول العربية الأخ الدكتور عمرو موسى على
إطلاق فعاليات هذا البرلمان في مرحلته التأسيسية.
كما
يسعدني أن يكون لهذا الاجتماع النكهة الجزائرية الخاصة التي أضفاها إعلان الجزائر،
الذي نأمل أن يكون قد لامس الوقائع الداخلية كما التحديات الخارجية المفروضة على
أمتنا واتخذ بشأنها المواقف والقرارات والتوجهات اللازمة.
الزملاء الأعزاء،
إننا
قبل أن نفترق على أمل التواصل الدائم المباشر بين شُعبنا البرلمانية وعبر الأمانة
العامة للإتحاد، وعلى أمل اللقاء في شهر شباط (فبراير) 2006م. في عمان عاصمة
المملكة الأردنية الهاشمية تلبية لدعوة كريمة من الأخ عبد الهادي المجالي رئيس مجلس
النواب الأردني لاستضافته الاجتماع القادم لمؤتمر ومجلس الإتحاد، إننا قبل أن نفترق
أود أن أوجّه عنايتكم إلى جملة هواجس ومخاوف تخص أمننا القومي ونظامنا العربي.
إنني
بدايةً أسترعي أهبة عربية لمواجهة مخطط جعل لبنان موقعاً تبادلياً للتوازنات والعنف
والفوضى في المنطقة. إن لبنان الذي لم ينهض بعد من كبوته إثر الزلزال الذي ضربه
باغتيال دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي عانى من جملة انتكاسات وتفجيرات
إرهابية، والذي لا يزال يمشي درب الآلام إلى خلاصه محققاً إنجازات مدهشة من جملتها
انتخاباته النيابية – هذا أللبنان – يعيش واقعاً قلقاً ناتجاً عن قيام إسرائيل برفع
درجة التوتر والتصعيد، مستفيدةً من القرار 1559 الذي إتُخذ لحسابها، والذي يضع سلطة
القرار الدولي بالوكالة عن إسرائيل بوجه لبنان، ليس لسبب سوى أن شعب لبنان قاوم
الاحتلال الإسرائيلي ودحره عن معظم أرضنا.
إنني
إذ أقدم لبنان كأنموذج لما يضغط علينا من هواجس ومخاوف ناتجة عن الدور الإسرائيلي
العدواني في المنطقة، فإنني لا أخفي خطراً آخر يطرق أبوابنا كما أبواب عددٍ من
الأقطار الشقيقة ألا وهو خطر الإرهاب.
إن
هذا الإرهاب هو في الأصل صناعة إسرائيلية وإنتاج إسرائيلي، كما أن كل إرهاب مهما
اتخذ من صفات وأسماء إنما نجده إسرائيلياً.
إن ما
يوصف بالحرب ضد الإرهاب الإيديولوجي والديني إنما هي عناوين لحرب تُدار بالوكالة عن
إسرائيل وتستهدف إرهاق واستنزاف النظام العربي.
إن
هذه الحرب تترافق، كما تعلمون، مع ما يوصف بحرب الحضارات والحرب من أجل
الديمقراطية. وهذه الحروب الثلاثة هي في واقع الأمر تختصر عنوان حرب واحدة تستهدف
السيطرة على الموارد البشرية والطبيعية في الشرق الأوسط الكبير أو الموسّع.
إن
هذه الحرب التي تستخدم كل ما هو عابر للقارات والقوميات من أسلحة وشركات واقتصاد
ودبلوماسية، بالإضافة إلى الفوضى البناءة، لا توفر أي قطر عربي، وهي تدفع إلى
الواجهة حسب الحاجة اسم البلد المستهدف بتفجير ما أو بتحريك لخلية إرهابية نائمة،
أو إثارة النعرات العرقية أو الطائفية أو المذهبية الدفينة.
إن أي
بلد عربي أو أي نظام عربي لن يكون بمنأى عن الاستهداف حتى ولو التزم دفتر شروط كامل
لما يجب أن يفعله ولما يجب أن لا يفعله كي ينال رضا إدارة مشروع حرب السيطرة.
أيها
الزملاء،
أقول
لكم بصدق نحن أمام صيف ملتهب لا ينفع لإطفائه سوى مبادرة النظام العربي برمته إلى
بناء وخلق قاعدة اجتماعية عريضة تسانده.
إن
هذا الأمر يعني بشكل صريح التراجع عن صيغ اعتماد أنماط الأنظمة التي تحكم أقطارنا
على القوة والقمع لصالح بناء قاعدة الرضا الطوعي، عبر تعزيز الاختيار الحر
والمشاركة.
إنني
إزاء عرض المشكلة وحلولها أستدعي موقفاً برلمانياً ضاغطاً باتجاهات قطرية داخلية
عدة، أبرزها اعتماد مقاربة مبنية على حقوق الإنسان في العمل البرلماني، وتجرّؤ
المجالس النيابية والشوروية على مساءلة ومحاسبة الحكومات، وتشكيل لجان تحقيق
برلمانية في كل قضايا الرأي العام وخصوصاً الفساد.
واسمحوا لي، أيها الزملاء الأعزاء، أن أنقل لكم رأي باحث وناقد عربي حيث يقول أن
الحياة النيابية في الوطن العربي في أزمة حقيقية، ليس فقط بما تعانيه الانتخابات من
تزوير، وليس فقط من سيطرة حزب واحد على عضوية المجالس النيابية في عدد من الأقطار
أو التحكّم في الترشيح للعضوية، وليس فقط في الانقطاع الحقيقي بين النائب والناخب
بعد الانتخابات، وليس فقط من سيطرة الحكومات على المجالس النيابية والشوروية، وإنما
أيضاً وفوق هذا كله لأن العضوية في البرلمان أصبحت في الكثير من الأقطار مصدراً
للثراء، وما يتبع ذلك من الحرص على العمل المتواصل للبقاء في هذا الموقع بالتنازل
عن المواقف وبالنفاق للحاكم...الخ.
إنني
إزاء ما تقدم من كلام للدكتور أنيس مصطفى قاسم من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية
أطلب وأتمنى على الشخصية النيابية العربية أن تنقي نفسها من هذه الاتهامات، وأن
تحاكم وتحكم على كل ما يستحق المحاكمة في ممارساتها من أجل أن تتمكن من أخذ صفة
المدعي ضد الأخطاء الحكومية، ومن أجل أن تستحق وكالة الناخب.
يبقى
أيها الزملاء الأعزاء أن أستدعي دبلوماسية برلمانية نشيطة في هذه المرحلة والمرحلة
القادمة التي تضغط على الكثير من أقطارنا خصوصاً فلسطين والعراق ولبنان وسوريه
والسودان والتي تحاول أن تشوّه صورة الحياة السياسية في غير بلد عربي.
إننا
أيها الزملاء الأعزاء نقف أمام امتحان إثبات أن البرلمانات العربية على المستوى
القطري وعلى المستوى المشترك، ستطور من حضورها في الحياة السياسية العربية، وستطور
آليات صنع القوانين، وستبني أفضل العلاقات بين التكنولوجيا والتشريع، وستتقدم خطوات
في بناء وضع قدرتها على المساءلة والمحاسبة، وستكون الضامن لدولة القانون
ولاستقلالية القضاء ولأدوار مؤسسات الرقابة في أقطارنا بما يخدم شعوبنا ومجتمعاتنا.
الزملاء الأعزاء،
باسم
جميع البرلمانيين العرب المشاركين في الدورة السادسة والأربعين لمجلس الإتحاد
البرلماني العربي، أتقدم بالشكر الجزيل للجزائر رئيساً على رعايته السامية لأعمال
دورتنا، وبرلماناً على ضيافته وحسن استقباله ووفادته وحسن التنظيم لأعمال مجلسنا،
وإلى شعب الجزائر على أنه يمثل فسحة الأمل في عالم الفجر العربي الراهن ومن أجل غدٍ
أفضل.
عشتم
عاشت الأمة العربية
عاشت الجزائر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته