استقبل رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري في
الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر الجمعة 21/11/2008 في مجلس النواب، رئيس وزراء
فرنسا فرانسوا فيون والوفد المرافق، في حضور السفير الفرنسي اندريه باران والدكتور
محمود بري. وجرى خلال اللقاء عرض للعلاقات الثنائية بين البلدين واخر التطورات
السياسية والامنية.
وقد أدت ثلة من شرطة مجلس النواب التحية للرئيس فيون وفرش له السجاد الاحمر،
واستقبله الرئيس بري في بهو المجلس. وودعه بعد اللقاء عند باب المجلس.
وجال الوفد الضيف في ارجاء المجلس والقاعة العامة، واستقبل طلاب برلمان الشباب
الذين كانوا في المجلس، حفاوة وبتصفيق حار الرئيس بري والرئيس فيون، حيث احتلوا
المقاعد النيابية ال 128 لمحاورة رئيس المجلس وهم يمثلون مختلف المدارس اللبنانية.
في حين احتلت الهيئة التعليمية مقاعد الوزراء، وبقي مقعد رئيس الحكومة وحده فارغا.
وبعد ان ودع الرئيس بري الرئيس فيون بنفس الحفاوة التي استقبل بها، قرع الجرس
ايذانا ببدء جلسة برلمان الشباب وكانت الساعة تشير الى الثانية عشرة والربع، فاستهل
الرئيس بري الجلسة بالترحيب بالشباب معلنا افتتاح الجلسة من دون تلاوة اسماء النواب
الذين تغيبوا بعذر، لانه بحسب تعبير الرئيس بري "لانكم كلكم".
واعطيت الكلمة الاولى للطالبة غريس الحاج التي تحدثت عن اهداف تحرك الشباب وسألت عن
مساحة الحرية، والمسموح وغير المسموح.
حضر الجلسة أعضاء من الهيئة الإدارية والتعليمية لست مدارس و128 طالبا يمثلون
مدارس: شوف ناشونال كولدج، الكوثر للبنات، كلية علي بن ابي طالب، زهرة الإحسان،
الإنجيلية ومدرسة يسوع ومريم.
افتتح الرئيس بري الجلسة بكلمة مقتضبة قال فيها: "يسرني للمرة الثانية أن أرحب
بانعقاد مثل هذا البرلمان الطالبي الشبابي تحت قبة البرلمان اللبناني، في إطار ما
نعتبره عملية التربية على الديموقراطية، وهي عملية يجب أن تتم في صميم المنهاج
التربوي والنظام التربوي، ويجب ان تتكامل مع البيت (أي التربية الأسرية) ومع
المجتمع أي في سياق بناء الشخصية القيادية لمنظمات المجتمع المدني والأحزاب
والنقابات وصولا الى مجلس النواب. وبهذا المعنى تتحول الديموقراطية من عملية
إنتخابية أو من عملية تتم في سياق نظامي عبر الترشح والإنتخاب الى نهج حياة
وممارسة. فأهلا بكم أيها الأبناء الأعزاء في المجلس النيابي اليوم، خصوصا وإن
وجودكم يفتح الباب على عيد إستقلال لبنان غدا، وهو العيد الذي يغمر لبنان بالفرحة
وقد تحررنا من واقع الأزمة السياسية التي عصفت ببلدنا وكادت أن تجعله ينقسم
عاموديا، وهو أمر لن يتكرس رغم محاولات البعض جعل هذا الإنقسام واقعا مؤسسيا".
اضاف: "الأعزاء الطلاب النواب، في هذه الجلسة لن ولم أطلب أسماء النواب المتغيبين
بعذر أو بدون عذر، فكلكم والحمد لله حضور، لذا أعلن إفتتاح الجلسة والبدء بالناقشة،
فأهلا وسهلا بكم".
الحوار مع الطلاب
وتكلمت الطالبة غريس الحاج باسم الطلاب، فشكرت الرئيس بري على اللقاء، مشيرة الى
"ان أعضاء الوفد الإداري والأساتذة قد أخذوا محل الحكومة، وأخذ الطلاب محل النواب"،
وسألت: "كيف نستطيع التغيير، وما هي الخطوط الحمر التي يجب ألا نتخطاها؟
أجاب الرئيس بري: "مجددا أهلا وسهلا، بالحقيقة، وبالعودة الى عامية انطلياس، نجد
أكثر الأجوبة لأسئلتك. هذه العامية التي لم تعط حقها في التاريخ اللبناني كما أمور
كثيرة كانت لها أهمية قصوى في لبنان ولم نعطها حقها في التاريخ. الذين قاوموا
الإحتلالات في لبنان سموا رجال عصابات بالتاريخ اللبناني. طانيوس شاهين الذي قضى
لمصلحة الفلاحين والمستضعفين لم يذكره التاريخ اللبناني. أما كيف يمكن ان تغيروا؟
نعم يمكنكم أن تغيروا وأمامكم مثال حديث جدا، بغض النظر عن النتائج".
اضاف: "من كان يقول منا ان باراك اوباما سيصل الى الرئاسة الأميركية؟ فقط منذ عشرات
السنين وليس من قديم الزمان كان العرق الأسود ممنوعا أن يدخل مناطق في الولايات
المتحدة، والآن هذا الرجل قد وصل الى الرئاسة، أكانت الناس تحبه أو تكرهه أو تحب أو
تكره أميركا، بغض النظر عن موضوع السياسات، فإن العملية الديموقراطية استطاعت أن
تغير. ولا أعتقد اننا نحن في لبنان عندنا هذه المشكلة بالنسبة للعنصرية فهي غير
موجودة. نحن في لبنان لسنا قوميات مختلفة ولسنا أعراقا مختلفة، من ال128 نائبا
الموجوين هنا الآن أتحدى أن تعطوني عائلة هي وقف على طائفة واحدة أو على مذهب واحد.
نحن عائلات متعددة ولكننا من عرق واحد وأساس واحد وقومية واحدة. والتغيير بالنسبة
الينا أمر سهل وصعب في آن معا. فلنعترف ان الطائفية والمذهبية التي ترسخت فينا
والتي تركتها الإنتدابات والإحتلالات للبنان كانت سببا لتدميره. عندما يصبح إرتباط
المواطن اللبناني مباشرة بوطنه لا يمر عبر الطائفة أو المذهب أو القبيلة أو عبر
المنطقة، عندئذ نكون قد بدأنا نشعر فعلا بعيد العلم وعيد الإستقلال. لقد مر جيلنا
بفترات صعبة كثيرة إن كان في فترة التأسيس أو في فترة الإحتلال الإسرائيلي أو في
فترة الإنتداب قبل ذلك".
وتابع: "أنا أتمنى من الله أن يكون في المستقبل عهد أفضل وبأفكار أفضل وأن تبنوا
المواطنية الصحيحة. في لبنان كان هناك إختلاف على المواطنية ولا يزال حتى الآن،
وأتمنى ان نبدأ من الان وضع أسس ومداميك هذا الموضوع. مثلا قانون الإنتخابات،
الجميع شتموا هذا القانون، ولكنهم جميعا اتفقوا عليه، إنها حزورة، لماذا؟ هي أيضا
مفهومة في الوقت نفسه. نريد قانون إنتخاب يجمع ولا يفرق، وقانون إنتخاب يكون فيه كل
مسيحي بحاجة للمسلم والعكس بالعكس، ولكن إذا كان هناك تخوف من أمر معين، فإن هذا
القانون يمكن تغييره بعد أربع سنوات، ولكن ليس في إمكاننا أن نغير لبنان بأربعة
ألاف سنة. لذلك فلنقبل بالشيء المعقول حتى نستيطع أن ننتقل بعد ذلك الى التغيير.
ديموقراطيتنا حتى الآن هي ديموقراطية توافقية، نستطيع من خلال تفاهمنا على المواطن
والمواطنية والعاصمة والحدود، وهذا أمر متيسر، أن نعود الى الديموقراطية الأم، عنيت
بذلك الديموقراطية التوافقية. نعم بإمكانكم أن تغيروا، ولكن إنطلاقا مما تفضلنا
وتشرفت وفتحت الجلسة به، أن تكون الديموقراطية تربية حقيقية ليس فقط في التاريخ وفي
المدارس، ولكن ايضا في الأسر المنزلية لكي نستطيع أن نغير".
وتكلم الطالب محمد كيالي شاكرا الرئيس بري ومشيدا بدوره، وسأل عن المال الإنتخابي،
فأجابه الرئيس بري: "شكرا أولا لتذكيرك لي بجزء عزيز جدا من حياتي، جزء أثر حتى على
مساري لفترة طويلة، لا شيء يدوم مثل صداقة المدرسة والجامعة، ولا شيء يحمل من
ذكريات طيبة للانسان أكثر من تلك الذكريات. تربينا في المقاصد الإسلامية، في الصفوف
الثانوية، لأنني درست قبل ذلك في الحكمة، تربينا على التربية الوطنية، كان مديرنا
في ثانوية علي بن ابي طالب في الأشرفية الدكتور زكي النقاش، شتمني مرة وزملاء لي،
لأن جميلة بوحريد مناضلة جزائرية أوقفها المحتل الفرنسي آنذاك، كيف نداوم في الصف،
وهذه المناضلة قيد الإعتقال. لبنان كان يحمل دائما هموم وآمال وآلام العرب. ذكرت
هذه القصة الآن، لأنني تذكرت إنه عندما حوصرت بيروت، ودكت ل72 يوما، ولم تحصل
مظاهرة عربية واحدة تنديدا لما يحصل للبنانيين، وهذا ما أقصده تماما عندما قلت
بالتربية الوطنية والديموقراطية".
اضاف: "أما حول المال الإنتخابي فأنا آسف كثيرا أن أوافق معك، المال الانتخابي يعد
الآن ويدفع، هذه الأمور تحصل وطبعا كانت هذه عادة موجودة، ولكنها كانت قليلة جدا،
وبرأيي ان أهم شيء يمكن ان يحول دونها هو وجود بطاقة إنتخابية ممغنطة. مع الأسف
لبنان حتى الآن لم يصل الى هذه البطاقة، تصوروا ان مئة وأربعين مليون أميركي و43
مليونا في إيران، وكذلك في فرنسا وتصدر نتائج الإنتخابات في اليوم نفسه، وفي لبنان
نحتاج الى سبعة أو عشرة أيام. إذا كنت أريد أن أنتخب في تبنين علي أن أذهب من بيروت
الى هناك، وهذا يحتاج الى نقل والى بنزين بالإضافة الى الطعام وغير ذلك، وهذا يؤثر
على الإنتخابات، فمن يعطي النقل والطعام وغيره بإمكانه أن يؤثر على الصوت، إضافة
الى ذلك ان الناس تعتقد ان الإنتخابات هي حرب بسوس وحرب داحس والغبراء بين 8 و14
آذار".
اضاف: "من الآن أستطيع أن أقول لكم ان الذي يأمل انه سيحصل إكتساح، أي ان طرفا
سيكتسح الآخر، فلبنان الذي يقوم على التوافق كل فريق من الفريقين، كل واحد من 8 أو
من 14 آذار يعتقد انه سينجح بموجب هذا القانون، لو كان يعتقد ان هذا القانون ضده لم
يكن قد سار به. هذا القانون جمعنا، لقد جمعتنا المصيبة ان صح التعبير. وبالتأكيد
فإن النتائج لن تكون بفارق كبير لصالح هذا الفريق أو لذاك، على الأكثر سيكون الفرق
صوتا أو صوتين أو ثلاثة (مقعد أو مقعدان أو ثلاثة) كحد أقصى، كفرق بين الفريقين،
وبالتالي فإن اللبنانيين ملزمون مجددا بأن يعودوا للتوافق بين بعضهم البعض. لذلك مع
الأسف نعم إنني أوافقك الرأي فإن الدفع على قدم وساق ولكن النتيجة لن تكون بهذا
الفارق".
قانون ال1960
سئل: قانون العام 1960 يتحدث عن القضاء وبأن الأكثرية في قضاء هي التي ستحدد النواب
الذين ينجحون مما يشجع على الطائفية والتقوقع وإطلاق الشعارات الطائفية، فلماذا
رجعت الى قانون إنتخاب الستين الذي يكرس الطائفية؟
أجاب الرئيس بري: "هذا الكلام صحيح وسأتحدث بداية عن نفسي، نحن في الأساس قلنا في
"كتلة التنمية والتحرير" إننا منذ البداية مع قانون على أساس لبنان دائرة إنتخابية
واحدة، أو كحد أقصى، واستطرادا ان يكون لبنان خمس محافظات كبرى ايضا، وقبل إنتخابات
العام 2005 القيت محاضرة في جامعة الحكمة وقلت فيها إذا جرت الإنتخابات على اساس
خمس محافظات وكرئيس لائحة في الجنوب مثلا أخسر اربع أو خمس نواب ولكنني أربح لبنان.
لكن مع الأسف جرت الأمور بشكل آخر".
اضاف: "أما لماذا العودة الى قانون العام 1960 نعم هذا القانون - الأقضية، يؤدي الى
زيادة العصبية والطائفية أو المذهبية، فأنا مثلا إذا كنت في قضاء أغلبه شيعة فأصبح
شيعيا أكثر من اللازم لكي أؤمن الفوز، وغيري إذا كان مسيحيا أو درزيا الخ، فعلا هذا
القانون يساعد على التمذهب وعلى الطائفية، إنما وجدنا وبكل صراحة ان الطائفة من
اهلنا المسيحيين في لبنان يرغبون بهذا القانون ويعتبرونه يعطي تمثيلا صحيحا أكثر،
قلنا فليكن، لكن الأهم من ذلك هو الجماعة لان الله مع الجماعة، وقلنا إذا كان هذا
الأمر يرضي شركاءنا في الوطن، ويرضي أهلنا، ويرضي النصف الآخر من القمر اللبناني،
فليكن ولنجرب. فإذا جربنا ووجدنا ان هذا الأمر يحل المشكل يكون خيرا، وإذا لا،
فبإمكاننا بعد أربع سنوات ان نغير القانون، ولكن لا نستطيع تغيير لبنان، لا بألف
ولا بأربعة آلاف ولا حتى في خمسة آلاف سنة. لذلك نعم، نحن وافقنا على هذا الأمر نحن
وأكثرية فريق الثامن من آذار، وافقنا على ذلك إنطلاقا بأنه يرضي شركاءنا، وبالتالي
لنكون موحدين وبدون هذه الطريقة سيكون هناك تفرقة وتمييز، ونحن حرصنا على حفظ
لبنان، وأحيانا كثيرة علينا أن نضحي بالفضل وصولا الى الأفضل".
وسألت الطالبة راشيل ياسمين من مدرسة "زهرة الإحسان": لماذا لا يكون مجلس النواب
المركز الأساسي للحوار لا سيما وانه يمثل الشعب اللبناني بكامله؟
أجاب الرئيس بري: "هو كذلك، ففي بداية العام 2006 شعرنا بتباعد اللبنانيين، لأنه أن
ألفت نظركم، إياكم ثم إياكم أن تعتبروا ان هناك لبنانيا عدوا للبناني، هناك خصوم في
لبنان، أتخاصم أنا وإياك أو انت واختك، أما عداء في لبنان فلا يوجد، لا احد يفكر
بهذا الأمر للحظة من اللحظات، مهما رأينا من أمور، الدم لا يصير ماء. في ال2006
شعرت ان الجو في لبنان يميل نحو التشرذم، قمت بجولة ليس فقط بين اللبنانيين، بل على
الدول العربية دون إستثناء تقريبا، الى ان إنعقد العزم على عقد حوار بين
اللبنانيين. هذا الحوار كان الأول من نوعه، دعونا الى أول جلسة للحوار ممثلة بكل
الأطراف والأطياف اللبنانية، عقدنا الجلسة الأولى في 2 آذار 2006، كان على الاجندة
12 بندا، إستطعنا ان نحل بالإجماع عشرة بنود. في لبنان، اما أنا نأخذ الامور كلها
أو نتركها كلها، بقي بندان هما إنتخاب رئيس الجمهورية وموضوع الإستراتيجية
الدفاعية، بقينا على هذا المنوال، اتفقنا في موضوع رئاسة الجمهورية على ألا نتفق،
مرات كثيرة تتفقين على الإختلاف، يعني عندما نصل اليها نصلي عليها".
اضاف: "وفي موضوع الإستراتيجية الدفاعية تكلم جميع الأخوة المتحاورين، الجميع
تكلموا، بقيت عدة جلسات، في 12 تموز حصل الإعتداء الإسرائيلي، الأمر الذي أعاد
الأمور كلها، بقي على هذا المنوال حتى متابعة الحوار في الدوحة، بالأشخاص والأسماء
نفسها، وذهبنا الى الدوحة، واتفقنا على باقي الأمور. بعد الإتفاق بالدوحة مباشرة تم
إنعقاد مجلس النواب وإنتخب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بعد أربعة ايام من
عودتنا من الدوحة. ومن ثم تم إقرار قانون الإنتخابات النيابية على أساس القانون
1960 الذي تكلمنا عنه، ثم تم إستئناف الحوار الوطني برئاسة رئيس الجمهورية هذه
المرة وانعقدت جلستان والجلسة الثالثة مقررة في 22 كانون الأول. أضف الى ذلك إذا
أردنا ان نجري إنتخابات نيابية بدون مجلس دستوري فهذا عيب كبير، لذلك اليوم أو
بالأمس إنتهت مهل تقديم الطلبات، على المجلس النيابي أن ينتخب خمسة أعضاء، وعلى
الحكومة ان تعين خمسة اعضاء، إذا صار هناك طعن إنتخابي. إختصارا، الحوار بدأ في
المجلس النيابي وسيستكمل برئاسة رئيس الجمهورية لأنه بعد ان اصبح هناك رئيس للبلاد
اصبح بالإمكان ان يرعى الحوار بحضور رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء".
سئل: لبنان معروف بديموقراطيته في محيطه، فكيف نحميه ونظامه الديموقراطي من الذوبان
في الأنظمة الدكتاتورية؟
أجاب الرئيس بري: "بالوحدة الوطنية اللبنانية، بالوحدة الوطنية هي أهم المعايير، هي
مناعة للجسم اللبناني من كل ما يدور من إشكالات عند البعض من هنا وهناك. بالوحدة
الوطنية إستطاع لبنان أن ينتصر على إسرائيل، والبلاد العربية مجتمعة ومتفرقة لم
تستطع الإنتصار عليها. وحدتنا هي الأساس أي أمر حتى لو كان غير مصيب، إذا أجمعنا
عليه يصبح مصيبا، أي أمر حتى لو كان اعتبر البعض انه خطأ أو اعتبر الآخرون انه أخطأ
فهو صحيح، السياسة لبس، يعني تلبس على ذوق الناس، لا تستطيع ان تلبس على ذوقك وحدك،
المهم الإجماع الوطني والوحدة الوطنية".
سئل عن وظائف الفئة الأولى التي تكون وفقا للمحسوبية وليس للكفاءة، فأجاب: "فعلا
كما تفضلت تماما، دستور لبنان سنة 1926 وضع المادة 95 على أساس انه لمدة موقتة، هذه
المادة الموقتة "قعدت" 60 سنة و70 يوما، لم نستطع ان "نخلص". أتى قانون الطائف الذي
تكرس في دستور العام 1990 تحدث عن المادة 21 على أساس انه تطور، انه اذا اعتبرنا ان
النواب مناصفة ونسبية بين الطوائف واعتبرنا وظائف الفئة الأولى ايضا مناصفة ونسبية،
ما دون الفئة الأولى ليكن مجالا للكفاءة. المفروض إذا اردنا ان نطبق الدستور والنص،
هذا ما يمشي، مع الأسف الشديد أذا اردت ان تعين حاجبا في أي وظيفة يكون هناك دائما
تمسك لا بل يؤدي الى هدر للكفاءات، ولكن هذا الأمر الذي نمر به بعد هذه التجربة
الصعبة التي حصلت معنا، حرب الفتنة سنة 1975، وما زلت أقول ان الأهم من أي مبدأ هو
ان نكون متوافقين في الوقت الحاضر، على اساس ان نطور الفكرة وصولا، على الأقل اذا
ليس إلغاء الطائفية السياسية الآن، ان نستطيع ان نزيل سمها. لا بد من الوصول الى
نتيجة، لان هناك أمورا غير معقولة ضد مصلحة لبنان وضد مصلحة الوطن، هذا غير معقول،
وضد مصلحة لبنان ومصلحة الوطن، لذلك سؤالك صحيح ومع الأسف الذي يطبق عكس ما هو وارد
في القوانين والدساتير".
وسألت الطالبة سلمى شقير من مدرسة يسوع ومريم عن الحروب الجاهزة، ثم تأتي المصالحات
لكسب الأصوات الإنتخابية؟
فرد الرئيس بري قائلا: "تقصدين بأن المصالحات يقتضي ان تعمم في لبنان؟ ففي كل بلدان
العالم اي قائمة تأتي على أساس قانون إنتخابات واضح، فالكتل الإنتخابية تأتي على
اساس برنامج واضح وتتم مراقبته طيلة فترة السنوات الأربع، أي خلال فترة إنتخاب
النائب، فإذا كان طبق بما وعد به في برنامجه فيعاد التصويت له، وإذا لا، المفروض ان
يحجبوا عنه الثقة، أما في لبنان مع الأسف لا يزال الشعب يتمسك بنوابه، يعني يصوتون
لفلان او علتان مهما حصل، مهما وعد ووضع المسؤولية على الأخرين، يبقى الشعب يرى
التبريرات له، والحقيقة هذه هي المنطلقات التي أخرت بلدنا ولا تزال عاملا كبيرا
للتأخير، علما انه يفترض ان يكون هناك برامج إنتخابية وعلى ضوئها ينتخب المرشح. أما
بالنسبة لموضوع المال فقد تحدثنا عن هذا الأمر ردا على سؤال أخينا المقاصدي
والحقيقة، من يشتري صوتك يحاول ان يشتري الوطن كله، علما ان القاعدة الشرعية
الإسلامية والمسيحية تقول ان "الراشي والمرتشي كلاهما للنار" فالقانون اللبناني
يعاقب الراشي والمرتشي، واللبناني ايضا هو مسؤول عن قبوله لمن يشتري ضميره".
سن الاقتراع
وسألت الطالبة لينا الدسوقي عن إقتراح التعديل الدستوري بتخفيض سن الإقتراع من 21
الى 18 سنة والذي يهدف للسماح للفئة الشابة بالمشاركة بالإقتراع، فهل من المعقول ان
يكون الشاب المكتمل الاهلية المدنية ناقص الأهلية السياسية؟
أجاب: "الدستور اللبناني تحدث عن سن ال21 للاقتراع وكان يومذاك يعتبر هذا الأمر
تطورا لأن البلدان المجاورة وحتى بعض البلدان الأوروبية كانت تعمل بهذا النظام،
وطبعا نلاحظ ان كل جيل أذكى من جيل، وصدقوا إنني أنا إذا وضعتموني أمام الإنترنت
والمصائب الجديدة لا يطلع مني شيء بينما تلاحظون أولادنا يتلهون بالإنترنت
ويعتبرونه أمرا بسيطا، فالعلم تطور علما ان هذا ليس موضع سؤالنا إنما استغل الفرصة،
لكن مقابل هذا التطور التكنولوجي لم يعد للمكتبة العلمية وللمطالعة أي قيمة، ونحن
الآن لا نملك معرفة حقيقية بالنسبة للتطور العلمي الموجود لديكم، لكن أتمنى عليكم
ان تعودوا الى المطالعة والإنتصار لثقافتكم بالمكتبة والكتب، لأن المطالعة مفيدة
جدا، وبالعودة الى السؤال اقول مع التطور ان سن ال18 هو السائد، ونحن أثناء مناقشة
قانون الإنتخابات الأخير في دولة قطر بحثنا في هذا الأمر، لكن آلية تعديل الدستور
تحتاج الى إجراءات معينة وتحتاج الى وقت، ويمكن اذا تبين ان الوقت يضيق في امكانية
مشاركة الشباب بحق الإقتراع، خصوصا ان الدورة الإنتخابية المقبلة في حد أقصى من
الآن حتى شهر حزيران المقبل ولا نعرف ما يحصل من الآن وحتى ذاك التاريخ. يمكن جدا
ان لا نستطيع إنجاز هذا الأمر، وكان هناك رأي للزميل بهيج طبارة بأن هذا الأمر ليس
بحاجة الى تعديل دستوري، إنما المجلس النيابي صوت على انه بحاجة الى تعديل دستوري،
وصدق هذا الإقتراح، علما انه كان هناك إقتراح يرمي الى تعديل الدستوري بتخفيض سن
الإقتراع وقد أحلته فورا الى لجنة الإدارة والعدل، وسيكون قريبا أمام الهيئة
العامة، ونحن ككتلة "التنمية والتحرير" سنصوت الى جانب هذا الإقتراح لأننا على يقين
بأن من يستطيع ان يدافع عن الوطن ويستشهد من اجل الوطن فلماذا لا يشارك في
الإنتخابات إقتراعا وترشحا".
الانماء المتوازن
وردا على سؤال من الطالبة زينب الموسوي من مدرسة الكوثر حول الإنماء المتوازن الذي
نص عليه الدستور اللبناني لكل المناطق اللبنانية، وحول غياب الخدمات على إختلافها؟
قال: "هذه أبسط الأمور التي يجب ان تتحقق في لبنان، فحركة الإنماء موجودة في كل
لبنان بإستثناء الأطراف الأكثر حرمانا بدءا من عكار التي هي الأكثر حرمانا ويأتي
بعدها بعلبك -الهرمل وجرود جبيل وأطراف الجنوب، وحتى هناك مناطق عديدة في اقليم
الخروب وغيرها، تحتاج الى الإنماء على الرغم من الأموال الطائلة التي تدفقت على
لبنان، لماذا لم يتحقق الإنماء المتوازن؟ وقد كان هناك وزارة للتخطيط تخطط للانماء
العام في لبنان، حتى الشتاء الذي ينعم الله علينا به لا نستفيد منه. وانا العائد من
زيارة لدولة الكويت التي تضع روزنامة للأيام التي تنزل فيه نقطة من المطر، ونحن هنا
تتدفق علينا مياه الأمطار وتذهب سدى بسبب غياب السدود، فإسرائيل إتخذت اكبر ذريعة
لإحتلال لبنان والإعتداء عليه بسبب المياه، وتحججت بملاحقة الفلسطيني، إنما الهدف
الأساسي هو الليطاني، ومشروع الليطاني، إذا ما علاقة موضوع المقاومة الفلسطينية
بعملية الليطاني، والآن اقول لكم أيها الجيل الصاعد، ان بقاء إسرائيل في مزارع شبعا
هو بسبب وجود 224 نبعا من المياه العذبة، ومشروع الليطاني قلت مرارا وتكرارا من على
هذا المنبر ومن هذه القاعة بالتحديد. نشهد من الرئيس حميد فرنجية بعد موريس الجميل
طالب بمشروع الليطاني وأمنوا لذلك قرضا بقيمة 45 مليون ليرة لبنانية، ولأن إسرائيل
أنذرت بشكل أو بآخر، ممنوع مس هذا النهر إخترعوا خلافا لبنانيا - لبنانيا بين 600
متر وبين 800 متر و"بين الحانة والمانة ضاعت لحانا"، وبين ال600 و800 متر طار ال600
ومعه ال800 والشيء نفسه يتكرر بالإنماء المتوازن، فهل للانماء هوية أو طائفة؟".
اضاف:"الآن نقول لهم صراحة بالرغم من ان مجلس الجنوب حقق الإنماء في الجنوب، نقول
لهم فليلغ مجلس الجنوب ولنضع تخطيطا جديدا حتى نشمل مجلس الإنماء والإعمار من خلال
وزارة التخطيط ليكون التخطيط شاملا كل لبنان. فنسمع بمشاريع لا تحصى لا تعد ولا نرى
شيئا ملموسا، ومثلا أنشئت مستشفى حكومي في تبنين التي هي بلدتي، كان وزير الصحة
يومها علي بزي، فإفتتح المستشفى مجهزا بكل ما يلزم وجمد المشروع بعد الإفتتاح، ثم
بنينا مستشفى في قانا وأنا إفتتحته منذ تسع سنوات، وحتى الآن لم يشغل، هناك شيء غير
معقول، فبالأمس القريب والكلام الذي يتكاثر عن الإرهاب في طرابلس او في المخيمات او
غيرها، لا، هؤلاء ضحايا الإرهاب وليسوا هم الإرهاب، لأن الإرهاب غريب عن طبيعة
لبنان، هؤلاء ضحايا، وهناك إستغلال للتغطية على موضوع الحرمان الذي كان سببا في
إنشاء حركة المحرومين والمستضعفين الذي كان أول من أطلق حركة المحرومين الإمام
المغيب موسى الصدر، إنطلاقا من ان كل المناطق في لبنان محرومة من ابسط مقومات العيش
ومن الأموال التي تدفقت الى لبنان، فهل يعقل ان لا يكون هناك اوتوسترادا بحريا من
الشمال الى الجنوب، وهناك محاولات لهدر المشاريع الإنمائية في لبنان لمناطق دون
أخرى، وكأننا نحرم أنفسنا".
ولفت رئيس المجلس الى ان الإقتراحات والمشاريع التي يدور خلاف حولها تحال الى
اللجان المشتركة. وأضاف متسائلا: ما قيمة الكلام والحوار؟ هو للاستفادة من آرائنا
وأول شرط ان لا ندخل بفكرة نتشبث بها ولا نقبل بالتراجع عنها، والشرط الثاني القبول
بالرأي الآخر والشرط الثالث هو تدوير الزوايا للوصول الى التوافق.
وسأل الطالب وائل ابو اسماعيل من مدرسة الشوف كولدج: الوطن الذي يعتمد على غيره من
الدول يفقد استقلاله فهل هذا هو وضعه اليوم وهل لبنان مستقل فعلا؟
اجاب: المساعدة مطلوبة، لا احد ضد المساعدة لا يوجد دولة في العالم، اختر الدولة
التي تريد واكثر الدول قوة واصغر الدول، كل الدول بحاجة الى مؤازرات، بحاجة الى
مساعدة من الاخرين، الاسرة الدولية بحاجة الى تعاون لا احد ضد المساعدة، لبنان دولة
مستقلة طبعا واؤكد هذا الشيء واكبر دليل على ذلك انه لا يستطيع احد على الاطلاق ان
يلحق ظلما بلبنان، ومر على هذا البلد ناس كثيرون والمثل موجود الآن، من استطاع ان
ينتصر على اسرائيل ويجبرها على الانسحاب من بلدي دون اي تنازل على الاطلاق، هذا
الذي يرضى بهذا الشيء هو مثال".
وقال: "المساعدة مطلوبة لان ما من دولة تقوم من دون مساعدة ومؤازرة، وحتى الأسرة
الدولية بحاجة الى التعاون، ولا أحد ضد هذا المبدأ ولا أحد يستطيع ان يلحق الظلم
بلبنان طالما ان شعبه موحد ويتمسك بحريته وإستقلاله. وعلينا ان نميز بين مساعدة
وبين امر اخر، حقيقة نحن نرحب بكل تعاون بيننا وبين كل الدول خصوصا الدول الشقيقة
والصديقة، لكن على الا تقتلعني من جذوري، أسمح أن أستعير هذا التعبير، وهو منسوب
الى غاندي الذي قال: "أرحب بكل الثقافات، ان تأتي الي وتدخل من نافدتي ومن شبابيكي
ولكن أن لا تقتلعني من جذوري، هذا الإعتماد الذي يجب أن ننطلق منه".