كلمة دولة الرئيس نبيه بّري بُعَيد إعادة انتخابه رئيساً لمجلس النواب لولاية رابعة


 

بسمه تعالى

ً

أولاً أتوجه بالتهاني إلى الزملاء النواب الذين حازوا ثقة الشعب خلال الانتخابات التي أشرفت عليها هذه الحكومة بنجاح، آملاً أن نتمكن معاً من تعزيز النظام البرلماني الديموقراطي في بلدنا، وان نتمكن من الوفاء بالتزاماتنا ووعودنا التي قطعناها للوطن وللمواطن خلال الحملات الانتخابية، والتي يؤدي الوفاء بها إلى جعلنا نستحق هذا الوطن الفريد في صيغته، وان نستحق ثقة مواطنينا وهي خطوة كبيرة على طريق الثقة بالدولة.

 

باسمي وباسم الزملاء النواب أتوجه بالشكر الخاص إلى دولة الدكتور ادمون نعيم، أستاذي وأستاذ أجيال كثيرة على مقاعد دراسة القانون، ورئيس السن في مجلسنا ورئيس هذه الجلسة التي يشكل انعقادها لانتخاب هيئة مكتب مجلسنا فاتحة أعمال هذا المجلس العتيد.

 

وبداية أتوجه بالشكر إلى الزملاء النواب الذين منحوني ثقتهم لتولي رئاسة مجلس النواب، وبينهم زملاء جمعتنا معاً تجربة برلمانية مشتركة في السابق، وزملاء جدد يدخلون معمودية التشريع، تعارفنا ببعضهم مجدداً وكان لنا صلة بالبعض الآخر منهم، وجمعتنا ببعضهم أحلاف أو خصومات سياسية تعلمنا خلالها كيف ندير اتفاقاتنا أو اختلافاتنا بشكل ديموقراطي وعبر حوار، وبالأساس عبر اعتراف احدنا بالآخر.

 

     أيها الزملاء،

 

إذ أسجل بداية أن رئاسة المجلس النيابي كما أية مسؤولية وطنية أخرى هي تكليف وليست تشريفاً، وهي تجعل من رئيس المجلس النيابي مسؤولاً ليس أمام ممثلي الشعب فحسب بل أمام الشعب وليس عنه، فإنني وكما يعرفني رفاق الطريق في مسيرتي البرلمانية خلال العهـود البـرلمانية الثلاثة منذ عام 1992 وحتى اليوم – لم أكن أدير مهمتي على رأس السلطة التشريعية بصفتي ممثلاً لطائفة أو مذهب أو فئة أو جهة أو حزب، رغم أني كنت ولا أزال وسأبقى –استثنائياً– أرى كل الجهات الجنوب، طالما أن إسرائيل تواصل احتلال أجزاء عزيزة من أرضنا، وطالما أنها تقوم بخروقات متنوعة لسيادتنا، وطالما لا تزال من خلال أدبياتها تؤكد أطماعها في أرضنا ومياهنا، وطالما أنها تواصل اعتقال بعض أبنائنا وتتكتم على مصير المئات، وتنشر حقول ألغامها عبر الحدود.

 

إن هذا الاستثناء السياسي والسيادي سيستمر بالنسبة لي كعنوان لخط ونهج مقاوم، ينطلق من أن قوة لبنان في وحدته ومقاومته، ومن حفظ لبنان وفي قلبه الجنوب، خصوصاً وإنكم تعرفون جميعاً أن إهمال الجنوب وتركه مكشوفاً أمام إسرائيل أدى في السابق إلى أننا وجدنا أنفسنا أمام العدو وهو يقرع باب عاصمتنا بكرة النار وصولاً إلى اجتياحها واستباحتها. فإذا كان القرار 425 حليف المقاومة لم يحرر الأرض فهل القرارات المتربصة بالمقاومة ستحرر الباقي منها؟

 

     الزملاء الكرام

     الحضور الكريم

 

خلال العهود البرلمانية السابقة كما الآن، آليت على نفسي التزام النظام الداخلي للمجلس. وبخلاف ما سمعت من تصريحات خلال المعارك الانتخابية، فإن أي مشروع أو اقتراح قانون لم يكن يحذف أو يحفظ في الأدراج، بل إن مشاريع القوانين كانت تسلك طريقها إلى اللجان النيابية فوراً، فيما كانت اقتراحات القوانين المقدمة من الزملاء النواب ترسل إلى الحكومة أية حكومة لإبداء الرأي خلال مهلة زمنية محددة، وهو ما اتبعناه حرصاً على التعاون بين السلطات.

 

إنني من اجل أن تكون الأمور واضحة من مصادرها، أؤكد لكم أن الإدارة الموجودة في هذا المجلس والتي تمتلك خبرات هائلة بالإضافة إلى أنها اكتسبت مهارات متقدمة من أهم المؤسسات البرلمانية ومراكز التشريع الدولية – هذه الإدارة – تستطيع أن تزودكم بما تحتاجون من معلومات تتعلق بأدوار هذه المؤسسة التشريعية دون الحاجة إلى مراجع آو مصادر أو معارف.

 

     الزملاء النواب،

 

إنني ومن اجل تسهيل مهام الزملاء النواب ومن أول الطريق طلبت إلى الإدارة البرلمانية تجهيز ملف يحتوي:

 

1 – دليل للنائب يتضمن معلومات برلمانية.

2 – التقرير المتضمن لأنشطة المجلس خلال العامين المنصرمين.

 

إنني إذ أتمنى على الزملاء النواب خصوصاً الزملاء الجدد، الإطلاع على مضمون هذا الملف من اجل التعرف على المؤسسة التشريعية وادوار النائب وادوار اللجان والهيئة العامة وكيفية تشكيل صورة وصوت المجلس، فإنني ومن اجل التعريف أكثر فأكثر بما قامت به المؤسسة خـلال الـدور التشـريعي السابق أي المجلس المنصرم يسرني إطلاعكم على ما يلي:

 

أولاً: لقد انعقد المجلس النيابي في تسع وأربعين جلسة عامة اقر خلالها اربعماية وأربعة وثلاثين قانوناً، وأعاد إلى اللجان النيابية أربعة وخمسين مشروعاً وأصدر تسع توصيات.

 

ثانياً: عقدت اللجان النيابية الدائمة واللجان الفرعية ما مجموعه ألف وخمسماية وواحد وثمانون اجتماعاً، أي أن مجلس النواب كان يشهد أحياناً ثلاثة اجتماعات في اليـوم الواحد لثلاث لجان نيابية.

 

ثالثاً: عقد المجلس النيابي عدة اجتماعات لمساءلة الحكومات واستجوابها ومناقشتها، وعبرت هذه الاجتماعات عن أعلى درجات الديموقراطية وان كنا في العالم المعاصر لا نشهد سقوط الحكومات في حلبات المجالس، إلا أننا في العهود البرلمانية الثلاثة تصدينا لكل محاولة جرت لتهميش المجلس، ورفضنا كل إغراء في حالات ألازمات السياسية أو العجز، لأخذ المبادرة والتصرف كنظام مجلسي انطلاقاً من التزام جميع العناصر والاتجاهات التي شكلت مجلسنا في ما بعد الطائف بالنظام البرلماني الديموقراطي.

 

رابعاً: لقد انعقد المجلس النيابي في جلسات متعددة للاستماع لعدد من قادة الدول أو لافتتاح مؤتمرات برلمانية دولية أو عربية أو إسلامية أو فرنكوفونية.

 

خامساً: لقد مضى المجلس النيابي قدماً في اتخاذ المبادرات البرلمانية لدعم القضايا اللبنانية والعربية ارتكازاً إلى الخبرات التي اكتسبها مجلسنا في مجال الدبلوماسية البرلمانية.

 

وقد قامت جملة وفود برلمانية بالتحرك، توليت رئاسة بعضها شخصياً باتجاه البرلمان الأوروبي والدولي ومجلسي النواب والشيوخ الفرنسيين لمسألة التوطين التي أخذت تشكل تياراً يمتد من الكونغرس الاميركي إلى البرلمان الأوروبي.

 

إن الأدوار البرلمانية الدولية والعربية والإسلامية المتنوعة التي قمنا بها على مستوى القضايا العربية وما يهم لبنان، جعلت لبنان يتولى بشكل مزدوج ولأول مرة رئاسة برلمانات دول منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد البرلماني العربي.

 

سادساً: خـلال هذه الدورة للمجلس النيابي عملنا على:

 

أ – تعـزيز التعاون بين مجلس النواب والمؤسسات الدولية المهمة بتطوير الإدارة البرلمـانية وفي الطليعـة برنامج الأمم المتحدة الإقليمي(UNDP) والمركز التشريعي لجامعة الباني – نيويورك ونقوم بتحديد تأسيس التفاهم مع المركز التشريعي الكندي.

 

إننا في الإطار ذاته وفي إطار تطوير عمليات صنع القوانين والاستفادة من التكنولوجيا في خدمة التشريع، وقعنا اتفاقيات تعاون مع مجلس الشيوخ الفرنسي ومجلس النواب البلجيكي، وأتوقع أن نوقع اتفاقية مماثلة مع مجلس النواب الإيطالي قبل نهاية العام الحالي.

 

ب – تطوير القدرات التشريعية للمجلس عبر تعزيز قطاع الدراسات وملفات المعلومات وقواعد المعلومات القانونية، وعلى سبيل المثال نذكر أن الإدارة البرلمانية المختصة أصدرت ستين دراسة تناولت جميع القطاعات التي تعنى بها اللجان النيابية، وعقدنا حوالي ثلاثين ندوة وورشة عمل وطاولة مستديرة، وتم تزويد المكتبة البرلمانية بعدة ألاف من المراجع القانونية والثقافية، وتمت مكننة محاضر جلسات مجلس النواب ابتداء من العام 1922 حتى يومنا هذا.

 

ج – تطوير قدرات المؤسسة البرلمانية، وفي هذا المجال أوفدنا أكثر من ثلاثين موظفاً للتدرب على العملية التشريعية ومتطلباتها في مجلس الشيوخ الفرنسي.

 

د – تعزيز الإعلام البرلماني: في هذا الإطار تم إنشاء موقع للمجلس على الانترنت بعدة لغات، وأصدر مجلس النواب إلى جانب مجلة الحياة البرلمانية، نشرة برلمانية شهرية ومجلة فصلية وتقريراً سنوياً موجهاً للمواطنين يعرض أعمال مجلس النواب وهي مبادرة فريدة في الإدارات العامة.

 

هـ – يتمتع المجلس النيابي بأوسع العلاقات مع هيئات المجتمع المدني، وهناك مكتب مقيم لمنتدى الحوار البرلماني في مجلس النواب للتنسيق بين المجلس ولجانه ومؤسسات المجتمع المدني، وإيجاد السبل لتوسيع مشاركة كافة القطاعات التمثيلية في نقاش السياسات العامة والمساهمة الواسعة في عمليات صنع القوانين.

 

      الزملاء الأعزاء

 

في هذه اللحظة التي يستكمل فيها المجلس النيابي انتخاب هيئة مكتبه ولجانه، لا بد أن نؤكد بداية أن هذا المجلس يحمل الأمانة من المجلس السابق، ويتخذ صفة الادعاء تجاه جريمة كبرى ارتكبت بحق الوطن هي اغتيال دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والزميل باسل فليحان، ومحاولة اغتيال الصديق النائب مروان حماده وسيواصل متابعة هذه القضية بتكليف محامين نواب لمتابعتها حتى كشف النقاب عن

 

المحرضين والمخططين والمنفذين والمتواطئين والمقصرين والاقتصاص منهم.

 

كما لا بد أن نؤكد أن المجلس النيابي مسؤول تماماً عن وضع اتفاق الطائف بكامل بنوده موضع التطبيق. وعليه فإننا لا بد أن نكون مستعدين من اجل تجديد دور مجلس النواب في عملية الحوار والوفاق الوطني وتعزيز دور المجلس كضامن لدولة القانون، والى اعتماد مقاربة مبنية على حقوق الإنسان في العمل البرلماني، والى تعزيز التعاون البرلماني الدولي لمجلس النواب.

 

وبالتالي وبأسرع وقت ممكن وأستطيع القول منذ الآن وقبل نهاية الشهر القادم أي قبل نهاية شهر تموز إصدار قانون عفو في أول جلسة تشريعية عن الدكتور سمير جعجع وعن موقوفي عنجر والضنية.

 

إنني لا اكشف سراً إذا قلت أنني طلبت إلى دوائر المجلس وبالتعاون مع مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ ثلاثة اشهر وضع خطط لبلوغ هذه الأهداف تقوم على:

 

أولاً: تحويل مجلس النواب إلى خلية عمل مكثف تعمل مع كل القوى الحية من أحزاب ومؤسسات رأي عام ثقافية وإعلامية ونقابات، لفتح حوار واسع لصياغة اقتراحات تؤسس لمشاريع أو لاقتراحات قوانين في جميع المسائل المنصوص عليها في اتفاق الطائف، وخصوصاً قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وقانون اللامركزية الدارية وقانون التعليم للجميع وبرنامج واحد للتاريخ في لبنان والجامعة اللبنانية والإنماء المتوازن.

 

ثانياً: وضع دراسات عن مقاربة إلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس الشيوخ واستقلالية القضاء وتنظيم الإعلام وقانون الجنسية.

 

ثالثاً: تطوير قدرات المجلس على مراقبة أعمال الحكومة ومساءلتها. وسيكون هناك جلسات محاسبة أسبوعياً للحكومة لمدة ساعة على غرار ما يحصل للعديد من الدول بالإضافة إلى ما نص عليه النظام الداخلي.

 

رابعاً: قيام مجلس النواب بلعب دور في تطوير مشاركة المرأة في كل ما يصنع حياة الدولة والمجتمع.

 

خامساً: في مسألة مكافحة الفساد والمفسدين فتح الملفات على مداها، إننا مع ذلك، ومحاكمتها أمام الرأي العام بعد إعطاء الحصانة لأجهزة الرقابة واستقلالية القضاء. نعم فتح جميع الملفات دون استثناء هي الوسيلة الأنجع لاستئصال هذه الآفة التي أخذت الصالح بالطالح.

 

      الزملاء الأعزاء

 

تبقى مسألة هامة ربما يحتاج إلى لجنة برلمانية أو إلى وسيلة مراقبة، وهي مدى التزام الحكومات بالقوانين الصادرة عن المجلس، والسرعة التي تقوم بها الحكومات بإصدار المراسيم التطبيقية للقوانين، وكذلك مساءلة إساءة استخدام القوانين أو التعسف في استخدامها.

 

أقول ذلك لأني أريد العودة إلى نقطة هامة، وهي أين يكمن التقصير هل في إصدار القوانين أم في تنفيذها.

 

الجواب ببساطة في تنفيذ القوانين، وأنا لا أقول ذلك دفاعاً عن المجلس النيابي، ولكني أقول الحقيقة، ويكفي للدلالة على ذلك استعراض القانون المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، بل يكفي للدلالة على ذلك مبادرة المجلس إلى إصدار رزمة من القوانين بين

 

مؤتمر باريس واحد وباريس اثنين تتعلق بإدارة الدين العام والتسنيد وBOT، بل يكفي للدلالة على ذلك قانون الكهرباء الذي لا يزال وسير قانون الاتصالات وغير ذلك والتنصت.

 

     الزملاء العزاء

 

من جهتي أؤكد أني سأكون طليعة المبادرين من اجل أن لا يكون في لبنان سجين رأي أو سجين سياسي، ومن اجل أن يكون لبنان حديقة للحرية ومن اجل أن نؤسس في لبنان لشرعة حقوق الإنسان العربي.

 

بهذه الروحية، وبهذه التجربة، بالإضافة لما ورد في جدول أعمال ترشيحي وبهذا الأمل اند يدي لكل واحد منكم لمن قدم ورقة كتب عليها سواداً أو قدم ورقة بيضاء، من اجل التعاون ومن اجل اتخاذ كل المبادرات التي تؤسس للانتقال بلبنان من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة، وبناء الثقة بالدولة وبأدوارها، ومن اجل زيادة الائتمانات والضمانات التي تؤسس لازدهار القانون في لبنان ولازدهار الإنسان في لبنان.

 

                                                      

                                                                                               عشتم

                                                                                               عاش المجلس النيابي

                                                                                               عاش لبنـــــان