نص الكلمة التي ألقاها الرئيس بري في  افتتاح "ثانوية الشهيد خليل جرادي" في بلدة معركة


 

للجنوب، الكتاب الذي نقرأ فيه مواسم الشوق ، واخضرار الربيع ومواويل الشجر .

 

للجنوب ، فصل الفصول الجميلة ، الذي يفتح الندى للعمر ، والذي يرسم حضوره في كتاب يومه شمسا" وفي كتاب ليله قمرا"  .

 

للجنوب الذي يأتي إليه البحر ليستريح ، والعصافير لتتوالد ، والذي يفتح بابا" لضوء النهارات الواضحة ، والذي يشد الخطى باتجاه الحبيبة .

 

للجنوب الذي لم يئن رغم الكوابيس في السنين الكبيسة ،  والذي كان رهيفا" كالسيق شهيا" كالنزف .

 

لهذا الجنوب البريء من الآثمين ، البريء من الأذى ، الذي دار جرح حرمانه كالسبحة في الأيدي خمسين عاما" ، والذي دارت الجراح والعدوان في عمره كفنجان المرارة خمسين عاما" من شفة إلى شفة .

 

لهذا الجنوب ، لعناوينه الأنيقة وللممالكه الساحلية من صيدا إلى صور إلى الناقورة .

 

لقلاع بره من إقليم التفاح إلى أقاليم الجمر والفجر وليال عشر ، إلى ارنون الشقيق وتبنين .

 

لأسماء أقماره المعمورة بالقبضة الحسينية : برج رحال وبدياس وطورا والعباسية وهذه البلدة السيدة الأم : معركة

 

لهذه الأم التي لا نختار مصادفة أن نأتي إليها في هذا اليوم كي نحتفل بالتحرير ، بل نأتي إليها عن سابق إصرار وتصميم ، نأتي إليها كي نقف في امتحان الذاكرة وامتحان المستقبل إمام نصف الجنوب محمد سعد وإمام خليل جرادي وكل الشهداء الآخرين .

 

لهذه البلدة الموقع ، لساحة جهاد أمل وساحة المواجهة في الرابع والعشرين من شباط ، لأبطال هذه المواجهة وشهدائها ، للأمهات اللواتي قاومن بالزيت المقلي ، لكل ليلة من الليالي التي كانت شاهدة على إسراء أبناء الإمام الصدر من موقع جهاد إلى موقع جهاد .

 

لهذه البلدة وللخرايب ، عين بعال ، القليلة ، وجبال البطم ، التي كانت لنا مواعيد معها اليوم لافتتاح مؤسسات تربوية بمناسبة عيد التحرير .

لهذا العيد ومعانيه السامية وأبعاده التاريخية والإنسانية والجهادية ولكم ألف تحية وتحية وبعد ،

 

لم تكن تمضي سنوات خمس على اللحظة الخالدة للانتصار الثالث للمقاومة ، حتى استكمل العدو عدته من اجل الانقضاض على هذا الحدث الذي شكل بشرى هامة في مطلع الألفية الثالثة ، وأكد قدرة الشعوب مهما كانت إمكانياتها وضيعة على هزيمة اعتى الجيوش المعتدية مهما بلغت قوتها وأسلحتها .

 

أقول أن العدو استكمل عدته لهجوم مضاد ، ذلك لأن الواقع العربي للأسف الشديد يعيش في لحظة وهن وضعف ، ناتجة عن ان كل نظام أو جهة تعتقد انه طالما لا تقع في دائرة التصويب فإنها غير معنية بالاستجابة إلى نداء الأخوة العربية .

 

وأقول أن العدو هو في موقف الضغط ، ذلك لأن الواقع اللبناني يعيش ايضا" في لحظة تفكك .

 

لقد انتصرت المقاومة بفضل سلاح الوحدة الوطنية ، والظاهر انه التبس الأمر حتى على بعض اللبنانيين عند تضمن القرار 1559 الإشارة إلى سـلاح المقاومة ، فاعتقدوا أن عليهم أن يسلموا سلاح الوحدة الوطنية .

 

إن المقاومة ليست جيشا" يمتلك ما يمكن وصفه بالأسلحة التي تهدد السلم والأمن الإقليميين ، وأنها هي سبب التوتر والخوف .

 

إن المقاومة هي المواطنون الذي لا يحترفون الحرب من اجل الحرب ، ولا يحملون السلاح من اجل السلاح ، بل هم مجرد حراس لمدنهم وبلداتهم وقراهم وحقولهم ومدارسهم وأعمالهم .

 

وأقول في هذه المجال أن وفدا" صحفيا" أجنبيا" حل ضيفا" على احد كوادر أمل في المنطقة الحدودية لعدة أيام ، وصال وجال في المنطقة بكل حرية ، وتابع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمتنوعة للناس ووجه أسئلة في المدارس والأسواق وفي كل مكان ، وبقي سؤال واحد يقف على رأس السنة أعضاء الوفد حتى لحظة المغادرة الأخيرة وهو أين المقاومة ، نحن لم نر سلاحا" ولا مسلحين باستثناء مرة واحدة صادفنا شخصا" يحمل بندقية صيد ، الإجابة على هذا السؤال كانت أننا نعيش حياة مدنية كاملة وهذه الحياة غير محكومة الى اية حركة سلاح أو مسلحين ، وبالنسبة لنا المقاومة ثقافة ، والمقاومة هي بنت لحظتها عندما يقع العدوان .

 

إذن كل استهداف لسلاح المقاومة هو استهداف لدور لبنان في نظام منطقته في الحاضر والمستقبل ، وهو في بعده محاولة لتحييد وإقصاء لبنان عن دوره العربي ، في الوقت الذي نعرف فيه إن إسرائيل ليست ذاهبة أساسا" للسلام ، ليقف احد من اللبنانيين وليبيع كلاما" بأننا سنكون آخر الموقعين .

 

إن إسرائيل معنية تماما" بشطب لبنان لأنه المنافس المحتمل لها في نظام المنطقة في حال التوصل إلى تسوية .

 

إن لبنان بلد يمتلك الخبرات المصرفية ، وهو متفوق في نظام الخدمات ، ومنافس في الصناعة السياحية ، ويتمتع بلدنا بمزايا مريحة على مستوى التقديمات المتنوعة وإسرائيل يغيرها هذا اللبناني الذي ينتشر على مساحة العالم ويقيم لبنانه في كل مكان ، فكيف إذا كان يقف على أرضه وينافس في مجال الأعمال .

 

أيها الأعزاء

 

إن هذه الهجمة التي تستهدف لبنان عبر القرار الدولي 1559 هي حلقة في سلسلة تستهدف كل مواقع المقاومة والممانعة على مساحة العالم العربي .

 

إذ انه ليس من قبيل الصدفة أن يستهدف لبنان على هذا النحو ، في الوقت الذي يجري غزو القدس عبر الوحدات الاستيطانية ، ويجري استكمال عزلها بالأطواق الاستيطانية ويتم استكمال بناء جدار الفصل .

 

انه ليس من قبيل الصدفة أن يجري استحداث سلاح المقاومة الفلسطينية وكأنه سبب العنف والتوتر .

 

وليس من قبيل الصدفة أن تكون سوريا على رأس قائمة الاستهداف تارة بالعناوين الفلسطينية وأحيانا" اللبنانية وطورا" العراقية .

 

إن أحدا" لا يريد أن يصرخ على مساحة العالم ويتحدث عن سلاح العدوان وسلاح الاحتلال ، ولا يريد احد أن يسأل لماذا تزود الولايات المتحدة الاميركية اسرائيل الآن بقنابل اعماق ، ولماذا طائرات الاباتشي الحديثة ، ولماذا كل اسحلة الدمار والقتل التي استخدمت خلال السنوات الثلاث الماضية وأوقعت أربعة آلاف شهيد مدني فلسطيني وما يزيد عن خمسة وأربعين ألف جريح .

 

لماذا والى متى سيبقى السلاح الإسرائيلي فوق الشبهات الدولية ؟

 

لماذا والى متى ستبقى إسرائيل هي الاستثناء الذي لا تطبق عليه القرارات الدولية ؟

 

لماذا والى متى سيبقى الكيل بمكيالين والازدواجية في تطبيق المعايير الدولية ؟

 

نحن نقول إن أساس المشكلة هي في محاولة توصيف سلاح المقاومة على انه سلاح إرهاب ، وتجاهل كل الموت الذي تسبب فيه السلاح الرسمي والإرهاب الرسمي الإسرائيلي .

 

أيها الأعزاء

 

نحن كما ترون وفي عيد التحرير نفتح مدارس لا ثكنات ، نحن نزود أبناءنا بالكتب والأقلام وليس بالأسلحة ، ولكننا لا ننكر أننا نربيهم على المقاومة كما على الديموقراطية ، لأنهم أولا" سيقفون الآن وفي المستقبل أمام تحدي الخوف والإرهاب والقتل والدمار الذي تمثله إسرائيل ، وهم يجب أن يكونوا بالمقابل ممتلئين بنعمة المقاومة وثقافة المقاومة ، ولأن أبناءنا سيقفون ثانيا" أمام ضرورة تطوير نظامهم السياسي ، ولا سبيل إلى ذلك سوى بالديموقراطية والتربية على الديموقراطية ، التي يجب ان تتحول الى اساس في النظام التربوي .

 

نحن أيها الإخوة نقف الآن أمام تحدي الاستحقاق الذي تمثله الانتخابات النيابية .

 

إزاء هذا التحدي قلت في صور أن المعركة ليست بين موالاة ومعارضة .

 

وقلت أننا نوالي السياسات التي تخدم شعبنا ونعارض كل سياسة توقع ديونا" سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية على شعبنا .

 

وأقول أن المعركة هي بين من يريد لبنان غدا" على صورة التحدي الذي تمثله المقاومة والإنماء ، وبين من يريد إعادة إنتاج لبنان كطاولة لتقاسم المغانم وان ينمع التحول من سلطة إلى دولة .

 

إن هذه المعركة هي بين جبهتنا التي تريد بناء الدولة وأدوارها المتنوعة ، وبين من يريد الإبقاء على لبنان في موقع السلطات القابضة على حياة الناس .

 

إن هذه المعركة هنا في معركة هي بين جهتنا التي تبني المدارس وبين من كان يبني السجون ويحول الملكيات إلى إقطاعيات .

 

إن هذه المعركة هي بين محمد سعد وأخوه محمد سعد وكل المقاومين على مساحة أمل وحزب الله وحلفائنا ، وبين من فتحوا الأبواب أمام إسرائيل ووضعوا الجنوب بين مطرقة العدوان وسندان الحرمان .

 

إنني أيها الأخوة وفي هذا العيد ادعوكم إلى انتخاب يومكم وغدكم ، والانتصار إلى لائحة المقاومة والتنمية من اجل غد أفضل ومن اجل ازدهار الإنسان في لبنان .

 

                                                                                                  عشتم

                                                                                             عاش لبنـــان