كلمة دولة الرئيس نبيه بّري رئيس مجلس النواب في افتتاح ندوة : "أنظمة الانتخابات التشريعية"


 

بداية ارحب بالسادة المحاضرين :

-   البروفسور اندريه بلس رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة مونتريال

-   البروفسور ديفيد فاريل رئيس قسم السياسات الدولية والفلسفة في كليـة العلـوم الاجتماعية في جامعة مان شيستر في المملكة المتحدة .

-   البروفسور ليفين دي وبنتر أستاذ قسم العلوم السياسية والاجتماعية في الجامعة الكاثوليكية – لوفان – بلجيكا .

ضيــوف مجلس النواب وبرنــامج الأمم المتحدة الإنمائي في هــذه النـدوة التي تنعقد بعنوان : " أنظمة الانتخابات التشريعية "  والتي طلبت شخصيا" إعدادها لتكون مساهمة من مجلس النواب في الحوار الوطني ، توخيا" لإنتاج قانون عصري للانتخابات في لبنان .

كما ارحب بالزملاء النواب وضيوف المجلس المدعوين إلى هذه الندوة من ممثلي الأحزاب ومؤسسات الرأي العام الإعلامية والثقافية والخبراء .

 

أود أن أشير بداية انه سبق هذه الندوة أن عمم المشروع المشترك الذي تنفذه إدارة المجلس مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على الزملاء النواب والمؤسسات الإعلامية نشرتين بعنوان : أنظمة الانتخابات التشريعية ومعايير سلامة العملية الانتخابية ، بقصد نشر وعي حول مختلف النظم التشريعية في العالم ، من اجل إتاحة الفرصة لبنانيا" لأخذ الدروس والعبر من تجارب الآخرين ، وحتى يكون القانون الذي يصنع في لبنان يناسب الألفية الثالثة ولا يعود بلبنان نصف قرن إلى الوراء .

 

 السيدات والسادة

 

القصد من هذه الندوة كذلك توجيه الانتباه إلى أن مجلس النواب هو المكان الأنسب لحوار شعبي وطني بين كل أطياف الشعب اللبناني ليس لصنع السياسات العامة في إطار آلية ديموقراطية القوانين فحسب، بل وبصفة خاصة لحوار وطني فعلي حول القوانين التي توسع وترسخ مشاركة المواطن في كل ما يصنع حياة المجتمع والدولة .

 

إننا لا نقصد بالطبع الإشاعة بأننا نريد لا سمح الله التحول في لبنان إلى نظام مجلسي يلغي دور الحكومة في اقتراح مشاريع القوانين ، إلا أننا نقصد أننا لن نقبل بأي محاولة حكومية أو غيرها لتهميش دور مجلس النواب كسلطة تشريعية يحق لها استخراج آراء قطاعات الشعب والخبراء وطرح القوانين المقارنة في إطار صناعة القوانين العامة ، كما استخراج رأي القطاعات المختصة في صناعة القوانين القطاعية ، وهذه هي بالطبع طبيعة النظم البرلمانية الديموقراطية .

 

أيها السادة،

 

نحن في لبنان أمام استحقاق انتخاب عام يعطي جميع المواطنين حق المشاركة في العملية الانتخابية ، مع الملاحظة أن لبنان هو من الدول القليلة التي تحرم اللبنانيين المنتشرين في اصقاع العالم من هذا الحق ، وهو أمر يجب أن لا يستمر إذا كنا في الحقيقة نعتبر أن اللبنانيين المنتشرين ليسوا مجرد كتلة نقدية ، بل كتلة إنسانية على قدر عال من الاحترام والتقدير في البلدان المضيفة ، وايضا" مواطنين مشاركين بفاعلية في انتاج اهم الديموقراطيات العصرية ، بحيث يتوزع نواب وشيوخ من اصل لبناني على مساحة تسعة عشر برلمانا" ومجلسا" للشيوخ بينها الولايات المتحدة الاميركية وكندا واستراليا ودول اميركا اللاتينية وغيرها .

 

أيتها السيدات والسادة،

 

بدل أن نتقدم في لبنان خطوة نحو جعل المحافظة دائرة انتخابية على أساس النسبية بحجة أن النائب قد لا يعرف بعض من وردت أسماؤهم في اللائحة الانتخابية ، وان بعض الأسماء تغطيها اسم الشخصية السياسية وان هذا الأمر يحول العملية الانتخابية إلى محادل أو بوسطات مع معرفة المعترضين أن اللوائح ليست مغلقة في الانتخابات على مستوى المحافظات وان للناخب حرية التشطيب والمزج .

وبدلا" من اعتبار أن النسبية تتيح تمثيل جميع القوى وأنها ستقلص بالتأكيد حجم الكتل الكبيرة .

وبدل ان نتقدم في لبنان خطوات نحو جعل بلدنا دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية .

وبدل أن نلجأ إلى الاقتباس من المملكة المتحدة وكندا واستراليا والولايات المتحدة ، ونتقدم نحو نظام الانتخاب الفردي الذي يتسم بالبساطة والوضوح ، والذي يتميز بأنه اقرب إلى تحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص دون تمييز .

بدلا" من ذلك نسمع في لبنان أفكارا" ويتم تداول مشاريع وصولا" إلى مشروع الحكومة بالإصرار على التمثيل الاكثري في إطار الدوائر الصغرى .

 

إنني وتحت قبة البرلمان أعلن لكل اللبنانيين أن النظام الاكثري سواء في الدوائر الصغرى أو المتوسطة أو الكبرى أو على مساحة الوطن، لا يحقق تمثيلا" صحيحا" للإرادة الشعبية ، وهذا النظام يتعارض مع المبدأ الديموقراطي بالذات ، فكيف إذا طبق هذا النظام في إطار الدوائر الصغرى ؟ الجواب: المختصر الذي أؤيده هو الذي لخصه دولة الرئيس الحص بقوله أن القضاء قضاء على لبنان أمام المحافظة فهي محافظة على لبنان .

 

 

أيتها السيدات والسادة ،

 

انتهيت إلى ذلك الاستنتاج لأن لبنان الرسالة، رسالة التسامح والمحبة وارض القداسة وحديقة الحرية، والمفترض انه المتميز بديموقراطيته لم يستطع عبر تاريخ تجربته الديموقراطية التي تمتد إلى ألف سنة قبل الميلاد والتي أنتجت خلاله ( صور ) الديموقراطية العقلية – للأسف الشديد – لم يستطع أن يصنع عبر تاريخه نظاما" انتخابيا" يؤدي بالتالي إلى إنتاج مجلس نيابي يكون هو مؤسسة الرأي العام الأوسع المنتخبة ، التي يمكن لها أن تكون مؤسسة الحوار الوطني، والتي تتيح لكل مواطن أن يشارك عبر العملية الديموقراطية لانتخاب أعضاء الندوة البرلمانية ، أو عبر آلية صنع القوانين في كل ما يصنع حياة المجتمع والدولة .

 

هل ما أقوله اعتراف متأخر بأن قوانين الانتخابات بعد الطائف كانت تهمش فئات ، وبأن النظام السياسي كان يطغى على معارضيه في كل ما ينتج سياسيات الدولة ؟

الجـواب وبصراحة انه اعتراف ولكنه ليس متأخرا" ، فقد كنت  ولا أزال الأكثر انحيازا" إلى جعل لبنان كل لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية وكنت اقبل بتقسيم لبنان على أساس المحافظات ، لأن اللبنانيين في اتفاق الطائف الذي اصبح دستورا" ارتضوا ذلك ، وان كان الاستثناء في لبنان كان يعتدي على الاتفاق فيقسم هنا وهناك مسايرة أو انتقاما" ، وكان في كل الحالات يشوه التجربة .

والجواب كذلك اعتراف ولكن وليس متأخرا" ، لأننا كنا دائما" ندق ناقوس الخطر من الديموقراطية الموسمية ، وكنا ننبه انه لا بد من اعتماد التربية على الديموقراطية في إطار النظام التربوي ، لأن الديموقراطية يجب أن لا تبقى مجرد عملية بل يجب أن تصبح منهاج حياة ويجب أن تكون معبرة عن نفسها كمنهاج حياة وتدل على نفسها " كعلم على رأسه نار " أو كمدينة مصاءة على تل .

 

اجزم أن أوساطا" لبنانية كثيرة سمعت وأنها تريد التغيير ، وأنها تريد للبنان أن يشار إليه على انه تجربة وانموذج يحتذى في نظامه العربي والإسلامي والمتوسطي .

اجزم أن أكثرية اللبنانيين تريد أن تبنى وان تصنع دولة هي في كل تعبيراتها نظام برلماني ديموقراطي ، تصنع فيه السياسات العامة ليس بشكل توافقي ولا بشكل تكون فيه جوائز ترضية للطائفيين والمذهبين والجهات والفئات بل تهدف إلى ازدهار الإنسان .

إلا أن لعبة الغميضة السياسية استمرت ويراد لها أن تستمر ، لأن هناك عجزا" واقعيا" عن السير خطوات بعيدا" عن السلطة نحو الدولة في لبنان ونحو بناء أدوار الدولة في لبنان . 

 

فقد طغت التعمية السياسية على إرادة اللبنانيين بالاتجاه بخطوات ثابتة نحو اخذ الدروس والعبر من التجارب السابقة ، التي أدت إلى تحويل لبنان إلى ساحة للحرب الفتنة ، والى جعله ضعيفا" ولقمة سائغة أمام إسرائيل.

وأدت التعمية السياسية في إطار لعبة الغميضة إلى تحويل انتباه اللبنانيين نحو المطالبة باتخاذ الخطوات الدستورية لإلغاء الطائفية السياسية والمطالبة بقانون عصري للأحزاب وقانون اللامركزية ، وصولا" إلى قانون انتخابات يفسح المجال لانتاج برلمان يتسع للجميع على أساس النسبية.

 

إن واقع الحال الراهن يعكس نفسه في الاقتصاد على السياسة وفي السياسة على الاقتصاد في صورة نفس المرآة .

فكما نعيش في واقع جعل لبنان يعاني تفليسة مالية وواقع مديونية تتجاوز بضعة مليارات من الدولارات بما يعني ليس مراكمة الديون على لبنان الآن وإنما على أجياله القادمة ، فإننا دخلنا في حالة مرضية مماثلة على المستوى السياسي عبر الكثير من الأفكار والمشاريع المتعلقة بقانون الانتخابات والتي ستؤدي إلى تفلسية سياسية موازية للتفليسة المالية ، والى دين سياسي على المستقبل يراد لاجيالنا أن تدفعه .

 

ففي عصر التجمعات الكبرى ، وفي الوقت الذي خرجت فيه أوروبا من ثوب الدولة القطرية إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت الذي تضغط الدول الصناعية الثمانية الكبرى على المنطقة بمشروع الشرق الأوسط الكبير .

وفي الوقت الذي تأخذ فيه الأقطار العربية والإسلامية المبادرات باتجاه عصرنة وتحديث نظامها السياسي وتوسيع المشاركة ، وجعل الديموقراطية والشورى نظام حياة نتراجع في لبنان نحو تكريس الديموقراطية كعملية مجردة من أي مضمون يعبر عن ديموقراطية ، عبر إعادة تقسيمه إلى دوائر صغرى ، وهو الأمر الذي يشكل في رأينا محاولة انقلاب على الطائف وعلى الدستور وعلى كل ما هو ميثاقي وعلى مقتضيات الوفاق الوطني ، ويؤدي إلى إعادة إنتاج النظام السابق الذي اضعف مناعة لبنان وجعله مساحة للفتنة وساحة رماية بالذخيرة الحية أمام السلاح الإسرائيلي.

 

إنني أدعو وبصراحة كل لبناني وكل حزب أو نقابة أو مؤسسة أهلية أو مواطن ، لأن يعطي بعض الوقت لنفسه أو لأحد أفراد أسرته السياسية أو النقابية أو المؤسسة الأهلية من اجل أن يستخرج عن الإنترنت بعض النظم الانتخابية المقارنة مع أي دولة من دول العالم المتقدم ، من اجل أن يحكم بنفسه على الأفكار والمشاريع المطروحة . 

 

وأقول بصراحة لا تجعلوا من صرح أي طائفة أو من أي مرجع ديني من المراجع التي نقدر ونحترم ونجل متراسا" من اجل تمرير أفكار أو مشروعات ستؤدي إلى تهديد لبنان في وجوده ، وأقول أن التزام مرجعيات الطوائف واضح يجعل لبنان أنموذجا" للقرية الكونية عبر صيغة التعايش التي تؤكد على حوار الحضارات مقابل تصادم وصراع الحضـارات وبتأكيد أن طوائف لبنان نعمة وغنى وان الطائفية نقمة وعار .

أخيرا" ومن اجل أن تشكل هذه الندوة فاتحة لحوار وطني واسع يشمل الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع الأهلي ، ولا يقتصر على نقاش يدور من فوق ويهمش ممثلي مختلف قطاعات الشعب .

فإنني أدعو إلى عقد جلسة ثانية اليوم من الساعة الرابعة وحتى السابعة في قاعة الندوات من المجلس لممثلي الأحزاب والقوى السياسية نفتح حوار مباشرا" حول قانون الانتخابات .

 

أيتها السيدات والسادة ،

اجدد ترحيبي بالسادة المحاضرين ، وأدعو إلى حوار هادئ وعقلاني ، وأرجو أن تخدم هذه الندوة إنتاج قانون عصري للانتخابات ، وان تسهم في زيادة الوعي حول معايير سلامة العملية الانتخابية بما يضمن سلامة وسلام لبنان .

 

                                                                   عشتم

                                                                   عاش لبنـــان