كلمة دولة الرئيس نبيه بّري في افتتاح فرع الجامعة الإسلامية في صور


 

لصور التي تغالب أمواج الأحزان وامواج الغزاة منذ الازل ، ولاتزال واقفة تلتمع تحت شمس الله كسيف البر في البحر .

 

لصور التي تغالب الدمع فيغلبها حينا" فتفيض وجدانا" ، وتغلبه حينا" فينكسر على مرآة عيونها .

 

لصور التي كتبت تاريخها بأبجديتها الاولى ، والتي اسست للعلوم ولحضارة امتدت على مساحة شطآن الابيض المتوسط ، والتي كانت ولاتزال مدرسة للمقاومة ، ينكسر الغزاة على اسوارها او يكسر الغزاة بعض اسوارها ولكنها تقوم .

 

لصور وهي تودع ابنا" عزيزا" من ابنائها حمل رسالة ديموقراطيتها الفعلية وجمهوريتها الاولى ، التي تمتد منذ الفين وثمانين عاما" ليعلم في المؤسسات البرلمانية الدولية والاقليمية والعضوية والجهوية .

 

لهذا الزميل العزيز الذي مثل طموحات الشباب ، والذي كسر التمثيل الاقطاعي لجبل عامل .

 

لهذا المناضل القومي الذي حمل دم عروبته في عروقه من المهد الى اللحد .

 

لزميلي واخي عضو كتلة التنمية والتحرير معالي النائب الدكتور علي الخليل ، الذي كان مواسيا" لابناء شعبه في الاحزان والشدائد ، يمسح دموع المتألمين ويساند احلام المتأملين .

 

له تحية الوفاء والتقدير وبعد وبعد ،

 

اسمحوا لي بداية ان اتوجه من صور ، المدينة التي شهدت الاعجوبة الاولى ، عندما اخرج السيد المسيح عليه السلام الشياطين من جسد الكنعانية ، ومدينة الكاتدرائية الاولى في المسيحية ، بالتعازي الحارة بوفاة رجل السلام والمحبة والانسانية والعدالة والحوار ، الحبر الاعظم قداسة الباب يوحنا بولس الثاني ، الذي خص لبنان على الدوام بأبوة ورعاية خاصة ، واعتبر انموذج التعايش في لبنان ردا" عمليا" على الدعوة لصراع الحضارات .

 

الا انني هنا اتحدث بغصة وبألم شديدين ، لكون قداسته لم يتمكن ربما لاسباب بعض اللبنانيين من زيارة صور ، حيث اتذكر ان صاحب الغبطة الكاردينال سلفستريني حضر شخصيا" للتمهيد لهذه الزيارة التي كان مقررا" فيها ان يجتمع قداسته بالمؤمنين في الملعب الصوري الكبير ولا اقول الملعب الروماني الكبير ، وان يشهد بنفسه للمؤمنين المقاومين في هذه الارض ، الذين يواصلون سلوك طريق التضحية والفداء بالنفس بمواجهة تجار الهيكل وتجار الحروب وكل انواع الشرور .

 

في كل الحالات تكفينا شهادة الكاردينال سلفستريني في حينه نيابة عن قداسته ، بأنه عندما زار السيد المسيح عليه السلام صور لم يكن هنا سوى الكنعانيين ، واليوم لا يوجد في ارض القداسة هذه سوى ابنائها بعد ان طردوا منها المحتل الاسرائيلي ، لعلنا ذات يوم نتمكن من تطهير الارض المقدسة من دنس قتلة الانبياء .

 

الحضور الكريم ،

 

بالعودة الى الراحل العزيز معالي المرحوم د. علي الخليل ، فقد شكل غيابه في هذه اللحظة صدمة غير متوقعة ، وان كنا من موقع ايماننا نعلم اننا ميتون وان الموت سيأتي ولو كنا في ابراج مشيدة . 

 

الا ان هذه الحياة التي تجري مستعجلة والتي لا يتوقف فيها عقرب الوقت ، لا يعطل جمعة ولا احدا" ، ولا على الاعياد بل يمضي بوتيرة منتظمة ، غير عابىء بمن يولد او بمن يمضي . هذه الحياة تجعلنا جميعا" ننتبه الى ان ما يبقى هو الاوطان التي تتوارثها اجيالنا ، والتي تستحق ان تشهد خلال مراحل حياتنا بالحق وان تسعى للاصلاح دون كلل ، وان نجتهد لنبني مفهوما" موحدا"  للوطن والمواطن والمواطنية والعاصمة والحدود ، وان لا نترك وطننا ينقسم إلى طوائف ومذاهب وجهات وفئات ، بل ان نتنافس على ترسيخ انموذج التعايش وتعميق الوحدة الوطنية وتعزيز مشاركة المواطنين في كل ما يصنع حياة الدولة والمجتمع .

 

ذلك كان دأب الاخ الدكتور علي الخليل رحمه الله ، الذي كان شديد الانضباط والالتزام بخط ونهج الكتلة في سلوكها لخط التنمية والتحرير، والذي كان شديد الانتباه للتحديات الضاغطة على الوطن والامة خصوصا" في هذه المرحلة ، وفي المراحل الماضية الصعبة خلال المقاومة من اجل دحر العدو الاسرائيلي من ارضنا ، فقد قاد الوفود البرلمانية عبر العالم لتمثيل لبنان في الاتحاد البرلماني الدولي ، وكان شريكا" اساسيا" في صنع قرارات الاتحاد البرلماني العربي من خلال لجنته السياسية ، والتي تشارك في الجهود التي تدفع نحو تحقيق سوق عربية مشتركة ، والتي حققت خلال القمة العربية الاخيرة مشروع البرلمان العربي . 

 

الحضور الكريم

 

لقد كان الراحل العزيز ركنا" اساسيا" في لقاء عين التينة الوطني ، الذي نجتهد من خلاله لحفظ لبنان كضرورة لبنانية اولا" وكضرورة عربية ثانيا" وكضرورة دولية ثالثا" ، انطلاقا" من معرفتنا بأن تجربة لبنان لو اخفقت لا سمح الله فستظلم الانسانية ، لأن لبنان كما اسلفت القول وكما رأى قداسة البابا الذي حمل لبنان في قلبه يمثل انموذجا" للقرية الكونية في حوار الاديان والحضارات .

 

اننا انطلاقا" من موقع فقيدنا السياسي ومن موقعه التمثيلي الشعبي في صور ، التي اعلنت فيها الجمهورية عام مئتين وخمسة وسبعين قبل الميلاد واتخذت دستورا" وانتخبت مجلسا" لادارتها ، من هذه المدينة التي تميزت بالديموقراطية العقلية ، اتوجه الى اللبنانيين ، الى كل المرجعيات والفعاليات والقوى السياسية والنقابية والاهلية ، والشبابية والتربوية والكشفية والنسوية ، بأن ينتبهوا الى اننا وبسبب حالة الاضطراب والتشويش والقلق السياسي الراهن والمستمر اصبح لبنان مكشوفا"  الى درجة سقط معها رمز كبير من رموز لبنان شهيدا" هو دولة الرئيس الشهيد الصديق رفيق الحريري ، وسبق ذلك وتلاه بضع جرائم تفجير ضربت مؤخرا" مناطق سكنية وتجارية واقتصادية وعبرت عن خرق كبير ناتج عن تصدع وطني يفسح في المجال لمحاولة استدراج تدخل اجنبي .

 

انني بإسم الفقيد الذي كان يمتلك حسا" سياسيا" عاليا" ، انبه الجميع الى اننا وصلنا في لبنان الى درجة من الحرمان الاقتصادي الذي يمثل ابشع انواع الحرمان ، عبر وقوع نسبة عالية من ابناء شعبنا تحت خطر الفقر ، الى وجود نسبة عالية من اجيالنا محرومة من فرص العمل ، مضافا" اليها ممارسة الجميع للعدوان على حدود المجتمع المتمثلة بالحرية والعدالة والمزيد من المشاركة وصولا" الى سياسات ارهاق المواطن .

 

اقول ان الجميع مارس ويمارس هذا العدوان ، لأن نصف معارضته اليوم كانت في السلطة ، ونصف الموالاة كان في المعارضة ، بل ان رئيس الحكومة نفسه كان في طليعة المعارضة .

 

اني اوجه عناية الجميع الى أن جريمة اغتيال الرئيس الحريري وكل الجرائم الارهابية والسياسية المتلاحقة ، ما كانت لتحصل لولا بلوغ لبنان درجة عالية من الانقسام على خلفية التوترات السياسية ، مترافقة مع محاولة دولية لتشويه لبنان ووصمه بأنه ميناء للتنظيمات الارهابية ، ارتكازا" الى مخطط يجتهد لانتزاع بندقية المقاومة اللبنانية والفلسطينية واسقاط حالة الممانعة التي تمثلها سوريا .

 

لقد وقع كل ذلك ولبنان للاسف الشديد لازال في وضع يراد فيه ان نكون محكومين الى الغياب والغفلة ، والى مواصلة القاء تبعات مسؤوليتنا على غيرنا بتحميل سوريا كل المسؤولية ، فإذا ما بادرت سوريا الى تلبية المطالب وسحب جيشها من موقع الحرص على انها كانت اداة توحيد ، وانها لن تقبل بأن تتحول الى قوة تقسيم ، صرنا نرمي المسؤولية على الموالاة مع اعتذارنا عن قبول هذه الصفة كما صفة المعارضة ، فنحن نوالي سياسيات ونعارض سياسات ولا نقف في الصف او الطابور لا هنا ولا هناك .

 

ثم ورغم اننا لبينا طلب نواب المعارضة بوقف النقاش حول قانون الانتخابات ، وعقد جلسة نيابية من اجل مناقشة الحكومة في الوقائع المتعلقة بإغتيال الرئيس الحريري مع هؤلاء الزملاء ، وتوافقنا معهم على ان نخلص الى اتخاذ المجلس النيابي صفة الادعاء في تلك الجريمة الكبرى ، وعلى محاكمة التقصير وعلى لجنة تحقيق دولية ، الا ان تلك الجلسة المفتوحة امام الرأي ترافقت مع ايقاع صاخب في الشارع اتخذ معه الرئيس كرامي قراره بإستقالة الحكومة ، وقد حذرنا بالنتيجة من وقوع البلاد في الفراغ .

 

ثم ومع الاستشارات التي ادت الى اعادة تكليف الرئيس كرامي وقيامه بالمشاورات والاتصالات اللازمة لتشكيل حكومة اتحاد وطني ، فإن الاصوات اخذت ترتفع موجهة التهم بالمماطلة والتسويف رغبة في ارجاء الانتخابات النيابية ، وصولا" الى استباق اجتماع عين التينة الاخير ونتائجه ، التي بذلنا خلالها جهدا" لاقناع الرئيس المكلف بالاستمرار في مهمته ، وهو ما اشتبه على البعض وحاول تصوير الامر بأنه تراجع جديد امام المعارضة لتشكيل ما وصفه حكومة بمن حضر ، علما" ان لقاء عين التينة اكد وقوفه خلف الرئيس كرامي لتشكيل حكومة بالمواصفات المطلوبة لهذه المرحلة .

 

انني ومن مدينة الراحل العزيز التي منها بدأنا ، والتي اقسمنا فيها خلف الامام الصدر اليمين بأننا سوف نستمر بالتحرك حتى لا يبقى في لبنان محروم واحد او منطقة محرومة اقول :

 

اولا" : نحن من سعى ومن يسعى الى انجاز الاستحقاق الدستوري المتمثل بالانتخابات النيابية ، والخلاف ليس على الموعد وانما على المبدأ .

 

اننا نعتبر ان القضاء هو تعبير عن الطائفية وان المحافظة تعبير عن الطائف .

 

إننا نلمس ان هناك من يمارس فعل انقلاب على المبادىء والثوابت الوطنية التي يمثلها اتفاق الطائف ، ويريد العودة بلبنان نصف قرن الى الوراء ، ويريد ليس للبنان ان يكون صغيرا" فحسب بل يريد ان يقسم لبنان الى ميكرو دوائر ، وهذا امر سياسي لن نقبله .

 

إنني من صور من كل هذا التاريخ وهذا الحاضر ، اناشد غبطة البطريرك الكاردينال صفير عدم تغطيته مشروع القضاء على لبنان ، لأنه يمثل جدول قسمة حقيقية للبنان ، في حين ان الدوائر الكبرى والنسبية تتيح للجميع اخذ مواقعهم داخل المجلس النيابي حسب احجامهم .

 

كما اني انبه البعض الى ان القول بأن اللبنانيين يحتاجون الى التعليم حول النسبية هوشك في غير موضعه بقدرة اللبنانيين على استيعاب النظم الانتخابية .

 

ثانيا" : اننا من عين التينة الى النهر الكبير الجنوبي والى الناقورة ، نؤكد حرصنا الشديد على تحقيق دولي ناجز بجريمة اغتيال الرئيس الحريري ، ونحن نطالب بمحاكمة كل تقصير وتواطؤ محلي وبوضع هذه المسألة بتصرف الرأي العام والقضاء .

 

ثالثا" : نقول من صور ان القوات العربية السورية التي ادت مشكورة دورها في لبنان ستنهي انسحابها حسب الجدول الزمني المعلن نهـاية الشهر الحالي ، الا ان العلاقة بين البلدين هي ملك الشعبين ، ولن نسمح لاحد بوضع فيتو على تلك العلاقة التي تمتد عبر التاريخ والجغرافيا واللغة والتقاليد والتراث الانساني ، وعبر مناهضة كل انتداب او وصاية اجنبية ، وعبر مواجهة العدوانية الصهيونية ، وانه اعتبارا" من الآن اصبحنا نحن الاحرار في التصدي لكل ما يهدد عروبة لبنان ودور لبنان وماضي وحاضر ومستقبل لبنان ، واننا نحن من كان يراعي جانب سوريا وكان يسكت على الضيم وعلى التحديات ، لأن حكمة سوريا كانت ترى ان السكوت هو مصلحة وطنية وقومية عاجلة .

 

رابعا" : بالنسبة الى المقاومة والى سلاح المقاومة نقول ، ان المطلوب اولا" ودائما" عدم معاملة اسرائيل كإستثناء لا تطبق عليه القرارات الدولية ، وعدم اعتبار سياساتها العدوانية فوق الشبهات الدولية .

 

ان المطلوب بالنسبة لنا اولا" ، هو ضمانات دولية بعدم تهديد اسرائيل باللجوء الى القوة او استخدام القوة ضد لبنان ، والمطلوب انسحاب اسرائيل من مزارع شبعا لأن تلك المزارع سواء كانت لبنانية او سورية بالمعنى الحدودي فهي ليست اسرائيلية وهي ملك للبنانيين ، كما ان المطلوب ان تعوض اسرائيل لبنان جراء حروبها ضده ، والمطلوب شطب اطماعها المائية والاستراتيجية في ارضنا ومياهنا من مشروعيها الايدولوجي والسياسي ، والمطلوب اطلاق المعتقلين اللبنانيين في سجونها وكشف النقاب عن مصير عشرات اللبنانيين ، والمطلوب اعطاء لبنان كشفا" كاملا" بخرائط الالغام ، ثم بعد ذلك لن نسلم سلاح المقاومة لأن المقاومة وسلاحها نتيجة للعدوان الذي لم يتوقف يوما" على بلدنا والذي يأخذ اليوم شكل الخروقات الجوية والبحرية .

 

     ايها الاعزاء ،

 

عودة الى شخص الفقيد العزيز ، فإنني بإسم المجلس النيابي اللبناني وبإسم حركة امل ، وبإسم كتلة التنمية والتحرير ، وبإسم كل ما بيننا من اخوة وصداقة وزمالة ، اتقدم من عائلته الصورية الكبيرة ، ومن ابنـاء واخوان واصدقاء معالي النائب المرحوم علي الخليل بأحر التعازي ، سائلا" الله ان يتغمده والسيدة عقيلته بواسع رحمته وان يسكنهما فسيح جنانه وان يمن على ولديهما ومرافقه بالشفاء العاجل .

 

                                                                                     والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته