كلمة الرئيس بري في افتتاح ندوة البرلمانات العربية عن الموازنة والنوع الاجتماعي في البرلمان


 

بسمه تعالى

 

من دواعي سروري أن يتشارك مجلس النواب اللبناني والاتحاد البرلماني العربي والاتحاد البرلماني الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، مع شخصيات برلمانية عربية ودولية لعقد هذه الندوة الإقليمية بعنوان: "البرلمان والموازنة والنوع الاجتماعي" والتي ينصب محورها الأساسي على دور البرلمانات في عملية إعداد الموازنة ومراقبة تنفيذها ، توخيا" للوصول إلى المساواة بين الرجل والمرأة  ، واستكشاف ما هو تأثير هيكلية اعتمادات الموازنة على التقديمات الاجتماعية والصحية والثقافية التي تستفيد منها النساء .

 

قبل أن أتناول هذا العنوان بالذات أود أن اركز على قضية المرأة العربية وموقعها ودورها في حياة المجتمعات والدول ، ومدى مشاركتها وتأثيرها في صنع السياسات العامة .

في هذا المجال لابد من الاعتراف بأن المجتمعات العربية تعاني في الواقع من شلل نصفي يمنع تطورها بسبب تقييد دور المرأة ، وبسبب أن المجتمع الأبوي العربي أو المجتمع الذكوري لازال مترددا" في الإقدام على منح المرأة حقوقا" متساوية على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

إن هذا الأمر يؤدي إلى إبقاء الشخصية العربية ، شخصية النظام العربي وشخصية المجتمع العربي واقفة على رجل واحدة ، وترى بعين واحدة وتسمع بأذن واحدة ، وتعمل بنصف قوة عملها وتنتج بنصف قوة إنتاجها ، وتجعل هذه الشخصية مشدودة إلى واقع التخلف الذي يتنافى أساسا" مع الاتجاهات المعتقدية للفكر العربي والقومية والإنسانية وبالأخص الدينية الإسلامية والمسيحية ، هذا مع العلم أن المشاريع الفكرية التي تستند إليها مختلف اتجاهات المعارضة العربية ، تزعم انحيازها إلى جانب حقوق المرأة وإفساح المجال أمامها للقيام بوظائفها وأدوارها المختلفة ، إلا أن الواقع التطبيقي هو غير ذلك ، مما يستدعي مواجهة نقدية مع الذات العربية وصحوة تفسح المجال أمام قيامة المرأة . 

إن هذا اللقاء البرلماني يشكل فرصة هامة لدعوة البرلمانيين العرب إلى ممارسة مختلف الضغوط على القادة والحكومات العربية للأخذ بالتوصيات الصادرة عن القمم الثلاث للمرأة العربية  ، والندوات السبع المرافقة لها والتي نظمت في اكثر من عاصمة عربية حول مطالب وحقوق المرأة العربية .

 

بالعودة إلى عنوان لقائنا، فإني أود أن اوجه عنايتكم إلى أننا نستكمل بانعقاد هذه الندوة الموجهة إلى البرلمانات العربية سلسلة ندوات للبرلمانات الإفريقية الناطقة باللغة الإنكليزية ، والبرلمانات الإفريقية الفرنكوفونية وبرلمانات اتحاد بلدان جنوب شرق آسيا ، نظمها الاتحاد البرلماني الدولي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، أرى أن القصد منها ليس مجرد تشجيع البرلمانات على تأمين تمثيل متكافئ للنساء والرجال ، وعلى اتخاذ القرارات استنادا" إلى المساواة بين الجنسين ، وإنمـا التـأكيد على رفض كل المحاولات الحكومية لتهميش البرلمانات انطلاقا" من قانون الموازنة باعتباره أهم إعلان سياسي تدلي به السلطة التنفيذية خلال السنة ، وتعكس من خلالها القيم السياسية التي تستند إليها السياسة الوطنية في كل دولة .

أقول ذلك لأن الحكومة أي حكومة قادرة على طمس الحقائق أو إخفائها أو التستر عليها ، وقادرة على التلاعب بالمشاريع والأرقام ، وهي بعد إقرار قانون الموازنة تعتقد أنها قادرة على الاحتكام إلى نفسها والى إداراتها في ظل عدم قدرة المجالس على تحليل الموازنة ، وفي ظل عدم وجود إمكانية للرقابة على صرف الموازنة ، لذلك فإن المطلوب من المجالس النيابية أن تتبادل الخبرات من اجل تأمين فرصة الالتزام بالشفافية خلال التخطيط للموازنة التي هي حجر الأساس في بناء المساءلة .

إن الوصول إلى فرصة الالتزام بالشفافية يبدأ بإيجاد الوسائل والسبل التي تتيح لكل نائب الإمكانية إلى فهم جيد لعملية إعداد الموازنة العامة ومعالجتها وتطبيقها ، بما يخدم تعزيز دور البرلمانيين في عملية إعداد الموازنة لأن مساهمتهم هذه تضمن التوزيع العادل لموارد الدولة .

 

هذا على المستوى العام أما على مستوى خصوصية الموضوع الذي تعالجه هذه الندوة ، فإنه لمن الضروري في عملية التخطيط للموازنة وتشريعها وتطبيقها دراسة السبل الآيلة إلى المساواة بين الجنسين ، لأن إغفال مسألة المساواة سيؤدي إلى الإضرار بالذكور أو الإناث وبالتالي يقف عائقا" أمام التنمية الوطنية .

إننا على المستوى المحلي الوطني وعلى المستوى العربي وانطلاقا" مـن هذه الندوة نهدف الى تمكين البرلمانيين والادارة البرلمانية مـن :

1 – فهم اعمق لعملية المصادقة على الموازنة .

2 – تزويد البرلمانيين والإدارة البرلمانية بالأدوات والموارد اللازمة لتطوير الموازنة وتحليلها .

3 – تعزيز قدرات لجان المال والموازنة البرلمانية ومشاركتها في عملية إعداد الموازنة .

4 – تعريف البرلمانيين المشاركين في هذه الندوة وبالتالي كافة البرلمانيين العرب إلى تبعات إعداد الموازنة من منظور المساواة بين الجنسين من الناحية النظرية والعملية .

 

      الزملاء الكرام

      السيدات والسادة

 

رغم أننا نجتمع لمعالجة موضوع اختصاص يتعلق بمهمتنا التشريعية ، إلا أن ذلك يستدعي منا كبرلمانيين وفي هذه اللحظة السياسية الضاغطة على المنطقة أن نتطلع بدقة إلى ما تشهد فلسطين والعراق .

ففي صورة المشهد الفلسطيني لا بد أنكم تلمسون جميعا" ضغوطا" متصـاعدة يحاول من خلالها المستوى السياسي والمستوى العسكري الأمني بقيادة شارون أن يظهر وكأنه يحاول فك الاشتباك مع الفلسطينيين، من اجل أن يكسب الوقت لاستكمال سحق الفلسطينيين وسحق وسائل حياتهم ومدنهم وبلداتهم وقراهم ومخيماتهم .

أما في صورة المشهد العراقي ، فإن سلطات الاحتلال والانتداب على العراق تحاول أن تكسب الوقت من اجل جعل عملية انتقال السلطة محكومة إلى ضوابط لا يمكن الاستغناء معها حتى خدمات قوات الاحتلال ، تحت ضغط التلويح بإمكانية تشظي العراق وتحت ضغط العودة بالعراق خطوة إلى الوراء نحو شبح النظام السابق .

 

إنني باسم مجلس النواب اللبناني وباسم الاتحاد البرلماني العربي أتوجه إلى جميع البرلمانيين العرب والى الأطر البرلمانية الدولية من اجل التنبه إلى أن القضية الفلسطينية ليست قضيـة أمنية ولا قضية عنف مفرط ، وإنما قضية أماني وطنية لهذا الشعب تنطلق من حق العودة وتقرير المصير وإقامة الشعب الفلسطيني لدولته المستقلة وعاصمتها القدس .

 

إن الشعب الفلسطيني لا يعاني من الانفلات الأمني في شارعه بل يعاني من محاولة إسرائيلية متصاعدة لحرمانه من حق الحياة على ارض وطنه ودفعه أما إلى الفرار أو الانتحار.

إن الضغوط الدولية يجب أن تتركز على حماية هذا الشعب ووقف جرائم الحرب الإسرائيلية وعمليات الإبادة والقتل الجماعي والاعتقالات وعمليات تدمير المساكن وتجريف الأراضي .

 

كما إنني وباسم مجلس النواب اللبناني وباسم الاتحاد البرلماني العربي أطالب بأن يلمس العراقيون تطبيقا" كاملا" لقرار مجلس الأمن الدولي الخاص بنقل السلطة إلى العراقيين ، وتمكين هذا الشعب برعاية الأمم المتحدة من إجراء الانتخابات التي تتيح بناء وصنع نظامه وإنهاء الاحتلال والانتداب الأجنبي على العراق بكل أشكاله ، ورفض تبرير أي نوع من الشراكة الأمنية بأي حجة من اجل إدانة الاحتلال .

لقد أثبتت الوقائع انه من المستحيل جعل العراق مساحة أميركية أو تحويل العراق إلى ثكنة وقاعدة انطلاق للسيطرة على الشرق الأوسط ، وتثبت الوقائع انه من غير الممكن كما انه من غير المقبول جعل العراق مساحة أطلسية .

ان البرلمانيين العرب يرون أن الشعب العراقي تواق إلى بناء وصنع تجربته الديموقراطية وطنيا" ، وهذا الحق يجب أن يمنح إلى العراقيين بالسرعة الضرورية كي يتمكنوا من ترسيخ نظامهم الوطني وتقرير سياساتهم الداخلية والخارجية دون أي تدخل أجنبي .

 

      أيها الزملاء

      السيدات والسادة

 

بالعودة إلى هذا اللقاء فإني أتمنى لندوتكم النجاح الكامل في تحقيق غايتها ، وبث الوعي الضروري المفترض انه سيفسح المجال ليس لتقليص الهوة أمام التفاوت الكبير بين الرجال والنساء ، وإنما أمام المساواة بين الجنسين ، وبما يمكن المرأة من المشاركة في صنع القرارات المتعلقة بالمستقبل العربي ومستقبل لبنان .

 

                                                عشتم

                                                عاش لبنــان