كلمة
الرئيس نبيه بري
في زيارته
على رأس وفد نيابي
من هيئة مكتب المجلس
ورؤساء اللجان والمقررين إلى مجلس الشعب السوري
لسورية،
حارسة الشرق، ونجمة المساء.
لسورية أيقونة البعث، ونهارات الأزمنة المكابرة،
وحدائق الياسمين والأحلام.
لسورية التي تفتح قلبها للضيف، والتي ترد كيد
أعدائها بالسيف، والتي لا تخاف من العويل ولا تتعب من الممانعة
والصهيل.
لسورية، الوطن الذي يتّسع للحياة الكثيرة،
المزدهرة بالتاريخ والبطولات، المنفردة بإنتمائها للضوء في عالم محكوم بالعتمة.
لسورية المولودة في برج الأسد، المتواضعة المتعالية
بكبرياء التشرينين.
ولدمشق، ذات الزنار الأخضر والسبعة أنهار، حديقة
الكون المضاءة بشمس العمر، المسورة من صيب العيون بقاسيون وميسلون.
لدمشق التي لا تنعس فيها الشمس، ولا ينام فيها
الليل وهي تحرس أحلام الأمة، وحتى لا يمضي بنا الحذلان الى الإذعان.
لدمشق التي لا تشبهها المدن، جميلة التاريخ
المرسومة بريشة الألق، والمخطوطة بماء الذهب، والملوّنة بالورود والأزهار.
لدمشق المكلّلة بتاج السماء، المدينة المناسبة في
المكان المناسب ودائماً في الزمن المناسب.
للمرجه، لساحة البطولة والفرح الرصين، وللغوطة
بساتين الصوت.
لليرموك، ذاكرة الماء التي لا تنسى لغة البطولة
التي كتبها الفرسان، الصوت على بريد النخل.
لبردى الذي لازال على عاداته يتركنا نغسل فيه ورود
أرواحنا، ثم يمضي ليزف العشاق في حارات الشام العتيقة الى بعضهم.
للجولان مدى الألوان وحواكير الإنتفاضات وحقول
الحرب وبوابة السلام.
للجولان لمساءات يديه الخضراوين الممدودتين نحو
الجنوب في معانقة أبدية..
لسلطان باشا الأطرش وأدهم خنجر
لأسراب الصقور الشرقية في البقاع عندما ردت أجنحتها
وفتحت الباب لصباحاتنا.
لسعيد العاص ورفاقه ولنظرائهم ثوار مرجحين والهرمل
وبعلبك وبريتال.
ليد الأسد البيضاء التي امتدت الى لبنان في حلكة
السواد.
وللأسد الذي يقود مسيرتنا الى فجر لا ينطفىء.
لسوريه ولمجلس الشعب في سوريه ألف تحية وبعد.
بداية أتقدم بالشكر الجزيل لدولة الأخ الدكتور
محمود الأبرش، رئيس مجلس الشعب في الجمهورية العربية السورية وللمجلس، على دعوتي
وزملائي لهذه الزيارة، التي تشكل فرصة هامة لتأكيد ان العلاقة المميزة بين بلدينا
الشقيقين تترسخ بكل أبعادها وتعبيراتها في الماضي والحاضر والمستقبل.
قد يكون من ان تتأخر المبادرة الى هذا اللقاء
الأخوي في مجلس الشعب كل تلك السنوات، رغم عمق العلاقات التاريخية والكفاحية
المشتركة في ما بيننا، ورغم ان المجلسين قام كل منهمـا على حده بإقـرار معاهدة
الأخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين إضافة الى الاجازة للحكومتين في البلدين
توقيع ثمانية عشر إتفاقية في مجالات الاقتصاد، والصحة والزراعة، والثقافة والعمل
والتربية، والشباب والقضاء، والدفاع والأمن وغيرها...
لذلك يسرني باسمي وبإسم دولة الأخ الدكتور محمود
الأبرش ان أزف الى الزملاء النواب في البلدين والى الشعب الواحد في البلدين، اننا
وقعنا قبل قليل اتفاقية تفاهم وتعاون ستسهم دون أدنى شك في تعزيز الادارة
البرلمانية في البلدين، وفي بناء علاقة التكنولوجيا بالتشريع وتوسيع قاعدة
المعلومات امام النواب واللجان النيابية، وفي تطوير آليات صنع القوانين، وفي بناء
الهيكليات الادارية التي تمكن المجلسين من اداء مهمتهما بمرونة وشفافية عالية، هذا
من جهة ومن جهـة ثانيـة
تمكّن المجلسان من رفع درجة العلاقة بينهما من التشاور والتنسيق الى التعاون الكامل
في المحافل البرلمانية من اجل ان تأخذ اوراق العمل العربية والموقف العربي حول
مختلف العناوين مكانها المناسب، ومن ضمنها البرلمان العربي الموحّد والسوق العربية
المشتركة.
اسمحوا لي كذلك بمناسبة هذا اللقاء ان اتوجه كذلك
بالشكر الجزيل لزميلي في تأسيس هذه المبادرة دولة الأخ المهندس ناجي العطري، الذي
انتقل من صفوف السلطة التشريعية الى صفوف السلطة التنفيذية، وهي مناسبة تستدعي
التأكيد ان مسألة السلطات في اطار الدولة الواحدة تعني الفصل في المهمات والتكامل
في الاداء، من اجل زيادة الثقة بضرورة الدولة وبأدوار الدولة.
ومن اجل ذلك ، لا بد من توجيه أنظار السلطات
التنفيذية في كل مكان الى وقف محاولات انتزاع سلطات استثنائية من حساب المجالس
النيابية، او محاولة تهميش المجالس لأن كلا المحاولتين تعنيان إنتحار الديموقراطية
بكل معانيها.
دولة الرئيس،
الزملاء الكرام،
اننا في لبنان نعلم انه لا توجد اسرة سورية لم يقم
أحد ابنائها بتأدية خدمته في اطار القوات العربية السورية في لبنان، وهو حمل دمه
على كفه أثناء الحرب ـ الفتنة التي عصفت ببلدنا وكذلك خلال مراحل الاجتياحات
والاعتداءات الاسرائيلية المستمرة على بلدنا.
لقد تحملت سوريا بكل صبر وسعة صدر وحكمة من اجل
لبنان، ومن اجل بناء أنموذج مشترك للعلاقات العربية العربية، لذلك نقول ان كل
لبناني مخلص لا يمكنه الاّ ان يكون وفياً لتضحيات سورية من اجل لبنان.
لذلك فإننا نرفض أي تدخل أجنبي في شكل ومضمون هذه
العلاقة، كما نرفض أية نقاشات تدور من جانب واحد تتعلق بوجود القوات العربية
السورية في لبنان، أي بما يختص بعملية ترسيخ السلم الأهلي، فوجود هذه القوات مرتبط
بالحرب والسلام مع اسرائيل.
ونقول بشكل جازم، انه طالما استمر الاحتلال
الاسرائيلي لأجزاء من الأراضي اللبنانية وفي طليعتها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وطالما ان الأدبيات والمواقف الاسرائيلية تتضمن
الإعلان عن الأطماع الاسرائيلية في لبنان أرضاً ومياهاً وتاريخاً.
وطالما ان اسرائيل تشكّل تهديداً للأمن والسلام
الإقليميين، فإن لبنان حر في إعتماد الخيارات المناسبة لضمان سيادته ولضمان تحقيق
عنصر التوازن بمواجهة عدوانية اسرائيل وأطماعها.
دولة الرئيس،
الزملاء الأعزاء،
تشهد منطقتنا المزيد من التوترات الخطرة على خلفية
إرتفاع وتيرة الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني الشقيق حدّة وضراوة، وكذلك على
خلفية محاولة اسرائيل نقل التوتر وإشاعة أجواء الحرب عبر الحدود بإتجاه لبنان
وسورية.
ان اسرائيل تحاول استغلال الوقائع الدولية المضطربة
الناجمة عن اختلال التوازن العالمي، والمناخات القلقة المترتبة على الوقائع
العراقية، ونفوذ امراء الظلام في الادارة الاميركية، لجعل سوريه هدفاً بعد العراق
لأنها تمثل التهديد الجديد القديم لكوابيس السيطرة والتوسع الاسرائيلية.
من جهتنا في لبنان كما في سورية نقول، اننا لسنا
خائفين ولم نفاجأ بقيام الولايات المتحدة الاميركية بمنح صك براءة للعدوان
الاسرائيلي على سوريا وقبل ذلك على لبنان.
ونقول ان العالم كله يعرف ان الحرب والمقاومة هما
صناعة بر الشام عندما يتطلب الأمر الدفاع عن أوطاننا وعن معتقداتنا، ولكننا نحاول
ما بوسعنا تجنيب بلداننا وشعوبنا والمنطقة الكوارث.
اننا نعتقد ان الفرصة لا تزال سانحة لإدراك عجز
القوة الاسرائيلية عن إدراك أي من أهدافها.
اننا ازاء ما تقدم نردد ما قاله سيادة الرئيس
الدكتور بشار الأسد أمام القمة العاشرة لمنظمة المؤتمر الاسلامـي من " ان التجارب
أثبتت لاسيما الحديثـة منها ان القوة العسكرية لا يمكن ان تشكل بديلاً عن السياسة،
والأهم من ذلك انها لا يمكن ان تحل محل العقل، بل هي بحاجة الى المزيد منه لعل
الاسرائيليين يستوعبون ذلك، لأنهم لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم ولن يتمكنوا من زرع
الخوف في نفوسنا ".
وفي كل الحالات فإن من حقنا ان نسأل لماذا التهويل
علينا بالحرب ونحن العرب ننادي بالسلام العادل والشامل في منطقتنا، ونعمل من اجل
تحقيقه وفقاً لما تقتضيه مقررات الشرعية الدولية.
اننا لا زلنا نرى ان هناك فرصة امام الادارة
الاميركية لإلتقاط أنفاسها وعدم المضي قدماً في ادارة حروب اسرائيل بالوكالة،
وتصحيح صورتها في العالم كدولة عظمى، عبر سياسة خارجية تقدمية تصاغ دون تحيّز وتؤكد
على الفاعلية في تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، وتضع حقوق الانسان في العالم فوق
كل اعتبار، ولا تضع الاسرائيلي سواء كان فرداً او حكومة فوق الشبهات خصوصاً في مجال
انتهاك حقوق الانسان الفلسطيني، وإلغاء الاستثناء الذي تمثله اسرائيل في عدم
تطبيقها لثماني مئة وسبعة قرارات دولية مختلفة تناولت القضية الفلسطينية وأزمة
الشرق الأوسط.
دولة الرئيس،
الزملاء الكرام،
ان شعارات صراع الحضارات والحرب على الإرهاب، ونزع أسلحة الدمار الشامل وترويج
الديموقراطية، ليست سوى ذرائع لحرب السيطرة ولتبرير الاحتلال والانتداب العسكري،
والهيمنة على المنطقة إضافة الى تأمين البيئة الاستراتيجية لإسرائيل.
اننا بالنسبة الى شعارات حرب السيطرة هذه نقول :
أولاً :
ان هناك في الواقع صراع حضارات، وهناك حوار حضارات، وهذه مسألة فكرية لا بد من
التنبه لها ونشر وعي حولها.
ان هناك صراعاً بين الحضارة التكنو ـ الكترونية المبنية على الاحتكار المركزي للقوة
وتوجيهها للهيمنة والسيطرة، وبين الحضارات التي أنتجتها الديانات السماوية المبنية
على المحبة والتسامح، وهي حضارات تتحاور في ما بينها وتتصارع مع حضارة التكنوـ
الكترونية لأنها حضارة العالم الآلي الذي يرضي أحلام المحافظين بسيادة اللا حيّ في
وقت تمضي أجهزتها لسحق المجتمعات والأفراد عبر العالم.
ان هذه الحضارة التي تواصل إثارة الحروب تريد إخضاع الانسان وثقافاته تحت ضغط
تكنولوجيا القوة ومتطلباتها.
ان هذه الحضارة تعاني من أزمة بسبب إزدياد اتساع مناطق الفقر والجريمة والمرض عبر
العالم وداخل مجتمعاتها.
ان هذه الحضارة التي أنتجت عصر السرعة، بطيئة في إكتشاف عيوبها، وهي أبطأ في
معالجتها، انها تنتج ترفاً صاخباً مقابل واقع ينضح بالفقر المكتوم.
تلكم حضارة القوة التي تدير صراعاً محموماً، اما حضارة أدياننا فإنها تعبّر عن ان
العالم العضوي وحده يستطيع ان يحترم الحياة وان يفتح الطريق الى التقدم البشري وان
يحيي الآمال.
ثانياً :
ان هناك ولعاً اميركياً بالعبارات البليغة عن حقوق الانسان والقواعد الاخلاقية في
السياسة الخارجية الاميركية، ولكن بالمقابل هناك ولع أميركي في وضع المصالح فوق
المبادىء والحقائق التاريخية.
فقد استخدمت الادارة الاميركية وقبل المسألة العراقية وفي حالة (غرينادا) تشكيلة
متنوعة من مزاعم مراوغة وذات أثر رجعي الى حد كبير في محاولة لتبرير استخدامها
للقوة.
كما ان الادارات الاميركية المتوالية تنكرت على الدوام للأساس الذي قامت عليه
الولايات المتحدة وهو إعلان حقوق لا يمكن انتزاعها. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك عبر
العالم.
ثالثاً :
وحول عنوان : "الحرب الشاملة على الارهاب" لا بد من التذكير ان الادارة الاميركية
أثارت حرب عصابات ساخنة في الثمانينات على ضفاف حربها الباردة ضد الاتحاد السوفياتي
السابق في أفغانسـتان، ودعمت ماديـاً وبالسلاح كل الأفـراد والجماعات التي
شاركت في تلك الحرب، واعتبرت ان اسلام تلك الجماعات والأفراد هو المقدس والحقيقي
طالما ان فريضة الجهاد الغائب تؤدى لمصلحتها، وبعد ان تحول أولئك عن دورهم الاميركي
وجدت الادارة الاميركية ضالتها بمحاولة وصم الاسلام بالإرهاب وبالتالي استهداف
النظامين العربي والاسلامي.
وفي كل الحالات فإن الولايات المتحدة الاميركية تقدم للعالم أسوأ أنموذج دعم لدولة
الارهاب المتمثلة بإسرائيل.
رابعاً :
وفي مسألة أسلحة الدمار الشامل فإن العالم لم يتلق جواباً اميركياً عن عدم وجودها
في العراق، ولكنها موجودة ومعلنه في اسرائيل، فلماذا تعطيل كل المبادرات من اجل جعل
منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.
خامساً :
وفي مسألة تصدير الديموقراطية، وعن دور اليموقراطية ـ أحادية القطب الجديدة او ما
أسميه (نيو ديموقراطية) ـ وفي الوقت الذي نرى الكونغرس الاميركي يمهد الطريق الخطأ
لحصار سوريا واستهدافها، نقول ان الكونغرس انتخب من الشعب الاميركي وهو يشرّع
لأميركا ولا يشرّع لتطبيق قوانين على دول أخرى من العالم ... بدأ الامر في كوبا
وسكت العالم.
على اساس ما تقدم نقول ان الادارات الاميركية المتعاقبة هي التي جعلت السحر الأسود
للإرهاب ينقلب عليها، وهي المسؤولة عن ترويج التوترات عبر العالم وسباق التسلح
وتشجيع التنافس والمبادرات للحصول على أسلحة دمار شامل عبر العالم، كما ان الادارة
الاميركية هي المسؤولة عن الضعف الذي أصاب روح الديموقراطية بسبب تحويل
الديموقراطية الاميركية الى قوة طغيان.
دولة الرئيس،
الزملاء الأعزاء،
من هذا الموقع من مجلس الشعب في سوريا، أوجه التحية بإسم لبنان كل لبنان للشعب
التوأم في سورية الشقيقة والى سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد.
وأقول ما سمي قانون محاسبة سوريا انما هو تقصير في محاسبة الذات الأميركية.
واستعير من عاملي اذ أرادت شجيرة ان تشتم شجرة التفاح ولم تجد فيها عيباً قالت لها
يا حمراء الخدين.
لذا ستبقى منارة لهذه الأمة العربية طالما امتلكت دقة النحل ودأب النمل في تحقيق
الأهداف لمصلحة سورية ولبنان والعرب
عشتــــــــم
عاشت الجمهورية العربية السورية
عاش لبنــــان
|