كرمت لجنة احياء ذكرى الرئيس الياس الهراوي رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، تحية لدوره الوطني الميثاقي، وقدمت إليه رئيسة اللجنة السيدة منى الهراوي جائزة الرئيس الهراوي لهذا العام، في احتفال حاشد أقيم في السادسة مساء اليوم، في قصر الاونيسكو.
حضر الاحتفال رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وعقيلته السيدة وفاء سليمان، الرئيس المكرم وعقيلته السيدة رنده بري، رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، ممثل البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي المطران بولس مطر، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، والوزراء: وليد الداعوق، حسان دياب، غازي العريضي، مروان شربل، وائل أبو فاعور، ناظم الخوري، عدنان منصور، بانوس مانجيان، علي قانصوه، فادي عبود، وعلي حسن خليل، النواب: محمد رعد، روبير غانم، علي فياض، علي بزي، عبداللطيف الزين، هاني قبيسي، إيلي عون، ياسين جابر، عبد المجيد صالح، أيوب حميد، مروان فارس، الوليد سكرية، قاسم هاشم، وميشال موسى، نقيبا الصحافة محمد بعلبكي والمحررين الياس عون، رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن يرافقه أعضاء الاتحاد، إضافة إلى حشد من الوزراء والنواب السابقين والسفراء المعتمدين في لبنان ومدراء عامين والهيئات الاكاديمية والتربوية والاقتصادية وأعضاء الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، وحشد من الجمعيات النسائية والخيرية.

بعد النشيد الوطني، ألقى عريف الإحتفال سهيل مطر كلمة قال فيها: الناس صنفان: موتى في حياتهم والآخرون ببطن الارض احياء
والياس هراوي، واحد من هؤلاء، حي، باسمه باعماله، بروحه القيادية وبمواقفه الوطنية.
وحي اكثر بعيني عقيلته منى التي يمكنها ان تخاطبه اليوم قائلة:" حملتك في ضوء عيني حتى كأنك حي بقلب منى.
ومن يحيا في العيون والقلوب، لا تغيبه سنوات ست ولا ينتزعه من الذاكرة نسيان او بهتان، بعض الاموات احياء وكأنهم ليسوا بحاجة الى احياء.

ايها الحفل الكريم،
سنة 1989، كانت القيامة قائمة، تذكرون: دويلات وميليشيات، اقتتال، خطوط تماس، خطف وعنف، حكومات، ثم... الطائف، ورئيس جديد واستشهاد الرئيس.
من يجرؤ؟ من يمتلك الاعصاب والصلابة على مواجهة الاخطار؟ تتغلب الاسطورة على الواقع ويتقدم الياس هراوي.
اذا القوم قالوا:" من فتى خلت انني عنيت لم اكسل ولم اتبلد
واطل مخاطبا اللبنانيين "اعدكم ان تبقى راية الارز خفاقة عالية فوق كل شبر من ارض لبنان، وان يستعيد وطننا الحبيب سيادته واستقلاله، وان ينعم اللبناني، كل لبناني بحقه في الحياة الكريمة الامنة(خطاب القسم 24/11/1989)
منذ ذلك اليوم اختلف المؤرخون على تسمية المرحلة، هل هي طريق الجلجلة؟ ام درب القيامة؟ ام الاثنان معا؟
ترانا اليوم، ماذا نقول؟
بعد ثلاث وعشرين سنة على انتخابه رئيسا، وبعد ست سنوات على رحيله، ماذا تبقى من الرجل؟ تصفى وتطهر الى حد، تمحى فيه الاخطاء وتزول الحواجز وتسقط علامات الاستفهام: معه او ضد، لا فرق، فيما اختلف الناس الا على العظماء، وما رميت شجرة بحجر الا اذا كانت مثمرة، وعشاق الحرية هم اول ضحاياها وشهدائها.

اليوم نتذكره معا، ويتذكره بصورة خاصة دولة الرئيس نبيه بري ومن يقرأ مذكرات الرئيس هراوي: عودة الجمهورية من الدويلات الى الدولة، مع الاستاذ كميل منسى، يعرف ما كان بين الرجلين من رؤى ومبادىء وطنية مشتركة، تمحو الكثير مما اعترت العلاقة احيانا من جفاء ومرارة وعتاب، ولا انقطاع.
العلامات الفارقة بالرئيس بري، انه استاذ بثلاث:
- استاذ بالقانون ومحام عن حقوق الانسان، ورمز لاحترام الآخر، انفتاح ولا انغلاق وان حاولوا، ولكن هل يكفي ان نقول :لنتق الله؟
- استاذ في اللغة البيضاء، شاعر وان تنكر او تواضع، لا تقوده المآسي الى الدموع، بل الى الامل، يتكاثر الظلام، يمد يده السحرية بالحل، وكأنه النحل الذي يعد عسل الاحلام.
- استاذ فن الممكن، ولهذا كانت النظرة الثاقبة وكان الحوار، وكانت النكتة، وكانت سرعة البديهة.
قدر هذين الكبيرين انهما كانا معا، كعمودي الهيكل لا يلغي الواحد الآخر، لأن في ذلك دمارا للهيكل، ورحمة الله على العمود الثالث: الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وها هم اليوم حفظة الاسم والتاريخ، السيدة منى يتطلعون الى الرئيس بري ولسان حالهم يقول: انك لمستحق، والجنوب وتراب الجنوب وكل الجنوب يستحق منا الحب والعظمة والتقدير.
اما الرئيس هراوي، فأكتفي بسرد حوار جرى لي معه قبل رحيله بسنة تقريبا كنت اشق عليه وانق، قال لي: انتم الاكاديميون تتفلسفون دائما وتنظرون، ولا يعجبكم عجب، قاطعته قائلا: وانتم السياسيون ماذا تفعلون؟ واي لبنان صنعتم؟ ضحك. ولن اتابع الحكاية، ولكنني اشهد انه لم يضع اللوم على الروح القدس.
ايها الاصدقاء
لهذا الرئيس الشجاع الصادق، اختم بهذا البيت لسعيد عقل، شاعر لبنان وابن زحلة وصاحب المئة عام: من زهر لبنان خذ عرشا ومن قيم لا زهر لبنان منان ولا القيم".

وألقى الوزير السابق جان عبيد كلمة قال فيها: "على اسم رئيس للجمهورية مقدام ومبادر ومتميز تقوم هذه المؤسسة وتحيا هذه المناسبة، ولرجل عصامي ذكي مميز وشجاع تمنح هذه الجائزة. وبين الرجلين وبيني صداقة نشأت ونمت وامتدت عشرات السنين مليئة بالاحداث، حافلة بالعبر. وبين الرجلين وبيني عروة وثقى لم تنل منها تقلبات الأزمنة. وبيننا جميعا، سيدة عزيزة غالية لا كسائر السيدات تقود هذه المؤسسة ومسيرتها، هي الصديقة الريسة منى الهراوي يسري عليها ما اطلقه ابو الطيب المتنبي عن والدة سيف الدولة مع بعض التصرف من قبلي: وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال ولو كان النساء كمن عرفنا لفضلت النساء على الرجال، في اي حال ابو جورج، رحمه الله، وابو مصطفى أطال الله عمره، وانا نفضل ايضا النساء على الرجال. وليس هنا مجال الحديث بالتفصيل عن اسباب هذا التفضيل، فالوقت قصير والتفصيل طويل".

أضاف: "بالتأكيد، لم تكن السيدة منى الهراوي تبحث عن الموضوعية المطلقة عندما اختارتني للحديث عن نبيه بري. فأنا اناضل واجتهد لأكون موضوعيا في مسائل ابو مصطفى، فاذا نجحت بصعوبة كبيرة فلي اجران، واذا لم اوافق فلي اجر واحد. ولا تقتصر مشكلتي مع الموضوعية فقط على الرئيس نبيه بري، بل تمتد لتشمل عددا من اصدقاء العمر، اخص منهم بالذكر هذا المساء، الرئيس الشهيد رفيق الحريري والاستاذ وليد كمال جنبلاط. لقد كنت دائما حريصا على تآلف هذا الثلاثي وتحالفه مع الرئيس ومع بعضهم البعض قبل رئاسة الرئيس الهراوي ومعه خلالها وبعدها، لما لذلك من أثر ايجابي كبير وفعال على وضع لبنان وتضامنه واستقراره. وظللت على المبدأ في علاقتي معهم، وفي علاقتهم مع بعضهم البعض، رغم انني كنت غالبا المتضرر الاكبر من خلافاتهم المتقطعة أكثر مما كنت المستفيد الاول من تفاهماتهم وتحالفاتهم، واطلب من الله ان يغفر لي دائما مبلغ محبتي لهم".
وتابع: "دولة الرئيس، لقد حكم الصدق صداقتنا دائما، ويعرف الكثر، وتعرفون انتم قبلهم ان لا حجاب بيننا، الا في ما حرمه الله. ومقولة رب اخ لك لم تلده امك، تسري اكثر ما تسري علينا. فنحن نتصارح ونتناقش ونحتد ونتبادل اكثر الحقائق حلاوة ومرارة، ونحن نود ونحب بما نستطيع من القلب والعقل كذلك، وحين اكتشف انكم على صواب وحق، اراجع واصوب، وحين تجدون انني اكثر صوابا وحقا تصلحون. ولستم في حاجة لأن اقول لكم انكم امتحنتم بالنسبة الي وإلى غيري كذلك على ما اعتقد، في احوال السيف والضيف وغدر الزمان وانكم في سلوككم في الكثير من الخاص والعام من الاحوال ما نسيتم القول المأثور: "لا يكون الصديق صديقا الا اذا حفظ اخاه في ثلاث: غيبته وفي مصيبته وفي وفاته". لذلك كله ولغيره نقول لكم اليوم، إن لبنان مصاب من اقصاه الى اقصاه، من جنوبه الى شماله، وبين الحدين هو مصاب في قلبه وسهله وجبله وبقاعه، هو مصاب بالانعدام والعدم في حسن الاحوال، ومصاب في حس الرجال وضآلتهم، وفي نقص الأعمال والأموال. مصاب في المذاهب وفي الطوائف والاحزاب والاديان، مصاب ومنخور في المؤسسات والمسؤوليات وانهيار حكم الحكومات. مصاب بالتمسك بالسلطة على حساب الدولة، وبالبحث عن الشعبوية عند الناس بدلا من الاحترام لديهم. يجري استفزاز المشاعر والمذاهب والطوائف والاديان ويرتفع استنفار الغرائز في كل مكان وفي كل لحظة وفي كل موضوع. تزداد القسوة مع الاهل، بدل الرحمة، وتتعاظم الغطرسة مع الداخل والتهاون مع الخارج، سواء أكان شقيقا او صديقا او عدوا. ويؤخذ اللبنانيون الى جحيم الفتن بالتحريض وبالتسليم، واحيانا بالرضى بدلا من ان يساقوا الى جنة الاخاء الوطني ولو بالسلاسل. والوطن الذي رغم بؤسه وتعاسته وتشتت بأسه وناسه ما زال طليعة محيطه في تداول السلطة وفي العلوم والتربية والثقافات والجامعات والخريجين والخدمات والفنون والكياسات يراد له أن يبطل كحاجة للعرب وللعالم ويزول كرسالة لربه ونفسه ولدنياه وآخرته".

وأردف: "دولة الرئيس، هذه المناسبة ليست فقط لتعليق الشارات والنجوم على كتفيك المثقلين بمثلها، بل هي لالقاء المسؤوليات فوق المسؤوليات وفوق عاتقك ايضا. نقول لك اولا، ثم لغيرك: يجب كسر هذا الشر الكبير عن هذا الوطن الصغير. نحن ننقسم بين من يدعو نفسه الى حرائق الآخرين أو يدعو حرائق الآخرين الى عنده. ان الفتنة في اولها قد يكفيها سطل من الماء لاخمادها، ولكنها بعد اندلاعها لا يعود ينفع معها لا نهر ولا بحر من المياه. الكبير الآن الذي يتواضع ويتسع للكبار. والمسؤول الآن لا يحتاج الى السلطة لتحمل المسؤولية، فالمسوؤلية حس وليست موقعا، فقد يكون الانسان في الحكومة وغير مسؤول، ويكون في خارجها، وهو على القدر الاعلى من المسؤولية عند الناس. واخذ الناس، وخصوصا الخصوم في الرأي، بالحلم والسعة هو لخير الآخذ قبل المأخوذ، فالمسيحية تضع شرطا للمؤمن هو ان يحب حتى عدوه وان تسره حسنته وتسوؤه سيئته ليصح ايمانه. والحديث النبوي الشريف اعتبر الرحمة أرحم من الرحم. وامام الجهاد والبلاغة علي بن ابي طالب، قال: "من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصر فيها ظلم، وبالسيرة العادلة يقهر المناوئ، وبالحلم عن السفيه تكثر الانصار عليه، ولا تؤمروا السنتكم وغرائزكم على انفسكم واخلاقكم". وافضل الناس كما يقول ابن مروان "من تواضع عن رفعة، وعفا عن قدرة وانصف عن قوة". والحاكم الراضي المرضي هو الذي تبتسم لذكره القلوب قبل الثغور، وترف لاسمه ارواح الاموات قبل ضمائر الاحياء". لست اخالكم الا مدركا كل ذلك، واكثر منه الان لذلك ولسواه، نقول "ان وحدة لبنان هي كنز الكنوز وقوة القوى، ولا قوة ولا كنز قبلها ولا مثلها ولا ضمان بدونها او في غيابها يحرز في الحضور والغياب".

وختم: "اراضي لبنان الواحد، كل اراضي لبنان الواحد والكبير مقدسة، لا يجوز التفريط بأي جزء منها، اينما كان وايا كان. وكل الدماء اللبنانية غالية وعزيزة، المريض قبل المعافى، والغائب مثل الحاضر، لا فقط دماء هذه الطائفة او هذا المذهب او هذا الدين او هذه المنطقة او هذا الحزب أو هذا التيار او هذا المرجع او هذا الرئيس او هذا القائد. لبنان بكامل قدراته ووحدته لا بجزء منه، وبدولته الواحدة لا بدويلاته، وبكليته لا بجزئيته، يذهب الى المواجهة العادلة القادرة او السلام الكريم والشامل. دولة الرئيس العزيز: عندي فائض من المودة والمحبة والحرص نحوكم، وليس عندي نحوكم فائض من النصائح لا تحتاجونها بحكم تجربتكم ونضالكم الطويل. وما اقوله اظنه يعبر عن اعماق ضميركم بقدر ضميري، كما عرفتكم دائما. صحيح أن العمل كثير، والفعلة قلة، واول العمل كسر الشر والطوق، شر الفتنة وطوق الغلو والتقوقع المذهبي والطائفي والفتنوي. سيفكم لم يقضم ولم يثلم، والمهم عندكم اليد قبل السيف، والضمير والقلب قبل اليد. والشجاع المأمول هو الذي يطلب منه، لا الجبان اليائس. واذا كان لكل امرئ من اسمه نصيب، فخير الناس من كان لربه ولوطنه من خيره واسمه النصيب الاكبر".

وألقى ممثل النائب وليد جنبلاط الوزير غازي العريضي كلمة قال فيها: "فخامة الرئيس ميشال سليمان، دولة الرئيس المكرم الاخ نبيه بري، دولة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، الحفل الكريم، هذه أمسية مباركة ولقاء استثنائي في ظرف استثنائي، تدعونا مؤسسة وطنية كبرى تحمل اسم رجل كبير مر في تاريخ هذا البلد، كان مقداما وشجاعا ولاعبا سياسيا ماهرا، عرف لبنان والتوازنات فيه، ودقة وحراجة الظروف والمراحل وأصول اللعبة السياسية، ونسج علاقات مع مختلف القيادات واندفع في اصعب الظروف لحماية لبنان وانقاذه في مرحلة كنا فيها على مفترق طرق خطير، أخطأ وأصاب لكنه كان صادقا مع ذاته، وكان شجاعا في قول ما يريد وما يفكر به وفي إدارة اللعبة السياسية مع كبار ومحترفين في ذلك الوقت. مناسبة نرى فيها، مؤسسة وطنية كبيرة تحمل اسم رجل وطني كبير تكرم رجلا وطنيا كبيرا نحن في أمس الحاجة إلى مثل هذه المبادرات في هذه الظروف، لأننا نتطلع إلى قادة كبار في بلادنا يقودوننا ونشعر بالاطمئنان إليهم ومعهم، وما يزين المحضر هو وجود رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الرجل الوطني الكبير والقائد الكبير في هذه المرحلة الصعبة الذي أراد بحضوره أن يكرس قاعدة، ألا أيها اللبنانيون احترموا بعضكم بعضا، كرموا كباركم ورجالكم، فليبق مجال للخصومة السياسية، لكن الاساس أن نحترم بعضنا البعض، شكرا لك يا فخامة الرئيس على ما تقوم به، وعلى ما تبادر إليه وتسعى إليه لتحقيق وحدة وتأكيد وحدة بين الناس وتتصرف بعدالة وأخلاق وأمانة وحرص على كل اللبنانيين. وأنا اليوم بينكم، أمثل بكل اعتزاز رجلا كبيرا يحييكم جميعا ويخص بالتحية الأخ الرئيس نبيه بري".

أضاف: "يا دولة الرئيس، جمعتك وجمعت وليد جنبلاط بك علاقة استثنائية مميزة في هذه المرحلة من تاريخ لبنان، عملتم معا في أصعب الظروف، وتحملتم الكثير الكثير في أصعب الايام، أنتما معا خضتما معركة وطنية كبرى، لحماية وحدة لبنان وعروبة لبنان، كنتما معا في مواجهة 17 أيار وفي فتح طريق المقاومة إلى الجنوب من كل المواقع لكي تواجه الارهاب الاسرائيلي والاحتلال الاسرائيلي، وأنت من حملت ألقابا كثيرة ومنها قائد أفواج المقاومة اللبنانية في الجنوب في وجه الاحتلال الاسرائيلي وقدمت من حركتك ومع إخوانك في الاحزاب الوطنية، ولاحقا في المقاومة الاسلامية، خيرة الرجال دفاعا عن لبنان وعروبته وأمنه وسلامه واستقراره. خضتما معا معركة التغيير في لبنان، قدمنا الكثير من الشهداء والتضحيات، حتى وصلنا إلى تغيير ديموقراطي في النهاية تجسد في اتفاق الطائف هذا الاتفاق الذي لاحقا كان بداية تطبيقه مع الرئيس الراحل الذي تحمل هذه المؤسسة اسمه ومع رئيس كبير أيضا من هذه البلاد كان لها دور أساسي في الطائف عنيت الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عملتم جميعا معا من أجل تكريس الاستقرار وإعادة بناء الدولة في لبنان وإطلاق مشروع الدولة مجددا"

وتابع: "في كل الظروف، كنت لماحا ولماعا، وكلما كانت البلاد على مفترق الطرق تطلع كثيرون إليك، ماذا سيفعل نبيه بري، نعم أطلقت مبادرات كثيرة وقلت كلاما كبيرا لم يعجب مقربين أحيانا، وهذا هو معنى موقع القيادة التي تحمل شرف قيادة الناس، أن تقدم حتى ولو انزعج المقرب أو لم يلتقط الاشارة شخص من هنا أو هناك، لأن لدى القائد حس الرؤية وشفافية النظرة، وبالتالي بإمكانه أن يستشرف ويقرر، فيكتشف الناس لاحقا أنه كان على حق ميزة جمعتك بوليد جنبلاط أيضا. في مرحلة انقسام وبعد اغتيال الرئيس الشهيد ودخول البلاد متاهة ودوامة كبيرة جئت تقول لنا أريد حوارا بين اللبنانيين، تسجل لك هذه المبادرة في تاريخ البلاد الحديث، الحوار آنذاك بقيادتك كان أصرح الحوارات بين اللبنانيين، وأنت تمتلك كل أسرار تلك الجلسات".

وأردف: "قادة البلاد من كل المواقع أفرغوا ما في صدورهم وما في عقولهم وما في نياتهم وقالوا لبعضهم البعض هذا ما نريده، وكان لتلك الجلسات الاثر الكبير لحماية الاستقرار لمرحلة معينة في لبنان، جاء بعدها انقسام أخطر، كان الناس في ذلك الاصطفاف العمودي الخطير يتطلعون إليك وإلى وليد جنبلاط، يقف وليد جنبلاط ويقول لن أتخلى عن علاقتي بنبيه، ولا للعكس، انتبهوا هذا هو لبنان، كانوا ينظرون إليك فكنت تقول اتركوا وليدا، أنا صاحب اختصاص، معي دكتوراه بوليد جنبلاط، اتركوا وليدا لي، أنا أعرفه وأنا أفهم عليه وأعرف ما يريد وكنت تنصح الجميع في كل الامكنة بألا يتعاملوا معه بشكل خاطئ، لأنك كنت تدرك ماذا يريد وليد جنبلاط ومن هو وليد جنبلاط، وفي الوقت ذاته ما هو الميزان السياسي في لبنان، فهذا هو حس القيادة يا دولة الرئيس، كنتما كبيرين تعرفان الضوابط، والميزان السياسي، أخطأ كل واحد منكما في مكان، وهذه طبيعة العمل فكيف في ظروف سياسية معقدة في لبنان، ولكنكما كنتما دائما وانطلاقا مما أشرت، تقفان عند الخط المرسوم الذي يجب أن يحمي لبنان وحدة ودولة ومؤسسات وعلاقات بين اللبنانيين لأن في ذلك مصلحة للجميع بعيدا من الاحقاد والانفعال والتسرع والتوتر مهما كانت الخلافات كبيرة، جمعتني بكما علاقة استثنائية، كنت مرات معكما وكنت مرات بينكما، في كل المرات تعلمت منكما في الاتفاق وفي الاختلاف، معكما أو بينكما، جميل هو الوجود بينكما، الوجود بين لاعبين سياسيين ماهرين كبيرين مدركين لطبيعة اللعبة، صاحبي ذاكرة نقية وقادة يعرفان تماما ماذا في البلاد في ماضيها وحارضها، وماذا للبلاد في مستقبلها، وبالتالي كيف يجب أن يتصرف هذا أو ذاك، نحن بحاجة يا دولة الرئيس إلى أمثالكما مع احترامي للجميع، إلى كبار وإلى كبر في الحياة السياسية اللبنانية في كل يوم لنتعلم من هذه التجربة".

وقال: "عنك كان يقال، ويقال اليوم، نبيه بري ساحر، نبيه بري مبتكر الحلول، نبيه بري ضابط الايقاع، لا تقلقوا ثمة حل في كم نبيه بري أو في جيبه، وانتظروا وكنت تتحرك وتظهر هذا الحل، ثم فجأة يأتي من يقول لا ليس كذلك، لا يدير جيدا اللعبة ولا يضبط الامور على إيقاع صحيح وسليم، ولا بد من كذا وكذا، أقول لك يا دولة الرئيس، سيذكرك التاريخ جنوبا، مقاومة وتنمية وتحريرا ومجلسا نيابيا وحوارا وأداء وإدارة حتى لو كان ثمة أخطاء، هذا هو نبيه بري، وكأني بك عندما كنت تواجه مثل هذه الحالات كنت تستمد قوة من رجل رافقته، وهو كبير من هذه البلاد، عنيت الامام موسى الصدر، وكنت تستمد قوة من إمام البلاغة في تاريخ الاسلام والعرب كأني بك كنت وما زلت في كل موقف تتصرف على قاعدة ما قاله إمام البلاغة إن الرئاسة سعة الصدر. ولذلك في كل مفترق وعند كل مأزق، كنت تفتح قلبك لتحمي شعبك، وكنت توسع صدرك فتعلي قدرك، لأنك بذلك تكبر الحياة السياسية وتكبر الناس، وأنت تتواضع في هذا الأمر وتقدم، وكأنك تدرك أيضا سلفا ما قاله إمام البلاغة: ولاية الأحمق سريعة الزوال".

وختم: "أستند في الختام، إلى ما قاله هذا الإمام الكبير: يا أسرى الرغبة أقصروا فإن المعرج على الدنيا لا يروعه منها إلا صريف أنياب الحثال، أيها الناس تولوا من أنفسكم تأديبها واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها. في هذا الظرف، دعوة إلى الناس، لا تقبلوا في القيادة وفي توجيه الناس مياومين ومراهقين وموتورين بعيدين عن تأديب النفوس وعن تهذيب الألسنة والعقول في قول ما يريدون للناس، اتقوا الله وارحموا لبنان واللبنانيين، نحن لا نريد اتهاما وتخوينا وتشكيكا وضغينة وحقدا وتحريضا، نحن نريد عقلا كبيرا وصدرا واسعا وأصحاب حكمة وخبرة يديرون شؤون البلاد في هذه اللحظة بالذات من هذا الموقع وبهذا الكلام نراهن عليك وعلى أمثالك وعلى شركائك وعلى رأسهم فخامة الرئيس لنخرج من هذه المحنة التي تأسرنا جميعا اليوم ولا مناص لنا إلا الدولة، والدولة هي الضامن الوحيد بكل مؤسساتها، بكل فروعها، في كل مناطقنا اللبنانية تستحق التكريم يا دولة الرئيس، فمن خلالك يكرم الجنوب، تكرم المقاومة، ويكرم المجلس النيابي... نعم، يكرم المجلس النيابي. شكرا لك، أيتها السيدة الفاضلة الوفية، الكبيرة الكريمة بأخلاقك ومبادرتك الدائمة لإحياء اسم هذا الرئيس ورفع شأن الارث الذي تركه وهو كبير جدا، وشكرا لك على حسن الاختيار والمبادرة لهذا العام، وتكريم الرئيس نبيه بري".

وألقى الرئيس ميقاتي كلمة جاء فيها: "نلتقي اليوم في هذا الاحتفال الاستثنائي، يجمعنا إليه رجل ومناسبة.
أما المناسبة فجائزة الرئيس الياس الهراوي، التي نشأت على اسمه منذ السنة الأولى لغيابه، حتى تكرس سنويا من لا يزال يجسد مبدأ الرئيس الهراوي في احترام الميثاق، وفي العمل من أجله لتوطيد عناصره، وتأثيره في المجتمع اللبناني مسؤولين ومواطنين.
وأما الرجل المستحق هذه الجائزة ومبادئ صاحبها، هو الذي، منذ سنوات طوال، يعمل على توطيد الميثاق، وعلى التشريع لكل ما يضمن حفظ هذا الميثاق وسلامته وبقاءه.
والقاسم المشترك بين الرجلين الرئيسين، إيمان بلبنان، الوطن النموذج والنهائي، لا يوازيه سوى الايمان بالله تعالى الذي قاد مسيرتهما طوال سنوات صعبة ودقيقة من عمر لبنان، فامتلأت بمحطات مضيئة بشرف العمل، ومضاءة بشرف النتائج. كلاهما، صاحب الجائزة ومستحقها، انطلقا باكرا في العمل الوطني وكانت لهما مواقف مشهودة، في الحياة الوطنية، كما في النيابة والوزارة، فعملا، كل من موقعه، بكد ومثابرة، فبلغ الاول الرئاسة الاولى، واستحق الثاني الرئاسة الثانية".

أضاف: "الحديث عن الرئيس الياس الهراوي في ذكرى غيابه ويوم تسليم جائزته، لن يختصر بأمانة ما حققه هذا الرئيس خلال فترة رئاسته، وقطعا لن يفيه حقه، ولعل كل ما قيل فيه، في حضوره وبعد رحيله قبل ستة اعوام، ما يجعلنا ندرك كم كان صاحب الذكرى وفيا للمبادىء الوطنية التي آمن بها، ومخلصا للثوابت الميثاقية التي كرسها اتفاق الطائف، الذي يبقى بالنسبة لنا ولكثيرين، المعبر الطبيعي الى دولة قوية تسوس ابناءها بعدالة ومساواة، وتقيم التوازن بين مؤسساتها فلا تطغى واحدة على اخرى، بل تتعاون في انسجام وتناغم، وهو ما سعى الرئيس الهراوي بعزم وثبات، الى تحقيقهما طوال سنوات عهده، فحقق انجازات كثيرة، وحالت ظروف خارجة عن ارادته دون تحقيق اخرى، لكنه استطاع ان يرسم مسارا في العمل الوطني اقترن باسمه وبات نموذجا يحتذى".

وتابع ميقاتي: "اما من نحتفل اليوم معه بتسلم جائزة الميثاق فهو عن جدارة رجل دولة وميثاق.
الرئيس نبيه بري رجل دولة، لأنه يعرف أن الدولة استمرار وأن الشخص لا يقيم، فيترك أثره بما يقيم، وهذا هو زمن الدولة الدائم.
وهو رجل دولة لأنه الإطفائي الحاضر دائما للمساهمة في استدراك كل حريق يفاجئ الدولة أو الوطن أو رموزه، فيقدم حلولا ومخارج يستمدها من نضج خبرته في السياسة والسياسيين، وهو الى ذلك جعل المجلس النيابي على عهده، ورشة إصلاحية ترميمية معاصرة تحفظ سنن الكتاب، وتطور فيها حتى تجيء التشريعات عصرية، في حمى دستور وقوانين صلبة صامدة تبقى جيلا بعد جيل.
وهو رجل دولة لأنه رجل كل العهود، فما قامت ولاية رئاسية بعد الطائف إلا وكان دعامتها، وما تشكلت حكومة إلا وله فيها رأي حكيم، وموقف مخلص، من أجل إنجاح عملها، فلا تسقط في الشارع، ولا يدخل إليها الشارع، بل تبقى محصنة بمواقفه، داخل المجلس وخارجه.
وهو أخيرا، رجل الدولة الذي يتربع اليوم على قمة هرم عال من المسؤوليات السياسية، يغنيها بحضوره ومواقفه وآرائه، وحتى حين يصطدم أحيانا بحلفائه أو أخصامه، يبقى صديق الجميع، ومحط احترام الجميع، ومقصد الجميع، عند كل منعطف خطير، وكل أزمة يخاف البعض ألا يكون لها حل، فتجد الحل عنده، بما يوافق الجميع ويخدم الوطن".

وقال: "مرحى لنا بصاحب الجائزة يحضر بيننا بمبدأ الجائزة ميثاقيا.
ومرحى بمستلم الجائزة نرفع له تحيتنا إعجابا ميثاقيا.
هكذا نغنم جميعنا من رجل دولة أصبح - في وجه من وجوهها - عنوانا بارزا في أعلى عناوين الدولة، هذه الدولة التي نؤمن انها تكبر عندما يقتنع ابناؤها بها وبقدرتها على أن تكون دولة عادلة تساوي بينهم، وبأن اي رهان على الخارج لن يكون لمصلحة دولتهم القوية، القادرة على ان تحمي نفسها بنفسها من خلال عقيدة وطنية راسخة واستراتيجية دفاعية واقعية، وحياة سياسية فاعلة ومتفاعلة في ظل نظام ديموقراطي برلماني، ونظام اقتصادي حر يحمي المبادرة الفردية ولا يسمح في الوقت نفسه بالجشع والاحتكار.
انها دولة يتقدم الانتماء الوطني لأبنائها على ما عداه من انتماءات، فيفرضون احترام خصوصية بلدهم وكرامته واستقلاله ومؤسساته الدستورية، ويرفضون وصايات تحد من حريتهم او تحاول مصادرة قرارهم.
تحية وفاء الى الرئيس الياس الهراوي في ذكرى غيابه، تهنئة من القلب الى الرئيس نبيه بري الذي نكرم انفسنا بتكريمه.
والختام المسك وجود رجل الميثاق والشجاعة والحكمة والمحبة، وكأنني ذكرت عماد الوطن ولم اسمه.
عرفتموه، إنه فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي يحيا الميثاق والوطن به".

وألقت السيدة منى الهراوي كلمة قالت فيها: "في مثل هذا اليوم، العاشر من تموز، منذ 6 سنوات، استردت زحلة جثمان الياس الهراوي، استردت الجسد، أما الروح، فهي، قبل وبعد، لم تفارق زحلة، كما لم تفارق لبنان ولن. هي اليوم، من عليائها، تقول لكم: شكرا. الياس الهراوي... إن حكى، ماذا تراه يقول؟ لنستمع اليه. شكرا فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان، حضورك اليوم، هذا الاحتفال، ليس رمز وفاء ومحبة لمن يكرم ولمن يكرم، بقدر ما هو، رسالة وطنية تؤكد وحدة لبنان ووحدة القيادة، رغم الاعاصير والضباب والدخان. ليست الفخامة هي المجد، ولا كل الالقاب، بل المجد في كل ما نعطي للبنان، وليس قليلا ما اعطيت يا فخامة الرئيس، وما تعطي. فلكم وللسيدة عقيلتكم وفاء، كل الشكر والتقدير، ومن اجل لبنان تهون كل التضحيات. شكرا دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري، رفيق دربي لست سنوات في رئاسة الجمهورية، تميزت بكونهاالمرحلة الاصعب والادق التي استطعنا خلالها مع قيادات مخلصة ومسؤولين امناء، ان نعيد بناء السلطة، وان نسترجع الدولة من الدويلات، وان نعود بالوطن الى الاستقرار الامني والاقتصادي والاجتماعي. اختلفنا حينا، اتفقنا احيانا، ولكننا ما تخلفنا عن واجب، وما تخلينا يوما عن ايماننا بلبنان، ولا حولنا التباين في الرأي شتيمة أو تخوينا أو حلبة مصارعة. لهذا، احببتك والسيدة رندة، ولا ازال اصلي من اجلك. شكرا دولة الرئيس الاستاذ نجيب ميقاتي: كلامك، الليلة، تعبير عن وجع وصلابة، وانا اعرف مدى المعاناة، ولكن: على قدر اهل العزم، تأتي العزائم، وانت سيد العزم والسعادة معا. وشكرا لكم جميعا، خطباء واصدقاء، ومقامات وطنية ودينية وعسكرية وتربوية واقتصادية واجتماعية. تحية لكم، ووصية اودعتكم اياها من على هذا المنبر، يوم افتتاحه، بعد ترميمه، في 3 آذار 1998. وكلكم تتذكرون، أن اسرائيل في اجتياحها بيروت عام 1982 تقصدت ضرب هذا المعلم الحضاري الانساني الهام. يومها، خاطبتكم قائلا: لبنان منارة الحضارة والسلام، هذا القصر يشكل احدى مرايا تاريخنا الثقافي الحديث، فالعصر يحتاج الى صحوة كبرى. اين نحن اليوم، من هذه الصحوة. اين نحن اليوم، من الحضارة والسلام والثقافة معا".

أضافت: "الياس الهراوي... إن حكى، كانت هذه كلماته. أما أنا، فالى جانب الشكر، أؤكد لكم على ثلاثة:
اولا: معكم، اتذكر، الليلة، رجلا كان في طليعة اعضاء اللجنة التي ساهمت في احياء ذكرى الرئيس الهراوي، والذي هو بدوره، استحق هذه الجائزة سنة 2009، عنيت: فقيدنا وعميد الكلمة والحرية: غسان تويني. من اجل روحه ونهاره وموافقه، نصفق اليوم.
ثانيا: ان الاستمرار في منح هذه الجائزة الى كبارنا في لبنان، لهو دليل لا على عظمة من يستحقها فحسب، بل هو تعبير عن ان الذين يعملون في سبيل لبنان ووحدته وسيادته، لا يرمون بالورد والارز فحسب، بل بعرفان الجميل وكتابة الاسم في ذاكرة لبنان وتاريخه العظيم.
ثالثا: ان اختيار دولة الرئيس نبيه بري، ليكون هو المحتفى به سنة 2012، انما هو اختيار ربما اصطفاه الرئيس الهراوي بالذات، لما كان يجمعه بالرئيس بري من ميثاقية وطنية وديموقراطية صادقة واصرار على تعزيز المؤسسات، وعلى التمسك بالارض والاعتزاز بمحبة الناس، الى جانب الصداقة المبنية على الصراحة والاسلوب المحبب، الجامع الى الابتسامة والظرف، روح الفطنة والحنكة".

وتابعت: "دولة الرئيس بري، في أول زيارة للرئيس الهراوي للمجلس النيابي، بعد انتخابكم رئيسا للمجلس سنة 1992، قال: اسجل لدولة الرئيس بري تفانيه من اجل تعزيز مهمة البناء والتحرير والسلام وترسيخ قواعد عمل برلماني فاعل ومتطور، يقوم على مشاركة الجميع في صناعة التشريع. اليوم، اتينا لنؤكد ما قاله الرئيس الهراوي، لانكم تستحقون، وبجدارة وبعد 20 سنة من تسلمكم مهام رئاسة المجلس النيابي ان تكون رائدا في متابعة الطريق وتصويب مسيرة الطائف، سلوكا وتعديلا واستكمالا، بهدف انقاذ هذا الوطن مما يتهدده، في مرحلة صعبة ما عدنا نميز بين ربيعها والخريف".

وختمت: "اسمحوا لي أن أتوجه بكلمة أخيرة، ومن القلب الى القلب، الى الياس: يا رفيق العمر، انت لا تزال ملء العين والقلب والضمير. ست سنوات غياب؟ ما هم. فها انت ترافقنا في كل الظروف والمواقف. العائلة والاصدقاء، وانا، نستلهم منك الآراء ونستعيد معك الذكريات. ثق ان ليس الوفاء وحده ما يشدني اليك، بل الشوق والمحبة، ويا رب امنحنا النعمة والبركة كي نبقى نعمل لتحقيق الاحلام والاهداف التي سعيت اليها في حياتك، ليبقى لبنان، وطن حرية وسلام".
بري
وفي الختام القى المحتفى به الرئيس بري الكلمة التالية:

"فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان،
السيدة الأولى السيدة وفاء سليمان،
السيدة منى الهراوي،
السيدات والسادة لجنة احياء ذكرى الرئيس الياس الهراوي،
الحضور الكريم، مساء الخير،

يوم ودعتنا ايها الرئيس الصديق الى الغياب وقد انهكك المرض الذي قاومته بكل الحب للوطن والناس، لم تنطفىء في نفسي ضحكتك ، وبقيت اراك تلاطف حزن الجميع ، واراني اخفي عيني عنك واحاول ان انجو الى اوراق ذكرياتنا المشتركة ، ولكن اذ ذاك يباغتني نزيف في الشمال او الجنوب وقلق في بيروت او البقاع وشكوك و حزن في صيدا ، واشتعال دواليب اعمارنا على مسار هذا الطريق او ذاك ، فأترك حبري خلفي واخلع عني ثوب الكتابة واقوم الى امانتك : لبنان ، احاول ما امكنني ان انجو به من ان يرميه ابناؤه او اشقاؤه في الجب ثانية .

ثم ها اني هذا المساء وبدعوة كريمة من لجنة احياء ذكراك اسعى الى يومك وانا احاول القول فأدخل الى لبنان من بابك .

للبنان اذن ، بيت الارز وحديقة اشجار الحرية و البرية.

للبنان وطن الضوء رغم تقنين ضوء الشمس والكهرباء ووطن الماء في ارضه العطشى .

للبنان وطن الاشياء البسيطة ، وطن السهل الممتنع في البقاع ، وطن الشمال العصي على الفتنة ، وطن الجبل الذي يرتفع بثقة فوق مد البر ، ووطن جنوب نغم الدمع المتصاعد على الكارثة المشدود بعزيمة البطولة ، ووطن بيروت السيدة الجليلة المقيمة لؤلؤة على تاج الشاطىء وعاصمة ابدية للغة العربية المذهبة .

ولرئيس من لبنان ،من تراب زحله وماء البردوني ، وهبط علينا حاملا" معه احاسيس الناس العاديين العمال والمزارعين و المياومين نعم المياومين والفلاحين ، الذين يحملون الشمس على عرباتهم ويفتحون باب الصباح ، احاسيس اولئك الذين يصنعون حياتنا اليومية بقوة عملهم وانتاج عرق جبينهم .
لرئيس من لبنان كان في داخله ثائرا " ومتمردا" و شجاعا لا أشجع من رئيس رأيته حتى الفوضى التي تستقيم على طريق الدولة .

لرئيس من لبنان ترك كما الشجر صورته متوهجة في قلوبنا وعلى اوراق الصلصال في السهل الذي احب.

الياس الهراوي الذي كان يرى النهار في الضوء وليس مؤامرة دبرت في ليل ، والذي كان ينظر بأسى الى اولئك الذين ينظرون ولا يرون وينصتون ولا يسمعون .

للرئيس الحبيب اللطيف الذي كان يؤمن ان السلام ينبجس من كل مكان ، من فزع المدن من حكام الخوف ، ومن فزع القرى المعلقة على الحدود من العدوان ، ومن فزع الناس مما تخبئه الايام .

وللرئيس الصديق الذي ظل يحاول ان لا تنطفىء شمس النهارات لتنير الطريق للايدي الممدودة للتلاقي ، وكي يرى بأم العين شجرة السلام تصعد في السهل كنوز جذورها في الارض وفروعها في السماء ، والعصافير تعرج منها الى فضاء لا ينتهي ، وتسافر الى جهات الوطن تحمل بذور المحبة الطيبة الى ارضنا الطيبة .

للرئيس الكبير الذي لم يكن متسامحا" في قضايا الحياة والمصير ، والذي تصدى للمسؤولية الوطنية يوم كان لبنان يحاول سلامه بعد حروب صغيرة على حدود بيت بيوته ، وحروب كبيرة على حدود لم تزل لا تنتهي مع عدو طامع في ارضنا ومواردنا الطبيعية .

للرئيس الياس الهراوي الذي كان يعرف ان السلاح للدفاع عن الوطن وليس لحراسة المواويل والخرافات وللسيطرة ، وان سلاح الانظمة بعيدا عن حدود السيادة سيصدأ تحت مطر الحرية .

للبنان ولذكرى فخامة الرئيس الياس الهراوي ولكم الف تحية و تحية وبعد ،

يستحضرني الرئيس الهراوي اليوم وكل يوم وكذلك " كلما دق الكوز بالجرة " وهو لا يتوقف عن هذا الفعل ، فأعود اليه ابحث عن الاجوبة او عن طريقة لتدوير الزوايا ، وهو كان الخبير في الحياة السياسية اللبنانية وتناقضاتها ، والذي سعى طوال عهده الى اعادة الجميع الى الواقعية انطلاقا من احترام صيغة العيش المشترك وتقديم الجميع تنازلات لمصلحة الدولة وارتكازا على اتفاق الوفاق الوطني ، وعلى ان يكون الدستور هو الحكم وان يكون القانون هوالحاكم .
يستحضرني لأكون منتبها الى اولئك الذين يتصرفون وليكن من بعدهم الطوفان ، والذين يضعون الوطن امام خيار اما ان يكون في قبضتهم وإما ان يقع فينكسر كآنية الزهر .
اتذكره وانا لا انساه وهو يتابع بدقة ترجمة اتفاق الطائف الى نصوص دستورية ، ويتابع عملية توحيد الجيش ، واستعادة مرافق الدولة ، وارى ضحكة عيونه المعبرة عن فرح غامر وقد استعاد لبنان حياته البرلمانية واجريت اول انتخابات نيابية عام 1992 بعد عشرين عاما من اقصاء صوت المواطن عن المشاركة في كل ما ينتج حياة المجتمع والدولة .
لقد ربح الياس الهراوي رهاناته بالوقت والصبر ، واسس لنهاية الحرب الاهلية وقيامة لبنان الوطن العصي على الفتنة اليوم ، والعصي على كل محاولة لاعادة انتاج الحروب .
ها اني اسمعه في هذه اللحظة السياسية وفي كل لحظة يتهدد فيها الوطن ،اسمعه وليسمعه معي لبنان وهو يقول : " يا جيش لبنان انت القدوة ،الخلقية ،المناقبية والانضباطية والتضحية من اجل الوطن والمواطن ، واسمعه يؤكد فهل تسمعون معي : " نريد جيش الدولة لا جيش الاشخاص او الطوائف ، جيشا" يصون الدستور ويذود عن الديموقراطية فيحمي المعارضين في حدود حمايته للدولة والمواطن والوطن وسلامة لبنان " .
هل سمعتم؟

هل انتبهتم والاوطان من حولنا وفي عمق اعماقنا من المحيط الى الخليج تتخبط وتهيم وتكاد تضيع وتكاد تتفتت وتتكسر؟

هل انتبهتم الا اننا لا يمكننا ضمان رسوخ الوحدة واستمرار حفظ السلم الاهلي بالقبول بتجزئة الامن او الامن بالتراضي، بل بقيام الجيش بواجباته لصون حدود السيادة وحدود المجتمع .

اتذكره وكيف انساه وهو يقف في الطليعة لمقاومة لبنان الرسمية والشعبية على خط النار بمواجهة عناقيد الجريمة والاجتياح الاسرائيلي للبنان بكرة النار الجوية والبرية والبحرية في اعوام 1993 و 1996

اتذكره ولن انساه يوم وقف على منبر قانا لرعاية الجلسة الختامية للاتحاد البرلماني العربي ، التي انعقدت تضامنا" مع لبنان وشهداء قانا عندما قال: "لا نريد لقانا ان تتحول الى حائط مبكى، لأن لبنان اكبر من ان يتحول الى ضحية مهما توهموا انه ارض سائبة او فرق حساب.

واذكره على منبر الشهادة والعرس وهو يقول حرفيا أيضا:
"اذا كانت قوة اسرائيل في سطوتها العسكرية فإن قوتنا هي في وحدتنا، بتمسكنا بالحق، بتعلقنا بالشرعية الدولية، بإيماننا بالشرق العربي، بتجذرنا في ارضنا التي صمدنا عليها في وجه اسرائيل".

وأرى بعيني الرئيس الهراوي صورة المشهد العربي نفسه منذ يوم 17 ايار 1996 غداة مجزرة قانا الى اليوم عندما حدثنا رؤياه الى البعيد قائلا" أيضا وأيضا حرفيا:
" ان اسرائيل تنتهك سيادة لبنان بينما متاعب الداخل تنهك بعض الدول الشقيقة" ، مضيفا" ان التحديات التي تواجه العرب لا تعالج بإجراءات السياسة وحدها ولا بد من صحوة عربية متجددة".

لقد رأى فخامته ان اول هذه الصحوة تكون بتحرير الارض وان تعزيز الديموقراطية والحرية هو المقدمة للتنوير ولبناء المؤسسات ولتطوير المجتمعات وتحقيق النهوض لا سيما في الشرق الاوسط مشدودة الى ترتيبات اقتصادية وامنية ومائية ونفطية وسياسية وتنافسية قد تخلق انقلابات جذرية في اوضاعه.

هل ترون ما اصدق تلك الرؤية التي تضمنها كتاب قانا قبل ستة عشر عاما؟
ان اسرائيل اليوم لا تزال تنتهك سيادة لبنان برا وبحرا وجوا، تحتل اجزاء عزيزة من ارضنا وتسرق من ثرواتنا الطبيعية الاقتصادية في المتوسط وتخرق مجالنا الجوي.
وها هي تشن الغارات وتعتدي على حق الفلسطينيين في الحياة بعد ان اعتدت على حقوقهم في ارضهم وشردتهم.

كل ذلك فيما متاعب الداخل تنهك الدول الشقيقة.
وها نحن وقد عجز النظام العربي عن معالجة المشكلات والتحديات ، يقف مأخوذا" امام صحوة عربية متجددة .

ها هي مصر العزيزة تدخل عهدا من الديموقراطية ، فإذا ما استطاعت صنع سلامها واستقرارها وبناءهما نكون جميعا" امام سبع سنوات سمان بعد السنوات العجاف.

اما نحن فأشهد، ايها الرئيس الراحل، اننا ما زلنا، مع الأسف، لم نتعلم من الدروس والعبر.
ما زلنا نذهب الى الوفاق والحوارالذي يرعاه فخامة الرئيس ميشال سليمان "رجلا الى الامام ورجلا" الى الوراء.

ما زلنا نحمل على اكتافنا احمال هواجسنا ومخاوفنا ولا نبادر الى بناء ثقتنا بأنفسنا وببعضنا.

ها نحن لازلنا نقف امام متاريس عصبيتنا وطائفيتنا و مجدداً مذهبيتنا .

ها نحن لا زلنا على جهاتنا وفئاتنا

ها نحن لازلنا على " حطت ايدك " لا نبادر الى قيامتنا .

ها نحن حمى الله لبنان منا ما زال فينا بعض الامل ونحن نتمسك بإيماننا بأن لبنان سينتصر على انانيتنا، وبأن تاريخ لبنان وتراثه الانساني والحضاري الكبيرين كبر مستقبله نفسه، سيأخذان بيدنا نحو سلام انفسنا وسلام وطننا الذي لا بد ان يكون انموذج العيش المشترك في هذه القرية الكونية.

فخامة الرئيس،
الحضور الكريم،

تحت قبة البرلمان وهو البرلماني العريق والسياسي المخضرم، منح الرئيس الراحل الياس الهراوي البرلمان اللبناني وسام الاستحقاق اللبناني برتبة وشاح الاكبر الى مجلس النواب في اطار تشجيعه تعزيز النظام البرلماني الديموقراطي .

وتحت قبة البرلمان، وقف الرئيس الراحل في ذكرى 14 اذار 1995 الذكرى السوداء للاجتياح الاسرائيلي عام 1978 بعنوان "عملية الليطاني"، والتي استنهضنا خلالها ذاكرة لبنان والعالم عبر ديبلوماسية برلمانية للفت الانتباه الى تنفيذ القرار 425، والا فإن المقاومة كفيلة تنفيذه. في تلك المناسبة، وقف فخامته ليؤكد في مطلع كلمته رفض لبنان التنازل عن ذرة واحدة من ترابه وسيادته، وليؤكد بإسم لبنان ان بلدنا لم يعد يقبل ان يدفع من رصيده في رد افتراءات اسرائيل ومناوراتها، وان لبنان لم يعد فرق حساب في لعبة الصراع والسلاح في المنطقة ، لم يعد ساحة لتصفية حسابات احد.

قال الرئيس الهراوي: "السيادة لا تتجزأ ولا تقتطع".

الآن، ايها الحضور الكريم، اقول على منبر الرئيس الهراوي ان الاستراتيجية الدفاعية يجب ان تبنى استنادا الى هذا المبدأ الذي يمنعنا من التفريط بحدود سيادتنا البرية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، ومياه انهارنا وفي حدود سيادتنا البحرية على منطقتنا الاقتصادية وثرواتنا الطبيعية وعلى سيادتنا على مجالنا الجوي.

إننا في بناء استراتيجيتنا الدفاعية ومن اجل انعاش الذاكرة الوطنية نؤكد ثوابت الرئيس الراحل الياس الهراوي:

اولا: لا تنازل عن حبة تراب واحدة من ارضنا في الجنوب والبقاع الغربي واضيف لا تنازل عن ترسيم حدودنا وثرواتنا البحرية والنفطية.

ثانيا: لا تسليم بإستمرار اهلنا وارضنا والكرامة فريسة للاستباحة والتسيب والقهر.

ثالثا: من لا يريد المقاومة عليه ان يضع حدا للاحتلال، ونحن مع الأسف لا يمكننا قبول النصائح بوقف المقاومة وهم يغضون النظر عن قيام رئيس وزراء اسرائيل وحوله كل أسبوع معظم وزرائه بتفقد قوات جيشهم لدعم الاحتلال لارضنا ومناورات يبنون عليها ما يشبه الجنوب. هم يقولون لنا الحرب من اجل وطنكم لم تنته بعد.

فخامة الرئيس ميشال سليمان
السيدة منى الهراوي
لجنة احياء هذه الذكرى
الحضور الكريم
طيلة عهد الرئيس الهراوي كنت فخورا" وسأبقى بأني احد ثلاثي الهرم الذي ضمني الى الرئيس الياس الهراوي والرئيس الشهيد رفيق الحريري، واننا سويا" عبرنا بلبنان من ساحة الحرب الى ساحة السلام والاعمار .

سأبقى فخورا" بأني احد ثلاثي الهرم وليس "الترويكا"، لأننا سويا" سرعان ما غادرنا هذا العنوان بحيث اردنا ان نكون رؤساء لمؤسسات الوطن المفصولة السطات المتكاملة والمتعاونة في المهمات .

اليوم، سيدتي، أقبل التكريم معتبرا انه للرئيس الراحل وليس لي فقط تحية لدوره الوطني الميثاقي وتحية لاخلاصه للبنان.
عشتم، عاشت ذكرى الراحل الكبير، عاش لبنان".