للجنوب، الكتاب الذي نقرأ فيه مواسم الشوق ، واخضرار الربيع ومواويل الشجر .
للجنوب ، فصل الفصول الجميلة ، الذي يفتح الندى للعمر ، والذي يرسم حضوره في كتاب
يومه شمسا" وفي كتاب ليله قمرا" .
للجنوب الذي يأتي إليه البحر ليستريح ، والعصافير لتتوالد ، والذي يفتح بابا" لضوء
النهارات الواضحة ، والذي يشد الخطى باتجاه الحبيبة .
للجنوب الذي لم يئن رغم الكوابيس في السنين الكبيسة ، والذي كان رهيفا" كالسيق
شهيا" كالنزف .
لهذا
الجنوب البريء من الآثمين ، البريء من الأذى ، الذي دار جرح حرمانه كالسبحة في
الأيدي خمسين عاما" ، والذي دارت الجراح والعدوان في عمره كفنجان المرارة خمسين
عاما" من شفة إلى شفة .
لهذا
الجنوب ، لعناوينه الأنيقة وللممالكه الساحلية من صيدا إلى صور إلى الناقورة .
لقلاع
بره من إقليم التفاح إلى أقاليم الجمر والفجر وليال عشر ، إلى ارنون الشقيق وتبنين
.
لأسماء أقماره المعمورة بالقبضة الحسينية : برج رحال وبدياس وطورا والعباسية وهذه
البلدة السيدة الأم : معركة
لهذه
الأم التي لا نختار مصادفة أن نأتي إليها في هذا اليوم كي نحتفل بالتحرير ، بل نأتي
إليها عن سابق إصرار وتصميم ، نأتي إليها كي نقف في امتحان الذاكرة وامتحان
المستقبل إمام نصف الجنوب محمد سعد وإمام خليل جرادي وكل الشهداء الآخرين .
لهذه
البلدة الموقع ، لساحة جهاد أمل وساحة المواجهة في الرابع والعشرين من شباط ،
لأبطال هذه المواجهة وشهدائها ، للأمهات اللواتي قاومن بالزيت المقلي ، لكل ليلة من
الليالي التي كانت شاهدة على إسراء أبناء الإمام الصدر من موقع جهاد إلى موقع جهاد
.
لهذه
البلدة وللخرايب ، عين بعال ، القليلة ، وجبال البطم ، التي كانت لنا مواعيد معها
اليوم لافتتاح مؤسسات تربوية بمناسبة عيد التحرير .
لهذا
العيد ومعانيه السامية وأبعاده التاريخية والإنسانية والجهادية ولكم ألف تحية وتحية
وبعد ،
لم
تكن تمضي سنوات خمس على اللحظة الخالدة للانتصار الثالث للمقاومة ، حتى استكمل
العدو عدته من اجل الانقضاض على هذا الحدث الذي شكل بشرى هامة في مطلع الألفية
الثالثة ، وأكد قدرة الشعوب مهما كانت إمكانياتها وضيعة على هزيمة اعتى الجيوش
المعتدية مهما بلغت قوتها وأسلحتها .
أقول
أن العدو استكمل عدته لهجوم مضاد ، ذلك لأن الواقع العربي للأسف الشديد يعيش في
لحظة وهن وضعف ، ناتجة عن ان كل نظام أو جهة تعتقد انه طالما لا تقع في دائرة
التصويب فإنها غير معنية بالاستجابة إلى نداء الأخوة العربية .
وأقول
أن العدو هو في موقف الضغط ، ذلك لأن الواقع اللبناني يعيش ايضا" في لحظة تفكك .
لقد
انتصرت المقاومة بفضل سلاح الوحدة الوطنية ، والظاهر انه التبس الأمر حتى على بعض
اللبنانيين عند تضمن القرار 1559 الإشارة إلى سـلاح المقاومة ، فاعتقدوا أن عليهم
أن يسلموا سلاح الوحدة الوطنية .
إن
المقاومة ليست جيشا" يمتلك ما يمكن وصفه بالأسلحة التي تهدد السلم والأمن
الإقليميين ، وأنها هي سبب التوتر والخوف .
إن
المقاومة هي المواطنون الذي لا يحترفون الحرب من اجل الحرب ، ولا يحملون السلاح من
اجل السلاح ، بل هم مجرد حراس لمدنهم وبلداتهم وقراهم وحقولهم ومدارسهم وأعمالهم .
وأقول
في هذه المجال أن وفدا" صحفيا" أجنبيا" حل ضيفا" على احد كوادر أمل في المنطقة
الحدودية لعدة أيام ، وصال وجال في المنطقة بكل حرية ، وتابع الحياة الاجتماعية
والاقتصادية والمتنوعة للناس ووجه أسئلة في المدارس والأسواق وفي كل مكان ، وبقي
سؤال واحد يقف على رأس السنة أعضاء الوفد حتى لحظة المغادرة الأخيرة وهو أين
المقاومة ، نحن لم نر سلاحا" ولا مسلحين باستثناء مرة واحدة صادفنا شخصا" يحمل
بندقية صيد ، الإجابة على هذا السؤال كانت أننا نعيش حياة مدنية كاملة وهذه الحياة
غير محكومة الى اية حركة سلاح أو مسلحين ، وبالنسبة لنا المقاومة ثقافة ، والمقاومة
هي بنت لحظتها عندما يقع العدوان .
إذن
كل استهداف لسلاح المقاومة هو استهداف لدور لبنان في نظام منطقته في الحاضر
والمستقبل ، وهو في بعده محاولة لتحييد وإقصاء لبنان عن دوره العربي ، في الوقت
الذي نعرف فيه إن إسرائيل ليست ذاهبة أساسا" للسلام ، ليقف احد من اللبنانيين
وليبيع كلاما" بأننا سنكون آخر الموقعين .
إن
إسرائيل معنية تماما" بشطب لبنان لأنه المنافس المحتمل لها في نظام المنطقة في حال
التوصل إلى تسوية .
إن
لبنان بلد يمتلك الخبرات المصرفية ، وهو متفوق في نظام الخدمات ، ومنافس في الصناعة
السياحية ، ويتمتع بلدنا بمزايا مريحة على مستوى التقديمات المتنوعة وإسرائيل
يغيرها هذا اللبناني الذي ينتشر على مساحة العالم ويقيم لبنانه في كل مكان ، فكيف
إذا كان يقف على أرضه وينافس في مجال الأعمال .
أيها
الأعزاء
إن
هذه الهجمة التي تستهدف لبنان عبر القرار الدولي 1559 هي حلقة في سلسلة تستهدف كل
مواقع المقاومة والممانعة على مساحة العالم العربي .
إذ
انه ليس من قبيل الصدفة أن يستهدف لبنان على هذا النحو ، في الوقت الذي يجري غزو
القدس عبر الوحدات الاستيطانية ، ويجري استكمال عزلها بالأطواق الاستيطانية ويتم
استكمال بناء جدار الفصل .
انه
ليس من قبيل الصدفة أن يجري استحداث سلاح المقاومة الفلسطينية وكأنه سبب العنف
والتوتر .
وليس
من قبيل الصدفة أن تكون سوريا على رأس قائمة الاستهداف تارة بالعناوين الفلسطينية
وأحيانا" اللبنانية وطورا" العراقية .
إن
أحدا" لا يريد أن يصرخ على مساحة العالم ويتحدث عن سلاح العدوان وسلاح الاحتلال ،
ولا يريد احد أن يسأل لماذا تزود الولايات المتحدة الاميركية اسرائيل الآن بقنابل
اعماق ، ولماذا طائرات الاباتشي الحديثة ، ولماذا كل اسحلة الدمار والقتل التي
استخدمت خلال السنوات الثلاث الماضية وأوقعت أربعة آلاف شهيد مدني فلسطيني وما يزيد
عن خمسة وأربعين ألف جريح .
لماذا
والى متى سيبقى السلاح الإسرائيلي فوق الشبهات الدولية ؟
لماذا
والى متى ستبقى إسرائيل هي الاستثناء الذي لا تطبق عليه القرارات الدولية ؟
لماذا
والى متى سيبقى الكيل بمكيالين والازدواجية في تطبيق المعايير الدولية ؟
نحن
نقول إن أساس المشكلة هي في محاولة توصيف سلاح المقاومة على انه سلاح إرهاب ،
وتجاهل كل الموت الذي تسبب فيه السلاح الرسمي والإرهاب الرسمي الإسرائيلي .
أيها
الأعزاء
نحن
كما ترون وفي عيد التحرير نفتح مدارس لا ثكنات ، نحن نزود أبناءنا بالكتب والأقلام
وليس بالأسلحة ، ولكننا لا ننكر أننا نربيهم على المقاومة كما على الديموقراطية ،
لأنهم أولا" سيقفون الآن وفي المستقبل أمام تحدي الخوف والإرهاب والقتل والدمار
الذي تمثله إسرائيل ، وهم يجب أن يكونوا بالمقابل ممتلئين بنعمة المقاومة وثقافة
المقاومة ، ولأن أبناءنا سيقفون ثانيا" أمام ضرورة تطوير نظامهم السياسي ، ولا سبيل
إلى ذلك سوى بالديموقراطية والتربية على الديموقراطية ، التي يجب ان تتحول الى اساس
في النظام التربوي .
نحن
أيها الإخوة نقف الآن أمام تحدي الاستحقاق الذي تمثله الانتخابات النيابية .
إزاء
هذا التحدي قلت في صور أن المعركة ليست بين موالاة ومعارضة .
وقلت
أننا نوالي السياسات التي تخدم شعبنا ونعارض كل سياسة توقع ديونا" سياسية أو
اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية على شعبنا .
وأقول
أن المعركة هي بين من يريد لبنان غدا" على صورة التحدي الذي تمثله المقاومة
والإنماء ، وبين من يريد إعادة إنتاج لبنان كطاولة لتقاسم المغانم وان ينمع التحول
من سلطة إلى دولة .
إن
هذه المعركة هي بين جبهتنا التي تريد بناء الدولة وأدوارها المتنوعة ، وبين من يريد
الإبقاء على لبنان في موقع السلطات القابضة على حياة الناس .
إن
هذه المعركة هنا في معركة هي بين جهتنا التي تبني المدارس وبين من كان يبني السجون
ويحول الملكيات إلى إقطاعيات .
إن
هذه المعركة هي بين محمد سعد وأخوه محمد سعد وكل المقاومين على مساحة أمل وحزب الله
وحلفائنا ، وبين من فتحوا الأبواب أمام إسرائيل ووضعوا الجنوب بين مطرقة العدوان
وسندان الحرمان .
إنني
أيها الأخوة وفي هذا العيد ادعوكم إلى انتخاب يومكم وغدكم ، والانتصار إلى لائحة
المقاومة والتنمية من اجل غد أفضل ومن اجل ازدهار الإنسان في لبنان .
عشتم
عاش لبنـــان