كلمة
الرئيس نبيه بري
في بلدة يارين (أم التوت) بمناسبة عيد التحرير
وإفتتاح مجمّع مدرسة
قام رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي السبت
25/5/2002 بجولة واسعة على المنطقة الحدودية بمناسبة الذكرى الثانية للتحرير
واندحار العدو الإسرائيلي، دشن خلالها ثلاث مدارس رسمية في حولا وبيت ليف ويارين
وفرع لجامعة الكسليك في بلدة رميش.
ورافق الرئيس برّي في جولته وزير التربية والتعليم
العالي الأستاذ عبد الرحيم ممثلاً رئيس الحكومة الشيخ رفيق الحريري. وعدد كبير من
نواب وحشود كبيرة من أهالي المنطقة ورئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان.
بعد حولا
وبيت ليف انتقل الرئيس
بري إلى بلدة يارين (أم التوت) حيث دشن المدرسة الرسمية
للبلدة .
وألقى
الرئيس برّي كلمة برزت فيها المواقف التالية:
-
من دواعي سروري أن احتفل بعيد التحرير معكم هنا في
قرى الشعب التي دفعت غالياً ضريبة صمودها وضريبة تحريرها، هذه القرى التي كانت
منسية ومهملة وكانت تعيش إلى جانب أخواتها على امتداد الحدود همومها بصمت وصب،
وكانت تسابق الشمس إلى الشروق لتأكل بعرق جبينها.
-
جمدت إسرائيل الحياة على امتداد الحدود طيلة
ثلاثين عاماً قبل اجتياحها في آذار 1978، في الوقت الذي كانت تنشر فيه مستوطناتها
على امتداد الحدود مكان البلدات والقرى الفلسطينية التي تمت إزالتها بعد تشريد
أهله.
-
كانت الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة تتحول إلى
مساحات خضراء على أيدي المستوطنين الإسرائيليين مقابل اليباس والتصحر على الجانب
الجنوبي من الحدود اللبنانية.
وبدون استثناء انخراط أبناء هذه المنطقة في
المقاومة، بل ربما كانوا السباقين إلى المقاومة، صنعوا إلى جانب أهلهم في الجنوب
والبقاع الغربي معجزة النصر ودحر الاحتلال.
اليوم ومن ام التوت نقول: ان مسؤولية الدولة تجاه هذه المناطق ستكون متوازنة
انمائياً مع مسؤولياته تجاه أي منطقة لبنانية أخرى، بأن سنعمل على ان يكون الجنوب
والمنطقة الحدودية خصوصاً أولوية تنموية، لأن ضعف هذه المنطقة وإهمالها في السابق
جعلها فريسة سهلة للعدو وهذا أمر لن نسمح بتكراره.
ان أبناء الجنوب اليوم يعرفون ان مجلس الجنوب الذي
قام ببناء تجمع المدارس هذا الذي يشارك معالي الوزير الصديق عبد الرحيم مراد في
افتتاحه ـ ان هذا المجلس ـ يحاول سد غياب وزارات وإدارات الدولة في حين موازاناته
تصرف بالقطارة.
-
إنني ومن هذه المنطقة أجدد الرهان على اللبنانيين
المغتربين لإطلاق مشاريع تهدف إلى إنعاش المنطقة وفتح الباب لعمالة منتجة وتوفير
فرص عمل في مختلف المجالات.
-
إننا نقف جميعاً بمواجهة محاولة إسرائيلية لا نزال
نكبة جديدة بالشعب الفلسطيني وتشريده، وأن أكثر المشاريع اعتدالاً لدى الأحزاب
الإسرائيلية هو محاولة مبادلة عرب 1948 بالمستوطنين في الضفة، بمعنى استكمال
إفراغ المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 من سكانها، وصوغ إسرائيل الصغرى
النقية من أية عناصر فلسطينية، هذا مع العلم ان هذا المشروع يتكامل فصولاً مع خطط
صوغ إدارة فلسطينية للسكان الفلسطينيين وليس لأرضهم ومواردها، أي دولة معوقة
مشوهة مجردة من حق السيادة ومن السلاح، تعبر عنها قوة أمنية مسؤولة عن سلوك
السكان، ومخاتير للربط بين حاجيات السكان والأموال المحولة من وكالات غوث متعددة
الجنسيات.
ان إسرائيل رغم الأحاديث والتصريحات المتنوعة
الصادرة من عواصم عالمية عن رؤية لدولة فلسطينية وعن مؤتمر وما شابه تحاول كسب
الوقت، لكي تتمكن من هضم المرحلة الأولى من عمليتها العسكرية التي مكنتها من
إعادة احتلال الضفة، بإنتظار إيجاد المسوغات والمبررات لاستباحة قطاع غزة، ومن ثم
اتخاذ الخطوات لسحب الحقوق السياسية من عرب 1948، وبالتالي ممارسة أقصى الضغوط
السياسية والاقتصادية لتحقيق ترانسفير جديد للشعب الفلسطيني.
أقول لكم أيها الأعزاء إننا لن نكون بمنأى عن تشظي
الوضع الفلسطيني، ولن يكون أحد من الأشقاء العرب خارج دائرة الانعكاسات، بل أنني
سبق وحذرت وأجدد التحذير من تداعيات انفجار كبير على مساحة المنطقة.
-
ان العدو لا يزال يطمع في أرضنا ومياهنا ولا زال
يبحث عن وسيلة للانتقام من خروجه المذل من أرضنا.
وبعد الظهر دشن الرئيس بري تجمع مدارس بلدات يارين،
مروحين، البستان، الضهيرة، الزلوطية وأم التوت، وتحدث في الاحتفال رئيس بلدية يارين
غسان مطلق والوزير مراد والمحامي قبلان.
نص الكلمة كاملاً:
بسمه تعالى
من دواعي سروري ان احتفل بعيد التحرير معكم هنا في
قرى الشعب التي دفعت غالياً ضريبة صمودها وضريبة تحريرها، هذه القرى التي كانت
منسية ومهملة وكانت تعيش الى جانب اخواتها على امتداد الحدود همومها بصمت وصبر،
وكانت تسابق الشمس الى الشروق لتأكل بعرق جبينها.
ربما يعرف بعض اللبنانيين ولكن الاغلبية لا تعرف ان
البناء المدرسي في هذه المناطق كان حلماً قاسياً، وان هذه المناطق امتداداً من
الناقورة الى العرقوب كانت محرومة من المستشفى وحتى من المستوصفات، وانها حكمت
حوالي ربع قرن الى قانون طوارىء وانها لم تشهد اية عملية لاستصلاح الاراضي
بإستثناءات طالت اراضي الملاكين من الاقطاعيين، وان مياه الشفة كانت تصل اذا وصلت
بالقطارة.
كانت المنطقة الحدودية محرومة من ادنى حقوق الانسان
من الحق في الوصول الى القوت والحق في التعليم والصحة، ولا اغالي اذا قلت الحق في
التعبير والاجتماع.
فوق كل ذلك، وفي الاعوام الممتدة من 1948 الى 1978
وقعت هذه المنطقة تحت تهديد الخروقات الاسرائيلية اليومية لاتفاقية الهدنة، ولم
تسلم قرية او بلدة او مدينة من الاعتداءات التي اخذت شكل عمليات الاغارة واغتيال
الرعيان وسرقة المواشي واختطاف الاشخاص واعدامهم، ونسف المنازل وصولاً الى عمليات
التمشيط والرمايات المدفعية بالذخيرة الحية.
لقد جمدت اسرائيل الحياة على امتداد الحدود طيلة
ثلاثين عاماً قبل اجتياحها في اذار 1978، في الوقت الذي كانت تنشر فيه مستوطناتها
على امتداد الحدود مكان البلدات والقرى الفلسطينية التي تمت ازالتها بعد تشريد
اهلها.
كانت الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة تتحول الى
مساحات خضراء على ايدي المستوطنين الاسرائيليين مقابل اليباس والتصحرعلى الجانب
الجنوبي من الحدود اللبنانية على يد حكامنا اللبنانيين، يا للعار، يا للعار.
كانت حكومات اسرائيل المتعاقبةتطلق الكيبوسات
الزراعية والمشروعات الصناعية في الجليل والجليل الغربي، وكانت حكومات لبنان
المتعاقبة تضغط بكل الاسباب لاستنزاف منطقتها الحدودية بشرياً بسبب قلة الموارد
وعدم تنفيذ مشروعات التطوير الريفي وعدم تنفيذ اي مشروعات تتعلق بالبنى التحتية،
الامر الذي ادى الى تشظ سكاني لابناء هذه المنطقة بإتجاه العاصمة واصقاع العالم.
وربما يشكل اهالي قرى الشعب استثناء حيث تحملوا
وصمدوا دون نزوح حتى وقع الاحتلال، فنزح من نزح منهم الى داخل الجنوب بإستنثاء
مجموعات صغيرة تجاوزت العقيبة والسماعية الى الضاحية الجنوبية.
وبدون استثناء انخرط ابناء هذه المنطقة في المقاومة،
بل ربما كانوا السباقين الى المقاومة، صنعوا الى جانب اهلهم في الجنوب والبقاع
الغربي معجزة النصر ودحر الاحتلال.
اليوم ومن ام التوت نقول : ان مسؤولية الدولة تجاه
هذه المناطق ستكون متوازنة إنمائياً مع مسؤولياتها تجاه اي منطقة لبنانية اخرى، مع
التأكيد رغم المعاناة المترتبة على حصار لبنان وعلى عدم وفاء الكثير من الاشقاء
والاصدقاء التزاماتهم تجاه لبنان عموماً وتجاه الجنوب على وجه الخصوص، بأن ولتعذرني
كل جهات الوطن سنعمل علىان يكون الجنوب والمنطقة الحدودية خصوصاً اولوية تنموية،
لأن ضعف هذه المنطقة واهمالها في السابق جعلها فريسة سهلة للعدو وهذا امر لن نسمح
بتكراره.
ان ابناء الجنوب اليوم يعرفون ان مجلس الجنوب الذي
قام ببنـاء تجمع المدارس هذا الذي يشارك معالي الوزير الصديق عبد الرحيم مراد في
افتتاحه ـ ان هذا المجلس ـ يحاول سد غياب وزارات وادارات الدولة في حين ان
موازاناته تصرف بالقطارة، وان هناك العديد من البلدات والقرى لم يتم دفع تعويض
المنازل المتضررة فيها علماً ليس المطلوب رصد اعتمادات الموازنة من خلال المجلس
النيابي وما وعدنا به في بنت جبيل على اثر التحرير، صدر القانون اللازم تضمن
التعويض على الفروع والأصول والترميم والبناء المنجز. ان هذا الأمر موجود في موازنة
عام 2001، لقد حاولت وزارة المالية تبني عرفاً بعدم دفع الموازنة، وتحاول هذا العام
ان تكرر هذا الأمر. أقول كلمة صغيرة وأنا حريص على الوفاق الى أعلى الدرجات وحريص
على خزينة الدولة لأن الخزينة ليست ملكاً للسنيورة ولغير السنيورة هي ملكنا جميعاً،
ولكن أقول بكل هدوء وبهدوء المطمئن لن أسمح على الإطلاق، أن موازنة من موازنات
المناطق لن تصرف بالغايات التي وافق عليها المجلس النيابي سواء في الجنوب أو في
عكار أو في قرى الشعب.
اننا لن نقبل هذا الغياب الحكومي الذي اثار تساؤلات
عديدة خلال مرحلة تصعيد العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني والتهديدات التي
ترافقت معه للبنان وسوريا.
نعم يوجد الآن مؤامرة كبيرة والذي حصل من اغتيالات
وبعض الخطف ايضاً انما يراد منه إعادة الفتنة لانهم يعتقدون ان الخاصرة الرخوة
لسوريا في لبنان فلا يجوز بأي شكل من الاشكال ألا أن نمنَع شعبنا بالحصانة والمنعة
والقوة.
ففي حين قام رئيس حكومة العدو والعديد من وزارئه
واركان جيشه بجولات تفقدية على المستوطنات على امتداد الحدود، لم تتخذ اية اهبة
حكومية لمواجهة الاحتمالات، بل ان مقررات مجلس الوزراء التي انعقدت في الجنوب لم
ينفذ منها شيء ولأغلب الوزراء لا يعرفون الجنوب من الشمال.
ايها الاعزاء،
اعرف ان الشكوى كثيرة والمطالب كثيرة وهي محقة
وبالكاد تعوض ما فاتكم من حرمان، ولكني متأكد انكم وقد صمدتم وقاومتم من اجل ان
يبقى لبنان بلداً حراً عزيزاً عربياً فإنكم ستكونون مثال الصمود ومثال المقاومة
لمنع اسقــاط بلدنا اقتصادياً، وانا متأكد تماماً انكم ستعطون كامل الفرصة للدولة
من اجل عدم الاكتفاء بإدارة الازمة، ولكن من اجل الوسائل الكفيلة بإعادة انتاج دور
الدولة الاقتصادي، ومن اجل اطلاق دينامية اقتصادية تستنهض القطاع الخاص وقطاع
الاعمال المختلفة.
انني ومن هذه المنطقة اجدد الرهان على اللبنانيين
المغتربين وهناك الكثيرون منهم من ابناء المنطقة الحدودية لاطلاق المشاريع الهـادفة
لانعاشها، وان لا يكتفـوا بعـلاقة (عقارية) مع مسقط رأسهم تعبر عنها اقامة منزل او
شراء قطعة ارض، اننا نريد فتح الباب لعمالة منتجة، اننا نريد فتح الباب لفرص عمل في
مختلف المجالات.
ايها الاعزاء،
لأنكم على مرمى العين من فلسطين، ولأنكم دفعتم
ولازلتم ضريبة الدم من اجلها ومن اجل شعبها الشقيق، فإن من حقكم معرفة اننا نقف
جميعاً بمواجهة محاولة اسرائيلية لانزال نكبة جديدة بالشعب الفلسطيني وتشريده، وان
اكثر المشاريع اعتدالاً لدى الاحزاب الاسرائيلية هو محاولة مبادلة عرب 1948
بالمستوطنين في الضفة، بمعنى استكمال افراغ المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 من
سكانها، وصوغ اسرائيل الصغرى النقية من اية عناصر فلسطينية، هذا مع العلم ان هذ
المشروع يتكامل فصولاً مع خطط صوغ ادارة فلسطينية للسكان الفلسطينيين وليس لارضهم
ومواردها، اي دولة معوقة مشوهة مجردة من حق السيادة ومن السلاح، تعبر عنها قوة
امنية مسؤولة عن سلوك السكان، ومخاتير للربط بين حاجيات السكان والاموال المحولة من
وكالات غوث متعددة الجنسيات.
ان اسرائيل رغم الاحاديث والتصريحات المتنوعة
الصادرة من عواصم عالمية عن رؤية لدولة فلسطينية وعن مؤتمر وما شابه تحاول كسب
الوقت، لكي تتمكن من هضم المرحلة الاولى من عمليتها العسكرية التي مكنتها من اعادة
احتلال الضفة، بإنتظار ايجاد المسوغات والمبررات لاستباحة قطاع غزة، ومن ثم اتخاذ
الخطوات لسحب الحقوق السياسية من عرب 1948، وبالتالي ممارسة اقصى الضغوط السياسية
والاقتصادية لتحقيق ترانسفير جديد للشعب الفلسطيني والضغط لتركيع سوريا ولبنان.
اقول لكم ايها الاعزاء اننا لن نكون بمنأى عن تشظي
الوضع الفلسطيني، ولن يكون احد من الاشقاء العرب خارج دائرة الانعكاسات، بل انني
سبق وحذرت واجدد التحذير من تداعيات انفجار كبير على مساحة المنطقة.
ان هذا الامر يضعنا اما مسؤولياتنا وهي مسؤوليات
تترتب على التاريخ والجغرافيا وكل ما يربط الاشقاء، وكذلك مسؤوليات تترتب على
مصلحتنا في درء الاخطار لقد هزمنا عام 1948 مرة أولى وهذه المرة هزمنا والفارق بين
عام 1948 واليوم ان الفلسطينيين كان أكثر فلسطينية من عام 1948 أما العرب فكانوا
أكثر عروبة من اليوم. الحكام العرب الذين كانوا سيف الإسلام والنصارى قاتلوا حينها،
على الأقل. وإنما هذه المرة لا نطلب منهم ان يقاتلوا انما نطلب شيئاً واحداً فإذا
لم يستطيعوا ان يشتروننا على الأقل ان لا يبيعوننا وإذا كانوا غير قادرين على
إنقاذنا على الأقل لا يرهنوننا.
كل المطلوب الا توقعوا عنا لأن الذي يوقع عن شخص آخر
يكون مزوراً.
إذا انهزمنا فإن ذلك ليس عيباً. صبرنا عام 1978
عندما دخلوا حينها طالب الامام الصدر بالمقاومة وكانوا يستغربون ما هي المقاومة
وكان الامام يقول قاتلوهم بأسنانكم وأظافركم وسلاحكم مهما كان وضيعاً، وكان يركز
على الإيمان ولم يكن أحد يصدق بأننا سنحيي احتفالنا اليوم في حولا وبيت ليف وأم
التوت ونمر اليوم على الحدود وصولاً الى رميش.
عام 1978 لم نركع وعام 1982 لم نركع وقال لي أحدهم
يومها ان الجنوب قد تبخر فقلت له ان الجنوب قد تبخر لكنه سيعود ويمطر.
انني بصراحة اقول لكم، لا تعتقدوا ان الاندحار
الاسرائيلي عن معظم ارضنا هو نهاية المطاف، فالعدو لازال يطمع في ارضنا ومياهنا.
ولكن الرهان يبقى ايها الاهل الاعزاء على صمودكم
وعلى تجربتكم، وعلى ايمانكم ومقاومتكم، وانني على يقين انكم ستكونون دائماً في
الطليعة للذود عن لبنان.
عشتــــم
عاش لبنـان
|