للبلد
الأمين، موطن الرسول والرسالة ومرضع الأنصار والمهاجرين، وقبلة المسلمين .
للبلد
المقدس الذي شع منه بصيص التسامح، والذي افتتحت فيه الشمس نهارات الرايات التي حققت
وهتفت باسم الدين الحنيف .
لهـذه
الواحة الخضراء التي كّرت منها الخيول إلى صحاري العالم، تحمل الرايات الخضراء
والأيادي الخضراء، لتجعل من الشرق بستانا" للاعجاز .
للمملكة العرية السعودية التي حملت هم لبنان في ساعات الشدة والغم، وكانت الشقيق
وقت الضيق .
للمملكة ولكم ألف تحية وتحية وبعد،
احمل
من لبنان تحيات فخامة الرئيس العماد اميل لحود والمجلس النيابي والحكومة والشعب
اللبناني، إلى صاحب الجلالة الملك فهد خادم الحـرمين الشريفين، والى صاحب السمو
الملكي الأمير عبدالله ولي العهد، والى كافة القادة والمسؤولين في المملكة .
واحمل
تحيات المجلس النيابي بصفة خاصة إلى معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن محمد
بن حميد رئيس مجلس الشورى وأعضاء مجلس الشورى، وكذلك شكري الخالص على تشريفي بهذه
الزيارة إلى هذا البلد المقدس .
وأتوجه باسم المجلس النيابي اللبناني بالشكر إلى المملكة على الدعم المستمر
والمتواصل للبنان، والذي كان له الأثر الكبير في دعم صمود لبنان بمواجهة حروب
إسرائيل على أرضه، والذي كان له الأثر الملموس في تمكين لبنان من إزالة آثار الحرب
الفتنة وإزالة آثار العدوان الإسرائيلي، وهو الدعم الذي نحن متأكدون انه سيستمر
لتمكين لبنان من مواجهـة الضغوط والتحديات المتنوعة الدبلوماسية والسياسية
والاقتصادية .
أيها
الأعزاء،
من
دواعي سروري أن التقي بأبناء الجالية اللبنانية في هذا البلد الشقيق، الذي كان احرص
عليهم من أنفسهم، لأطلب إليهم دائما" أن يكونوا الأكثر التزاما" بالقوانين والأنظمة
المرعية الإجراء، خصوصا" في هذا الوقت الذي تتعرض فيه الأمة وفي الطليعة المملكة
العزيزة لمحاولات ترمي إلى استهداف استقرار نظامها العام .
أيها
الأعزاء،
من
دون أدنى شك فإن معاناة لبنان السياسية والاقتصادية آخذة بالتصاعد، نتيجة وقوع
لبنان على منظار التصويب الدولي، وتعرضه لضغوط متنوعة عبر القرار 1559 والذي كنا
نأمل بأن يكون قرارا" يلغي ديون لبنان ويشكل دعم بلدنا من الصندوق الدولي .
إن
لبنان الذي عانى طيلة خمسين عاما" من الاعتداءات وحروب إسرائيل على أرضه، وعانى
النتائج المروعة للحرب الفتنة، استطاع أن ينهض مثل طير الفينيق نتيجة دعم أشقائه،
وفي الطليعة المملكة العربية السعودية وسوريا .
ففي
هذا البلد انعقد مؤتمر الطائف الذي شكل محطة لقيامة لبنان، وقد وضع هذا الاتفاق
الأسس الوطنية لإعادة إنتاج النظام في لبنان وخوض الاستحقاقات فيه، وضمنها
الاستحقاقات المتمثلة بالانتخابات النيابية المتمثلة بالمحافظة .
اليوم
تجري محاولات للتحلل وللتفلت من هذا الاتفاق، ومحاولة العودة بلبنان إلى نظام
انتخابي وسياسي تسبب في الماضي في جعل لبنان محكوما" إلى نظام المقاطعجية، كما تجري
محاولات متوازية لهز الثقة بالدولة والنظام، وكل ذلك يتم تحت ضغط دولي يهدف إلى
العودة بلبنان ليكون محكوما" إلى ضعفه ومجردا" من مقاومته التي حققت دحر الاحتلال
عن معظم أرضنا .
إننا
أيها الأعزاء نؤكد أمامكم وانتم جناج لبنان المغترب الذي كان قوة إنسانية معنوية
للبنان – نؤكد أمامكم – إننا لن نقبل بوضع غشاء على أعين اللبنانيين وجعلهم ينصرفون
عن الأولويات، ويعتبرون أن خط الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة والذي لم يستكمل
تحريره بعد قد اصبح آمنا"، وان بإمكاننا أن ندير ظهورنا لإسرائيل وهي لا تزال تؤكد
أطماعها بأرضنا ومياهنا، وهي أقامت الدنيا ولم تقعدها لمجرد أن لبنان استعاد بعض
حقوقه في الوزاني .
إن
البعض يريد للبنان أن يكون خط تماس مع سوريا، ويريدون للبنان أن ينسلخ عن محيطه
العربي، وان لا ينتبه إلى الوقائع التي تحيط به، خصوصا" محاولات تصدير الفوضى عبر
حدود العراق، وتصدير الإرهاب عبر حدود فلسطين المحتلة إلى قلب لبنان الذي شهد عددا"
من عمليات التخريب .
إننا
نقول انه وبغض النظر عن القرار 1559، فإن سوريا سلكت الطريق دائما" من اجل بناء
الثقة بالدولة في لبنان بمؤسساتها وإداراتها وأجهزتها، وهي كانت كلما تأكدت أن
الإدارة اللبنانية أصبحت مؤهلة لتولي أية مسؤولية كانت تسلم الأمانة .
وسوريا التي كانت ولا تزال تشكل ضرورة لبنانية، تريد للبنان أن ينهض بمسؤولياته
كاملة، لأن هذا الأمر يمكنها من التفرغ لمواجهة الكثير من التحديات، إلا أن الواقع
الذي يجب أن ننتبه إليه هو أن لبنان يقع بين البحر ومطرقة العدوان الإسرائيلي،
وتشكل سوريا عمقه الاستراتيجي العربي، وهو الأمر الذي يحتم علينا تاريخيا"
وجغرافيا" ومصلحيا" أن نبني علاقة جوار مميزة مع هذا الشقيق .
أيها
الأعزاء،
لقد
وقعت حروبا" تاريخية وكونية بين أوروبا، وها هي اليوم يجمعها الاتحاد الأوروبي،
فلماذا يمنع على لبنان أن يبني علاقات على نفس السوية مع سوريا والمملكة العربية
السعودية أو أي قطر عربي أو إسلامي أو دولي ؟
إن
الغريب في الأمر أن البعض يخلط الحقائق ولا يريد أن ينتبه انه من المستحيل فصل
لبنان عن أزمة الشرق الأوسط، وانه من المستحيل كذلك اعتبار لبنان جزيرة لا تتأثر
بالوقائع في المنطقة.
إن
هناك من يريد أن يتجاهل حقيقة وجود تيار دولي يسعى لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين
على حساب دول الجوار وفي الطليعة لبنان.
إن
رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون يضغط من اجل إعطاء دور للاتحاد الأوروبي في الشرق
الأوسط، مقابل مبادرة الاتحاد إلى توجيه اعتماد مالي من اجل بناء مساكن دائمة
للاجئين وأسرهم بدل المخيمات سواء في الضفة الغربية وغزة أو في لبنان وسوريا
والأردن .
إن
هناك من يتجاهل أن الوقائع في العراق تشير أن المحتل يريد تعميم ثقافة الفوضى ليس
على مساحة العراق فحسب وإنما عبر الحدود، وان على لبنان وغيره أن يلتقط هذا المرض
المعدي .
إنني
أيها الأعزاء في لبنان المغترب، وانطلاقا" من هذا اللقاء الحميم أدعوكم إلى حماية
لبنان من نفسه، من الفكر الانعزالي والفئوي والطائفي والمذهبي الذي عاد ليطغى على
لبنان .
إننا
كلما اعتبرنا أننا تقدمنا خطوة نحو جعل لبنان كبيرا" ليستحقه أبناؤه الذين يشكلون
إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، كلما اكتشفنا أن حجارة التخلف لا تزال تحك جيوب
العقول وتشد لبنان إلى الماضي الفئوي لمنعه من التقدم .
اني
أقول مثلا" إذا كانوا صادقين في إفساح المجال أمام مشاركة المنتشرين اللبنانيين في
العالم في أي انتخابات، فإن الحل الذي يتيح لهم المشاركة هو جعل لبنان دائرة
انتخابية واحدة، أو عبر دوائر انتخابية كبرى على أساس النسبية، أما توزيع لبنان إلى
إمارات وحارات وزواريب فمعناه إلغاء أية إمكانية لمشاركة المنتشرين في كل ما يصنع
حياة المجتمع والدولة، كما انه تقسيم للبنان وإعدام له، وهكذا نكون قد وقعنا مجددا"
بين مطرقة التوطين وسندان التقسيم .
إنني
أيها الأعزاء أضع أمامكم هذه الصور للمشهد اللبناني بعد أن قال الجميع ما في قلوبهم
وما اختزن في خزائن صدورهم وما ظهر في فلتات السنتهم، وبعد أن استهدفوا سوريا بكل
صورة وأيضا" استهدفوا كل بلد عربي أسهم في إخراج لبنان من محنته، وبعد أن تنكروا
لسوريا وللطائف وللجنوب والبقاع الغربي وصمود ومقاومة لبنان .
لقد
قلت قبل أن يهل العام الميلادي الجديد أنني وما امثل لست حياديا" تجاه ما يجري، إلا
أن مسؤولياتي البرلمانية الإسلامية والعربية واللبنانية تطلبت أن أتريث قبل أن
أبادر إلى قطع دابر الفتنة، وأقول بصراحة أن بعض ما يجري في لبنان يتجه نحو الفتنة
ويتجه ليلبي مشروع ثقافة الفوضى المرافق لحركة الأساطيل وللمشاريع الغربية التي
تستهدف المنطقة .
إننا
أيها الأعزاء لمصلحة لبنان ولمصلحة لبنان المقيم والمغترب نرتب أولوياتنا انطلاقا"
من أن حفظ قوة ومنعة واستقرار وازدهار دول المركز ومنها المملكة العزيزة وسوريا
والعراق ومصر هو قوة لبنان، وان أي ضعف يصيب أي دولة من دول المركز سيؤدي الى ضعف
لبنان والى إسقاط الحصانة العربية عنه .
إن
لبنان يستمر ويبقى وينمو ويزدهر ليس باعتباره ضرورة لبنانية فحسب، بل باعتباره
ضرورة عربية وضرورة إقليمية وبالتالي ضرورة دولية .
إن
التفريط بهذه الثوابت يعني التفريط بلبنان ويجعل لبنان سعفة في مهب الرياح .
أيها
الأعزاء
بالعودة إليكم في هذا البلد العزيز فإنكم تشكلون قوة لوطنكم الأول لبنان كما الثاني
المملكة العربية السعودية .
إن
لبنان يحتاج إلى مشاريع تشغيلية لمواجهة الكساد في أسواق العمل، وهذا الأمر يعني
الاستثمار على المساحات الزراعية ويعني الاستثمار على المشروعات الريفية للتخفيف من
الضغط على العاصمة .
أخيرا" أيها الأعزاء إذ اكرر شكري للدعوة الرسمية إلى هذا البلد الشقيق والتي أتاحت
لي كل المقابلات القيمة، مع صاحب الجلالة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ومع ولي
العهد الأمير عبدالله وسائر المسؤولين حفظهم الله، والمباحثات حول الأوضاع في
المنطقة وسبل تعزيز التضامن والعمل العربي المشترك وتعزيز العلاقة بين لبنان
والمملكة، فإنني أدعوكم إلى لعب دوركم ليس كقوة عمل وإنتاج فحسب بل كجسر للعلاقات
الإنسانية بين العرب أنفسهم وبين العرب وأفريقيا وبين العرب وكل العالم، خصوصا" وان
الانتشار اللبناني اثبت حضورا" مميزا" على مساحة لبنان .
أخيرا" إذ اشكر لسعادة السفير دعوته لهذا اللقاء ولكم حضوركم اسأل الله أن تخدم هذه
الزيارة المصلحة المشتركة للمملكة العربية السعودية ولبنان .
عشتم
عاشت المملكة العربية السعودية
عاش لبنان