كلمة الرئيس نبيه
برّي في حفل تدشين " تجمع مدارس قرى الشعب" في طير حرفا
رعى رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي الأحد 8/7/2001
حفل تدشين تجمع مدارس " قرى الشعب " في بلدة طير حرفا -قضاء صور الذي شيده مجلس
الجنوب ويتسع لأكثر من 1700 تلميذ ومجهز بمختبرات تربوية وعلمية .
حضر الاحتفال رئيس الحكومة رفيق الحريري ممثلاً
بوزير البيئة ميشال موسى، وزير التربية والتعليم العالي عبد الرحيم مراد والنواب
السادة : قاسم هاشم، علي بزي، أيوب حميد، انطوان خوري، علي الخليل، سمير عازار، علي
حسن خليل وناصر قنديل، العقيد الركن طلال عاكوم ممثلاً قائد الجيش العماد ميشال
سليمان، محافظ النبطية محمود المولى، ولفيف من رجال الدين والكهنة وآلاف المواطنين
الذين غصت بهم الباحة المخصصة لمكان الاحتفال والطرقات المؤدية اليها.
وكان الرئيس برّي وقبل وصوله الى المكان اقيمت له
أقواس النصر ونحرت له الخراف في أربع محطات بين بلدتي شمع وطير حرفا ونثر الاهالي
الذين توقفوا على جانبي الطريق الورود والارز على موكب الرئيس برّي الذي كانت له
محطة عند النصب التذكاري لشهداء المنطقة الاولى في افواج المقاومة اللبنانية " أمل
" عند المدخل الشمالي لبلدة طير حرفا حيث سورة الفاتحة.
استهل الحفل بالنشيد الوطني اللبناني ثم كلمة
للأستاذ أحمد سرور تلاه كلمة لرئيس مجلس الجنوب المحامي قبلان قبلان. بعدها، القى
وزير التربية عبد الرحيم مراد كلمة بالمناسبة.
وفي الختام القى راعي الأحتفال
رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي الكلمة التالية :
بسمه تعالى
هنا طير حرفا، هنا تشدك اللغات الى مواسمها فتكتب
الاشواق وتمحو الفواجع، تكتب بوح الياسمين وتمحو عويل الريح.
هنا يعتريك الكلام، يفتري اوجاعك الثكلى او يكفكف دمعك ويأخذ بيديك الى الحياة.
هنا اول حظيرة للحرف واول منبر لمنتدى الكلمة.
المكان الاول الذي اطلق منه الانسان صوته المنتمي
هنا طير حرفا
هنا الفضاء المتسع على الحكايا المثقلة بالمعنى، وعلى الاحلام التي تنتهي في
العصافير وهي تصلي مبتهجة بالصباح.
وهنا التراب الذي اطفأنا فيه حرقة دمنا، عندما التمسنا اليها الطريق بلا موعد في
ليالي الحصاد.
اتذكرون مواسم المقاومة التي انتهت في القمح والورد.
اتذكرون ابناء امل الذي نذرناهم لكي يلموا الكرى عن عيون القرى.
اتذكرون : حسن عطايا وحسين ومحمـود سرور ابطال عملية وادي المجدل.
اتذكرون : عامر ياغي وعلي احمد عقيل من ابطال عملية وادي زين الدين.
من منكم ينسى فاطمة وحسن عطايا، وفاطمة وايمن رحال وموسى سرور شهداء القصف
والاجتياح الاسرائيلي.
من منا ينسى حسن ياغي الذي اختطفه جنود العدو منذ
عشرين عاماً
اتذكرون الابناء الذي نذرناهم للربيع من طير حرفا
وقرى الشعب عباس الحاج حسين وخليل شهاب وابراهيم وسليمان صفي الدين وسليم يوسف.
اتذكرون حسين عقيل بطل انتفاضة ( الجبين ) والقرى المجاورة وبطلي المقاومة
الاسلامية نضال الحاج حسين ومعين الدر.
اتذكرون الذين غسلوا نعسنا بعطر شهادتهم كي نصحو، وعبروا بشموس ارواحهم حقول
الالغام لكي يطهروا تلالنا من كل دنس.
لأنكم تذكرون وتتهجون احرف اسماء الذين سبقتنا
ارواحهم للعودة،
ولأنكم تستريحون الى شمسهم الحرة وهي تتنزه في حقولكم، ولأنكم مشيتم بأقدام حافية
الى الكتاتيب وقرأتم الاجرومية بصوت حرير، وصرفتم زيزفون العمر، وانتم تنتظرون بلا
ملل مسؤولية الدولة، جئت اليكم احمل تفسيراً لحلم مشتهى يبدأ من تجمع مدارس الشعب
الذي انجزه مجلس الجنوب والذي نحتفل بإفتتاحه اليوم.
الاخوات والاخوة الاعزاء ابناء طير حرفا وابناء
الحدود والمجاهدين وابناء كل الجنوب الف تحية لكم وبعد .
اسعد ايام حياتي تلك التي تتاح لي ان اقضيها هنا
معكم وبينكم على ثغور الوطن، حيث التقي اهلنا الذين تخرجوا من مدرسة المقاومة
الصمود وصنعوا النصر، اهلنا الذين كتبوا بتضحياتهم الكبيرة الدرس الاول في كتاب
التربية الوطنية الذي يجب ان يدرس للاجيال القادمة والذي يؤكد على جملة ثوابت :
اولاً :
ان الوطن يعيش في ضمائر ابنائه قبل ان يعيش في الجغرافيا والتاريخ، مع الاخذ بعين
الاعتبار ان وقع لبنان وجنوبه وبقاعه الغربي على خط تماس الجغرافيا والتاريخ رتب
ويرتب مسؤوليات على لبنان لا يمكن لأحد تجاهلها، وقد دفعنا ثمناً باهظاً ازاء
محاولة العهود السابقة دفن الرؤوس في الرمال، والتعامي عن الحقائق المترتبة على
الصراع العربي الاسرائيلي وعلى الاطماع الاسرائيلية في لبنان .
ثانياً :
ان لا حياة للوطن بدون الاحساس بالمواطنية والمشاركة .
اما الدرس الثاني في كتاب التربية الوطنية الذي كتبه
اهلنا بمقاومتهم وصمودهم : ان السبيل الوحيد لبقاء لبنان ازاء الخطر الذي تمثله
اسرائيل على بلدنا هو تكوين مجتمع المقاومة .
لقد اثبتنا صحة ما ذهب اليه اب المقاومة وامامها
وقائدها السيد موسى الصدر، حين اعتبر ان الوسيلة المعقولة لمواجهة الخطر الخارجي
الذي تمثله اسرائيل على بلدنا هي تكوين مجتمع المقاومة، ليس لأننا نريد ان نحارب،
ولكن لكي نستطيع ان ندافع عن وطننا وسيادتنا وشعبنا وارزاقنا .
ويقول الامام الصدر في هذا المجال : بالنسبة للخطر
الخارجي الذي تمثله اسرائيل، لنا كلمة واحدة، كلمة : الصمود حتى الموت . الصمود
المطلق، وهذا هو السبيل الوحيد لبقاء هذا البلد . الصمود هو سلاح مطلق ووسائل
الصمود هي المقاومة، هي تكوين مجتمع جد وتحسين الاوضاع الاجتماعية في المناطق
المهددة بالخطر الاسرائيلي .
هل هناك خطر داهم ؟ هل ترانا نتوهم عدواناً محتملاً
؟ اقول نحن لا نتخيل او نتوهم عدواناً، بل اننا نلمس ان صورة الحركة الاسرائيلية
وتصرفات المستوى السياسي الاسرائيلية بقيادة شارون تدفع الامور نحو التصعيد
المتمادي ونحو الكوارث، وليس من قبيل الصدفة ان يحذر سيادة الرئيس الدكتـور بشار
الاسد ومن فرنسا ان شارون يدفع الامور نحو الحرب، وليس من قبيل الصدفة ان يصدر
تحذير مماثل من ولي العدو السعودي الامير عبدالله .
لذلك اتوجه الى اهلي الاعزاء في الجنوب البطل وفي كل
لبنان، شماله وبقاعه وجبله وعاصمته لتوخي الانتباه الشديد، وان لا نتصرف بحيث يكون
الخطر قريباً منا وكأنه لا يعنينا، ان نتفرج بإطمئنان وبلا مبالاة وبشيء من الحزن
المترف على واقع لبنان الجنوبي ومصيره .
لقد قلت في ميس الجبل، ان من يتجاهل حدوده سيجد نفسه
مجبراً على القتال على ابواب عاصمته، اليس هذا ما حدث في السابق ؟
انا لا اريد ان نتفاجأ في اية لحظة،
لذلك اتوجه الى اهلي في القرى المعلقة علىالحدود في هذه القلاع الباسلة التي قدمت
اعز ابنائها لأدعوهم الى الصمود.
اعرف ان هناك معاناة ناتجة عن حرمان مزمن،
واعرف ان طبيعة ادارات الدولة هي التصرف وكأنها تملك الوقت.
الناس هنـا مستعـدة للصمود ومستعدة للمقاومة اذا
تعرض البلد لأي خطر.
هذا الصمود وهذه المقاومة يحتاجان كما يقول المثل " الى شيء من القطران "
هذا الصمود وهذه المقاومة لا يحتاجان لا الىالمؤاساة ولا الى اللياقات من احد.
والناس هنا تحملت واستشهدت واعتقلت وتعذبت من اجل ان تستعيد مكانها في الدولة ومن
اجل ان تستعيد دور الدولة ومسؤولية الدولة.
انني لاجل ما تقدم : الخطر الخارجي التي تمثله
اسرائيل على بلدنا وتعزيز دور الدولة دعوت لانشاء جبهة وطنية.
اذ ان محاولة اسرائيل ابقاء لبنان ساحة مفتوحة
للاحتمالات، ومستوعباً ممكناً للازمة وساحة رماية لسلاحها الجوي ونقطة انكسار في
نظام المنطقة، هو الامر الذي يجعلني ان ادعو الى جبهة وطنية تأخذ علىعاتقها التصدي
بالوحدة والتكاتف والتضامن.
مهما كانت الصورة سنبقى نقرع الجرس وننادي بأن
الجنوب بحاجة لكل يد تريد ان تبني، لكل يد تريد ان تقاوم، لكل يد وطنية تريد ان
تحمي الوطن واهله، بحاجة ليد كل مخلص يعي ابعاد المعركة مع العدو ويعي الابعاد
المتنوعة لحروب اسرائيل ضد بلدنا، يعي الابعاد المترتبة على اصراراسرائيل احتلال
اجزاء عزيزة من ارضنا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، واستمرارها يومياً في انتهاك
مجالنا الجوي ومياهنا الاقليمية، وكذلك استمرارها في احتجاز حرية عدد من ابنائنا
المجاهدين.
الا ان الاساس يبقى صمودكم.
انني اراهن اننا سنتمكن من اطلاق عجلة المشاريع
المتنوعة.
لقد كنا على موعد بالامس مع ميس الجبل، وسيكون لنا موعد الاسبوع المقبل مع الخيام
وابل السقي، وقريبـاً مع مرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل، ومواعيد كثيرة مع كفر شوبا
وشبعا والهبارية والفرديس، ولن نتأخر على يارين واخواتها ولا عن اي مكان .
ايها الاعزاء
كما انه من نافل القول ان الخطر الذي تمثله اسرائيل
والذي يتهدد لبنان وسوريا يضع البلدين في الحاضر والمستقبل في اعلى درجات التنسيق
والتعاون، من منطلق وحدة المصير والمسار، ومن منطلق المسؤولية المشتركة في مجابهة
تحدي اسرائيل لبلدينا وشعبينا ومصالحنا المشتركة.
ومن هنا في طير حرفا وفي امكنة الجنوب المزدهرة
بذاكرة المقاومة الخصبة، ونحن نرى فلسطين بأعيينا وقلوبنا وجميع احاسيسنا، لا
يمكننا الا ان نؤكد اننا سنكون مع اشقائنا ابناء الشعب الفلسطيني في جميع المراحل
والاوقات، في تأييد ودعم ومساندة كفاحهم من اجل حقوقهم الوطنية، وفي الطيعة حقهم في
تحرير ارضهم، وحقهم في العودة وتقرير المصير واقامة دولتهم المسقلة وعاصمتها القدس.
ايها الاعزاء
عود الى بدء، الى طير حرفا والى هذا الصرح التربوي،
فإنه مع تقديري الخاص لحل مشكلة البناء المدرسي وتوفير فرص التعليم لاجيالنا وتبديل
المناهج وعصرنتها، وزيادة وسائل الايضاح وتعزيز العلاقة بين التربية وتكنولوجيا
العصر وزيادة كفاءة الهيئة التعليمية، الا ان الاساس يبقى توفير فرص عمل للخريجيين.
اننـي اوجه عناية الصديق والزميل معالي وزير التربية
الاستـاذ عبد الرحيم مراد، الى ان يأخذ المبادرة في تشكيل مجلس اعلى للتربية، مهمته
تنسيق العلاقة بين حاجات سوق العمل ومتطلبات التعليم العالي، لكي نجنب اجيالنا
التحول الى عاطلين عن العمل بشهادات عليا وايضاً من اجل توجيههم الى الاختصاصات
المطلوبة.
لقد اقترحت تشكيل هذا المجلس من ممثلين عن ادارات
التعليم العالي والمهني والثانوي والتكميلي والابتدائي، ومن ممثلي جمعيتي الصناعيين
والمصـارف وغرف التجارة والصناعة والزراعة والنقابات والاتحاد العمالي، لتوجيه
طلابنا نحو المهن والاختصاصات اللازمة لسوق العمل.
انه لا حاجة للقول ان التربية غدت صناعة من كبريات
الصناعات، ولم تعد التربية مجرد منهاج ملزم ومقرر لعبور الامتحانات ونيل الشهادات.
فالادارة تربية
والقطاعات المهنية تربية
والصناعة والتجارة والزراعة تربية
والتكنولوجيا تربية
والعلوم الانسانية والاداب تربية
والديموقراطية هي تربية ومنهاج حياة
ايها الاعزاء
اخيراً وامام الاستحقاق الديموقراطي الاول الذي يجري
على ارض منطقتكم المحررة واقصد الانتخابات البلدية، فإنني ادعوكم الى الانتصار
للمتطلبات التنموية لبلداتكم وقراكم .
ان اي اقتراع لا يتم على قاعدة مسح شامل للحاجات،
ودور البلدية كسلطة محلية في برمجة تنفيذ المشروعات المناطة بها، سيعني اقتراعاً
لصالح غرائزكم وبالتالي الى تجميد العمل البلدي.
اننا وقد استمعنا الى وجهات نظر الكثير من النشطاء
والعاملين في الحقل العام، اؤكد اننا لن نقبل انتاج ( ادارات مدنية ) تعكس هيمنة
فئوية او حركية او حزبية تحت ستار الاقتراع.
ان الديموقراطية مجرد عملية اقتراع كل بضع سنوات
لاختيار مرشحي المجلس البلدي او المجلس النيابي او جمعيات ونقابات مؤسسات المجتمع
الاهلي .
ان الديموقراطية عملية مستمرة ومناهج حياة، وهذا
الامر يستدعي التوجه الى وزارة التربية لبحث وسائل التربية على الديموقراطية كجزء
اساسي من المناهج التربوية .
ان القوى السياسية وفي الطليعة القوى التي تمثل روح
المقاومة، معنية بحسن اختياركم للاشخاص الكفوئين، والذين عبروا دائماً عن احترامهم
لتضحيات شعبهم، وعن اخلاصهم للغايات النبيلة التي قدم من اجلها الشهداء ارواحهم،
وعن تقديرهم لمعاناة الجرحى والمعتقلين الذين تعاقبوا على سجون العدو.
ان هذه القوى معنية بمصلحتكم في انتاج بلديات تتجاوز
المفهوم العددي الكمي الذي يعكس توازنات محلية عائلية او حزبية لا تعتمد المواهب
والكفاءات، تجمد وتحد الطموحات.
اننا نريد بلديات موثوقة، مسؤولة عن الجميع، ابوية
قوية بثقتكم، طموحة ونزيهة.
ايها الاعزاء
اخيراً اجدد شكري لمجلس الجنوب لتكريمي برعاية هذا
الاحتفال لافتتاح هذا الصرح التربوي لتجمع مدارس قرى الشعب في طير حرفا، والذي
سيسهم دون شك في استعادتها كمنبر للكلمة من اجل ازالة الحرمان، وبناء مجتمع
المقاومة وازدهار الانسان في لبنان.
عشتم
عاش لبنان
|